recent
آخر المشاركات

مَهلاً يا دعاةَ الضَّلالةِ مَهلا


بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد. 
          منذ أشهر ودعاة الضلالة من خطباء ووعاظ ومثقفي بلاط الطواغيت .. يبثون في الأمة ـ بكل حماس ونشاط، وبكل ما أتُوا من قوة وبيان ـ عبر عديد من القنوات والمنابر، والوسائل الإعلامية الأخرى .. فقه الركوع والطاعة والولاء للطواغيت!
          يبثون في الأمة فقه الرضى بالعبودية للطواغيت؛ كأمر واقع لا فكاك منه ولا مناص .. وأن مجرد التفكير بالخلاص منهم ومن أنظمتهم الفاسدة العميلة الكافرة .. هو فتنة .. وهو من أخلاق وصنائع الخوارج .. يجب الابتعاد عنه!  

          ملوا آذاننا ـ قاتلهم الله! ـ في تمجيد الطواغيت الظالمين .. والجدال عنهم .. وعن أنظمتهم الفاسدة العميلة .. وكأنهم لا مهمة لهم سوى فعل ذلك .. ولم يتلقوا العلم إلا من أجل ذلك!
          تُصاب الأمة بألف مُصاب ومصاب .. وتُذبح من الوريد إلى الوريد .. وتُنتهك حرمات الله جهاراً نهاراً .. ومع ذلك لا تكاد تسمع لدعاة الضلالة هؤلاء صوتاً ولا همساً .. ولا يتحرك لهم عِرق غضب .. فمات فيهم الغضب لله .. وكأن ما يجري للأمة لا يعنيهم ولا يخصهم .. بينما لو مُس عرش الطاغوت ونظامه بنوع أذى أو ضرر .. انبروا ـ بكل حماس وقوة ـ ليظهروا لنا مهاراتهم الخارقة في النفاق والتضليل والتلفيق .. والخطابة والوعظ والإرشاد .. ليضلوا العباد .. وليذودوا ويُناضلوا عن الطاغوت وعرشه!
          ما أسرع غضبهم ونفيرهم .. وما أكثر ندواتهم .. إذا ما انتهكت حرمات الطاغوت .. أو مُست بنوع أذى .. بينما عندما تُنتهك حرمات الله .. وحرمات عباده ـ وما أكثر ما تُنتهك ـ لا تجد لهم حراكاً ولا همساً .. وكأنهم في عداد الأموات لا الأحياء ..]  قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4.
          كلما بزغت في الأمة بازغة خير وأمل .. وصحوة جهاد .. نهضوا واستنهضوا لوأدها ومحاربتها .. وملاحقتها .. وتنفير الناس عنها .. ونبذها بفنون من ألقاب الذم والسوء .. تقرباً للطاغوت عسى أن يمن عليهم بنوع عطاء .. أو يسمح لهم بدخول بلاطه .. ويجعلهم من المقربين! 
          خانوا العهد والأمانة الملقاة على عاتق الدعاة والعلماء؛ أمانة البيان والصدع بالحق .. طمعاً بالفُتات الذي يُرمى لهم على العتبات .. فباءوا بوزرين: وزر الصدع بالباطل والجدال عنه .. ووزر كتمان الحق وخذلانه!
          فكان مثلهم في كتاب الله تعالى مثل من قال فيهم:] إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:174.  
وقوله تعالى:] إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159.
مثلكم ـ يا دعاة الضلالة ـ في كتاب الله مثل سحرة فرعون قبل أن يتوبوا وينقادوا إلى الحق، الذين يزينون الباطل وعبادة الطاغوت في أعين الناس، والذين قال تعالى فيهم:] فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ . قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الشعراء:41-42.
مثلكم ـ يا دعاة الضلالة ـ في كتاب الله مثل بلعام الذي لم يحفظ العهد ولا الأمانة الملقاة على عاتق الدعاة والعلماء، فانسلخ من آيات الله بعد أن آتاه إياها، والذي قال تعالى فيه:] وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175-176.  
مَن الأولى ـ يا دعاة الضلالة ـ بالاستتابة وأن يُحمل على التوبة والتراجع .. شباب لامست هممهم وآمالهم قمم الجبال الشامخات .. هانت عليهم أرواحهم في سبيل خالقها .. فنهضوا ليعيدوا للدين مجده .. وللأمة الجريحة عزها وكرامتها .. أم طواغيت الكفر والظلم والعمالة .. الذين ساموا ـ منذ أكثر من خمسين عاماً ـ البلاد والعباد الكفر والذل، والظلم، والفساد، والفقر، والجوع .. الذين لا يهمهم من شؤون الحكم والملك سوى سلامة عروشهم وشهواتهم التي لا تشبع .. وامتيازاتهم الخاصة التي لا يجوز أن تتعرض للمساءلة أو المحاسبة .. ولو أدى ذلك إلى هلاك وضياع البلاد والعباد!
تعلمون ـ يا دعاة الضلالة ـ أن هذا الشاب الذي تفتنونه عن دينه .. وتحملونه على أن يُسلم نفسه لجلادي الطاغوت .. يكون المستفيد الأول من اعتقاله واعترافاته ـ التي قد تُنتزع منه بالقوة وتحت تهديد السياط وانتهاك الأعراض ـ هي أمريكا راعية الكفر والظلم والإرهاب العالمي .. التي تُنقل إليها المعلومات والاعترافات أولاً بأول .. وهي بدورها تستثمرها لصالحها في حربها المعلنة الصريحة على الإسلام والمسلمين .. باسم محاربة وملاحقة الإرهاب .. زعموا ..!
 فأنتم ـ يا دعاة الضلالة ـ شركاء الجلادين في هذا الوزر الغليظ .. ومعينين عليه .. وسبب رئيسي فيه .. وشركاء في وزر كل ضررٍ يصيب الإسلام والمسلمين .. من جراء تسليمكم لهؤلاء الصفوة من المجاهدين ..!
فأنتم ـ يا دعاة الضلالة ـ شركاء في وزر كل كلمة كفر يقولها هذا الشاب طوعاً أو كرهاً وهو تحت سياط جلادي الطاغوت .. فإن كان هو قد يُعذر لشبهة الإكراه التي يتعرض لها .. فبماذا أنتم تعذرون .. وأنتم السبب في اعتقاله وتسليم نفسه؟!
ثم حذار ـ يا دعاة الضلالة ـ أن تقولوا ما أردنا ـ من فعلنا هذا ـ إلا خيراً .. فينطبق عليكم حينئذٍ قوله تعالى في أولئك الذين ضلوا ثم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً، كما قال تعالى:] الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:104.
فكم من مريد للخير لا يدركه لأنه لم يلتزم هدي الشريعة فيما أراده من خير .. فحسن النية ـ التي قد تتظاهرون بها ـ لا تبرر لكم شرعاً ولا عقلاً فعل هذا المنكر العظيم؛ فعل الركون للطواغيت الظالمين .. والدخول في موالاتهم ونصرتهم .. وفتنة الشباب المسلم المجاهد عن دينه .. فحسن النيات لم تكن يوماً من الأيام مبرراً لفعل المنكرات والموبقات! 
هلا فكرتم بذلك .. قبل أن تقدموا على فعلتكم النكراء هذه ..؟! 
تعلمون ـ يا فقهاء ودعاة الضلالة ـ أن الراضي بالسيئة كفاعلها وإن لم يفعلها .. فكيف بالذي يرضاها ويفعلها ويسعى لها سعيها ..؟!
أنتم ـ يا دعاة الضلالة ـ لم تكتفوا بأنكم كتمتم الحق .. وجبنتم عن الصدع به .. وأنكم خذلتم الإسلام والمسلمين في أشد المواطن حاجة للنصرة والتأييد .. لم تكتفوا بكل ذلك .. بل تماديتم إلى أن وقفتم في صف الطاغوت وعصابته .. وأوليائه من أعداء الأمة .. تمدونهم بالقوة والحياة .. على الأمة ودينها والطليعة من أبنائها!
فأعدوا جواباً عما تفعلونه اليوم من منكرات وموبقات .. ] يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52.
مهلاً يا دعاة الضلالة .. لا تفرحوا بما قدمت أيديكم من سوء .. فهؤلاء الطواغيت الذين آليتم على أنفسكم إلا أن تدخلوا في موالاتهم وطاعتهم ونصرتهم .. والنضال عنهم .. عهدُنا بهم أنهم يقربون الداعية ما استفادوا منه .. فإذا تحققت مآربهم وأغراضهم منه .. وانتهى خيره وعطاؤه لهم .. سرعان ما يلفظونه ويتخلون عنه، ويرمونه كما تُرمى القمامة في سلة المهملات؛ ليبحثوا عن بديل آخر أقوى منه، ولا يزال خيره فيه؛ ليتكئوا عليه في باطلهم وظلمهم .. ويتقووا به ـ في الباطل ـ على شعوبهم!
عهدُنا بهؤلاء الطواغيت .. إن خلت الساحة من مقاومتهم وجهادهم .. ومن العصبة المؤمنة المنصورة التي تنهض لجهادهم .. وتجرؤ على محاسبتهم ومساءلتهم .. وأطرهم إلى الحق .. أن يزدادوا كفراً، وظلماً، وفجوراً، وخيانة، وفساداً في الأرض .. إذ لا رقيب عليهم ولا حسيب لهم من بني البشر .. وليس أمامهم من يهابونه أو يحسبون له حساباً .. فليس أمامهم سوى مطأطئي الرأس من المدَّاحين من ماسحي الأثواب .. ولاعقي الأحذية من مثقفي هذه الأمة .. ودعاتها الضالين المضلين .. وهؤلاء شرهم يهون؛ يُدفع بشيء من المنِّ  والعطاء .. ستذكرون هذا الذي أقوله لكم .. وكثير منه بدا ينكشف ويظهر للعيان!
أنتم ـ يا دعاة الضلالة .. ويا مثقفي البلاط! ـ نصف المشكلة التي تُعاني منها الأمة .. والنصف الآخر يكمن في طواغيت الحكم ذاتهم .. لا بد من الخلاص منكم ومنهم .. لا بد من تعريتكم وفضحكم وتحذير الأمة منكم ومن خبثكم وشركم!
كيف لا نحذركم ولا نخافكم على الأمة وشبابها، والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم حذرنا منكم، وخاف علينا وعلى ديننا منكم ومن شركم، فقال صلى الله عليه وسلم:" إنَّ أخوف ما أخاف على أمتي كلُّ منافقٍ عليمِ اللسان ". وقال صلى الله عليه وسلم:" أخوف ما أخاف على أمتي بعدي الأئمة المضلون ".
نعوذ بالله منكم .. ونُعيذ شباب هذه الأمة بالله منكم، ومن ضلالكم .. ونفاقكم .. وشركم .. وفتنتكم .. وخداعكم .. ونسأل الله تعالى أن يهديكم .. أو أن يأخذكم ويقصم ظهوركم، ويريح الأمة منكم ومن شركم وفتنتكم .. وما ذلك على الله بعزيز.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

17/6/1425 هـ.                         عبد المنعم مصطفى حليمة 

3/8/2004 م.                                 أبو بصير الطرطوسي




google-playkhamsatmostaqltradent