GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          كلما نهضت فئة مؤمنة لتقارع طواغيت الكفر والحكم والظلم .. لتعيد للأمة مجدها وحقها المسلوب .. وترفع عنها أغلال العبودية والظلم .. ترتفع بعض أصوات المثقفين المهزومين المأجورين .. ومنهم ـ وللأسف ـ من يُحسب على الدعوة والدعاة .. بضرورة المحافظة على الأمن والأمان .. وأن لا نسيء لنعمة الأمن والأمان التي تنعم بها البلاد!!
          كلما وُجِّهت الدعوة للشعوب المقهورة المستعبدة لإرادة الطواغيت الظالمين .. بضرورة الكفر بالطاغوت، والانخلاع منه، ومن نظامه، وحزبه، وقانونه .. والخروج عليه .. ترتفع ـ في المقابل ـ أصوات المهزومين من الدعاة المأجورين والمأسورين لإرادة ورغبات الطاغوت .. بأن هذه الدعوة تتعارض مع ما تنعم به البلاد من أمنٍ وأمان .. وأن الكفر بالطاغوت .. والخروج عليه فتنة تُفقدنا نعمة الأمن والأمان التي نعيشها!!

كلما أراد المسلمون بأن ينهضوا للقيام بما يجب عليهم نحو دينهم وأمتهم وحقوقهم التي اغتصبها الطاغوت .. ترتفع أصوات أولئك المهزومين المأجورين المثبطين .. متظاهرين بالشفقة والرحمة على العباد والبلاد .. بأن هذا المسلك مؤداه إلى الوقوع في الفتنة .. وفقدان نعمة الأمن والأمان التي نعيشها .. ويحسدنا عليها الناس!!
وهؤلاء إذ يتظاهرون بالإشفاق على الناس وأمنهم وأمانهم  .. إلا أنهم في حقيقة أمرهم لا يُشفقون على شيء سوى على الطاغوت وعرشه ونظامه .. وعلى مكاسبهم ومصالحهم الخاصة .. والفُتات الذي يُرمى إليهم من قبل الطاغوت!
ولهؤلاء الذين يتباكون على الأمن والأمان، نقول: الأمن والأمان مطلب شرعي ومقصد من مقاصد الدين، لكن الأعظم من مقصد الأمن والأمان .. وكل مقصد .. مقصد ومطلب التوحيد .. وسلامة التوحيد؛ فإذا تعارض مقصد ومطلب التوحيد مع مقصد ومطلب الأمن والأمان .. وأي مقصد أو مطلب آخر .. قُدم ولا بد مطلب ومقصد التوحيد .. وسلامة التوحيد .. وهذا الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة.
من هذا المنطلق المُجمع عليه شُرع الجهاد في سبيل الله .. رغم ما يترتب عليه من قتل وقتال
وزهقٍ للأنفس .. وشُرعت الهجرة إلى الله التماساً لسلامة العبادة والعقيدة والدين .. رغم ما يترتب عليها من مفارقة للأوطان، والأهل، والأحبة .. والمسكن .. والمتاجر .. والأموال .. فالله تعالى أجل وأحب إلى عباده المؤمنين من كل ما سواه.
قال تعالى:) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ( وهو ما يمثل عالم الأمن والأمان ) أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ( وهو ما يمثل التوحيد .. والولاء للعقيدة والتوحيد ) فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (التوبة:24. فهذه هي النتيجة المؤلمة التي تدمغ صاحبها بالفسوق والكفر والخروج عن الدين!
وقال تعالى:) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ ( عالم الأمن والأمان ومادته ) فِتْنَةٌ (؛ وذلك عندما تكون سبباً يصد المرء عن القيام بما تقتضيه عقيدة التوحيد من جهاد وبذل وعطاء ) وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (الأنفال:28. لمن قدم مقصد ومصلحة العقيدة والتوحيد .. على مقصد ومصلحة أمن الأموال والأولاد.
ونحو ذلك قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ (وذلك عندما يحملونكم على البخل والشح؛ فيصدونكم عن القيام بواجب الجهاد في سبيل الله .. وما تقتضيه مصلحة العقيدة والتوحيد من مواقف وأعمال ) فَاحْذَرُوهُمْ (التغابن:14. أي فاحذروا الأزواج والأولاد ـ عالم الأمن والأمان ومادته ـ من أن يحملوكم على التخاذل والجبن .. وعدم القيام بما تقتضيه مصلحة العقيدة والتوحيد من مواقف وأعمال.
وكانت الكفارة لمن عبد من بني إسرائيل العجل .. ولما نقضوا عقيدة التوحيد .. أن يقتلوا أنفسهم .. وأي أمن وأمان مع الأمر بأن يقتلوا أنفسهم، كما قال تعالى:) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ( البقرة:54.
قال ابن كثير في التفسير: قال ابن عباس: أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل أن يقتلوا أنفسهم، قال: وأخبر الذين عبدوا العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً، فانجلت الظلمة عنهم وقد جلو عن سبعين ألف قتيل، كل من قُتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي كانت له توبة.
وعن سعيد بن جبير ومجاهد ) فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ( قالا: قال بعضهم على بعض بالخناجر يقتل بعضهم بعضاً لا يحنو رجل على قريب ولا بعيد حتى ألوى موسى بثوبه فطرحوا ما بأيديهم، فكشف عن سبعين ألف قتيل ا- هـ.
قلت: وما أكثر الطواغيت العجول في زماننا التي تُعبد من دون الله .. وتخاصم الله تعالى في ألوهيته وربوبيته .. التي يجب على الأمة أن تتطهر منها ومن رجسها .. وعبوديتها .. مهما كانت التكاليف والتضحيات!
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع " مادة الأمن والأمان ومتعلقاته .. وركنتم إلى ذلك " وتركتم الجهاد " وهو ما يقتضيه موقف الولاء للعقيدة والتوحيد .. فالنتيجة المحتمة التي ينبغي أن نتوقعها وننتظرها " سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ". فتقدموا مصلحة العقيدة والتوحيد والجهاد في سبيل الله .. على كل ما سواها من المصالح والمقاصد مهما عظمت. 
ونقول كذلك لهؤلاء المرجفين الذين يتباكون على الأمن والأمان، خشية الوقوع في الفتنة زعموا: أن الفتنة كل الفتنة تكمن بالرضى بهؤلاء الطواغيت الظالمين .. وبأنظمتهم الكافرة .. وبالركون إليهم .. كما قال تعالى:) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الأنفال:39.
وقال تعالى:) وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة:191. وقال تعالى:) وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة:217. أي فتنة الرضى بالطاغوت .. وما يصدر عنه من كفر وشرك وظلم .. أشد وأكبر من فتنة القتل وما يترتب عليه من آلام وجراح!
وقال تعالى:) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (هود:113. وأي ركون أعظم من الرضى بالطواغيت الظالمين وبحكمهم وقانونهم .. وترك جهادهم؟!
وقال تعالى:) فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النور:63.
ومن أمر النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين الذي إذا تركوه أصابتهم فتنة .. أو يُصيبهم عذاب أليم .. الخروج على الحاكم الكافر المتلبس بالكفر البواح، كما في الصحيحين:" إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "؛ أي إذا رأيتم منه كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ودليل من كتاب الله أو سنة رسوله، تعين قتاله والخروج عليه .. وهذا الذي نص عليه جميع أهل العلم بلا خلاف؛ لعلمهم أن إقرار الحاكم على كفره وطغيانه أشد فتنة وضرراً على الأمة من قتاله والخروج عليه .. مهما ترتب على الخروج عليه من تضحيات.
تأملوا ـ إن شئتم ـ حجم الذل والخنوع .. وحجم الظلم والفقر .. وحجم الفساد والتخلف والجهل .. وحجم الضرائب الباهظة التي تقدمها الشعوب من دينها .. وعِِرضها .. ومالها .. وعزتها .. وكرامتها .. عندما تخلوا عن العمل بفريضة وواجب الخروج على طواغيت الحكم والكفر والظلم .. خشية الوقوع في الفتنة .. وخشية فقدان نعمة الأمن والأمان .. زعموا!!
أي فتنة نخشاها تعلوا الفتن التي أصابت الأمة في هذا الزمان بسبب ركونها ـ إلا من رحم الله من عباده المؤمنين الموحدين ـ للطواغيت الظالمين الآثمين .. وعدم الخروج عليهم!
أين الأمن والأمان ـ الذي يزعمه هؤلاء المخذلين المأجورين ـ في ظل حكم هؤلاء الطواغيت الظالمين .. والمرء لا يجد الحرية ولا الأمان الذي يمكنه من التعبير عن عقيدته ودينه ..؟!
أين الأمن والأمان ـ الذي يزعمه هؤلاء المخذلين المأجورين ـ في ظل حكم هؤلاء الطواغيت الظالمين .. والمرء لا يجرؤ على أن يقول كلمة نقد واحدة في الطاغوت الحاكم .. رغم ما يراه ـ وعلى مدار الوقت ـ من انتهاكات صريحة للحقوق والحرمات ..؟!
أين الأمن والأمان ـ الذي يزعمه هؤلاء المخذلين المأجورين ـ في ظل حكم هؤلاء الطواغيت الظالمين .. وكثير من شباب التوحيد لا يأمنون على أنفسهم أن يؤدوا مناسك الحج أو العمرة .. أو يزوروا الحرمين الشريفين اللَّذين يُفترضَا أن يكونا أكثر بقاع الأرض أمناً وأماناً .. خشية أن تتخطفهم كلاب الطواغيت المسعورة ..؟!
أين الأمن والأمان ـ الذي يزعمه هؤلاء المخذلين المأجورين ـ في ظل حكم هؤلاء الطواغيت الظالمين .. والشعوب المقهورة لا تملك سوى أن تقول للطاغية الجلاد .. نعم .. ولو تجرأ أحدهم فقال مرة: لا، فمصيره السجن أو القتل أو الطرد والتهجير ..!!
أين الأمن والأمان ـ الذي يزعمه هؤلاء المخذلين المأجورين ـ في ظل حكم هؤلاء الطواغيت الظالمين .. وسجونهم تغص بعشرات الآلاف من الأبرياء المظلومين .. من صفوة وخُلَّص شباب هذه الأمة ورجالاتها؟!
ومما يدل على هذا الواقع المرير، ذلك التقرير الذي أعدته " الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية " والذي نشرته كثير من وكالات الأنباء والإعلام، وقد ورد فيه:" أن السجون في السعودية تضم ضعف طاقتها الاستيعابية من السجناء "؛ فامتلأت العمارات والسجون الضخمة بالسجناء الأحرار .. بل هي ـ بحسب رواية التقرير ـ تضم ضعف طاقتها من السجناء .. والنظام السعودي رغم ما يملك من أموال طائلة سلبها من شعبه المحروم، فلم يعد يملك العمارات التي يضع فيها السجناء المعارضين لكثرتهم!!
فأي أمن وأمان ـ يا دعاة الإرجاف والتثبيط ـ مع تلك السجون الضخمة التي تغص بالمؤمنين الموحدين ..؟!!
هذا في السعودية .. بلد الحرمين الأسيرين .. فكيف لو أردنا أن نتكلم عن سجون الطواغيت الظالمين في سورية أو مصر .. أو ليبيا .. أو تونس .. أو الجزائر .. أو العراق .. أو غيرها من البلدان التي يحكمها الطواغيت المجرمون .. وما أكثرهم؟!
يا أيها الناس .. يا أبناء ديني وأمتي في كل مكان .. حتى لا تقولوا كتمتم عنا العلم .. فلم تنصحوا ولم تبينوا .. هاأنذا أبرئ الذمة .. معذرة إلى ربكم .. فأستصرخكم من جديد .. وأحذركم من جديد .. وأعيد لكم البيان والتذكير المرة تلو المرة ـ محتسباً نقمة الطواغيت الظالمين علينا عند الله ـ فأقول ناصحاً ومشفقاً: إن أردتم أن يُرفع عنكم هذا الذل والضيم الذي طال أمده .. وأن تُعيدوا للدين عزه ومجده، ودوره في الحياة وقيادة الشعوب .. لا بد من أن تتحرروا أولاً من سلطان وضغط وهيمنة طواغيت الحكم والكفر في أمصار المسلمين .. وراء كل عقبة كأداء تمنع المسلمين من التقدم والتحرك نحو أهدافهم وحقوقهم .. فإن لم تفعلوا .. فتربصوا .. وانتظروا مزيداً من الذل، والخوف، والضياع، والفقر، والتخلف، والتيه .. والعذاب .. وروضوا أنفسكم على دفع المزيد من الضرائب الباهظة تقدمونها بنفس مرغمة مكرهة على موائد وشهوات ورغبات الطواغيت الظالمين .. ولا تلوموا حينئذٍ إلا أنفسكم!
) وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود:88.
والحمد لله رب العالمين.

3/11/1425 هـ.                              عبد المنعم مصطفى حليمة
14/12/2004 م.                                 أبو بصير الطرطوسي

إرسال تعليق

 
Top