بسم الله الرحمن الرحيم
أخانا الكريم .. عبد الرحمن بن طلاع المخلف، حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.
فقد اطلعت على ردكم علينا والمعنون بـ" حكم المسلم إذا وقع في الشرك الأكبر، وكان من أهل الفترة، ولم تقم عليه الحجة " .. وأصارحك القول: أني وددت أن تكون مصيباً فيما تعقبتني به لأستفيد وأستدرك قبل فوات الأوان .. وحصول الندم ولات حين مندم!
ولكن ما إن تصفحت صفحات ردك الطويل إلا وارتد علي فألي خائباً .. وأدركت أن الصواب لم يكن حليفك .. وأنك أخطأت من أوجه عدة!
ونزولاً عند رغبتك وطلبك ـ ورغبة غيرك من الإخوان ـ في أن أجيب وأرد على ما تقدم في مقالك وتعقيبك، أسجل النقاط التالية:
1- من قبيل ترشيد النقاش والحوار، وتحديد نقاط الخلاف .. أقول: من الخطأ يا عبد الرحمن أن تذكر ما تعتقده من قواعد وأصول ـ حول مسائل مسمى الكفر والإيمان، والعذر بالجهل ـ وفي نقاط عدة .. لا دخل لها في مورد النزاع أو الجزئية التي تم الخلاف عليها، وتريد الرد عليها أو مناقشتها!!
لماذا ؟!
لأن ذكر هذه المسائل والأصول .. تشتت الأذهان عن الجزئية التي يُراد بحثها ومناقشتها!
ولأنني لو سكت عنها .. لعلم بموافقتي عليها .. ولقيل فلان أقرها بحرفها ونصها!
ولو رددت عليها .. لطال البحث .. ولشُغلت بها ـ وأشغلت غيري ـ عن موطن النزاع .. والجزئية التي يُراد بحثها!
لك أن تذكر ما تعتقده من أصول ومسائل .. ولكن ليس عند مناقشة جزئية محددة تُحسم وتُناقش بعدة أسطر .. وتنتظر جواباً عنها!
هذا أمر مهم ينبغي التفطن له عند قيام أحدكم بالرد أو التعقيب على أحدٍ آخر ..!
2- قلتَ:" حيث لمست منه الحكم بإسلام هذا النوع .. "!
أقولُ: وهل تُقام الحجج وتُبنى الردود .. وتُسود الصفحات .. على مجرد اللمس .. الذي لا يفيد التيقن والتثبت .. أم على اليقين المحكم من كلام المخالف ..؟!
وقلتَ كذلك:" وقبل أن أشرع في الرد على ما أراه جانب الصواب من كلامك أود أن
أذكر لك ما أراه من الحق في هذه المسائل ثم أبين الخطأ الذي وقعت به "!
أقول: ولكن رأيناك ذكرت المسائل التي تراها حقاً .. وشرعت في الرد الطويل علينا من دون أن تبين الخطأ الذي وقعتُ به .. ومن دون أن تبين أين وقفت على هذا الخطأ؟!
حيث كان المطلوب منك أن تذكر خطأنا بنصه وحرفه .. ومن ثم المصدر الذي اقتبسته منه .. ثم تُشرع في الرد عليه بالدليل .. وبأوجز عبارة محكمة .. لنرى هل النص المقتبس .. يستحق هذا الرد منك أم لا .. فهذا حق المردود عليه .. وحق القارئ الذي يقف على ردك!
أقول ذلك: لكي تستفيد يا عبد الرحمن .. ومَن وراءك من الإخوان .. في معرفة كيفية النقاش والحوار .. وكيفية تسجيل الردود .. فهذا علم قلَّ من يتقنه من الإخوان!
ذكَّرتني ـ بردك هذا ـ برجل يُسمي نفسه " عبد الله الوهابي " أقنع نفسه بقول قوَّلني إياه لا وجود له في كتبي وأبحاثي، بل الثابت خلافه تماماً ؛ وهو أنني لا أسمي الكافر الجاهل كافراً .. ثم سود أكثر من خمسين صفحة في الرد على هذه المقولة التي لا وجود لها أصلاً إلا في خياله .. فأتعب نفسه والآخرين معه!
3- ملخص كلامك الوارد في التعقيب .. والظاهر من عنوانه:" أن المسلم الذي يقع في الكفر ـ لمانع شرعي معتبر ـ ولم تقم عليه الحجة الشرعية فيما قد خالف فيه، هو مشرك لا يُسمى مسلماً، لكنه من أهل الفترة؛ فلا يعذب إلا بعد قيام الحجة عليه من جهة نذارة الرسل "!
أقول: يا عبد الرحمن .. هداك الله .. قد خلطت حقاً بباطل؛ أما الحق هو قولك: أن المرء لا يُعذَّب إلا بعد قيام الحجة عليه من جهة نذارة الرسل فيما قد خالف فيه.
أما الباطل: هو اعتبارك أن المسلم الذي يقع بكفر ـ لمانع شرعي معتبر ولم تقم عليه الحجة فيما قد خالف فيه ـ هو من أهل الفترة ..!!
كيف يكون مسلماً .. ثم هو من أهل الفترة؟
كيف يكون مسلماً بشهادتي التوحيد .. ويستمر له حكم الإسلام بإقامة الصلاة ـ ما لم يُظهر ما يستوجب تكفيره يقيناً ـ ثم مع ذلك فهو من أهل الفترة ..؟!!
أهل الفترة ومن لهم حكمهم: هم الذين لم تبلغهم الرسالة، ولم يسمعوا قط بدعوة الإسلام .. وبشهادتي التوحيد .. أما الذي سمع .. لا يجوز أن يُسمى أو يُدرج في خانة أهل الفترة .. فكيف بالمسلم؟!
في نهاية تعقيبك أتيت بكلام لأحد أهل العلم يرد عليك فهمك هذا من حيث لا تدري؛ حيث قلت:" قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن: أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يُسمون مسلمين بالإجماع .."!ا- هـ.
فالمسلم ليس من أهل الفترة .. ومن كان من أهل الفترة وله أحكامهم .. لا يجوز أن يُسمى مسلماً!
والباطل الثاني: أنك سميت المسلم مشركاً بغير موجب شرعي ..!
فموانع التكفير المعتبرة شرعاً تمنع عن المسلم حكم الكفر ومسماه، وليس حكمه وحسب .. كما بيناه في القاعدة الأولى من كتابنا "قواعد في التكفير "، والتي تقول:" التكفير العام لا يستلزم دائماً تكفير المعين "، وقد ذكرنا أدلة القاعدة بشيء من التوسع فانظرها هناك!
نعم يمكن أن يُقال عن مسلم وقع في كفر ـ لمانع شرعي معتبر ـ فلان أشرك .. أو وقع في الكفر .. أو فعله وقوله كفر وشرك .. ولكن لا يُسمى مشركاً أو كافراً بعينه إلا إذا انتفت عنه موانع التكفير بقيام الحجة عليه من جهة نذارة الرسل .. فحينئذٍ لا يجوز أن يُسمى مسلماً، كما لا يجوز أن تُحمل عليه أحكام المسلمين.
فالكافر والمشرك ليس مسلماً .. والمسلم ليس كافراً ولا مشركاً .. فلا يجوز أن يُسمى شخص واحد بالشيء وضده في آنٍ معاً؛ مسلم وكافر، مسلم حكماً كافر اسماً ..؟!!
واعلم يا أخي أن ما أتيت على ذكره من آيات كريمة .. وأكثرت من نقولات لأهل العلم .. وما وعدت بجمعه عنهم .. لا يخالف هذا الذي ذكرناه .. كما لا يوجد فيه دليل على قولك وفهمك .. فأرح نفسك .. ووفر عليك الوقت والجهد .. وانصرف لما هو أنفع لك وللمسلمين .. هذا الذي أراه .. وهذا الذي أنصح به.
مع التنبيه أن ردي هذا ليس هو تعقيب على كل كلمة من كلماتك وردت في مقالك .. فالأوقات وكثرة الأعمال .. لا تسمح لي بذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
30/11/1424هـ.
أخوكم
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
ـ تنبيه: بعد كتابة هذا الرد تعقبنا الأخ عبد الرحمن بن طلاع المخلف .. وزعم أننا لم نفهم كلامه .. وأننا نحصر أهل الفترة فيمن لم تبلغه الرسالة قبل البعثة فقط .. فقولنا ما لم نقل، وقال ـ في كلام له منشور في منتديات المسلم الموحد للحوار ـ عَقِب قولي:[" أهل الفترة ومن لهم حكمهم: هم الذين لم تبلغهم الرسالة، ولم يسمعوا قط بدعوة الإسلام .. وبشهادتي التوحيد .. أما الذي سمع .. لا يجوز أن يُسمى أو يُدرج في خانة أهل الفترة .. فكيف بالمسلم؟! ".
الشيخ حفظه الله تعالى فهم مني أن المراد بأهل الفترة هم من كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وما علم أن أهل العلم قرروا أن حكم من لم تقم عليه الحجة حكم أهل الفترة إذا كان لم تبلغه الحجة فيما وقع منه من الشرك و كان طالبا للحق مريداً له ..
هذا فهم ينزه عنه الشيخ أبو بصير فهل فهم أهل العلم أن الفترة مقيدة بما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فالشيخ أبو بصير يلاحظ عليه اقتصاره على معاني معينة من الأدلة دون النظر إلى حقيقة الأدلة وما يراد بها فهو قيد الفترة بما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .. ]ا- هـ.
أقول: أين قولي الذي يُستفاد منه أني أحصر وأقيد الفترة بما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ...؟!!
فالذين لم تبلغهم الرسالة قد يكونوا قبل البعثة وقد يكونوا بعدها .. فكيف تُحمل عبارتي " أهل الفترة ومن لهم حكمهم: هم الذين لم تبلغهم الرسالة " على أنه حصر وتقييد لأهل الفترة بزمن ما قبل البعثة النبوية ..؟!!
لي كلام محكم صريح واضح لا لبس فيه ولا غموض، كتبته قبل خمس عشرة سنة في كتابي " العذر بالجهل "، صفحة 70، وتحت عنوان " أهل الفترة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم " لو راجعه الأخ ما دام قد استشرف الرد على مذهبنا في المسألة .. ومما ذكرته هناك:" وعليه أقول: أي إنسانٍ توفرت فيه هذه العلة؛ بحيث لا يستطيع ـ رغم بذل الجهد المستطاع ـ معرفة دعوة الرسل، ولم تبلغه نذارتهم، فهو معذور بالجهل، وله حكم أهل الفترة المعذورين بالفترة والجهل، سواء كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد بعثته، ولا عبرة لزمن دون زمن في حال وجدت هذه العلة "ا- هـ.
للمرة الثانية .. والرابعة .. والعاشرة .. أقول لك يا عبد الرحمن: قبل أن تكثر من النقل عن أهل العلم .. وتسود الصفحات .. وتُلزم الآخرين بالرد عليك .. أثبت المشكلة أولاً .. ثم أتعب نفسك والآخرين معك في الرد عليها ..!!
لا تُتعب نفسك ـ والآخرين معك ـ في الرد على مشكلة هي ليست موجودة إلا في خيالك .. فقط .. لا ندري ما الذي حملك على أن تقتنع بوجودها .. هذه نصيحة لك من أخ مشفق محب!
لا يكن همك كيف تتصرف كندٍّ .. ولكن ليكن همك كيف تطلب العلم .. وتعرف الحق لتلتزمه!
المشكلة .. إن سكتنا ولم نرد .. قالوا الشيخ سكت ولم يرد .. وهذا لا ينبغي .. وهو دليل على قوة حجتنا وضعف حجته .. وإن رددنا وأجبنا فُسِّر كلامنا تفسيراً خاطئاً وحُمل من المعاني الخاطئة مالا تحتمله معاني النص ولا لغته .. وخاضوا في التنزيه وعدمه .. وتكلفوا البحث عن الهفوات والعثرات في عالم الظن والاحتمالات .. صدق الله ) وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ( .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
تم تحرير هذا التنبيه مساء يوم السبت من شهر ذي الحجة 2/12/1424 هـ، والحمد لله رب العالمين.