بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال: شيخنا الفاضل .. سؤالي حول أسلوب عمرو خالد في نشر الدعوة؛ هل هناك مآخذ على طريقته وأسلوبه .. وبارك الله فيكم .. ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. لا تخفى حسنات الأستاذ " عمرو خالد " في كونه سبباً في هداية وتوبة بعض العُصاة أو المذنبين من خلال ما يبثه من دروس يغلب عليها طابع الرقائق والأدب .. وبأسلوب يغلب عليه الرقة والرفق .. فهذا جانب يُشكر عليه .. وندعو الله تعالى أن يجزيه عن ذلك خيراً.
ولكن هناك جملة من المآخذ نذكرها ليتنبه منها عامة المسلمين .. ثم عسى أن تكون سبباً في تراجع الأستاذ عنها .. والله تعالى من وراء القصد.
1- من يتتبع أنشطة ودروس الأستاذ عمرو يجد أن جهده كله يصب في جانب واحد فقط، وهو :" أن اعبدوا الله " .. بينما دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ودعوة جميع الأنبياء والرسل من قبله قائمة على أصلين وركنين:" أن اعبدوا الله، واجتنبوا الطاغوت "، كما قال تعالى: )وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ(.
فالداعية الذي تقتصر دعوته على جانب " أن اعبدوا الله " فقط، يكون قد أتى بشطر من المتابعة وليس كامل المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم .. ولا يكون قد أتى بكامل المتابعة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا أتى بالركنين معاً ) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ( .. ولا أظن الداعية الجاد في متابعة نهج النبي في الدعوة إلى الله تعالى يرضى لنفسه بأقل من ذلك.
2- حرصه الشديد على عدم الاقتراب ـ أو السماح للمشاركين والمستمعين الاقتراب ـ من ساحة طواغيت الكفر والظلم الجاثمين على صدر الأمة بالحديد والنار .. بشيء من النقد أو الذكر الذي لا يرضيهم .. وهذا لا شك أنه يؤثر على جودة طرحه ودعوته .. وعلى مدى مصداقيته في عملية الإصلاح التي ينشدها من وراء نشاطه المتنوع!
لعل الأستاذ يجيب أو هناك من يجيب عنه فيقول: ليس من الحكمة أن يستعدي هؤلاء الطواغيت الظالمين .. فيمنعونه مما يقوم به من نشاط دعوي!
أقول: هذا كلام خطأ من وجهين:
أولهما: أن نصوص الكتاب والسنة قد دلت أن سنة الطواغيت الظالمين مع الدعاة إلى الحق والتوحيد من لدن فرعون موسى ومن قبله وإلى يوم القيامة قائمة على سياستين لا ثالث لهما: إما القتل والسجن والاستئصال والمطاردة، وإما الدخول في طاعتهم، ودينهم، وسياساتهم، وأهوائهم، إذ لا خيار ثالث لهم مع الدعاة الموحدين، كما قال تعالى عنهم:) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (. وقال تعالى:) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (. وقال تعالى :) وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (. وقال تعالى:) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (. وغيرها كثير من الآيات التي تدل على هذا المعنى.
ثانياً: أن ما من داعية يتبع منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله إلا وله عدو معين من الطواغيت المجرمين يناصبونه الحرب والعداء، كما قال تعالى:) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً (. وقال تعالى:) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (. فكيف يريد الأستاذ عمرو أو غيره أن يسير على منهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله .. ثم لا يكون له عدو ـ بل وأعداء ـ من المجرمين يناصبونه ودعوته العداء؟!
وأقول كذلك: إن من نتائج السكوت على هؤلاء الطواغيت الظالمين المجرمين .. والمنع من التعرض لهم بأي نقد أو سوء .. قد يُفهم عند كثير من العامة ـ ممن هم متأثرون بأسلوب الأستاذ عمرو ـ أنه تزكية لهؤلاء الطواغيت الظالمين، وإقرار لما هم عليه من الكفر والظلم .. وهذا مزلق كبير ينبغي أن يتنبه له الدعاة ويتفطنوا.
3- كذلك فهو يُغيِّب من خطابه الدعوي ـ على كثرة دروسه ومواعظه ـ عقيدة الولاء والبراء في الله؛ فهو إذ يدعو ويُشير مراراً إلى المحبة والتحاب .. فإنه يستثني الحديث ـ ولو بالإشارة ـ ما يجب على المؤمنين من العداوة والبغضاء نحو الكافرين المشركين المحادين لله ولرسوله .. وهذا بخلاف منهج الأنبياء والرسل في الدعوة إلى الله، كما قال تعالى:) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (. هذه هي ملة إبراهيم u ) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (.
وقال تعالى:) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ
حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (.
كما وأخشى أن يكون إقصاؤه الحديث عن عقيدة الولاء والبراء في الله .. وسكوته عن الطواغيت الظالمين .. هو السبب الأكبر لتسابق القنوات الفضائية على نشر دروسه ومجالسه!!
4- في كثير من الأحيان يتناول الأستاذ عمرو بعض المشاكل الاجتماعية والأخلاقية المتفشية في مجتمعات المسلمين .. لكنه لا يُحسن تشخيص العلاج لها .. وسبب ذلك أن هذه المشاكل التي يناقشها يكون السبب الأكبر في وجودها وتفشيها هم طواغيت الحكم والظلم .. لكنه عندما ـ الأستاذ ـ أخذ على نفسه أن لا يقترب من ساحتهم في شيء وأن لا يشير إليهم وإلى دورهم الخبيث ولو مجرد إشارة .. تبقى المشاكل المتناولة بلا حل .. ويقتصر الحديث حينئذٍ على ذكر الداء من دون ذكر الدواء الحقيقي لهذه الأدواء!
5- يقول الأستاذ عمرو عن نفسه أنه غير فقيه .. وأنه لا يُفتي لأنه غير عالم .. ولكن في كثير من حلقاته ودروسه نراه يُفتي .. ويُحسِّن ويُقبح .. ويحكم على الأشياء .. ويُصحح ويُضعف .. وهذا لا شك أنه يحتاج إلى فقه وعلم .. وهذا معناه أن الأستاذ يقحم نفسه في كثير من المسائل بغير علم كافٍ .. وأخطاؤه في هذا الجانب أكثر من أن تُحصر في هذا الموضع.
6- استخدامه للغة العامية المصرية توقعه في أخطاء شرعية وعقدية لا يُستهان بها، كقوله المتكرر:" عشان خاطر ربنا " .. فيثبت صفة الخاطر للرب سبحانه وتعالى من غير برهان ولا علم!
وكذلك قوله:" ربنا رقم واحد .. وفلان رقم ثانٍ .. " وهذا لا يليق بجلال الله U!
وكذلك قوله عن الله تعالى أن من أسمائه الحسنى " الستَّار " وإطالة شرحه لهذا الاسم " الستار " بينما هذا الاسم ليس له وجود في أسماء الله الحسنى .. كما أنه لغة لا يصح أن يُقال " ستار " وإنما يُقال " ستِّير "، وغيرها من الاطلاقات الكثيرة لو أردنا تتبعها!
7- ومما يؤخذ عليه كذلك مظهره المخالف للسنة؛ حيث تراه يتصدر مجالس التدريس والوعظ بلحية محلوقة مجزوزة .. ضاوية من شدة الحف .. وبطقم إفرنجي " واكرافيت " .. وهذا فيه من التشبه بالكفار ما فيه .. وهو لا يليق بداعية يستشرف الدعوة إلى الله .. وإلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .. وبخاصة أن جل مجالس الأستاذ الدعوية يتخللها وجود النساء والصبايا .. المحجبات منهن والمتبرجات ..!!
ثم لو قيل للأستاذ عمرو .. النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يريدك أن تدخل عليه .. فهل يجرؤ أن يدخل عليه بهذا المظهر الذي يظهر به على شاشات التلفاز .. كداعية إلى السنة والاقتداء؟!!
فإن قال: لا .. ولا بد من أن يقول لا .. أقول: يجب أن نتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع مجالس ذكره .. وسنته .. وهو ميتاً كما وهو حياً .. صلوات ربي وسلامه عليه.
8- بمظهر الأستاذ ولباسه المشار إليه أعلاه .. وحلقه للحيته .. يسن سنة سيئة لكثير من الدعاة الناشئين .. حيث بتنا نرى شباباً صاعداً يتصدر مجالس الدعوة يلبس كما يلبس عمرو خالد .. ويحلق لحيته كما يحلق .. ويزيدون عليه بحلق الشارب .. وقدوتهم في ذلك كله هو عمرو خالد .. لذا نطالبه بأن يتقي الله .. وليعلم أن من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة!
9- في كثير من حلقاته المنشورة والمرئية نجد الكامرة بين الفينة والأخرى تركز وتثبت وتتسلط على إحدى الفتيات الجميلات .. وتبرز بعض معالم جمالها .. وهذا فيه من الفتنة ما فيه .. وعلى الأستاذ أن يُنكر المنكر في مجلسه .. وأن ينبه المخرجين والمصورين لمثل هذه الأخطاء المتكررة والمقصودة .. والتي لا تليق بمجلس داعية إلى الله.
بهذا أجيب عن سؤالك .. وما أردت إلا النصح والإصلاح ) إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
8/10/1424 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
2/11/2003 م. أبو بصير الطرطوسي