بسم الله الرحمن الرحيم
أعني بالشعوب: الشعوب العربية والإسلامية .. وبالأنظمة: الأنظمة العربية الحاكمة في بلاد المسلمين .. وبأمريكا: أمريكا ومن دخل في حلفها وفلكها وسياستها من دول الكفر والظلم والاستعمار.
لا خلاف بين جميع المراقبين والعقلاء أن المستعمر المعاصر خرج من بلاد العرب والمسلمين بنفسه بعد أن أبقى فيها من بني جلدتنا من ينوب عنه في حكم البلاد والعباد وفق قوانينه وشرائعه .. وليسهر على حماية مصالحهم ـ نيابة عنهم ـ في البلاد .. هذا أمر لم يعد يخفى على أحد، كما لا يختلف عليه اثنان!
وبالفعل فإن الأنظمة العربية الحاكمة على اختلاف مسمياتها الجمهورية والملكية، وعلى اختلاف مراحلها وتقلباتها قد حفظوا المهمة جيداً، وأدوا الأمانة الاستعمارية الملقاة على عاتقهم، فانصب جل اهتمامهم ـ طيلة فترة حكمهم ـ في أمرين:
أولهما: حماية مصالح أمريكا ودول الغرب في المنطقة .. والتي منها حماية وحراسة دولة الصهاينة اليهود من غضب الشعوب المقهورة والمسلوبة الحقوق .. يقومون بهذا العمل كثمن يدفعونه مقابل السماح لهم في البقاء على سدة الحكم!
وهذا لم يكن مانعاً ـ من قبيل تضليل الشعوب وتنفيس نقمتهم ـ أن تمارس هذه الأنظمة العميلة ـ كلما احتاجت إلى ذلك ـ سياسة الكلاب النابحة ضد الاستعمار .. والصهيونية .. والإمبريالية .. المهم أن لا تتعدى سياسة ومرحلة الجعجعة والنباح!
ثانياً: حماية عروشهم وأنظمتهم وامتيازاتهم .. وثرواتهم .. من غضب الشعوب وانقلابها عليهم .. وهم من أجل ذلك بنوا المؤسسات الأمنية القمعية العديدة .. وأنفقوا عليها ثروات طائلة .. وجهزوها بجميع وسائل القمع والإرهاب .. إمعاناً في إذلال الشعوب وقهرهم .. وهضم حقوقهم!
جل أنشطة هذه الأنظمة ـ لو تأملتها ـ تجدها مقصورة على هذين المجالين لا تكاد تتجاوزهما: السهر على حماية مصالح أمريكا ودول الغرب في المنطقة .. والسهر على حماية عروشهم وأنظمتهم .. وما سوى ذلك فله الموت .. وهو لا يعنيهم في شيء .. ولا ينال منهم أدنى اهتمام ولا اكتراث!
المصلحة العامة .. والمصلحة الوطنية .. والسياسة العامة .. والموازنات الدولية .. والوحدة الوطنية .. وأمن الدولة .. والأمن الوطني .. والظروف الدولية .. هذه المرادفات وغيرها عندما تستخدمها هذه الأنظمة العميلة ـ وما أكثر ما تلوكها ـ فهي تعني بها شيئين: حماية مصالح ومكاسب دول الأسياد .. وحماية مصالح عروشهم وأنظمتهم!
لنلقي نظرة على الحياة الاقتصادية الصناعية لهذه الأنظمة .. رغم مضى عدة عقود على حكمها وتسلطها على الرقاب .. فهم من تخلف إلى تخلف .. ومن فقر إلى فقر .. ومن جهل إلى جهل .. وكأنهم لا يعيشون ضمن حركة هذا العالم!
وفي المجال العسكري .. فهم من ضعف إلى ضعف .. ومن عجز إلى عجز .. ومن هزيمة إلى هزيمة .. سلاحهم المهترئ إلى الساعة يستمدونه من أسيادهم أعداء الأمة .. يفشلون أمام أدنى تهديد خارجي لأمن البلاد والعباد .. قالوها أكثر من مرة .. بيوتنا ـ أنظمتنا ـ عورة وهي من زجاج لا تتحمل أدنى هزة أو ضربة .. وبالتالي لا بد لنا من الاستسلام والرضى بالأمر الواقع الذليل .. وتنفيذ ما يُملى علينا من أمريكا وغيرها من دول الأسياد .. من دون أدنى ترددٍ ولا اعتراض .. ولا ندري ما الذي أجبرهم ـ بعد عدة عقود من الحكم والتسلط على البلاد وثرواتها ـ أن تكون بيوتهم من زجاج وفخار .. ولا تكون من حديد وفولاذ .. سوى العمالة والخيانة لهذه الأمة .. وانتفاء العزيمة والإرادة في الدفاع عنها وعن مقدساتها!
وفي مجال الحياة الاجتماعية .. فإن الشعوب ـ بسبب من هذه الأنظمة العميلة الخائنة الفاسدة ـ تعيش الفقر، والجوع، والمرض .. والذل .. والخوف .. والتخلف .. والفساد .. فهي مهمومة ومشغولة على مدار الوقت بكيفية تأمين لقمة العيش .. وسداد رمق من يُعيلوا من الأطفال .. لا هم لها يعلو هذا الهم إلا من رحم الله .. ولعل هذا كان مقصوداً من قبل طواغيت الحكم والظلم .. ليشغلوا الشعوب ببطونهم عن طغيانهم وعمالتهم .. وفساد أنظمتهم البوليسية .. وعلى مبدأ جوع كلبك يتبعك!
كما أنه مقصود من قبل دول الأسياد الكافرة .. لتبقى الشعوب المسلمة مصطفة في أواخر طوابير التخلف والجهل .. ولتبقى واقفة في خانة المستهلك المستجدي وحسب .. والعاجزة عن مواكبة عجلة التقدم عند الأمم والشعوب الأخرى!
منذ عدة عقودٍ هذا هو واقع الأنظمة الفاسدة العميلة .. وهذا هو واقع الشعوب المقهورة في ظل هذه الأنظمة الإرهابية القمعية!
أمريكا ومعها دول الأسياد لا يعنيها من هذا الواقع شيء إلا الحفاظ على مصالحها وأطماعها في المنطقة .. فهي لا تبالي أن تدعم أشد الأنظمة الحاكمة قمعاً وديكتاتورية، وظلماً لحقوق الشعوب .. كما لا تتردد من وصفها بالرقي والتحضر والديمقراطية .. ما دامت هذه الأنظمة تؤدي دورها الخدماتي في الحفاظ على مصالح ومكاسب دول الأسياد!
متى أمريكا تهدد هذه الأنظمة .. بعصا الديمقراطية .. وبضرورة إنصاف الشعوب المقهورة .. ورفع شعارات التحرر .. عندما تقصر هذه الأنظمة في حماية وحراسة مكاسب وأطماع الأسياد!
الأنظمة الحاكمة يخافون من هذه العصا الأمريكية أشد الخوف؛ لأنهم يعلمون علم اليقين أن شعوبهم تلعنهم وتبغضهم .. وأن الشعوب لا يمكن أن تقف ـ في أي محنة من المحن ـ بجوار الجلاد الظالم حتى لو كان من بني جلدتهم .. لذا تراهم يُسارعون في إرضاء أمريكا ودول الأسياد .. وإظهار المزيد من العمل الخدماتي المجاني لهم .. ولو كان ذلك على حساب الشعوب والأوطان .. عسى أن يرضى عنهم أسيادهم من أعداء الأمة!
الأنظمة الطاغية الحاكمة .. لا يمكنها أن تُسخط شعوبها .. ودول الأسياد معاً .. وأمريكا تعلم ذلك جيداً .. لذا فهي تعمق هذه الفجوة بين هذه الأنظمة الطاغية وبين الشعوب .. لتهدد تارة الأنظمة بالشعوب .. وتارة الشعوب بالأنظمة!
المشكلة في هذه الأنظمة الحاكمة أنها ومنذ بداية عهدها بالحكم آثرت أن تقف مع دول الأسياد ومصالحها .. ضد الشعوب ومصالحها .. وضد الأمة وأمنها .. لذا تجد نفسها ملزمة على الإمعان في العمالة .. والاستمرار فيها!
يكفي لأمريكا .. أن توجه لهذه الأنظمة العميلة رسالة عبر الأثير .. وما إن تصل الرسالة إلى مسامع طواغيت الحكم في بلادنا .. إلا ونجدهم جميعاً يعربون عن تفهمهم للرسالة .. والتزامهم بمضمونها .. ويتسابقون ـ فيما بينهم ـ إلى تنفيذها!
بينما الشعوب تصيح .. وتتظاهر .. وتقف في طوابير الانتظار الزمن الطويل .. وترجو .. وتتملق قليلاً من حقوقها .. ثم هي بعد كل ذلك لا تلقى من هذه الأنظمة إلا الإعراض .. والإدبار .. والاستخفاف .. والقمع .. والقتل!
أدركت الشعوب المقهورة هذه العلاقة المتلازمة والمتبادلة بين دول الأسياد وبين الأنظمة العميلة .. وأدركت كذلك أن دول الأسياد والعبيد كلاهما يشتركان في وزر ما وصلت إليه الشعوب من مستوى لا تُحسد عليه .. وأن ما تعاني منه ناتج عن تآمر الطرفين معاً!
هذا الإدراك للشعوب .. الذي يرافقه بين الفينة والأخرى بعض التململ والتذمر هنا وهناك .. قد أقلق أمريكا وحلفاءها .. وأضر بمصالحها وأطماعها .. مما جعلها ترفع عقيرتها .. وتتخلى عن وقارها .. وعما كانت تتظاهر به من إنسانية .. وديمقراطية .. وعدالة .. لتطالب طواغيت الحكم في بلادنا بأن يُشددوا الخناق على الشعوب .. وأن يسدوا عليهم الثغور .. وأن يُمعنوا في إذلالهم وقهرهم وتعذيبهم .. وأن يُطاردوا الأحرار منهم .. وهذا كله يتم تحت شعار محاربة الإرهاب زعموا!
هذا الطلب الأمريكي .. لامس هوى وطبائع طواغيت الحكم في بلادنا .. فهم الخبراء العلماء والأكفأ في إذلال الشعوب وقهرها .. فقابلوا الطلب الأمريكي بالترحاب والسرور .. وتسارعوا فيما بينهم في ملاحقة الأحرار من شعوبهم .. وقتلهم .. وزجهم في السجون .. تقرباً لأمريكا وحلفائها .. كي تقر عينها!
زوروا سجلهم الحافل بإرهاب الشعوب .. إلى خبرات في مكافحة الإرهاب .. ليقدموها بسخاء إلى أمريكا راعية الإرهاب العالمي!
المهم عند هذه الأنظمة .. أن لا تغضب عليها أمريكا .. ولا غيرها من دول الأسياد ..
ولو أدى ذلك إلى سحق الشعوب وإبادتها!
نقول لهذه الأنظمة الخائنة العميلة التي باعت شعوبها وأمتها بمرضاة أمريكا: رضيتم لأنفسكم أن تكونوا في خانة الملعونين على ألسنة الأجيال ما ذُكرتم .. أنتم سحابة سوداء في سماء بلادنا لا بد لها من أفول وزوال .. مهما طال حكمكم وظلم أنظمتكم .. فإن العاقبة ـ ولو بعد حين ـ للحق .. وللأمة .. وللشعوب المقهورة .. وما ذلك ببعيد إن شاء الله.
) لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
28/6/1424 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
26/8/2003 م. أبو بصير الطرطوسي