GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم
          صباح يوم الثلاثاء 19/10/2004، تم اختطاف الرهينة البريطانية العراقية " مارجريت حسن " في العراق .. وإلى ساعة كتابة هذا البيان لم تُعرف الجماعة أو الجهة التي قامت بهذا الفعل!
          وما إن تمت عملية الاختطاف هذه إلا وأصابع الاتهام كلها وجِّهت نحو الجماعات الإسلامية العاملة في العراق، والتي أخذت على نفسها عهداً بجهاد ومقاومة الغزاة المحتلين، ودفعهم عن بلادهم وحرماتهم!
وأنا هنا لا أنفي ولا أثبت صحة هذا الاتهام .. فهذا مالا أملكه ـ وأياً كانت الجهة الفاعلة، وكان انتماؤها ـ إلا أني أجد نفسي ملزماً شرعاً وأخلاقياً بأن أبين موقف الشرع الحنيف من هذا الحدَث، وكل حدث يماثله ويُشابهه .. عسى أن يكون ذلك سبباً في دفع الظلم عن المظلوم أياً كان دين وانتماء وجنسية هذا المظلوم .. ورجوع الظالم عن ظلمه وغيِّه .. ومراجعة نفسه ومواقفه .. أياً كان هذا الظالم .. ولو كان من أقرب الناس إلينا .. وأحبهم إلى نفوسنا .. فديننا بُعث بالعدل .. وإنصاف المظلوم من الظالم .. ومحاربة الظلم .. وأطر الظالمين إلى ساحة العدل والحق .. وهذه حقيقة مطلقة لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان، كما لا ينبغي أن يشوش عليها حدَثٌ غير مسؤول يحصل هنا أو هناك باسم الإسلام أو المسلمين!
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً "، فقال رجلٌ: يا رسول الله أنصره مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال:" تمنعه من الظلم، فذاك نصرُك إياه ".
وعليه فأقول: قد ذكرت مراراً .. وأعيد هنا فأقول: أيما امرئٍ من غير المسلمين ـ أياً كانت جنسيته وكان دينه ـ يدخل بلاد المسلمين على غير صفة المحارب، ولا معيناً لمحارب .. ويكون له عهد أمان ـ أو شبهة عهد وأمان ـ ولو من مسلم واحد فقط .. فهو آمن لا يجوز ترويعه، ولا الاعتداء عليه في شيء .. وأيما اعتداء عليه فهو غدر بالعهد والأمان .. وهو حرام بنص الكتاب،  والسنة، وإجماع علماء المسلمين.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من أمَّن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافراً ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" من أمَّن رجلاً على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدرٍ يوم القيامة ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" من قتل نفساً معاهدة بغير حلها، حرَّم الله عليه الجنة أن يشمَّ ريحها ".
وهذه الرهينة المختطفة " ماجريت حسن "، قد علمنا .. وعلم الجميع معنا أنها في عهد وأمان مغلظين مع أهالي ومسلمي العراق .. وبالتالي فهي آمنة بأمان المسلمين لها لا يجوز خطفها، ولا ترويعها، ولا الاعتداء عليها في شيء.
وأمانها يأتي من جهة كونها زوجة لمسلم عراقي تقيم معه في العراق ..!
ويأتي من جهة كونها مُنحت جنسية أهل العراق .. وهذا عقد مغلظ لا يجوز أن يُخفر!
ويأتي من جهة إقامتها الطويلة ـ والتي تزيد عن العشرين عاماً! ـ بين أظهر المسلمين في العراق .. تعيش بين ترحيبهم وإكرامهم المتواصل لها!
ويأتي من جهة خدماتها العديدة ـ كمسؤولة عن منظمة وجمعية خيرية تعمل في العراق ـ للمستضعفين من مسلمي أهل العراق .. وتعاطفها معهم ومع محنهم ..  وهذا أمر قد شهد لها به الجميع!
والأمان ينعقد للآخرين بأقل من ذلك بكثير .. فكيف إذا ضُمَّ إليه جميع ما تقدم ذكره؟!
لذا أعيد فأكرر: أن المرأة في عهدٍ وأمان مع أهالي ومسلمي العراق .. فهي آمنة بأمان المسلمين لها .. لا يجوز خطفها ولا ترويعها .. ولا الاعتداء عليها في شيء .. والواجب شرعاً الإحسان إليها .. وإطلاق سراحها بأقرب وقت ممكن .. وهذا الذي نود سماعه .. وهذا الذي نتوقعه إن كان الفاعل من المجاهدين، أو ممن يُحسَب على الإسلام والمسلمين.
وأيما إساءة تحصل لهذه المرأة .. وكل من كان في ظرفها، وواقعها وحكمها .. فهو عمل لا نرضاه، ولا نقبله .. كما لا نقبل أن يُنسب إلى الجهاد .. ولا إلى الإسلام والمسلمين.
وليعلم الجميع: أن للغدر بالعهد والأمان عواقب عاجلة وخيمة .. منها أن يسلط الله العدو على أهل الغدر، ومن دخل في حماهم، كما في الأثر عن ابن عباس t قال:" ما ختَرَ قومٌ العهد إلا سلَّط الله عليهم العدو "، فالحذَر الحذر ..!
فإن قيل: قد ساءتك الإساءة لهذه المرأة .. ولم يسؤك ما يحصل للمسلمين والمسلمات ـ وفي أمصار عدة ـ من إساءات واعتداءات وانتهاكات للحرمات من قبل الغزاة المعتدين ..؟!
أقول: كذبتم، وخسأتم .. بل يُسيئنا أشد الإساءة .. ويُحزننا أشد الحزن .. ويُغضبنا أشد الغضب .. والجميع يعلم عنا ـ ولله الحمد ـ إنكارنا الشديد لذلك .. ومقاومتنا له بكل ما أوتينا من حول وقوة .. ولكن متى كان ـ في ديننا الحنيف ـ يُدفع الظلم بظلم، والخطأ بخطأ، والخيانة بخيانة، والغدر بغدر ..؟!!
متى كان ـ في ديننا الحنيف ـ ظلم الآخرين للمسلمين .. يبرر للمسلمين الظلم .. أو يمنعهم من إنصاف الآخرين، والحكم فيهم بالعدل؟!
مهما اشتد ظلم وعدوان الآخرين لنا .. وإجرامهم بحقنا .. فإنه لا يمكن لنا ـ كمسلمين ـ أن نتعامل معهم بأخلاقهم وطبائعهم الفاسدة .. وإنما نتعامل معهم ـ في السلم والحرب، والسخط والرضى ـ بأخلاق وتعاليم نبينا محمد r .. وليس لنا غير ذلك! 
إذا تعاملنا معهم بأخلاقهم على مبدأ المعاملة والمقابلة بالمثل ـ كما نُعامَل نُعامِل ـ على الإطلاق ومن دون قيد ولا شرط .. وارتضينا لأنفسنا أن نقابل الظلم بظلم، والإجرام بإجرام .. والإفساد بإفساد .. فبم نتمايز عنهم .. وهل نستحق حينئذٍ أن نكون ممن قال تعالى فيهم:) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران:110. ؟!
فاتقوا الله .. ثم اتقوا الله .. واعلموا أن النصر والفرج من عند الله، وما عند الله لا يُطلب بمعصيته، ومخالفة أمره ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الأنفال:29.

11/9/1425 هـ.                               عبد المنعم مصطفى حليمة
24/10/2004م.                                             أبو بصير الطرطوسي





إرسال تعليق

 
Top