GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          اعلم أن الرضى بالشيء كفاعله؛ فمن رضي المنكر أو الذنب والإجرام وصفق وهلل وكبر له، فله وزره، ووزر من عمل به، وإن لم يعمل به، أو لم تكن له مشاركة في فعله .. وكان جالساً في بيته على أريكته .. ومن رضي المعروف أو الحسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها، وإن لم يعمل بها، وحال بينه وبين فعلها العجز أو الضعف.

قال تعالى:) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (النساء:140.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى: إن معنى الآية على ظاهرها، وهو أن الرجل إذا سمع آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فجلس عند الكافرين المستهزئين من غير إكراه ولا إنكار ولا قيامٍ عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره فهو كافر مثلهم، وإن لم يفعل فعلهم لأنّ ذلك يتضمن الرضى بالكفر، والرضى بالكفر كفر.
وبهذه الآية ونحوها استدل العلماء على أن الراضي بالذنب كفاعله، فإن ادعى أنه يكره ذلك بقلبه لم يُقبل منه؛ لأن الحكم على الظاهر وهو قد أظهر الكفر فيكون كافراً[[1]].
وقال القرطبي في كتابه"الجامع" 5/418:) إنكم إذاً مثلهم (، من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضى بالكفر كفر، فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية ا- هـ.
وقد رفع لعمر بن عبد العزيز t قوم يشربون الخمر فأمر بجلدهم، فقيل له: إن فيهم صائماً! فقال: ابدؤا به، أما سمعتم قول الله تعالى:) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُم (.  
فجعل حاضر المنكر كفاعله؛ لأن جلوسه معهم من غير إكراه ولا إنكار قرينة دالة على الرضى بحالهم وفعلهم، فعوقب بمثل ما عوقبوا به.
قال تعالى:) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال:25.
قال القرطبي في التفسير 7/391: قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب ا- هـ. فيعمهم بالإقرار والرضى .. عذاب من فعل المنكر والجرم .. وإن لم يفعلوه أو يُشاركوا في فعله!
 وفي السنة، فقد صح عن النبي r أنه قال:" ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تتخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقبله فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" مسلم.
فقوله r" وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل "؛ لأنه ليس وراء إنكار القلب سوى الرضى والإقرار؛ لذا ينعدم الإيمان.
قال ابن تيميه في الفتاوى 28/127: تغيير المنكر يكون تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد. فأما القلب فيجب بكل حال، إذ لا ضرر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن.
وقيل لابن مسعود: من ميت الأحياء؟ فقال: الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ا- هـ.
وقال r:" إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها "[[2]]. أي كمن شهدها وفعلها، وكان مقراً لها .. في الوزر والإثم، والجزاء!  
فمرد الأمر في هذا الجانب إلى النية وما ينعقد في النيات، كما قال r:" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرءٍ ما نوى " متفق عليه.
وقال r:" إنما الدنيا لأربعة نفر؛ عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم، ولا يتقي به ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء"[[3]]. فوزرهما سواء؛ علماً أنه لم يفعل فعله .. وإنما شاركه فقط في النية والرضى فيما هو عليه من وزر .. فكانا سواء!

وقد لفتت نظري ظاهرة متفشية بين كثير من الناس ـ ممن هان عليهم دينهم ـ وهي أنهم يضعون أنوفهم في المتشابهات .. بل وفي كثير من الأحيان يخوضون ـ بغير علم ـ في المحكمات الواضحات في الحرمة أو الحل .. وينقسمون بين مؤيد ومعارض .. وبين المبارك والساخط الناقم .. يحسبون أن الأمر هيناً عند الله تعالى!

          كثير من الأعمال لها حكم الإجرام في شرع الله .. لا يمكن أن تُصنف إلا في خانة سفك الدم الحرام .. ومع ذلك ترى فريقاً من الناس ـ تحت عناوين وذرائع شتى ـ  وبكل ارتخاء وبساطة وجرأة ..  يُغامرون ويُقامرون بدينهم وحسناتهم فيصفقون ويكبِّرون لهذه الأعمال مباركين ومؤيدين لها .. ولمن فعلها!
وهؤلاء ـ سواء علموا أم لم يعلموا ـ  وهم جالسون على أريكتهم في بيوتهم .. لهم نفس وزر هذه الجرائم .. ونفس وزر فاعليها .. وإن لم يُشاركوا في فعلها!
          قال تعالى:) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (النساء:93.
          أقول: نفس الوزر .. ونفس الوعيد والجزاء الوارد في هذه الآية الكريمة .. ينال من رضي قتل المؤمن .. أو أقره وباركه .. وصفق له .. وإن لم يُشارك في ارتكاب الفعل والجرم!
وقال r:" لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ".
وقال r:" كل ذنبٍ عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً ".
وقال r:" أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة ".
وقال r:" لا يزال العبد في فسحةٍ من دينه ما لم يصب دماً حراماً ".
وقال r:" من قتل رجلاً من أهل الذمة، لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً ".
وقال r:" من  قتل نفساً معاهدة بغير حلها، حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها ".
أقول: نفس الوزر الوارد في هذه الأحاديث .. ونفس الوعيد المترتب على ارتكاب هذا  الوزر .. الوارد في هذه الأحاديث .. يطال من رضي وبارك أو أقر وصفق .. لقتل المؤمن .. أو النفس المعاهدة .. وإن لم يُشارك بأي إجراء عملي أو فعلي في عملية القتل أو ارتكاب الجرم!
          فالحذر الحذر .. عباد الله .. فلا يستخفنكم الشيطان فيحملكم على المغامرة والمقامرة بدينكم وحسناتكم .. وأنتم جالسون على أريكتكم في بيوتكم .. فتهلكوا وتخسروا كل شيء .. وأنتم تعلمون أو لا تعلمون .. فتندمون، ولات حين مندم!

عبد المنعم مصطفى حليمة

أبو بصير الطرطوسي
9/10/1426 هـ./ 11/11/2005 م.   



[1] مجموعة التوحيد:48. 
[2] صحيح سنن أبي داود: 3651.
[3] صحيح الترغيب والترهيب: 14.

إرسال تعليق

 
Top