بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد تأملت كثيراً من منتديات الحوار المنتشرة عبر شبكة الإنترنت .. وغيرها من المناظرات الصوتية والمرئية .. فوجدت مشكلة في طريقة الحوار التي ينتهجها كثير من المتحاورين .. وفي لهجة الحوار التي تنتهي ـ في كثير من الأحيان ـ بالمتحاورين إلى التلاعن .. والتنافر .. والتباغض .. وإغارة الصدور .. والتراشق بالقول المشين .. فيأتي الحوار بخلاف النتائج المرجوة منه؛ فبدلاً من أن يُقرب بين طرفي أو أطراف الحوار وبين وجهات نظرهم .. تراه يُباعد بينهم .. وبين وجهات نظرهم .. ويزيد الشقة فيما بينهم ابتعاداً وفرقة أكثر مما كانوا عليه قبل الحوار .. كما ويزيد المراقبين لهم ولطريقتهم في الحوار .. وما يتحاورون حوله من مواضيع .. تشوشاً وغموضاً وشبهة!
لذا وجدت نفسي مشدوداً لتسجيل بعض آداب وضوابط الحوار .. التي تعين على توجيه وترشيد الحوار والمتحاورين .. بما يحقق النفع المرجو من الحوار .. وكهدية مني لمنتديات الحوار .. راجياً من الله تعالى السداد، والقبول.
نجمل ذكر بعض وأهم تلك الآداب والضوابط في النقاط التالية:
1- أن يكون همُّ وغاية كل طرف من أطراف الحوار إنصاف الحق .. ومعرفته .. واتباعه .. والانتصار له .. ولو كان عند الطرف الآخر من المتحاورين .. وأن تنعقد هذه النية ـ في إنصاف الحق ـ قبل الشروع في الحوار .. وأن تُراقَب وتُتابع أثناء الحوار وبعده!
المشكلة تبدأ وتتضخم عندما يكون هم وغاية كل طرف من أطراف الحوار كيف يغلب الطرف الآخر، وكيف يظهر عليه في الحوار والمحاجة .. ويعلو صوتُه على صوتِه .. وكيف يحقِّره ويُصغِّره .. ولو كان في الباطل أو الزور!
المشكلة تتضخم وتتضاعف عندما يكون هَمُّ وغاية أطراف الحوار أو بعضها .. هو مجرد التحدي والمباهاة والمفاخرة .. وكيف يصرفون إليهم وجوه وإعجاب الناس .. ولو كان ذلك في الباطل والزور!
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من ابتغى العلمَ ليُباهي به العلماءَ، أو يُماريَ به السفهاءَ، أو تُقبل أفئدة الناس إليه، فإلى النار "[[1]]. فهو إلى النار وإن كان محقا؛ً لفساد مقصده، فكيف إذا اجتمع عليه فساد المقصد وبُطلان ما يُنافح عنه ويُجادل؟!
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يظهر الإسلام حتى تختلفَ التجارُ في البحر، وحتى تخوضَ الخيلُ في سبيل الله، ثم يظهرُ قومٌ يقرؤون القرآن، يقولون: من أقرأ منا؟ ومن أعلمُ منا؟ ومن أفقه منا؟ "، ثم قال لأصحابه:" هل في أولئك من خير؟"، قالوا: الله ورسولُه أعلم. قال:" أولئك منكم من هذه الأمة، وأولئك هم وقودُ النار "[[2]].
2- أن يتولد لكل طرف من أطراف الحوار الاستعداد النفسي قبل وأثناء الحوار .. أن يعترف بالخطأ إن أخطأ .. وأن يقر لمخالفه بالإصابة إن أصاب .. وهذا من تمام العدل والإنصاف والرقي في الحوار .. وضده الكبر والظلم والجحود، والاستعلاء في الباطل .. فالكبر يقوم على ركنين: رد الحق .. واحتقار الخلق .. وأيما امرئٍ يقع في هذين الخلقين المذمومين .. فهو من المتكبرين الذين تأخذهم العزة بالإثم .. ويطالهم وعيد التكبر والعياذ بالله.
فقد أثر عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لامرأة راجعته في قضية تحديد المهور: أخطأ عمر .. وأصابت امرأة .. وما عُد ذلك انتقاصاً من قدره .. بل عُد من جملة مزاياه الحسنة والعظيمة .. وما أكثرها.
3- الاتفاق على المرجعية التي يتم التحاكم والرجوع إليها فيما قد تم الخلاف والنزاع فيه .. والتي بها تقوم الحجة الدامغة على المخالف .. وفي حال عدم الاتفاق على مرجعية ثابتة يتم الرجوع ورد النزاعات إليها .. يعني استحالة حصول الاتفاق أو التقارب فيما بين المتحاورين .. وفيما اختلفوا وتنازعوا فيه؛ إذ من الممكن حينئذٍ لكل طرف من أطراف الحوار أن يرد النزاع إلى مرجعيته وقانونه ودستوره وقناعاته الخاصة به التي تختلف عن مرجعية وقانون ودستور وقناعاة الطرف الآخر .. وبالتالي فإن زاوية الخلاف والتنازع تتسع أكثر فأكثر .. وينفض المتحاورون وهم أكثر تفرقاً وتنافراً مما كانوا عليه قبل الحوار!
هذه المرجعية التي نؤكد عليها والتي يجب التحاكم والرجوع إليها تكمن في الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، كما قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء:59.
فهذه الآية الكريمة أكدت على معانٍ عدة:
منها: أن الرد إلى الله والرسول يكون بالرد إلى الكتاب والسنة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومنها: قوله ) فِي شَيْءٍ ( من الصيغ التي تفيد العموم؛ أي أي شيء ـ من شؤون الدين والدنيا ـ يتم النزاع فيه يجب رده إلى الكتاب والسنة.
ومنها: أن الكتاب والسنة فيهما جواب شاف كافٍ لكل نزاع يمكن أن يقع؛ إذ يستحيل على الرب I أن يأمر برد النزاع إلى شيء ثم لا يوجد في هذا الشيء حلاً حاسماً وشافياً لما تم النزاع فيه.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" والذي نفسي بيده ما تركت شيئا يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا أمرتكم به، وما تركت شيئا يقربكم من النار، ويباعدكم عن الجنة إلا نهيتكم عنه ".
ومنها: أن من لوازم الإيمان وشروط صحته رد النزاع ـ أي نزاع ـ إلى الكتاب والسنة .. ينتفي الإيمان بانتفاء الرد إلى الكتاب والسنة ولا بد، لذا قال تعالى:) إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (.
فإن قيل: ولكن قد يكون الطرف المحاور المقابل لا يؤمن بمرجعية الكتاب والسنة .. ولا يرضى بالتحاكم ورد النزاع إليهما ..؟!
أجيب عن هذا الاعتراض من أوجه:
منها: أقول: دعوه يُعرب عن اعتقاده هذا صراحة .. فهذا مما يُنفر عنه الناس .. ويُضعف حجته وقوله.
ومنها: إن أعرب عن رفضه صراحة لمرجعية الكتاب والسنة .. يُطالب بالمرجعية البديل التي توازي الكتاب والسنة .. وأنَّى!
ومنها: تسخيف مرجعيته .. وأنها ـ مهما تنوعت وقيل عنها ـ لا تعدو أن تكون حكم الجاهلية .. ومرجعية الجاهلية .. التي لا تهدي إلا إلى العمى والضلال والشقاء، كما قال تعالى:) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (غافر:20. وقال تعالى:) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة:50.
ومنها: أن عدم إيمانه بمرجعية الكتاب والسنة .. لا يسلبنا حقنا في التحاكم ورد التنازع إليهما، والاستدلال بهما على المخالف الجاحد؛ لأن الحجة الدامغة تقوم بنصوص الكتاب والسنة على المؤمن والجاحد سواء .. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستدل بالقرآن الكريم على المؤمنين والكافرين الجاحدين سواء .. ويُخاطب الجاحدين الكافرين بنصوص الوحي .. كما يُخاطب المؤمنين المصدقين .. وهذا منهج في الدعوة والحوار مع الآخرين لا يمكن أن نحيد عنه[[3]].
ومنها: أن من كان هذا وصفه؛ لا حرج من الاستدلال عليه ـ إضافة للاستدلال بأدلة الكتاب والسنة ـ بالأدلة العقلية الصحيحة .. وبالواقع المشاهد والثابت .. فالنقل الصحيح لا يتعارض مع العقل الصحيح، ولا مع الواقع الصادق والثابت؛ فالأدلة النقلية، والعقلية، والواقعية كلها تصدق بعضها البعض، ولله الحمد.
4- انتقاء العبارة الأسلم في الخطاب التي تؤلف به قلب محاورك، وتشد سمعه لما تُحاوره عنه، أو تدعوه إليه، وهذا مما يدخل في معنى قوله تعالى:) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل:125.
ومن ذلك أمر الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام بأن يقولا للطاغية فرعون ـ وهما يُحاورانه ـ قولاً ليناً، أي قولاً رفيقاً رقيقاً لطيفاً؛ لأنه أوقع في النفس، وأشد أثراً، وأكثر نفعاً، كما قال تعالى:) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (طه:43-44.
وكذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: أن رهطاً من اليهود استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السَّام عليك! فقالت عائشة رضي الله عنها: بل عليكم السَّامُ واللعنة، فقال صلى الله عليه وسلم:" يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ". قلت : أولم تسمع ما قالوا؟! قال:" قلت: وعليكم ".
تأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم يوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى الرفق في الرد على الطاعنين المخالفين، في موضع يُنال فيه من جناب سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه .. حيث كان الرفق حينئذٍ يتجسد في جواب النبي صلى الله عليه وسلم لهم، والذي اقتصر فيه على كلمة واحدة فقط:" وعليكم "؛
أي عليكم يرتد الموت .. والدعاء بالموت!
واعلم ـ يا عبد الله ـ أن اللجوء إلى السب والطعن، واللعن .. والصخب .. ورفع الصوت .. عند محاورة الآخرين .. هو سلاح الضعيف المهزوم المفلس الذي لا يملك حجة ولا برهاناً فيما يدعو إليه .. فتراه ـ ومن أول الحوار ـ يغطي عيبه وجهله .. وعورته .. بالشتم، والطعن، والصراخ .. والتنقيص من الطرف الآخر!
واعلم كذلك أن إغارة صدور الآخرين من المخالفين بالشتم .. والطعن .. والانتقاص .. الكل يتقنه .. وهو سهل لا يحتاج إلى مهارات .. ولا إلى علم .. وإنما استمالة الطرف الآخر إلى قولك ورأيك .. وإرغامه ـ بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة ـ على أن يستمع إليك وإلى قولك باحترام .. هو الذي لا يتقنه إلى المهرة العلماء!
وقولنا هذا لا يعني ـ كما قد يظن البعض ـ أن تغيِّب أو تكتم من الحقيقة شيئاً .. أو تجامل أهل الباطل على باطلهم .. أو تداهنهم فيداهنوك .. أو أن لا تسمي الأشياء بمسمياتها الشرعية .. فهذا المعنى لا نعنيه ولا نقصده .. ونبرأ إلى الله تعالى منه!
5- قراءة أفكار ومبادئ وعقيدة ونفسيات الطرف المخالف جيداً قبل البدء في الحوار .. لتحسن محاورته والتعامل معه، ولتعطيه الخطاب أو الأسلوب الذي يستحقه .. والذي يجدي معه .. ولتعرف ما يحتاجه من الحجج والبراهين مما لا يحتاجه؛ إذ أن جهل المحاور بنظيره .. يقلل من قيمة وجودة وفعالية الحوار .. وربما سار الحوار في اتجاه لا يعني الطرف المقابل المحاور شيئاً .. وما أكثر ما يحصل ذلك!
كما أن جهل كل طرف بنظيره قد يؤدي إلى الوقوع في الظلم والعدوان بغير حق؛ فيطلق كل طرف على الآخر قائمة من الاطلاقات والأحكام لا يستحقها أحد منهما .. فتجد أحدهما ـ لأدنى خلاف مثلاً ـ يُطلق على الآخر حكماً بأنه جهمي، أو مرجئ، أو جامي، أو من الخوارج الغلاة .. وغير ذلك من الاطلاقات والأحكام .. وبشيء من التأمل والتتبع .. تجد أن الطرفين على اعتقاد صحيح .. وأن أصولهما أصول أهل السنة والجماعة .. ولكن جهل كل طرف بالآخر .. وبأصول وقواعد الآخر .. هو الذي أوقعهما بهذا النوع من الظلم والعدوان!
6- قراءة موضوع الحوار جيداً .. وقراءة كلمات الطرف المقابل ذات العلاقة بموضوع الحوار جيداً .. فهذا مما يُعين على التركيز على موضوع الخلاف من غير شرود .. ولا شطط .. وعلى حصر الردود فيما تم الخلاف عليه، لا غير.
لا بد من تحديد مناط الخلاف عند إجراء أي حوار راشد هادف؛ إذ لا يليق بطرفي الحوار أن يكون موضوع الحوار أو الخلاف حول حكم تارك الصلاة مثلاً .. ثم أحد الطرفين يأتي بأدلة .. ونقولات لبعض أهل العلم تتكلم عن حكم تارك الزكاة .. أو حكم الجهاد مع أئمة الظلم والفجور .. أو غير ذلك من المسائل .. ثم يقول له هاقد أقمت عليك الحجة فيما اختلفنا فيه .. وذكرت لك طائفة من الأدلة والبراهين .. وأقوال أهل العلم .. فردها علي إن استطعت!
وأحياناً يكون الخلاف على الصين وعدد سكانها .. فيأتي الجواب عن الهند والسند .. وعدد قرودها!
مشكلة حقاً .. عندما يكون أحد طرفي الحوار قمَّاشاً .. كحاطب ليل .. يحتطب ما يعنيه ومالا يعنيه!
7- عدم السماح للطرف المخالف بأن يطرح مسألة ثانية أو ثالثة أو أكثر قبل أن تُحسم المسألة الأولى، ويحصل عليها اتفاق معين.
فإن إقحام عشرات المسائل بعضها فوق بعض، ومن دون أن تُعطى كل مسألة حقها من البحث والنقاش، يترتب عليه محاذير عدة:
منها: عدم إنصاف المسائل المطروحة .. فينتهي المجلس وينفض المتحاورون .. من دون أن تُحسم أية مسألة من المسائل التي طُرحت!
ومنها: أن طرح عشرات المسائل المختلفة .. يؤثر سلباً على موضوع الحوار الذي انعقد الحوار لأجله!
ومنها: أن طرح المسائل العديدة بعضها فوق بعض .. يشوش على طرفي الحوار أو أحدهما .. ويفقده التركيز على الجواب الصحيح!
كما ويشوش على السامعين أو المراقبين للحوار .. ويفقدهم القدرة على التركيز على موضوع معين .. أو الموضوع الذي انعقد لأجله الحوار!
ومنها: أن من علامة المحاور المفلس المراوغ أن تراه يُقحم عشرات المسائل في جلسة واحدة أو موضوع واحد؛ كأن يكون ـ مثلاً ـ موضوع الحوار حول " كيفية إثبات شهر رمضان "، وقبل أن يُجيب الطرف الآخر عن هذه المسألة بالصورة الكافية والصحيحة .. تراه يبادره السؤال الآخر: وهل الإفطار في رمضان يكون على حسب غروب الشمس أم التوقيت الفلكي .. وماذا عن التقيؤ للصائم هل يُفسد صومه .. وهل الصلاة خلف الجنازة واجبة أم مستحبة .. وهل الكحول في العطور نجسة أم لا .. وماذا عن الصلاة خلف أئمة الجور .. وهل يُشترط استئذان الوالدين للجهاد .. وهكذا تراه يسرد عليك المسائل سرداً .. وقبل أن تجيبه عن أي مسألة من تلك المسائل تراه يوجه إليك طائفة أخرى من المسائل .. فينفض المجلس .. وينتهي وقت الحوار .. بين طرح عشرات المسائل المختلفة التي لم تجد جواباً شافياً .. وبين إجاباتك المتقطعة المجزأة الناقصة .. والتي لا تغني ولا تُسمن من جوع .. ومن دون أن تكون قد أجبت عن موضوع الحوار الأساسي وهو " كيفية إثبات شهر رمضان "؟!
فإن ابتليت بمحاور هذا وصفه ـ وما أكثرهم ـ فاحذره .. ولا تسمح له بأن يتلاعب بك وبأفكارك ووقتك من خلال طرح عشرات المسائل المختلفة .. فتخرج من الحوار وأنت في أعين الآخرين المراقبين فاشل وضعيف .. وعلى باطل .. وأن نظيرك .. هو الذكي .. الذي استطاع أن يتلاعب بك .. وبأفكارك .. ومن دون أن يُعطيك الفرصة التي تمكنك من الجواب عن أي مسألة من المسائل التي طُرحت في الحوار .. وهذا الذي يريده مخالفك!
8- عدم الانشغال فيما تم الاتفاق عليه من موضوع الحوار؛ لأن الانشغال في المتفق عليه مضيعة للأوقات والطاقات من دون فائدة، ولا حاجة .. ويكون ذلك ـ في الغالب ـ على حساب المختلف عليه من الموضوع .. الذي يحتاج إلى بحث ونقاش .. وعندما يُحاول أحد طرفي الحوار أن يُشغل نظيره في ترداد المتفق عليه .. والوقوف عنده .. لا بد للطرف الآخر من أن يذكره بمواطن الخلاف والنزاع .. وأن مواطن الاتفاق لا تحتاج إلى بحث ولا نقاش .. وبالتالي لا بد من تجاوزها إلى مواطن النزاع والخلاف .. ويحصل التركيز عليها!
9- اجتناب الحوار في مواطن الريبة والخوف؛ إذ لا يمكن للمحاور الخائف المرتاب من أن يُظهر كل ما يعتقده، فإن كان الذي يعتقده أو الطرح الذي يمثله يمثل جانب الحق من الموضوع المراد بحثه ونقاشه .. فإنه بذلك يُظهر جانباً من الحق أو بعضه .. وهو بذلك يُظهر الحق ضعيفاً منقوصاً .. مشوهاً .. على غير صورته الكاملة الحقيقية التي تليق به!
وهو بغنى عن هذا الموقف .. الذي يُسيء فيه للحق وهو يدري أو لا يدري!
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ليس بمؤمنٍ من أذلَّ نفسه؛ يُعرِّض نفسه للبلاء ليس له به طاقة ".
وقد صدق من قال: واحذَرْ مُناظرةً بمجلسِ خِيفةٍ .... حتى تُبدَّلَ خِيفةً بأمانِ
10- لا تغضب .. واحذر محاورك من أن يُثير غضبك .. فالغضب ـ في مواطن الحوار ـ يفقدك الاعتدال .. والتوازن .. ويغلق على ذهنك .. ويخرجك عن حدود اللباقة والأدب .. ويحملك على أن تقول مالا تود قوله في حالة الرضى والاعتدال .. فتندم .. ولات حين مندم!
وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال:" لا تغضب "، فردد مراراً؟ فقال:" لا تغضب ".
هذه جملة من الآداب والضوابط التي ترشِّد عملية الحوار .. وتنهض به ـ بإذن الله ـ إلى المستوى المنشود والمرجو من الحوار .. ما رُوعيت وعُومِل بها .. وددنا التذكير بها .. سائلاً الله تعالى القبول .. وأن ينفع بها العباد .. وأن تكون لهم مفتاح خير مغلاق شرٍّ .. إنه تعالى سميع قريب مجيب.
وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلَّم.
27/12/1425 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
6/2/2005 م. أبو بصير الطرطوسي
www.abubaseer.bizland.com
[3] مما أذكره يوم أن كنت معتقلاً في سجون طواغيت النظام البعثي النصيري في سورية وكان ذلك سنة 1976م، أنني ابتليت بمجالسة سجين شيوعي ملحد في نفس الزنزانة التي كنت فيها .. وعند الحديث معه كان يشترط علي أن لا أسمعه أي نص من القرآن الكريم .. لما يجد في النص القرآني من تأثير وقوة، ومتانة حجة لا يمكن بحال أن يرقى إليها كلام البشر أياً كان هذا البشر .. كما لا يمكن لذوي العقول والأفهام السديدة إلا أن يرضخوا له!