بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد استوقفني خبرٌ تناقلته وسائل الإعلام مفاده: أن الرئيس الأمريكي جورج بوش قرر إرسال عشرين ألف جندي أمريكي إضافي إلى العراق .. وفق خطة جديدة أعلن عنها لحسم الموقف في العراق لصالح السياسة الأمريكية ومصالحها في المنطقة .. كما زعم ..
فذكرني صنيعه هذا بالبقَّال الذي أضاف قليلاً من الملح على كيسٍ ممتلئ بالسكَّر .. ولم يعرف أن الذي أضافه ملحاً وليس سكراً إلا بعد أن اختلط الملح بالسكر .. وغلب طعم الملح على طعم السكَّر .. وبدلاً من أن يكتفي بما نزل به من ضرر وبلاء فيطرح السكر والملح معاً .. ويسأل الله العوَض .. قام بإضافة مزيد من السكر أملاً في أن يغلب طعم السكر على الملح .. وكرر محاولته هذه عدة مرات .. لكنه في كل مرة يُفاجَأ بأن طعم الملح لا يزال هو الغالب والظاهر .. وأن السكَّر لم يعد صالحاً للاستهلاك أو البيع والتصدير .. فاضطر في نهاية المطاف إلى أن يطرح السكر الممزوج بالملح أرضاً وفي القمامة .. لكن بعد فوات الأوان .. وبعد أن تضخمت الخسارة .. وفاقت توقعات البقَّال .. وأصبحت كمية السكر الملقاة أضعاف أضعاف ما كانت عليه أول الأمر قبل أن يبدأ بإضافة الزيادة عليها!
وهكذا الحال مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في العراق .. فهو بين الفينة والأخرى .. يُعلن عن إرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى العراق وفق خطة جديدة .. أملاً في أن يحسم الموقف لصالح سياساته ومآربه في العراق والمنطقة .. لكن في كل مرة يُدرك خسرانه .. وأن الذين أرسلهم من الجنود لا يكفي .. إذ لا بد له من إرسال المزيد من الجنود أملاً في الانتصار والحسم .. عسى أن يغلب طعم السكر طعم الملح .. لكنه في كل مرة يُدرك أن طعم الملح لا يزال هو الغالب .. وأن هذا الذي يُضيفه .. لا ينفع .. وهو لا يزيد الملح إلا ظهوراً ووضوحاً!
فهو واقع بين خيارين كلاهما مر: إما أن يرضى ويكتفي بما خسره الشعب الأمريكي على يديه .. ويوقِف النزيف .. وهذا خيار لا شكَّ أنه صعب .. سيصنفه في خانة أسوأ وأجهل حاكم يمر على أمريكا .. ويعرفه الشعب الأمريكي .. وإما أن يستمر في الاستزاف .. والمقامرة .. وإرسال مزيد من القوات .. على أمل أن يعوض ما قد خسره في السنوات العجاف الماضية التي مرت على وجوده وقواته في العراق .. وهذا أيضاً خيار صعب؛ لأنه يقوم على مبدأ المقامرة .. والضرب في الغيب .. إذ لا أحد يضمن لبوش وإدارته وشعبه .. أن إضافة مزيد من القوات .. لا يعني إضافة مزيد من الخسائر .. والضحايا .. من دون مقابل .. وأنه سيكون بمثابة إضافة السكر على الملح .. كما فعلَ البقَّال!
الطامة الكبرى بالنسبة لبوش وإدارته .. ستكون عندما يتبين لهم في النهاية أن الخسارة تضخمت أضعاف أضعاف ما كانت عليه في السنة الأولى من غزوهم للعراق .. وأنهم كانوا يُقامرون بقواتهم وأموال شعوبهم .. من دون طائل ولا فائدة .. فيقع حينئذٍ الندم والتحسّر على ما قد فات .. وأنهم لو أوقفوا المقامرة لما كانت ضحايا جنودهم لا تتعدى المئات .. وقبل أن تدخل خانة الآلاف!
في العراق توجد معادلة واضحة ظاهرة .. لكن إلى الساعة لم يستطع بوش ومن معه في حكومته أن يفهموها أو يستوعبوها!
في العراق يوجد فريقان: فريق رافض للاحتلال .. ولوجوده .. ويرى مشروعية جهاده ومقاومته .. وهم غالبية الشعب العراقي المسلم.
وفريق آخر متمثل في الشيعة الروافض .. وهؤلاء ولاؤهم لطهران وآياتها .. ولأحقادهم القديمة .. وعقائدهم الباطنية المذمومة والمرفوضة شرعاً وعقلاً .. من أبرز عقائدهم التي يتدينون بها: التقيَّة التي تعني النفاق .. والتلون والتذبذب .. واستحلال الكذب .. وتصديق الكذب .. وتكذيب الصدق!
هذه العقيدة تسمح لهم بأن يتحالفوا مع الشيطان .. ويعملوا لصالح الشيطان .. من أجل تحقيق بعض مآربهم وأحقادهم الطائفية البغيضة .. وتاريخهم كله ينطق بذلك.
فما الذي فعله جورج بوش ..؟
وضع نفسه وجيشه .. وقواته كلها .. في سلة وخدمة الفريق الثاني؛ وهم الشيعة الروافض ـ والتي تعني في النهاية خدمة المآرب الإيرانية الطائفية التوسعية في المنطقة ـ ضد الطرف الأول المتمثل في غالبية الشعب العراقي المسلم الساخط على الاحتلال والمحتلين!
بتعبير أصرح وأوضح: فإن بوش ومن دخل في حلفه كرئيس وزراء بريطانيا .. وضعوا أنفسهم وقواتهم ـ بطريقة غير مباشرة ـ في خدمة مخططات ومآرب آيات طهران الطائفية التوسعية في المنطقة .. من خلال تعاملهم وتحالفهم مع عملاء طهران وصنائعها في العراق .. فهم يعملون ويضحون ويخسرون لحساب إيران ومخططاتها التوسعية الطائفية علموا بذلك أم لم يعلموا .. ومن دون أن تخسر إيران شيئاً!
وهذا يعني كذلك أن أمريكا ليس لها حليفاً صادقاً في العراق .. تستطيع أن تركن إليه على المدى البعيد .. وبخاصة عند تعارض الأجندة الطائفية لهذا الحليف .. وولاءاته لآيات قُم وطهران .. مع الأجندة والمصالح الأمريكية .. أي أن أمريكا متواجدة على أرض العراق من دون غطاء جماهيري شعبي حقيقي يسوِّغ وجودها .. ويحمي وجودها .. وهذا لا شك أنه يقلل من فرص نجاح ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية من وراء غزوها للعراق!
هذا الذي فعله بوش .. ولا يزال يفعله .. وخطته الجديدة الطموحة الغبية .. وقواته الإضافية التي تُرسَل إلى العراق تباعاً .. لا تخرج مهامها عن هذا الإطار .. وهذه النتيجة .. لكن الطامة الكبرى ستكون .. عندما يدرك بوش وشعبه هذه الحقيقة .. وأن كل تضحياتهم وخسائرهم وضعوها في السلَّة الطائفية الإيرانية .. وذهبت في خدمة الأطماع الطائفية الإيرانية التوسعية .. ولكن بعد فوات الأوان وحصول الندم، ولات حين مندم!
ليت بوش يتعظ بما حصل للبقَّال .. فيُمسِك عن غيِّه وعدوانه وطمعه .. ومُقامرته .. ويقنع بما قد فات ومات .. فلا يُصلِح أخطاءه بأخطاء أخرى تزيد الطين بلَّة .. والخرق اتساعاً .. وطعم السكر ملحاً أُجاجا!
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
23/12/1427 هـ/ 12/1/2007م.