GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد. 
اعلم يا عبد الله أنك مربوب مخلوق .. ومملوك لله عز وجل .. فالله تعالى هو الذي خلقك وصورك .. وهو الذي تفضل عليك بالفضائل والنعم التي لا تُحصى ولا تُجزى .. على أن تُفرده بالعبادة والمحبة والطاعة لا تُشرك به شيئاً، كما قال تعالى:] وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذريات:56. وقال تعالى:] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31. وقال تعالى:] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5.
          فالله تعالى هو المألوه المعبود بحق لذاته وما سواه ـ أياً كانت صفاته وماهيته ـ يُحب فيه وله؛ لأنه هو الله .. هو الخالق المالك .. له الأسماء الحسنى والصفات العليا لا شريك له ولا مثيل في شيء من أسمائه وصفاته، كما قال تعالى:] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11. وبالتالي لا يجوز أن يُصرف لغيره ما يُصرف له سبحانه وتعالى من العبادة، والمحبة، والطاعة، والخضوع .. لأن الخالق والمخلوق لا يستويان مثلاً كما لا يستويان من حيث الحقوق.

ومن معاني ولوازم إلهيته وربوبيته أن تحبه سبحانه وتعالى لذاته؛ فتوالي وتحب فيه وله، وتُعادي وتبغض فيه وله .. تحب من يُحب وما يُحب وإن كنت كارهاً لمن يُحب .. وتبغض من يَبغض وما يبغض وإن كنت محباً لمن يَبغض .. وهذا من أوثق وأمتن وأشد عُرى الإيمان وأقواها، كما في الحديث:" إن أوثق عُرى الإيمان أن تُحبَّ في الله، وتبغضَ في الله ". وقال صلى الله عليه وسلم:" من أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان ".
وأيما مخلوق ـ أيَّاً كان اسم هذا المخلوق وكانت صفته وماهيته ـ يُحَبُّ لذاته؛ فيُوالى ويُعادَى فيه وله من دون الله عز وجل .. فقد اتُّخِذَ هذا المخلوق نداً من دون الله .. وعُبد من دون الله عز وجل من جهة المحبة والموالاة .. والذين دخلوا في موالاته لذاته فقد عبدوه من دون الله تعالى .. ووقعوا في الشرك الأكبر والعياذ بالله، كما قال تعالى:] وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165. أي يوالونهم لذواتهم كما يوالى الله لذاته، فيوالون ويُعادون فيهم من دون أو مع الله .. ذلك اتخاذهم إياهم أنداداً من دون الله.
وقال تعالى:] وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ [إبراهيم:30. أي جعلوا لله أنداداً وشركاء في المحبة والطاعة؛ فيوالونهم كما يوالون الله، ويُطيعونهم كما يُطيعون الله .. ليضلوا العباد عن التوحيد حق الله على العبيد .. فهؤلاء مصيرهم ـ ولا بد ـ إلى النار .. وبئس المصير!
وكذلك قوله تعالى عن المشركين وهم يتعاتبون يوم الحساب:] وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً [سـبأ:33. أي تأمروننا أن نجعل له سبحانه وتعالى أنداداً وشركاء في المحبة والطاعة .. فنوالي ونعادي فيهم من دون الله عز وجل .. وهم لا يستحقون منا ذلك؟!
وقال تعالى عن المشركين وهم في العذاب .. في جهنَّم يختصمون ويتعاتبون ويتلاومون .. ولات حين مندم:] قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ . تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ . إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:96-98. أي نسويكم برب العالمين في المحبة والطاعة؛ حيث كنا نوالي ونعادي فيكم ولكم، فنوالي من والاكم ونعادي من عاداكم .. ونطيعكم من دون أو مع الله .. فتلك كانت تسويتهم للأنداد والزعماء برب العالمين سبحانه وتعالى.
ومن متابعة الله تعالى فيما يُحب أن تُحب وتوالي الإيمان والمؤمنين والإسلام والمسلمين .. أينما كانوا .. وكانت لغاتهم وجنسياتهم وأوطانهم وألوانهم .. وبَعُدت الشُّقة بينك وبينهم كما قال تعالى:] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71. وقال تعالى:] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10. وقال تعالى:] وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:56.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" كونوا عبادَ الله إخواناً؛ المسلم أخو المسلم لا يظلمُه، ولا يخذُلُه، ولا يَكذِبُه، ولا يحقِرُهُ "مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه " البخاري.
لذا لا يُضمر العداوة والكره والبغضاء للمسلمين .. كل المسلمين .. إلا كافر ظاهر الكفر .. أو زنديق منافق؛ إذ لا يمكن أن يجتمع إيمان في القلب وكره وبغض للمؤمنين المسلمين.
قد يبغض المرء مسلماً أو مجموعة من المسلمين لأسباب دنيوية أو شخصية .. ولا يخرجه ذلك من الإسلام .. ولكن أن يكره ويبغض جميع المسلمين في الأرض فهذا لا يتحقق إلا لمن امتلأ قلبه غيظاً وحقداً وبغضاً لدين الله عز وجل.
لذا من شتم المسلمين كل المسلمين من دون استثناء .. أو لعنهم .. أو أظهر العداوة والبغضاء لهم .. فهو دليل على طعنه وبغضه للإسلام .. دين الله الذي يتدينون به .. وهو بذلك كافر مرتد .. لا يجوز التوقف عن تكفيره.
ومن متابعة الله تعالى في بغضه أن تبغض وتسخط الكفر والكافرين، والشرك والمشركين حيثما كانوا .. وكانت لغاتهم وجنسياتهم وأوطانهم وألوانهم .. ولو كانوا من أولي القربى، أو ينتمون لنفس الوطن، أو القوم، أو القبيلة، كما قال تعالى:] لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22.
وقال تعالى:] قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4.
وأيما مسلم يأبى إلا أن يوالي ويُظاهر المشركين الكافرين على الإسلام والمسلمين .. ولو كانوا من ذوي القربى، وينتمون لنفس الوطن أو القطر .. فهو بذلك مباشرة يخرج من دائرة الإسلام ومن عداد المسلمين المؤمنين ليُصبح من عداد الكافرين المجرمين، كما قال تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51. فقوله ] فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [ أي كافر مثلهم، حكمه حكمهم في الدنيا والآخرة.
وقال تعالى:] وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:81. أي لو صدقوا في دعواهم أنهم ] يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ [ لما اتخذوا الكافرين أولياء .. ولما اتخذوهم أولياء كان ذلك دليل على كفرهم، وعلى كذب ادعائهم بأنهم ] يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ [.
قال ابن تيمية رحمه الله: فبين سبحانه الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه ملتزم بعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان؛ لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم. 
وقال: فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويُضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب.
ومثله قوله تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [، فإنه أخبر في تلك الآية أن متوليهم لا يكون مؤمناً، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً ا- هـ.
ومن الأدلة كذلك على كفر وارتداد من يتولَّ الكافرين على المسلمين، قوله تعالى:] لا
يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28.
قال ابن جرير الطبري في التفسير:] فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [ يعني بذلك فقد برئ من الله، وبرئ اللهُ منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ا- هـ.  
وكذلك قوله تعالى:] أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً [الكهف:102.
وهذا سؤال تقريعي يفيد التعجب والاستنكار واستحالة أن يقدر الكافرون على أن يتخذوا عباد الله المؤمنين أولياء من دون الله .. فإن قدروا على أن يتخذوا المؤمنين أولياء من دون الله .. يخرجون مباشرة من صفة ومسمى ] عِبَادِي [ ليكتسبوا صفة وحكم من والوهم من الكافرين المجرمين.
فإن علمت ذلك يا عبد الله .. بقي أن نذكرك بما نهضت إليه طاغوت العصر " أمريكا " وما عزمت عليه من حرب صليبية صريحة ظاهرة مكشوفة ـ لا خفاء فيها ولا غموض ـ على الإسلام والمسلمين .. وعلى حرماتهم وديارهم وأوطانهم .. تحت زعم محاربة وملاحقة الإرهاب والإرهابيين .. زعموا .. وهم في حقيقتهم ما أرادوا إلا محاربة الإسلام والمسلمين .. وهذه حقيقة أضحت عند كل مراقب منصف من المسلَّمات التي لا يجوز أن يختلف عليها عاقلان!
ومما تفعله هذه الدولة العاقة لربها .. الطاغية بظلمها وكفرها .. في هذه الأيام .. أنها تجيِّش ـ بكل ما أوتيت من قوة وأموال ووسائل ترغيبية وترهيبية ضخمة ـ الجيوش .. والشعوب .. والبلدان .. والمرتزقة .. في جميع أنحاء وأطراف الأرض .. في حربها المشؤومة هذه على الإسلام والمسلمين .. وعلى حرماتهم وأوطانهم .. ليطفئوا نور الله في الأرض، وأنَّى، كما قال تعالى:] يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32.
وقال تعالى في أموالهم وإمكانياتهم الضخمة التي يُنفقونها في حربهم المعلنة على الإسلام والمسلمين .. ليصدوا العباد والبلاد عن سبيل الله:] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36.
وعليه نقول محذرين ومُشفقين: أيما مسلم يرضى لنفسه أن يدخل في موالاة ونصرة هذه الدولة الطاغية العاقة المستكبرة في حربها المعلنة على الإسلام والمسلمين .. ولو أن يعمل عند جنودها وجيوشها طبَّاخاً .. أو كنَّاساً .. فقد رضي لنفسه الكفر والمروق من الإسلام .. وإن صلى وصام، وحج البيت .. وقال إنني من المسلمين .. فواقع حاله يُكذِّب زعمه وادعاءه بأنه من المسلمين .. ويدمغه بالكفر والردة عن الدين .. كما تقدم بيان ذلك في الأدلة الآنفة الذكر أعلاه.

اللهم إنِّي قد بلَّغت فاشهد .. اللهم إني قد بلغت فاشهد.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

23/4/1425 هـ.                           عبد المنعم مصطفى حليمة
11/6/2004 م.                                 أبو بصير الطرطوسي


  

  



إرسال تعليق

 
Top