بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد وقفت على تصريحات بابا الفاتيكان " بنيديكت " السادس عشر .. التي تطاول فيها على الإسلام، وعلى نبي الإسلام ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ وبعبارات تنم عن حقده الصليبي الدفين، وعن جهله المركب بالإسلام .. وتاريخ الإسلام .. وتعاليم ومقاصد الإسلام .. بل وعن جهله بنصرانيته .. وتاريخ دينه المحرَّف ـ القديم منه والمعاصر ـ الحافل بارتكاب المجازر الدموية البشعة بحق الإنسانية جمعاء .. بما لا يتناسب مع مركزه الديني كبابا للفاتيكان، وكأعلى سلطة دينية للنصارى!
ليس غريباً ولا مفاجئاً أن يصدر عن هذا الرمز الديني ـ الذي يمثل أعلى سلطة دينية عند النصارى ـ عبارات الطعن والتجريح التي تنم عن حقده الصليبي الدفين على الإسلام .. وعلى نبي الإسلام .. وأمة الإسلام .. فهذا أمر متوقع منه ومعلوم عنه وعن أتباع دينه وملته .. قد أطلعنا الله تعالى عليه قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، كما في قوله تعالى:) وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (البقرة:120.
وقوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (آل عمران: 118.
وقوله تعالى:) وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة:217.
وقوله تعالى:) وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ (البقرة:109. وغيرها كثير من الآيات التي تحكي لنا حقد وكراهية النصارى الصليبيين للإسلام والمسلمين الذين منَّ الله عليهم بالهداية للإيمان بجميع أنبياء الله تعالى ورسله؛ لا يفرقون بين أحد من أنبيائه ورسله.
عاب بابا الفاتيكان على الإسلام عقيدة الجهاد التي تحمي الأمة وحرماتها من غزو الصليبيين ـ وغيرهم من ملل وأمم الكفر والطغيان ـ لديارهم وأوطانهم .. لأنه يريد الأمة أن تكون ضعيفة ـ بلا حصون، ولا قوة تردع العدو ـ سهلة المنال كلما عنَّ له ولقومه السطو والغزو والاعتداء!
عاب بابا الفاتيكان على الإسلام عقيدة الجهاد التي تزيل قهر وظلم وألوهية الأصنام، والأنداد، والطواغيت الذين يُعبِّدون الشعوب لأنفسهم وذواتهم وأهوائهم .. لتقول ـ فيما بعد ـ للشعوب المحررة من عبادة وظلم الطواغيت:) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة:256. ولتقول لهم كذلك:) وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (الكهف:29.
عاب بابا الفاتيكان على الإسلام عقيدة الجهاد .. التي من أسمى غاياتها حفظ السلام في الأرض .. وحمايتها من الفساد والخراب .. ومن أطماع وشر وإجرام .. عبدة الشيطان وجنده .. وما أكثرهم، كما قال تعالى:) وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة:251. وقال تعالى:) وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج:40.
هذه العقيدة التي يُعيبها علينا بابا النصارى .. هي التي حفظت وحمت المستضعفين من اليهود والنصارى في بلاد المسلمين .. ليعيشوا العدل والأمن والأمان في كنف المسلمين وحمايتهم .. في الوقت الذي كانوا يواجهون فيه قمة الظلم والقهر، والاضطهاد والتعذيب .. في ظل حكم القياصرة والأباطرة .. وملوك وأمراء الروم .. بمباركة الكنيسة وموافقتها .. وما آلام وعذابات وضحايا محاكم التفتيش عنا ببعيد!
كيف انتشرت النصرانية في الأمصار، وما هي وسائل النصارى في تنصير البلاد والعباد .. سؤال لو يجيبنا عنه بابا الفاتيكان إن كان قادراً، ولا نحسبه يفعل؟!
القاصي والداني .. المطلع وغير المطلع .. العالِم والجاهل .. الكل يعلم أن النصارى يعتمدون في نشر نصرانيتهم والتبشير بها على وسيلتين:
الأولى: الغزو، والعنف، والقتل، والتدمير، والإرهاب .. والاحتلال لأراضي الغير .. والإكراه .. إذ منذ الحروب الصليبية الأولى .. إلى استعمارهم وحروبهم الصليبية المعاصرة لبلاد المسلمين .. كانت قوافل التبشير والقساوسة تسير جنباً إلى جنب مع جيوش وعسكر الصليبيين؛ ليستثمروا غزوهم .. وسطوهم على البلاد .. في التبشير، وتنصير العباد والبلاد.
لم تكن الجيوش الصليبية تنطلق لأهدافها وأطماعها التوسعية .. وفي أي وقت من أوقاتها .. إلا بعد موافقة ومباركة الكنيسة ورجالاتها .. لأن الآخرين كانوا ـ ولا يزالون ـ يجدون في الحروب الصليبية وظروفها وأجوائها ومآسيها فرصتهم السانحة للتبشير بالنصرانية .. وبالتالي فهم يتحملون كامل التبعات الأخلاقية والإنسانية .. وكامل المسؤولية التي يتحملها جند وعسكر الصليب، من جراء غزوهم واحتلالهم، وما يرتكبونه من مجازر في بلاد المسلمين وغير المسلمين.
أفغانستان لم تعرف النصرانية في تاريخ وجودها .. إلا مؤخراً لما غزاها الصليبيون بقيادة قيصر أمريكا الصليبي .. فدخلت مع الغزاة طوابير التبشير والتنصير .. ليقوموا بعملية التبشير والتنصير في ظروف القتل، والتدمير، والسطو على الحرمات الآمنة .. التي تتم على أيدي الغزاة الصليبيين!
هذا التحالف القديم الحديث بين الجيوش الصليبية وقاداتها وما يرتكبونه من جرائم ومجازر وبين قوافل وطوابير التبشير من رجالات الكنيسة .. ظاهر بيِّن .. لا ينكره منصف!
ثانياً: استغلال الكوارث ومآسي الناس؛ إذ ما من كارثة تنزل بساحة جماعة من الناس فتوقعهم في الفقر، والحاجة الماسة للمأكل والمشرب، والملبس والدواء .. إلا وتجد طوابير التبشير الذين يبشرون بالنصرانية متربعين هناك .. يعرضون خدماتهم ومساعداتهم مقابل التنصير .. فمقابل رغيف الخبز أو شربة الماء، أو جرعة الدواء .. التي تُمنح للمنكوبين .. أن يتنصروا .. وإلا حُرموا المساعدة والعطاء!
يفعلون ذلك لعلمهم أن هذا الإنسان لو تحقق له الاكتفاء الذاتي .. لم يعد يسمع إليهم .. كما أنهم لم يعد يقدرون على تنصيره وتصليبه؛ لذا وقبل أن يصل إلى مرحلة الاكتفاء .. تراهم يعرضون عليه التنصير مستغلين حاجته وفقره .. وهذا خُلُق مُشين مذموم مرفوض .. لا يليق بإنسان الشارع، فضلاً عن رجل الدين!
هكذا انتشرت النصرانية .. وهذه هي وسائلها وميادينها وقيمها وأخلاقياتها .. فأين هي من الإسلام، ومن وسائله، وقيمه وأخلاقه؟!
قل لنا يا بابا النصارى .. ما قصة هذه الآلاف المؤلفة من رجال ونساء بلادكم بلاد الغرب .. الذين يتركون النصرانية ويدخلون في دين الإسلام أفواجاً .. في كل سنة يدخل من أبنائكم وبناتكم في دين الله عشرات الآلاف!
المرء من أبنائكم ما إن يُرفع عنه مكركم؛ مكر الليل والنهار .. ولو للحظة وجيزة .. ثم في هذه اللحظة أو الساعة يختلي مع آية واحدة من كتاب الله .. أو مع حديث واحد من مشكاة النبوة .. إلا وسرعان ما يُقذَف الإيمان في قلبه ليعلن إسلامه على الملأ .. وأن هذا الدين الجديد الذي لامس فطرته وعقله .. والذي لم يمض على الإيمان به سوى أيام وربما سويعات معدودات .. هو أحب إليه من الدنيا كلها .. وأنه لو قُطِّع إرباً إرباً ليرتد عن هذا الدين الجديد بعد أن هداه الله تعالى إليه .. لما ارتد!
قل لنا يا بابا النصارى .. هل ترى هؤلاء قد دخلوا الإسلام تحت تهديد وإرهاب السيف .. كما زعمت وكذبت .. أم أنهم وجدوا في الإسلام ضالتهم وراحتهم، وأنفسهم ونجاتهم ـ بعد أن فقدوا كل ذلك في نصرانية الغرب وحضارته القائمة على المادية والإباحية والدجل ـ فآمنوا به طواعية .. من تلقاء أنفسهم؟!
قل لنا يا بابا النصارى .. هل ترى هؤلاء من ذوي الفقر والحاجة والمرض .. والمسلمون قد استغلوا واقعهم المرير هذا ليعرضوا عليهم الإسلام مقابل الإغاثة والمساعدة .. كما تفعلون أنتم مع المنكوبين الفقراء .. أم ترى أنهم من طبقة الأغنياء الأصحاء المثقفين .. وإذا كانوا من ذوي الوصف الثاني ولا بد لك من التسليم بذلك .. فما الذي حملهم على الدخول في الإسلام طواعية ومحبة من عند أنفسهم؟!
أليس في ذلك سراً عظيماً ..؟!
أليس في ذلك دليلاً على أن الإسلام حق .. وأنه دين الله .. وأنه قوي بذاته .. لا يمكن لذوي العقول والفطر السليمة أن تقاومه أو ترده .. كما لا يمكن لمدافع ودبابات الغزاة الصليبيين أن يُقاوموه أو يسكتوه ويطمسوا معالمه؟!
كم حاربتم وغيركم الإسلام .. وكم معركة خضتموها ضد الإسلام .. وكم هي الأموال التي أنفقتموها من أجل القضاء على الإسلام .. ثم مع كل ذلك فالإسلام في ظهور وتوسع وازدياد وانتشار؟!
أليس ذلك دليلاً على أن هناك يداً خفية قاهرة عليا .. تعلو ولا يُعلى عليها .. قد تكفلته بالحفظ والرعاية، والظفر، كما قال تعالى:) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9.
فإن قيل: فما الذي حمل بابا الفاتيكان على هذا الطعن والتشهير بالإسلام وبنبي الإسلام .. في هذا الوقت .. وفي هذه الظروف؟
أقول: الذي حمل بابا الفاتيكان على تصريحاته العدائية هذه ـ إضافة لما تقدم ذكره ـ أمران:
أولهما: أن يضفي الشرعية على الحروب الصليبية المعاصرة ضد الإسلام والمسلمين التي يقودها كل من الطاغيتين الصليبيين الصهيونيين: رئيس أمريكا جورش بوش، ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير .. فهو يريد أن يقول للناس: الإسلام دين شرير .. ونبيه رجل شرير .. دينه انتشر بالعنف والإكراه .. وما دام الأمر كذلك فمن حق الجيوش الصليبية المعاصرة ـ التي يقودها بوش وبلير ـ أن تعلن الحرب الضروس على هذا الشر .. وعلى أتباعه الشريرين .. وبالتالي فعلى الناس ـ من أتباع البابا والفاتيكان ـ أن يباركوا حروبهم الصليبية وغزوهم لبلاد المسلمين!
فهي فتوى من بابا الفاتيكان .. يبارك فيها جرائم ومجازر بوش وبلير التي يرتكبونها بحق المسلمين في أمصارهم .. بزعم محاربة الشر وأتباعه .. ومحاربة الفاشية الإسلامية .. فتلاقت تصريحات وكلمات ورغبات بابا الفاتيكان مع تصريحات وكلمات ورغبات طواغيت الحكم والسياسة!
ثانياً: أن يقوي من شعبية هذين الرجلين ـ بوش وبلير قادة الحروب الصليبية المعاصرة بلا منازع ـ بعد أن اهتزت وضعفت .. وتعالت صيحات شعوبهما بضرورة إقصائهما عن الحكم وقيادة البلاد!