recent
آخر المشاركات

مناقشة الأسطر الأولى من مقال " والله لا يغفر الله لفلان " لعبد الرحمن السحيم

الصفحة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم
          السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أود من الشيخ أبي بصير ـ حفظه الله ـ أن يطلع على بحث " والله لا يغفر الله لفلان " للشيخ عبد الرحمن السحيم، والمنشور في منتدى " مشكاة "، والشيخ من الأخيار، وهو ممن لديهم العلم الشرعي، من خيرة طلبة العلم، وممن يحبون أهل الثغور .. نحسبه كذلك والله حسيبه.

          كما وأود من الشيخ أن يكون له مداخلة أو تعليق صغير على المقال .. لنقوم بنشره في موقع " المشكاة " كرد على الشيخ الفاضل السحيم .. وجزاكم الله خيراً؟
          الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
          أخانا الكريم .. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد.
          كنت قد ذكرت لكم أن الأخ ـ في بحثه المعنون بـ " والله لا يغفر الله لفلان " ـ قد خلط حقاً بباطل .. واستدل بحق على باطل .. وأن تمييز الحق من الباطل مما ورد في مقاله الطويل يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، وهذا ما لا أملكه الآن .. لكنك أبيت علي إلا أن أسجل لكم بعض الملاحظات عما ورد في البحث المذكور.
فأقول: نزولاً عند طلبكم ورغبتكم .. وللتمثيل على ما ذكرنا نكتفي بمناقشة الأسطر الأولى من مقاله .. عسى أن يظهر المراد ويكون ذلك سبباً لمراجعة الأخ لما قد كتب .. وهذا هو الظن به إن شاء الله.

 

قال بعد أن ذكر حديث الرجل الذي تألّى على الله بأنه تعالى لا يغفر لفلان:" من يستطيع أن يقول كما قال الرجل .. ومن يستطيع أن يحجر واسعاً أو يحكم على مسلم بالخلود في النار؟

أقول: من يحمل راية التكفير الواسعة يستطيع أن يقول ذلك، بل لا بد أن يقول ذلك!

من يجرؤ على التكفير .. فهو واقع في ذلك لا محالة " ا- هـ.

قلت: قوله " من يجرؤ على التكفير .. فهو واقع في ذلك لا محالة " أي واقع في التألي على الله لا محالة .. قول غير صحيح لا يجوز لآحاد المسلمين أن ينطق به فضلاً عن باحث أو طالب علم متقدم؛ فهل الذي يُكفِّر أهل الشرك والإلحاد الذين حكم الله ورسوله عليهم بالكفر والشرك يكون قد تألى على الله .. أو قال ما قاله ذلك الرجل المتألي على الله عندما قال" والله لا يغفر الله لفلان "؟!

الجواب يعرفه الجميع وهو أن الحكم بالكفر على من حكم الله ورسوله عليه بالكفر شيء، والتألي على الله بأن لا يغفر الله لآحاد من العصاة الموحدين .. شيء آخر!

فإن قال: أنا أقصد من يجرؤ على التكفير؛ أي تكفير المسلم ..!

نقول له: هلاّ أعربت عن قصدك هذا بتعبير واضح صريح .. فعبارتك لا تدل على قصدك هذا .. وهي مشكلة على الإخوان .. فالقارئ يقرأ الحروف التي تسطرها بيدك لا المقاصد المحصورة في قلبك أو صدرك!

فقولك:" من يجرؤ على التكفير " معناه مطلق التكفير .. وعموم التكفير، بما في ذلك تكفير اليهود والنصارى وعبدة الأوثان وغيرهم من المشركين .. لأن دخول لام التعريف هنا تفيد الاستغراق وهي من صيغ العموم التي تعم مطلق التكفير!

ثم قوله " من يحمل راية التكفير الواسعة " مصطلح متشابه غير واضح لم يستخدمه أهل العلم في التعبير عن مثل هذه المسائل الحساسة .. وهو حمال أوجه ومعان .. ومشكل على القراء .. كما أنه لا يدل على المعنى الذي أراده الباحث؛ وهو أن من حمل راية التكفير الواسعة فإنه واقع في التألي على الله ولا بد!!

فليس من جودة البحث أن يُطلق الباحث عبارات متشابهات حمالة أوجه ومعان على معنى يريده بإمكانه أن يدلل عليه بعبارات ومصطلحات واضحة لا تحتمل معانٍ أخرى غير التي يريدها الباحث ..!

فلو قال مثلاً:" الغلو في التكفير " مآله إلى كذا وكذا .. كان أحسن تعبيراً وأدق من قوله " راية التكفير الواسعة "!

فإن علمت ذلك .. بقي أن تعلم معنى التألي المذموم شرعاً لتعرف الفارق بينه وبين التكفير، فأقول: التألي أن تحكم على شيء يحتمل عند الله تعالى العفو أو العقاب بحكم واحد، بينما التكفير أن تحكم بالكفر على من حكم الله ورسوله عليه بالكفر .. ومنه تعلم أن التألي شيء والتكفير شيء آخر .. لا يجوز الخلط بينهما. 

 

 



ثم أجاب معللاً كيف يكون التكفير أو من يتجرأ على التكفير متألياً على الله، فقال:" وكيف ذلك؟ إذا حكم على معينٍ بأنه كافر فقد حكم بأن الله لا يغفر له، وقد قال بلسان حاله ـ إن لم يكن بلسان مقاله ـ: والله لا يغفر الله لفلان! "ا- هـ.

قلت: ليس كل من حكم على معينٍ بالكفر يكون قد تألى على الله .. وحكم على هذا المعين بأن الله لا يغفر له .. فالكافر الذي تحكم عليه بالكفر ـ عملاً بالنصوص الشرعية التي تكفره ـ لا تكون بذلك قد تأليت على الله .. ولا أحد من أهل العلم المعتبرين من السلف أو الخلف يعد ذلك من التألي على الله!

ثم ما صفة هذا المعين؛ هل هو مسلم من أهل القبلة، أم أنه كافر، وهل هذا الكافر من الأحياء أم من الأموات .. فهذا التفصيل مهم عند الحكم على خاتمة شخص معين .. وما له عند الله تعالى من وعيد .. وهذا الذي تجاهله الكاتب .. ووضع القارئ لمقاله في حيرة من أمره بحيث لا يعرف عن أي معين يتحدث الكاتب .. وهذا تلبيس وضعف في البحث!

فإن عُلم ذلك أقول: للحكم على شخص معين بحكم معين لا بد من النظر إلى صفة هذا الشخص لتنزل بحقه الحكم الشرعي الذي يستحقه، وهم نوعان:

أولاً: مسلم عاص مات وهو على معصيته: فهذا لا يُشهد له بجنة ولا نار .. ولا بعفو ولا عقاب .. فأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه .. والذي يحكم على من كان هذا وصفه بجنة أو نار أو بعفو أو عقاب هو الذي يُحمل عليه حكم التألي على الله تعالى بغير علم.

ثانياً: كافر مشرك: وهذا لا بد من تكفيره وحمل حكم الكفر عليه .. إذ لا يجوز التوقف أو حتى الشك في تكفيره .. وتكفيره لا يعني كما لا يلزم منه أن تكون قد حكمت على خاتمته أو أنه من أهل النار .. وبالتالي أن الله تعالى لا يغفر له كما وهم وظن الباحث .. فالحكم على الشخص بالكفر شيء والحكم على خاتمته والوعيد الذي يستحقه بعد موته شيء آخر.

فإن أردت أن تتكلم عن الوعيد الذي يستحقه هذا الكافر بعينه يوم القيامة يجب عليك حينئذٍ أن تعلق الحكم فتقول: هذا الكافر إن مات على كفره فهو من أهل النار، كما قال النبي r لرجل:" أبي وأبيك في النار " ثم قال له:" حيث مررت بقبر كافر فبشره بالنار ".

فإن قلت: لماذا علقت الوعيد والخلود بالنار بالموت والموافاة على الكفر؟

أقول: لاحتمال توبته ودخوله في الإسلام .. ولأن العبرة بالخواتيم كما دلت على ذلك جملة من النصوص الشرعية .. فإن علم أنه مات على الكفر شُهد له بالنار عملاً بحديث النبي r.. وحكمنا بأن الله تعالى لا يغفر له، لقوله تعالى:) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (.

والحكم على من يموت على الكفر بعينه أنه من أهل النار وأن الله لا يغفر له .. ليس من التألي على الله تعالى في شيء وذلك لأن الكافر المشرك ليس له عند الله تعالى إلا حكم واحد وهو الخلود في نار جهنم أبداً .. وهذا بخلاف المسلم العاصي الذي يحتمل حاله عند الله تعالى العفو أو العقاب.           

          نكتفي بهذا القدر من مناقشة كلام الأخ الكريم .. فغرضنا هنا مجرد الإشارة لا التتبع لمجموع كلامه .. عسى أن يتحقق منه المراد المرجو والمذكور أعلاه .. ثم لو أردنا أن نتعقب الأخ في بحثه المذكور كلمة كلمة وعبارة عبارة .. لطال بنا المقام .. ولجاء التعقيب أطول من المادة المعقب عليها .. وهذا مالا نملكه الآن ولا نقدر عليه، وقد تقدم الاعتذار عن ذلك.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

             أخوكم   

          7/6/1424هـ.                             أبو بصير الطرطوسي


         
google-playkhamsatmostaqltradent