بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
أيما عمل إسلامي أو جماعة أو حركة تنتسب إلى الإسلام .. تريد أن تعيش الإسلام ـ وفي أي بقعة من بقاع الأرض تكون ـ سرعان ما يفزع عليها العالم الصليبي برمته ـ بقيادة أمريكا وحلفائها من دول الغرب ـ ومعهم الزنادقة من منافقي هذه الأمة .. ليعلنوا النفير .. ويدقوا طبول الحرب والخطر .. تحت ذرائع ملاحقة ومحاربة الإرهاب والإرهابيين زعموا .. وما يحملهم على فعل ذلك سوى الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين، وخوفهم من أن تقوم للمسلمين قائمة أو دولة، كما قال تعالى:] وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217.
وقال تعالى:] وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة:120.
من آخر الأمثلة والنماذج الدالة على هذه الحقيقة ما حصل ـ ولا يزال يحصل ـ في الصومال؛ هذا البلد المبتلى لما مزقته عصابات الحرب العميلة الخائنة .. التي لا يهمها من الشأن الصومالي سوى القتل والسطو على الحرمات .. وملء الجيوب والبطون بالحرام .. وعلى مدار أكثر من عشر سنوات .. كانت أمريكا ومعها دول الغرب تنظر للصومال والأحداث الجارية فيه بعين الرضى؛ ولِما لا ما دام ضحية هذا التمزق والتفرق والتقاتل الذي يقوده أمراء عصابات الحرب .. هم مسلمي الصومال .. وهذا الخراب والدمار تدور رحاه على أرضٍ إسلامية!
ولمَّا منَّ الله على الصومال وأهله بالجماعة التي توحد شمله ـ ممثلة باتحاد المحاكم الإسلامية ـ وتذود عن حرماته وأهله ودينه .. وتبسط الأمن والأمان في ربوع البلاد .. ساءهم ذلك .. ودقوا نواقيس الحرب والخطر .. وأعلنوا عن ضرورة تدخلهم في الشأن الصومالي الداخلي .. وإرسال قوات أممية صليبية تبسط الأمن في البلاد زعموا .. وهوَّشوا عملاءهم من أمراء الحرب القدماء .. وأمدوهم بالمال وأسباب القوة .. والحقيقة أنها خلاف ذلك كله؛ فأمن وأمان المسلمين لا يهمهم شيئاً .. وإنما مشكلة المشاكل التي أرقتهم وحملتهم على هذا التدخل السافر في الشأن الصومالي .. هي أن هذه الجماعة ـ التي التف الشعب الصومالي حولها وتوحد على منهجها ومطالبها ـ تنتمي إلى الإسلام، وتريد أن تحل مشاكل البلاد على أساس الإسلام؛ الدين الذي يعتقده ويتدين به الغالبية العظمى من أبناء الصومال .. هذه هي المشكلة .. وهذه هي الحقيقة!
ولما لم ينفعهم كل ذلك أوحوا إلى عينهم وربيبتهم ويدهم أثيوبيا الصليبية بضرورة التدخل العسكري .. وغزو الصومال .. لإيقاف مشروع المحاكم .. وإبطاله .. والعودة بالصومال وأهله ثانية إلى ما كانت عليه ـ من التفرق والتمزق والتقاتل ـ قبل وجود المحاكم .. ولها منهم كامل الدعم المادي والدبلوماسي!
وبالفعل فقد تم ذلك كله على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي كله .. ومن دون أن يُنكر أحد على أثيوبيا الصليبية غزوها العسكري السافر على الصومال وأهله!
وعليه فإننا نعلن وبكل وضوح أن هذه الحرب الدائر رحاها بين أثيوبيا والصومال على الأراضي الصومالية هي عدوان صريح على أرض الإسلام .. وهي حرب بين الكفر الصليبي العالمي بأداة أثيوبية صليبية وبين الإسلام وأهل الإسلام في الصومال .. لا يشك في ذلك إلا من أعمى الله بصره وبصيرته.
والواجب على المسلمين نصرة إخوانهم في الصومال بكل ما يملكون من أسباب ووسائل القوة والدعم المادي والمعنوي .. لا يجوز أن يقصروا في جهدٍ يستطيعون بذله؛ لقوله تعالى:] فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16. وقوله تعالى:] وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72. وقوله تعالى:] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71. فكما أن الكافرين بكل مللهم وأطيافهم بعضهم أولياء بعض على الإسلام والمسلمين كما قال تعالى:] وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73. كذلك يجب أن يكون المؤمنون كل المؤمنين يداً واحدة على من عاداهم] بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" المؤمنُ من أهلِ الإيمان بمنزلة الرأسِ من الجسد، يألَمُ المؤمنُ لما يُصيبُ أهلَ الإيمان، كما يألَمُ الرأسُ لما يصيبُ الجسدَ ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" ترى المؤمنين في تراحُمِهم وتوادِّهم، وتعاطُفِهم، كمثلِ الجسدِ إذا اشتكى عضواً تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" المؤمنون كرجلٍ واحدٍ، إذا اشتكى رأسَهُ اشتكى كلُّه، وإن اشتكى عينَهُ اشتكى كلُّه ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظلِمهُ ولا يُسْلِمه ..."؛ أي لا يتخلى عنه فيتركه ويُسلِمه للظلم والظالمين .. وغيرها كثير من النصوص الشرعية التي تُلزم المسلمين بأن يكونوا يداً واحدة في مواجهة الخطوب والأخطار والعدوان.
ولكي يمنع العدو المسلمين من تحقيق هذه الأخوة والموالاة فيما بينهم، ويمنعهم من مد يد العون والمساعدة لبعضهم البعض .. فقد ابتدع ذريعة ما أراها إلا من وحي الشيطان لهم؛ وهي تفسيرهم لكل دعم ـ سواء كان مادياً أم معنوياً ـ يتقدم به المسلم نحو أخيه المسلم .. على أنه دعم من عناصر القاعدة .. أو عناصر إرهابية .. وبالتالي لا بد من محاربة الدعم والداعمين والمدعومين .. ولكي يتجنب المسلم ـ الذي يحتاج إلى دعم إخوانه المسلمين ـ هذه التهمة .. تراه يرفض ويوصد الأبواب أمام كل دعمٍ خارجي يأتيه من قبل المسلمين .. فينفرد به الأعداء مجتمعين .. ويسهل عليهم غزوه وافتراسه .. بينما سبل دعم الكافرين بعضهم لبعض .. متاحة وميسرة للجميع وعلى جميع المستويات .. وهي فوق الشبهات!
لذا فإنني أهيب بجميع المسلمين ـ سواء الداعم منهم أو من يتلقى الدعم والمساعدة ـ أن لا تنطلي عليهم هذه الخدعة الشيطانية .. وأن لا تمنعهم من مد يد العون والغوث لمن يستحقها .. مهما كانت النتائج .. فالله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه .. ومن كان الله في عونه فلا خوف ولا ضيعة عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
6/12/1427 هـ/ 26/12/2006 م.