recent
آخر المشاركات

تركي الحمَد والليبراليَّةُ التي يُبشِّر بها في المجتمعِ السعودي

الصفحة الرئيسية
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          فقد نشرت جريدة " الشرق الأوسط " ذات التوجه السعودي .. والمدعومة من الجهات الرسمية السعودية .. مقالاً لتركي الحمد، تحت عنوان " خواطر حول الليبرالية "، وذلك في عددها المنشور يوم الأحد 30 محرم، 1428 هـ / الموافق 18 فبراير 2007 م.

          ولما كانت الجريدة المذكورة أعلاه واسعة الانتشار في المجتمع السعودي وغيره .. وكان كاتب المقال سعودياً يعني بالأساس من مقاله المسلمين في المجتمع السعودي قبل غيرهم .. لعلمه أن الليبرالية لا تزال تواجه نفوراً ومعارضة من قبل المجتمع السعودي المحافظ المتدين .. بخلاف غيره من المجتمعات التي لم تعد الليبرالية مشكلة كبيرة في حياتها .. لذا رأيت أن أعني مقاله هذا بشيء من الرد والتعقيب نصحاً لأهلنا وإخواننا في الجزيرة العربية بخاصة .. والمسلمين في بقية الأمصار بعامة.
وردي هذا ليس هو رد عليه وحسب، بل هو رد على جميع القائلين بالليبرالية، المروجين لها، والمبشرين بها في بلاد المسلمين .. وبخاصة بعد أن أصبحت كلمة " الليبرالية "؛ هي المصطلح الأكثر رواجاً واستخداماً من قبل المستغربين المتأثرين بثقافة وعادات وقيم الغرب .. من أبناء جلدتنا .. للترويج عن بضاعتهم الفاسدة الكاسدة .. بعد أن وجدوا مصطلح الديمقراطية ممجوجاً ومرفوضاً .. قد فقد بريقه وجاذبيته لدى الشعوب المقهورة ـ التي تعيش كضحية من ضحايا الديمقراطية الأمريكية الغربية ـ لم يعد يؤدي وظيفته والغرض المرجو منه .. لإدراك الشعوب أن الديمقراطية لا يمكن أن تخرج عن مجرد كونها وسيلة لتحقيق مصالح ومآرب أمريكا ودول الغرب في بلاد المسلمين .. ولو خرجت عن هذا المسار .. وجاءت نتائجها بخلاف ما يريده ويشتهيه حماة وأرباب الديمقراطية العالمية .. سرعان ما تتحول هذه الديمقراطية إلى ديكتاتورية .. وإرهاب .. وكيانٍ شرير .. ينبغي على المجتمع الدولي الديمقراطي المتحضر الحر أن يحاربه ويُحاصره .. ويستأصله .. ويُميته في أرضه!
من هؤلاء المستغربين المبهورين بقيم وعادات الغرب الليبرالي .. المروجين لليبرالية في بلاد المسلمين .. كاتب المقال المشار إليه أعلاه ـ مثير الجدل ـ تركي الحمد!
والكاتب ـ ليسوِّق كلامه في مجتمعه المحافظ ـ لم يفته أن يربط ـ بتكلف ممجوج .. كما هو شأن غيره من الليبراليين المنافقين في بلاد المسلمين ـ بين الدين والليبرالية .. وبين الأخلاق والليبرالية .. وكأنهما يخرجان من مشكاة واحدة لا تعارض ولا تنافي بينهما، وكل منهما يؤدي إلى الآخر .. وهذا كله ـ كما قلنا ـ ليجد من المسلمين .. من يصغي إليه .. وإلى مقاله ودعوته .. وتبشيره بالليبرالية التي ستنقذ مجتمعات المسلمين .. من التخلف .. والجهل .. وعقدة الدين .. والتدين .. والتزمّت .. كما  يزعمون!
وقبل أن ننشغل بالرد والتعقيب عليه وعلى مقاله يُستحسن أن نضع بعض فقرات مقاله التي سنعنيها بالرد؛ ليحسن القارئ الربط بين الرد وبين ما جاء في مقاله المذكور أعلاه.
قال كاتب المقال:" الغاية من هذه المقالة هي بعض تأملات في جوهر الليبرالية، وكيف أنها في النهاية إنسانية المحتوى، غير متناقضة لا مع دين ولا مع أخلاق، بل قد تكون في النهاية دينية الأساس، أخلاقية المنبع .. المنطلق الرئيس في الفلسفة الليبرالية هو أن الفرد هو الأساس، بصفته الكائن الملموس للإنسان، بعيداً عن التجريدات والتنظيرات، ومن هذا الفرد وحوله تدور فلسفة الحياة برمتها، وتنبع القيم التي تحدد الفكر والسلوك معاً .. فالإنسان يخرج إلى هذه الحياة فرداً حراً له الحق في الحياة .. ومن حق الحياة والحرية هذا تنبع بقية الحقوق المرتبطة: حق الاختيار، بمعنى حق الحياة كما يشاء الفرد، لا كما يُشاء له، وحق التعبير عن الذات بمختلف الوسائل، وحق البحث عن معنى الحياة وفق قناعاته لا وفق ما يُملى أو يُفرض عليه .. الحرية والاختيار هما حجر الزاوية في الفلسفة الليبرالية، ولا نجد تناقضاً هنا بين مختلفي منظريها مهما اختلفت نتائجهم من بعد ذلك الحجر، سواء كنا نتحدث عن هوبز أو لوك أو بنثام أو غيرهم .. أن يكون الإنسان متمتعاً بحرية الاختيار لا يعني أن يكون الأمر مطلقاً. ففي «ليفايثون» هوبز كان الإنسان مطلق الحرية في «حالة الطبيعة»، ولكن هذه الحرية كانت تعني حرية القتل والدمار فيما عنت من حريات، ومن هنا «اختار» الإنسان أن يتنازل عن بعض حريته لكائن جبار (ليفايثون، أو الدولة) من أجل أن يستطيع التمتع ببقية حقوقه وحرياته الطبيعية .. الحرية، أو لنقل حرية الاختيار تحديداً، وإن كانت في معناها الأصلي انتفاء القيد، إلا أنها مجبرة أن تكون مقيدة بقيدين أساسيين من أجل ذات الحرية، إذا كان الحديث عن مجتمع متمدن: حرية وحقوق الآخرين، والقانون الذي يشكل خريطة الحقوق والحريات، وبالتالي المحدد لتلك الدوائر التي يستطيع الفرد أن يتحرك في إطارها ممارساً لحريته، دون أن يكون معتدياً على حريات الآخرين .. وإذا لم تؤطر هذه الحقوق والحريات بإطار يبين متى تبدأ حرية هذا وتنتهي حرية ذاك، فإن حالة الطبيعة الهوبزية هي المآل، وليس العراق اليوم إلا مثلاً على ذلك، حيث تسود حرية مطلقة تسمح بكل شيء، بما فيها حرية القتل. المجتمع الأميركي أو البريطاني أو الفرنسي هي مجتمعات ليبرالية إلى حد كبير، للفرد أن يفعل فيها بحرية ما يشاء، ولكن دون اعتداء على حرية الآخرين، أو استفزازهم، فالكل هنا متساوون أمام قانون مهمته تنظيم العلاقات الناجمة عن حرية الاختيار .. حرية الاختيار، وإن عنت في بعض جوانبها ممارسات غير مرضي عنها أخلاقياً، إلا أنها تعني أيضاً حرية الرأي دون قمع، حرية البحث دون قيود، حرية القول دون تكميم، حرية الصحافة دون توجيه، حرية التعبير بلا حدود، حرية النقد دون تابوهات، حرية المعتقد دون كبت .. وفي العلاقة بين الليبرالية والأخلاق، أو الليبرالية والدين، فإن الليبرالية لا تأبه لسلوك الفرد طالما أنه لم يخرج عن دائرته الخاصة من الحقوق والحريات، ولكنها صارمة خارج ذلك الإطار. أن تكون متفسخاً أخلاقياً، فهذا شأنك. ولكن، أن تؤذي بتفسخك الأخلاقي الآخرين، بأن تثمل وتقود السيارة، أو تعتدي على فتاة في الشارع مثلاً، فذاك لا يعود شأنك. وأن تكون متدينا أو ملحداً فهذا شأنك أيضاً، وهو أيضاً ما بشرت به كافة الأديان:«قد تبين الرشد من الغي، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ولكن أن تفرض معتقدك على الآخرين، فهذا ليس من شأنك، بل اعتداء على دوائر الآخرين وحرية الاختيار لديهم .. فبفرض اعتقادك على الآخرين، لسبب أو آخر، فإنك قد تحولهم إلى معتقدك ظاهراً، ولكن هل يتحول الضمير باطناً؟ هذا هو السؤال، وهنا يكمن الفرق بين المجتمع الليبرالي والمجتمع الشمولي أو الثيوقراطي أو السلطوي: الليبرالية تسمح بتوافق الظاهر والباطن، فيما بقية الأشكال تجعل التناقض هو أساس العلاقة بين الظاهر والباطن (ظاهرة النفاق) .. الفرق بين الحالة الليبرالية وغيرها، حيث تنتفي ظاهرة النفاق في الحالة الليبرالية، وينسجم الظاهر مع الباطن، وتنتفي الأقنعة "ا- هـ.
هذا مجمل ما جاء في مقاله .. نعقب عليه في النقاط التالية:
أولاً: قوله" المنطلق الرئيس في الفلسفة الليبرالية هو أن الفرد هو الأساس ... ومن هذا الفرد وحوله تدور فلسفة الحياة برمتها، وتنبع القيم التي تحدد الفكر والسلوك معاً "ا- هـ.
أقول: هذا قول باطل يُرد عليه من أوجه:
منها: أنه كلام نظري معسول أكثر منه واقعي وعملي ـ يُراد منه إغواء الفرد .. ونفخه .. وتضخيمه أكثر مما ينبغي .. وإشعاره أنه شيء كبير وهو ليس كذلك .. واستمالته إلى ساحتهم وما يدعونه إليه ـ يكذبه واقع أعرق دول العالم ليبرالية!
تضخيم النزعة الفردية كما في الأنظمة الليبرالية .. تأتي لتواكب وتلبي أطماع وطموحات ومصالح مجموعة من الأفراد العمالقة الكبار القلائل .. الذين يتحكمون باقتصاد وسياسة ومؤسسات وتوجهات الدولة والمجتمع .. على حساب ومصالح السواد الأعظم من صعاليك أفراد المجتمع .. الذين يعيشون على موائد وفتات ورحمة العمالقة الكبار .. ولو تضاربت ـ في مرحلة من المراحل ـ مصلحة ملايين من الأفراد .. مع مصلحة قلة من الأفراد المتنفذين المتملكين .. تجار الموت والسلاح .. المتسلطين هؤلاء .. فالليبرالية ـ كما هي في أمريكا وبلاد الغرب ـ تلبي حاجة القلة من هؤلاء الأفراد العمالقة ولو جاءت على حساب مصالح ملايين من أفراد المجتمع المغمورين!
ومنها: هذا التضخيم الهائل للنزعة الفردية؛ بحيث يكون الفرد هو الأساس الذي تدور حوله " فلسفة الحياة برمتها، وتنبع القيم التي تحدد الفكر والسلوك معاً .."؛ هو ارتفاع بالإنسان الفرد من مقام العبودية لله عز وجل التي فُطر عليها .. إلى مقام الألوهية والربوبية .. الذي منه تُستمد وتنبع القيم والمفاهيم التي تحدد ما ينبغي تبنيه من الفكر والاعتقاد والسلوك .. مما ينبغي تركه .. وهذا عين الطغيان .. والغلو .. والتجبر .. والعدوان .. والكذب في آنٍ معاً!
ولما كان من المستحيل أن يُمارس هذه الألوهية والربوبية؛ الممثلة في هذا الطغيان والعلو، والتجبر والعدوان .. مجموع أفراد المجتمع .. لأن هذا الطغيان له أسبابه وحاجياته ومتطلباته .. لا يقدر عليه أي أحد .. عُلم أن هذا الطغيان والتجبر والعلو في الأرض .. لا يتمتع به ـ كما في المجتمعات الليبرالية ـ سوى نفر من الأفراد القلائل المتملكين والمتنفذين والمتسلطين .. وعلى الأفراد الآخرين ـ رضوا أم كرهوا ـ الدخول في طاعتهم وخدمتهم .. وعبوديتهم!
ومنها: أن هذا التضخيم الزائد للنزعة الفردية ـ كما في الثقافة الليبرالية ـ تتعارض مع كون الإنسان كائناً اجتماعياً بطبعه وفطرته .. لا يُمكن أن يعيش أو أن ينظر لمصلحته بعيداً عن مصلحة الجماعة التي ينتمي إليها، أو المجتمع الذي يعيش فيه!
لا يُمكن للفرد أن يجد نفسه، ويحصل على كامل حقوقه .. ويتمتع بها بصورة صحيحة وسليمة .. مع التفريط بحقوق الجماعة التي يعيش معها .. أو حقوق المجتمع الذي يعيش فيه .. أو حقوق الأمة التي ينتمي إليها .. فالحقوق تؤدَّى للجميع .. وبتناسق وتلازم يُعطي كل ذي حق حقه من غير إفراط ولا تفريط!
ومنها: هذا الطغيان والتضخم الزائد للنزعة الفردية .. الموهوم .. تلزم الثقافة الليبرالية وأتباعها وحسب؛ أي لا يُقبل من الليبراليين المستغربين من أبناء جلدتنا أن ينسبوا ليبراليتهم هذه إلى الإسلام، ومبادئ الإسلام .. ليوقعوا في شباكهم وحفرهم بعض المغفلين من جهلة المسلمين .. فالإسلام ومبادئه الربانية العليا في شِقٍّ وواد .. والليبرالية المزعومة هذه في شِقٍّ ووادٍ آخر، لا تلاقي بينهما البتَّة!
فالعقيدة الإسلامية إذ تُعطي الفرد كامل حقه .. فهي لا تغفل عن حق الأسرة .. وحق الجماعة .. وحق الدولة .. وحق السلطان .. وحق المجتمع .. وحق الأمة .. فتعطي كل ذي حق حقه، ومن غير جنوح إلى إفراط أو تفريط .. ومن دون عدوانٍ على الحقوق الأخرى.
بل ـ عند التعارض واستحالة التوفيق ـ فمصلحة الجماعة .. والدولة .. والأمة .. مقدمة على مصلحة الفرد أو مجموعة من الأفراد .. والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة المحدودة .. وهذا الذي دل عليه النقل والعقل .. ويمارسه جميع العقلاء!
الإسلام .. لا يكذب على الفرد ـ كأتباع الثقافة الليبرالية الكاذبة ـ  فيجعل منه إلهاً مزعوماً .. وطاغوتاً معبوداً .. وطاووساً منفوشاً متكبراً .. فيحمله على الطغيان والتجبر، والاستعلاء، ومخاصمة الخالق سبحانه وتعالى في خصائصه وصفاته .. وعلى أن يتشبع بما لم يُعط وليس فيه .. كلابس ثوبي زور .. كما أنه لا يُغيّب شخصيته ووجوده .. وخصوصياته .. وحقوقه المصانة المحترمة .. التي حدَّها له خالقه ومالكه سبحانه وتعالى.
          ومنها: أن عقيدة الإسلام وثقافته تقوم على مبدأ أن المعبود المألوه المطاع بحق؛ الذي منه تُستمد جميع القيم، والمفاهيم، التي تحدد وتميز الحق من الباطل .. والحلال من الحرام .. والمباح من المحظور .. والجميل من القبيح .. والنافع من الضار .. هو الله سبحانه وتعالى وحده ـ لأنه هو الخالق والعليم بما خلق ويخلق؛ الذي وسع علمه كل شيء .. وأحاط علماً بكل شيء .. والقادر على كل شيء .. الذي له الكمال المطلق في جميع أسمائه الحسنى وصفاته العليا .. والتي من مقتضاها أن لا يصدر عنه سبحانه وتعالى إلا العدل المطلق، والحق المطلق، والحكمة المطلقة ـ وليس الإنسان المخلوق ـ الذي تعتريه صفاة النقص والضعف والجهل .. والعجز .. وهو مهما أوتي من العلم .. فهو في ميزان الله تعالى لم يؤتَ من العلم إلا قليلاً ـ أو الفرد من البشر وما يلبي نزواته ورغباته .. وأهواءه .. كما تدعي الثقافة الليبرالية المزعومة .. وكما يصور ويريد صاحب المقال، ومن كان على شاكلته من الليبراليين!
          قال تعالى:) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (يوسف:40.
وقال تعالى:) وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (الكهف:26.
وقال تعالى:) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (غافر:20.
وقال تعالى:) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة:44.  
وقال تعالى:) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (الزخرف:84. هذه هي عقيدة الإسلام .. بينما الليبرالية والليبراليون يقولون: الله هو الإله في السماء فقط .. وهذا الاعتقاد لا نلزم به أحداً .. أما في الأرض فالإله هو الإنسان .. هو الفرد .. هو الطاغوت .. ولا نقبل غير ذلك!
وقال تعالى:) أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (الأعراف:191. وقال تعالى:) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (النحل:17. الليبراليون يقولون: نعم؛ بل للمخلوق .. للإنسان .. للفرد .. من السيادة والكلمة .. في الأرض .. ما ليس لله عز وجل .. وما يحق له لا يحق لله عز وجل!
وبالتالي فإن قول الكاتب:" الليرالية غير متناقضة مع دين ولا مع أخلاق، بل قد تكون في النهاية دينية الأساس، أخلاقية المنبع .." قول كاذب ومردود .. فيه غش وتزلف .. ونفاق للسواد الأعظم من المسلمين.
ثانياً: قوله:" حق الاختيار، بمعنى حق الحياة كما يَشاء الفرد، لا كما يُشاء له، وحق التعبير عن الذات بمختلف الوسائل، وحق البحث عن معنى الحياة وفق قناعاته لا وفق ما يُملى أو يُفرض عليه .. الحرية والاختيار هما حجر الزاوية في الفلسفة الليبرالية ... حرية الاختيار تعني أيضاً حرية الرأي دون قمع، حرية البحث دون قيود، حرية القول دون تكميم، حرية الصحافة دون توجيه، حرية التعبير بلا حدود، حرية النقد دون تابوهات، حرية المعتقد دون كبت"ا- هـ.
أقول: هذا قول باطل يُرد عليه من أوجه:
منها: أنه قول نظري غير واقعي .. وهو غير مطبق في أرقى الدول ليبرالية وديمقراطية؛ إذ طاحونة الإعلام الضخمة المسيَّسة والمبرمجة .. والتي تلاحق جميع أنفاس وأوقات الفرد الذي يعيش في تلك المجتمعات الليبرالية .. لا تسمح له أن يعيش كما يشاء .. ولا أن يُفكر كما يشاء .. ولا أن يختار ما يشاء .. بل هو يعيش، ويفكر، ويختار .. كما يُشاء له أن يعيش، ويفكر، ويختار!
فإذا أضفنا إلى وسائل الإعلام الضخمة المسيَّسَة والمبرمجة .. وسائل التربية والتعليم والتثقيف المسيَّسة والمبرمجة .. ووسائل اللهو واللعب والتسلية والترفيه المسيَّسة والمبرمجة .. ووسائل المجون والفسوق والفجور المسيسة والمبرمجة .. المبذولة للجميع .. وفي كل زاوية أو ناحية من نواحي المجتمع .. والدعاية الضخمة التي ترافق وتخدم تلك الوسائل .. أدركنا كم هذا الإنسان الفرد ـ الذي يعيش في تلك المجتمعات ـ يعيش مستعبداً .. منقاداً .. مسلوب الحرية والاختيار والقرار .. لصالح حفنة من الأحبار والرهبان والساسة الكبار .. التي تتحكم بتلك الوسائل وتملكها .. والتي تكمن مصالحهم الخاصة من وراء تلك الوسائل الضخمة، والواسعة الانتشار، والأثر .. لذا تراهم لا يترددون أن يُنفقوا في سبيل تلك الوسائل مليارات الجنيهات والدولارات .. ما دامت تحقق لهم هذه النتيجة؛ وهي تعبيد العبيد لحفنة قليلة من العبيد المتنفذين المتسلطين المستكبرين!
الحديث عن حرية الاختيار والقرار، والاعتقاد، والتفكير .. التي يتمتع بها الفرد في تلك المجتمعات الليبرالية والتي يتباها بها الليبراليون المستغرِبون .. هو ضرب من الوهم .. والظن .. والكذب .. والخداع .. وهو أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع المعايش! 
هذا المكر العظيم المتمثل في تلك الوسائل الآنفة الذكر، التي تُحيط بالفرد .. والإنسان .. من كل حدب وصوب .. والتي تُمارَس عليه عبر جميع القرون والأزمان .. وفي جميع الأنظمة الأرضية الوضعية على تباين فيما بينها .. قد خصها الله تعالى في قوله:) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (سبأ:33. فهو ليس مكر الليل أو النهار وحسب .. بل مكر متواصل لا يهدأ ولا يكل .. يربط الليل بالنهار .. والنهار بالليل .. الغرض النهائي منه ) أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً(؛ ومن الأنداد أولئك المستكبرين الذين يستعبدون العبيد .. لأنفسهم وأهوائهم .. وشهواتهم .. وشرائعهم .. وقانونهم .. من وراء تلك الوسائل الضخمة الآنفة الذكر!
ومنها: أن الإنسان ابن بيئته، ومن طبعه أن يتأثر ويؤثِّر بالظروف المحيطة به .. وبالتالي فالحديث عن الحريات المطلقة التي يتمتع بها الفرد في ظل المجتمعات والأنظمة الليبرالية .. بعيداً عن الضغوطات والتوجيهات والإملاءات .. والمؤثرات الخارجية .. هو حديث نظري غير واقعي كما تقدم، مما يدل على هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم:" ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يُمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء .. حتى تكونوا أنتم تجدعونها " البخاري. ولم يقل صلى الله عليه وسلم ويُسلمانه؛ لأنه يولد على الفطرة، والإسلام، والتوحيد .. ولو تُرك يعيش حراً بعيداً عن تلك الضغوطات والمؤثرات الخارجية .. لظلَّ على فطرته، وإسلامه، وتوحيده لربه وخالقه سبحانه وتعالى.
ومنها: أننا لو راجعنا في قواميس معاني الإباحية .. وبحثنا في تاريخ الحركات الإباحية؛ كالحركات الباطنية، والقرامطة التي ابتليت بها الأمة دهراً من الزمن .. نجد أن الإباحية التي تدعو إليها تلك الحركات الباطنية القرمطية .. هي نفسها الحريات المطلقة التي يدعو إليها الليبراليون .. ويعيشونها في مجتمعاتهم .. وهي نفسها التي يعنيها الليبراليون المستغربون من أبناء جلدتنا .. عندما يتحدثون عن الليبرالية .. والتي يريدون لها أن تعيش وتسود في بلاد ومجتمعات المسلمين!
راجع كلمات الليبرالي المستغرِب كاتب المقال الآنفة الذكر أعلاه، تجدها لا تخرج عن هذا المعنى الذي أشرنا إليه:" يختار ويعيش كما يَشاء الفرد، لا كما يُشاء له .. وله الحق أن يعبر عن ذاته بمختلف الوسائل .. ويبحث عن معنى الحياة وفق قناعاته لا وفق ما يُملى أو يُفرض عليه .. حرية الاختيار تعني أيضاً ـ في الفلسفة الليبرالية ـ حرية الرأي دون قمع، حرية البحث دون قيود، حرية القول دون تكميم، حرية الصحافة دون توجيه، حرية التعبير بلا حدود، حرية النقد دون تابوهات، حرية المعتقد دون كبت .."! إباحية مطلقة سبقت الحركات الإباحية القرمطية سبقاً بعيداً .. وهذا يعني أن الحركة الليبرالية المعاصرة .. كما يعيشها الليبراليون .. وكما يريدون لها أن تكون .. ليست حركة عصرية حديثة متطورة قد اكتشفها الإنسان المتطور المتقدم المعاصر .. لتواكب حياته المتطورة المعاصرة ـ كما يصور الليبراليون ـ بل هي حركة قديمة تمتد جذورها وأصولها لعصور التخلف والظلم .. والجهل .. والفجور .. والعدوان .. التي عُرفت بها حركات القرمطة والإباحية .. والتي سادت في بعض البلدان برهة من الدهر والزمن!
ولو قيل لي، ولكل باحث عاقل منصف: ما هي الكلمة العربية المقابلة والمرادفة لليبرالية والليبراليون؟!
أقول: هي الإباحية والإباحيون أو القرمطة، والقرمطيون .. فبئس الخلف لشرِّ من سلَف!
ومنها: أن القول بأن الفرد ينبغي أن يَعيش في هذه الحياة الدنيا كما يشاء لا كما يُشاء له .. كمن يقول: للضيف أن يتصرف في بيت مُضيفه كما يحلو له ويشاء .. ومن دون إذن مضيفه .. ومن دون أدنى مراعاة لأدب وقوانين الضيافة!
كيف ...؟!
أقول: قد دل النقل والعقل على أن الإنسان مملوك ومخلوق لخالقه وربه سبحانه وتعالى .. وأن هذا الإنسان يعيش في مملكة الخالق سبحانه وتعالى .. وعلى مائدته ورزقه .. ومن لوازم وشروط العيش والتنعم والاستفادة والتمتع بهذه المائدة العظيمة المفروشة بالخيرات .. المبذول خيرها وعطاؤها للجميع ـ وهي الأرض وما أودع الله فيها من الخيرات، والتنوع الفريد البديع الجميل ـ أن يعيش هذا الإنسان المملوك المخلوق .. في هذه الأرض المملوكة المخلوقة .. وفق مشيئة وإذن المالك الخالق سبحانه وتعالى .. فيستأذنه في كل ما يتناوله .. أو يريد أن يفعله أو يُحدثه .. فيقدم على المباح والحلال ـ وما أوسع ساحته وأكثر أنواعه ـ ويُحجم عن المحظور والحرام ـ وما أضيق ساحته وأقل أنواعه ـ وهذا من تمام العدل والحق .. وكمال أدب الضيافة!
لذلك نجد الخالق سبحانه وتعالى يُنكر على هؤلاء الكافرين للنعمة .. الجاحدين لأدب الضيافة .. الذين يعيشون في مملكته وعلى مائدته .. ويتنعمون برزقه .. ثم هم لا يشكرون .. وهم مع ذلك يريدون أن يعيشوا في هذه الأرض كما يشاؤون ويشتهون .. وأن يحللوا ويحرموا .. ويحسنوا ويُقبحوا .. ما شاؤوا من تلقاء أنفسهم .. وما تهوى أنفسهم وتشتهي .. ومن دون سلطان ولا إذن من المالك الحقيقي لهذه الأرض، وهذا الوجود كله .. والخالق له، كما في قوله تعالى:) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (يونس:59. فالذي أنزل الرزق وخلقه هو الله سبحانه وتعالى وحده .. وبالتالي هو وحده الذي له كامل الحق في أن يقول: هذا حرام وهذا حلال .. فكيف يا أيها الإنسان الكافر لنعم وفضل ربك عليك .. تتجرأ من تلقاء نفسك .. ومن دون إذنٍ من ربك؛ رب السماوات والأرض ومن فيهن .. ورب ما أنزل إليك من رزق، فتقول: هذا حرام وهذا حلال ) آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ (؟!!
الليبراليون الغربيون الكافرون أكثر انسجاماً مع أنفسهم وطروحاتهم .. وليبراليتهم .. وهم لكي يخرجوا من هذا الإحراج والتناقض وسوء الأدب المشار إليه .. جحدوا الخالق سبحانه وتعالى .. وقالوا: الإنسان هو المالك الحقيقي لنفسه وللأشياء .. فهو السيد في هذه الأرض، لا تعلو سيادته سيادة .. وبالتالي يحق له أن يتصرف بنفسه والأشياء التي يملكها كيفما يشاء .. وبالطريقة التي يشاء .. ومن دون أن يُسأل عما يفعل؛ لأنه هو المالك الحقيقي لها .. وله أن يتصرف فيها كيفما يشاء ويهوى!
بينما الكافرون الليبراليون الشرقيون ـ في لونهم وجلودهم .. ولغتهم .. الغربيون في ثقافتهم وقيمهم .. وعاداتهم .. وسلوكهم ـ يفتقدون مثل هذا الانسجام؛ فهم من جهة يقرون ـ وبعضهم يقر نفاقاً للسواد الأعظم من المتدينين والمسلمين ـ بأن الله تعالى هو الخالق المالك لهذه الأرض ومن فيها .. وأن الإنسان مخلوق ومملوك لربه .. ومع ذلك ينبغي لهذا الإنسان الذي يعيش في هذه الأرض أن يعيش فيها كما يشاء .. لا كما يشاء الله له .. وهذا لعمر الحق أشد كفراً وجحوداً ومروقاً .. وخروجاً عن حدود الأدب!
قال تعالى:) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (التكوير:29.
ومنها: فإن عُلم هذا الذي تقدم، أقول: لا يوجد دين، ولا مذهب، ولا نظام، ولا قانون .. يحرص على أن يعيش الإنسان حراً بعيداً عن الضغوطات، والمؤثرات، والموجهات الخارجية التي تؤثر سلباً على حرية اختياره وقراره .. كالإسلام.
من أعظم مقاصد الإسلام الخمسة التي جاء للحفاظ عليها وحمايتها .. والقتال دونها .. العقل .. وحماية العقل .. مصدر الاختيار، وإصدار أي قرار؛ لذا نجد الإسلام حرَّم الخمر والمسكرات .. حتى المفترات فقد حرمها .. لأنها تمنع العقل من أن يؤدي وظيفته في هذه الحياة على الوجه الصحيح.
الإسلام رفع القلم والحرج عن المجنون .. والنائم .. والمكره فيما يُكره عليه .. والخطأ غير المقصود .. لأن العقل في هذه الحالات يكون غائباً مسلوب الإرادة والحرية والقرار .. ولأن التكاليف كلها يُشترط لها سلامة العقل .. لذا نجد الإسلام يحرص أشد الحرص على أن يبقى العقل في كامل قواه ويقظته .. وحيويته .. بعيداً عن جميع الضغوطات والمؤثرات الخارجية الجانبية التي تؤثر سلباً على أدائه ووظيفته التي خُلق لأجلها.
الإسلام لا يحتاج إلى ضغوطات وموجهات، ومؤثرات خارجية طارئة .. تعينه على أن يبقى الإنسان في دائرته وساحته .. أو تعينه على ترغيب الناس به .. الإسلام لا يحتاج إلى شيء من ذلك؛ لأنه دين الله؛ الدين الحق .. الذي لا تعارض بينه وبين العقل السليم .. والفطر السليمة .. فالعقل السليم لا مناص له إلا أن يخضع وينقاد لهذا الدين ويُسلِّم له .. ويؤمن به .. والعاقل المتحرر من المؤثرات والموجهات والضغوطات الخارجية .. لا يستطيع أن يُقاوم جاذبية وقوة هذا الدين الحق .. لذا يجد نفسه مباشرة داخلاً فيه، مصدقاً به، متبعاً لتعاليمه .. وبالتالي الدين الوحيد الذي يستفيد من تحرر الإنسان من الضغوطات والمؤثرات والموجهات الخارجية .. هو الإسلام لا غير[[1]].
الغرب الليبرالي ينفق ـ كما تقدمت الإشارة ـ مليارات الدولارات والجنيهات على المخدرات والمسكرات .. والمفترات .. وغيرها من الوسائل والضغوطات الخارجية التي تؤثر سلباً على العقل وحرية قراره واختياره .. حتى لا يجد الإنسان الفرصة الكافية للخلود إلى الراحة والتأمل والتفكير السليم .. الذي يحمله على التفكير في الغاية من وجوده، والغاية من وجود هذا الخلق الفسيح .. وفي الدين الحق الذي ينبغي عليه أن يتبعه ويدخل فيه!!
ومع ذلك .. ورغم ضخامة المكر والكيد المتواصل والمبرمج والمسيَّس ـ الذي تقدمت الإشارة إليه ـ  يجد الإسلام سبيله إلى قلوب كثير من صفوة الطبقة المثقفة من أبناء الغرب الليبرالي .. وما خبر العشرات .. والمئات .. بل والآلاف من أبناء الغرب الليبرالي الذين يدخلون الإسلام بكامل حريتهم واختيارهم سنوياً .. عن مسامعنا ببعيد!
الإسلام ـ مهما كان أتباعه ضعفاء ـ فهو قوة بذاته .. يتحرك بذاته .. يعمل بذاته .. يفرض نفسه على الآخرين بذاته .. مستعص على المقاومة .. والذوبان .. أو التحريف .. وذلك لأنه الدين الحق الخاتم ـ الذي تكفل الله بحفظه ـ لا تعارض بينه وبين العقل السليم، والفطر السليمة .. لذلك يخافه الأعداء .. ويصنفوه على أنه العدو الأول لهم، ولجاهليتهم ، وقيمهم، وثقافاتهم، وحضارتهم!
ثالثاً: قوله:" أن يكون الإنسان متمتعاً بحرية الاختيار لا يعني أن يكون الأمر مطلقاً. ففي «ليفايثون» هوبز كان الإنسان مطلق الحرية في «حالة الطبيعة»، ولكن هذه الحرية كانت تعني حرية القتل والدمار فيما عنت من حريات، ومن هنا «اختار» الإنسان أن يتنازل عن بعض حريته لكائن جبار (ليفايثون، أو الدولة) من أجل أن يستطيع التمتع ببقية حقوقه وحرياته الطبيعية .. الحرية، أو لنقل حرية الاختيار تحديداً، وإن كانت في معناها الأصلي انتفاء القيد، إلا أنها مجبرة أن تكون مقيدة بقيدين أساسيين من أجل ذات الحرية، إذا كان الحديث عن مجتمع متمدن: حرية وحقوق الآخرين، والقانون الذي يشكل خريطة الحقوق والحريات ... "ا- هـ.
أقول: يُرد ويُعقب على كلامه هذا من أوجه:
منها: أن يتنازل الإنسان عن بعض حريته لكائن جبار " ليفايثون أو الدولة " .. فهذا عند الليبرالين المشركين .. حق وحرية وتقدم وإنسانية .. أما عندما يُقال على الإنسان أن يتنازل عن بعض حرياته طاعة للخالق الجبار .. الذي خلقه والعالم بأحواله وما يناسبه مما لا يُناسبه .. فهذا عندهم ظلم وتخلف وتحجر ورجعية!
فإذا ذكرت الحرية كما يراها ويريدها " هوبز، أو لوك، أو بنثام، أو جاك ريسّو .."؛ أو غيرهم من آلهة الحرية في بلاد الغرب الليبرالي .. فالحرية حينئذٍ حق، وتقدم، ورقي، وتواكب طموحات الإنسان .. والحديث عن القيود والكوابح وخريطة الحقوق والحريات حينئذٍ يكون حقاً وضرورة لا تعارض بينها وبين الحرية المنشودة .. بينما إذا قيل أن الذي يحدد معالم وحدود الحرية التي يتمتع بها الإنسان هو خالقه .. هو الله سبحانه وتعالى .. اشمأزت نفوسهم وتبرموا .. وعدوا ذلك تخلفاً .. ومن الظلم والتعدي على الحقوق والحريات!
صدق الله العظيم:) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (الزمر:45.
وقال تعالى:) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (الصافات:35.
ومنها: عند التأمل والتدقيق نجد أن الحرية المعمول بها عند الليبراليين الديمقراطيين .. تكرس عبودية العبيد للعبيد .. وتجعل حرية العبد الفرد تبعاً لحرية وهوى ومصلحة فرد أو مجموعة أفراد أخرى .. وذلك أننا لو سألنا الليبراليين من الذي يحدد حدود ومعالم الحرية للإنسان ـ كما هو مطبق ومعمول به في الأنظمة الليبرالية ـ  وما هو المسموح منها وما هو الممنوع .. ومن الذي يسن القوانين ذات العلاقة بالحريات .. لأجابوك على الفور بأنه الإنسان .. فرد آخر .. أو مجموعة أفراد آخرين منوطة بهم مهمة سن التشريعات والقوانين، وبيان ما هو مباح، وما هو محظور وممنوع؛ ورسم خريطة الحقوق والحريات .. أي أن الإنسان العبد الجاهل الضعيف ـ بحسب ما يرى ويهوى ـ هو الذي يقول للإنسان العبد الآخر .. أنت حر في كذا .. وغير حر في كذا .. يسمح لك كذا .. ولا يُسمح لك كذا .. والآخر ليس له إلا أن يُطيعه وينقاد إلى حكمه وتحديداته وتقسيماته، وتشريعاته!
ولو أردنا أن نتكلم عن عبودية العبيد للعبيد .. ونتتبع شروحاتها ومعانيها .. لما وجدناها تخرج عن المعنى الآنف الذكر .. وهذا مما يجعلنا نشك ونشكك بمصداقية الحرية كما يراها الليبراليون العلمانيون الديمقراطيون!
بينما الحرية في الإسلام الذي يحدد معالمها ومساحتها .. وما يجوز منها وما لا يجوز .. وما يناسب منها وما لا يناسب .. هو الله تعالى العليم الخبير القدير وحده .. خالق الإنسان ومالكه .. والإنسان عندما يدخل في طاعة خالقه ومالكه، فيلتزم بما حدَّ له من حدود .. فهذا من جهة حق وعدل .. ومن جهة ثانية فهو شرف ورفعة للإنسان ومجد له .. فإخلاص عبودية العبيد لربهم وخالقهم ومالكهم .. شرف وعزة ورفعة ومجد .. وتحرر من العبودية للعبيد والطواغيت .. لا يأنف منها الكبار والعظماء .. بينما عبودية العبيد للعبيد، ولعبيد قد يكونون أقل من العبيد قدراً وشأناً .. فالعبودية هنا ذل، وعار، واعتداء على كرامة وحقوق وحرية الإنسان .. يأنف منها صغار الناس .. مهما ظهر للعيان خلاف ذلك!
من الكلمات المأثورة عن سلفنا الصالح مقولة الصحابي ربعي بن عامر t لرستم قائد جيش الفرس، عندما سأله الآخر عن سبب غزو المسلمين لبلاد فارس:" لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ..".
والأعلى والأجل من مقولة الصحابي قول الله تعالى:) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران:64. وقوله تعالى:) وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (؛ أي لا يُشرع بعضنا لبعض؛ فريق يشرع ويقنن، ويحلل ويحرم، وفريق آخر يدخل في طاعة واتباع تلك التشريعات والقوانين التي شرعها له الفريق الأول .. فإن حصل ذلك ورضينا به .. فقد اتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله.
ونحو ذلك قوله تعالى عن أهل الكتاب:) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة:31. وذلك يكون بطاعتهم واتباعهم فيما يحللون ويحرمون .. ويحسنون ويقبحون .. من تلقاء أنفسهم، بغير سلطان ولا أذن من الله تعالى .. هذا معنى اتخاذهم لأحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.
ومنها: من خصائص وصفات الحرية كما في الأنظمة الليبرالية .. أنها غير ثابتة .. فهي قابلة للتغير والتطوير على مدار الأزمنة والأوقات؛ فتارة تتسع في مجال، وتارة تضيق في مجال آخر .. بحسب ما يرى المشرِّع الإنسان، وتظهر له المصلحة من ذلك، وبخاصة مصلحة العمالقة الكبار من ذوي النفوذ، والسلطة، ورأس المال!
والإنسان في ظل هذه الأنظمة الليبرالية هو مجرد حقل تجارب، فتارة يزيدون له في حبل الحرية قدراً معيناً، وتارة أخرى يشدون الحبل، ويقصرون المسافة عليه .. ويحظرون عليه بعض ما كان مسموح له من قبل ..  بحسب ما يرى شقيقه الإنسان الآخر، الذي أنيطت به مهمة التشريع وسن القوانين، وبحسب ما تتراءى له المصلحة من وراء ذلك .. ومشرعهم الإنسان هذا ـ بحكم قسوره وضعفه وجهله ـ فما يرى فيه مصلحة اليوم قد يراه في اليوم التالي ضرراً فيمنعه ويحظره .. وما يرى فيه اليوم ضرراً قد يرى فيه في اليوم التالي نفعاً فيبيحه!
وهكذا لا تستطيع أن تجد حداً ثابتاً معلوماً من الحرية تستطيع أن تعتبره حقاً ثابتاً لك غير قابل للمساس والتغيير، بل القوم في كل يوم يصدرون القوانين الجديدة التي تغير من قدر الحرية المسموح بها في بلادهم .. وكان من آخر هذه القوانين تلك القوانين التي تحد من الحريات العامة والخاصة سواء .. ذات العلاقة بموضوع الإرهاب، كما يزعمون!
وقول صاحب المقال عن الحرية الليبرالية بأنها:" حرية الرأي دون قمع، حرية البحث دون قيود، حرية القول دون تكميم، حرية الصحافة دون توجيه، حرية التعبير بلا حدود، حرية النقد دون تابوهات، حرية المعتقد دون كبت .." هو مجرد حبر على ورق .. ومجرد تخيلات وأوهام .. وأحلام .. أما في الواقع المشاهد والملموس فالمرء أصبح يُعتقل .. ويُتخطف من بين أهله .. ويُغيب في غياهب السجون .. السنين الطوال .. بالظن والشبهات .. والمحتملات .. ولمجرد كلمات قليلات .. تُقال من دون أن يُلقى لها بالاً .. حتى لو قيلت هذه الكلمات على وجه اللعب والتسلية والترفيه كما هو عادة بعض الشبان .. وهذا كله يُمارس في أمريكا وأرقى دول الغرب ليبرالية[[2]]!
كم من شاب أفرج عنه من سجون جوانتنامو الأمريكية الرهيبة .. بعد أن قضى فيها عدة سنوات .. عاش فيها قمة التعذيب والقهر والإذلال .. يُفرج عنه بعد تلك المدة وذلك التعذيب الرهيب تحت عنوان " بريء " ... لم يثبت عليه شيء!
كم هم الذين تُداهَم بيوتهم من قبل زوار الليل والصباح المبكر .. فيرعبون أطفالهم ويخربون عليهم منازلهم .. بفعل وشاية كاذبة تقدم بها ليبرالي جاسوس خسيس .. وبعد أن يتم الاعتداء .. ويتم الترويع والإرهاب .. ويتم الاعتقال لأسابيع .. وربما لأشهر .. وأحياناً لسنوات .. يعتذرون للمغدور به .. بأنه بريء، ولم يثبت عليه شيء ... وهذا كله يحصل في أرقى البلاد والدول حرية وليبرالية وديمقراطية .. كما يزعمون .. والليبرالي كاتب المقال الذي جعل الغرب قبلة له من دون مكة والكعبة .. يعلم كل ذلك، وأكثر!
بينما في الإسلام معالم الحرية، وحدودها، ومساحتها، والمسموح منها من الممنوع ثابت غير قابل للتغيير والتبديل؛ ولو اجتمع الإنس والجن حاكمهم ومحكوميهم .. على أن يغيروا شيئاً منها زيادة أو نقصاناً .. فلن يستطيعوا .. ولو غيروا شيئاً من معالم وحدود الحرية التي منحها الله تعالى لبعباده .. فتغييرهم هذا لا شرعية له ولا قيمة .. ولا يُلتفت إليه .. وذلك لأن من خصائص الخالق وصفاته سبحانه وتعالى الثبات والكمال في جميع أسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ فصفاته وأفعاله كلها لا تعرف القصور في أي جانب من حوانبها .. وبالتالي فهي غير قابلة للتتغير أو التبديل[[3]].
ومن أسمائه الحسنى وصفاته العليا سبحانه وتعالى أنه العليم، الخبير، القدير، الحكيم، الحكَم، العدل، الجميل .. وهذه الأسماء والصفات من لوازمها ومقتضاها أن لا يصدر عنه سبحانه وتعالى إلا الحق المطلق، والعدل المطلق، والجمال المطلق، والخير المطلق لبني الإنسان .. سواء علم الإنسان ذلك أم لم يعلم .. وبالتالي فالإنسان لا يجد نفسه مضطراً لتغيير شيء مما حده الله له وأذن له به .. لأن الله تعالى أعلم به وبما يناسبه مما لا يُناسبه .. وبما ينفعه وما يضره .. من نفسه، وأرحم به من نفسه .. إضافة إلى أن مقام العبودية يقتضي من العبد أن يرضى بحكم ربه عز وجل، ويُسلم له تسليماً، كما قال تعالى:) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (النساء:65.
رابعاً: قوله:" وإذا لم تؤطَّر هذه الحقوق والحريات بإطار يبين متى تبدأ حرية هذا وتنتهي حرية ذاك، فإن حالة الطبيعة الهوبزية هي المآل، وليس العراق اليوم إلا مثلاً على ذلك، حيث تسود حرية مطلقة تسمح بكل شيء، بما فيها حرية القتل. المجتمع الأميركي أو البريطاني أو الفرنسي هي مجتمعات ليبرالية إلى حد كبير، للفرد أن يفعل فيها بحرية ما يشاء، ولكن دون اعتداء على حرية الآخرين، أو استفزازهم فالكل هنا متساوون أمام قانون مهمته تنظيم العلاقات الناجمة عن حرية الاختيار .. "ا- هـ.
أقول: يُرد على كلامه الباطل أعلاه من أوجه:
منها: أن هذه الحالة " الهوزبرية " كما يحلو لكاتب المقال أن يسميها .. السائدة والمنتشرة في العراق .. من المسؤول عنها؟!
من المسؤول عن قتل عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف .. وتهجير الملايين من بيوتهم .. من أبناء العراق؟!
من المسؤول عن تدمير العراق .. ومؤسساته .. وبنيته التحتية، وتحت التحتية ..؟!
من المسؤول عن نهب العراق وخيراته وثرواته ...؟!
من المسؤول عن الجرائم التي تفوق كل تصور وخيال .. التي حصلت في سجن " أبو غريب "، وغيره من سجون العراق التي يرعاها الغزاة المحتلون .. ولا تزال تحصل؟!
أليست هي الليبرالية الأمريكية والبريطانية .. وغيرها من الدول الليبرالية الغربية التي شاركت في غزو العراق؟!
أم أن جرائم الليبراليين في بلاد المسلمين .. وقتلهم لمئات الآلاف من أبناء المسلمين .. حق وتحضر ورقي .. وحرية .. لا يمكن أن يُصنَّف في خانة الإجرام والإرهاب؟!
من الذي يقتل الطفولة ويُشوهها في مهدها في كثير من بلاد المسلمين .. من الذي يقتل
معاني الإنسانية في نفوس الناس .. أليست الليبرالية الأمريكية والغربية .. أم أن عصبية الكاتب لليبرالية وأوليائه الليبراليين .. أعمت بصره وبصيرته .. وجعلته ـ أعشى الليل والنهار ـ ينظر للظلم والإجرام والعدوان .. والقتل الحرام ـ وإن كان المغدور بهم من أبناء جلدته ووطنه وقومه ـ على أنه قمة في التقدم والحرية والإنسانية؟!
لعل كاتب المقال الليبرالي ـ ومن معه من الليبراليين المستغرِبين ـ يردون علينا بقولهم: يوجد فرق بين ممارسات الليبرالية والليبراللين في بلادهم، وخارج بلادهم وأوطانهم؛ فإذا كانوا في بلادهم وضمن حدودها .. كانوا قمة في التحضر والإنسانية، واحترام حقوق الإنسان .. أما إذا خرجوا من حدود بلادهم .. وغزوا البلاد الأخرى ليبشروا بليبراليتهم وديمقراطيتهم .. تحولوا في تلك البلاد إلى وحوش كاسرة ضارية .. يقتلون ويدمرون .. وينتهكون جميع الحقوق والحرمات .. وكل شيء يُصبح لهم حينئذٍ مباحاً وحلالاً .. فالليبرالية وتطبيقاتها يُنظر إليها ضمن حدود دولها .. وليس خارجها!
ونحن نقول لهؤلاء اليبراليين المستغربين: بئست هذه الليبرالية .. وهذه الأخلاق .. التي تبشرون بها في بلاد المسلمين .. التي تجعل من صاحبها في موضع إنساناً محترماً .. وفي موضع آخر وحشاً كاسراً .. ومجرماً قاتلاً .. متجرداً من جميع معاني الأخلاق والشرف والإنسانية!
ومنها: قوله أن للفرد أن يفعل في المجتمعات الليبرالية .. ما يشاء .. قد تقدم الرد عليه .. وبينا أن هذه الحرية المزعومة .. مبالغ فيها .. وهي في طريقها نحو التضييق والاختناق باستمرار .. ونضيف هنا ما يزيد وضوحاً بطلان هذا الادعاء، موقف فرنسا الليبرالية الحاد وغيرها من الدول الغربية الليبرالية تجاه حجاب المرأة المسلمة .. والقوانين التي سنوها مؤخراً بهذا الخصوص، والتي تقضي بمنع النساء المحجبات من أن يدخلن إلى المدارس والجامعات وكثير من مؤسسات الحكومة والمجتمع .. ما دمن ملتزمات بغطاء الرأس فقط .. مجرد غطاء الرأس .. فإذا كان هذا الحد الأدنى من الحقوق والحرية الشخصية لم يعد متوفراً للأفراد في أرقى بلاد الغرب ليبرالية وديمقراطية .. فما هي هذه الحرية الشخصية أو الفردية التي يتباها بها كاتب المقال .. وأين حقوق الفرد التي يزعم أنها موجودة في البلاد الليبرالية؟!
ومما يُذكر كذلك أن في البلاد الديكتاتورية المتخلفة .. يضطرون للتجسس على العباد، وعلى كلماتهم، وهمساتهم، وحركاتهم .. وأكلاتهم .. أن يوظفوا أمام كل بيت جاسوساً يتجسس بعيني رأسه على عورات صاحبه .. وعلى الداخل والخارج .. بينما في الدول الليبرالية المتقدمة تكنولوجياً .. فهي لا تحتاج لشيء من ذلك .. فهي يكفيها أن تنشر عشرات الكاميرات الالكترونية الدقيقة والصغيرة الحجم المتصلة بمراكز المراقبة .. في كل شارع .. وكل زاوية .. وأمام كل بيت .. وفي كل مسجد .. ترصد الهمسات .. والكلمات .. والغمزات .. والداخل والخارج .. وربما تطلع على عورات البيوت من الداخل .. وهذا أسوأ .. إضافة إلى التكنولوجيا التي تمكنهم من التجسس على هواتف الناس .. وعلى مكالماتهم الخاصة .. وهذا كله يقع في أرقى الدول الغربية ليبرالية وديمقراطية .. والسؤال الذي يطرح نفسه .. أين الحرية المزعومة .. وأين احترام خصوصيات الفرد .. وحرياته .. كما يزعم الليبرالي المستغرِب صاحب المقال؟!
خامساً: قوله:" وفي العلاقة بين الليبرالية والأخلاق، أو الليبرالية والدين، فإن الليبرالية لا تأبه لسلوك الفرد طالما أنه لم يخرج عن دائرته الخاصة من الحقوق والحريات، ولكنها صارمة خارج ذلك الإطار. أن تكون متفسخاً أخلاقياً، فهذا شأنك. ولكن أن تؤذي بتفسخك الأخلاقي الآخرين، بأن تثمل وتقود السيارة، أو تعتدي على فتاة في الشارع مثلاً، فذاك لا يعود شأنك .. وأن تكون متدينا أو ملحداً فهذا شأنك أيضاً، وهو أيضاً ما بشرت به كافة الأديان:«قد تبين الرشد من الغي، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ولكن أن تفرض معتقدك على الآخرين، فهذا ليس من شأنك، بل اعتداء على دوائر الآخرين وحرية الاختيار لديهم .."ا- هـ.
أقول: يُرد على قوله الباطل أعلاه من أوجه:
منها: في هذه قد صدق الرجل لما قال: أن الليبرالية لا تأبه لسلوك الفرد؛ أن يكون في قمة التفسخ والانحطاط الأخلاقي، أو أن يكون ملحداً .. شيوعياً .. فهذا شأنه .. والليبرالية تضمن له هذا الحق .. وهذه الحرية .. هذا هو حظ الفرد من الليبرالية .. وهذا النوع من الليبرالية هو الذي يُبشر به ـ كاتب المقال ـ في بلاد المسلمين .. ويريده أن ينتقل إلى بلاد المسلمين .. لأن المسلمين لا ينقصهم ـ في نظره ونظر الليبراليين من أمثاله ـ سوى هذا التفسخ، والانحلال، والإباحية، والإلحاد .. والفجور .. فإن تحقق لهم ذلك عندها يفرح الليبراليون الإباحيون بفتنتهم وما حققوه لليبراليتهم وإباحيتهم وقرمطيتهم من نصر، وانتشار في بلاد المسلمين!
ومنها: كاتب المقال ـ وكذلك الليبرالية والليبراليون ـ يحصرون مفهوم الضرر؛ بالضرر المادي الجسدي الذي يُمارسه الفرد بصورة مباشرة نحو الآخرين .. وما سوى ذلك لا يدخل في الضرر المحظور .. بل هو من الضرر المباح .. وللفرد أو لجماعة من الجماعات كامل الحق في أن تُمارسه .. وهذا الضرر من جملة الحريات التي تبشر وتدعو لها الليبرالية!
أقول: وهذا خطأ وإجرام بحق الإنسان والإنسانية .. وفق جميع المقاييس والمفاهيم المعتبرة المعقولة .. باستثناء مقاييس القرامطة الليبراليين، الشريرين الإباحيين!
فعند الليبراليين القرامطة مثلاً .. هذه المرأة التي تتعرى كاملاً أو تلبس ما يستر عوراتها المغلظة وحسب .. وتتعدى ذلك لأن تمارس الجنس مع من تشاء على قارعة الطريق وعلى مرأى ومسمع من الناس .. فهذا الفعل رغم ما يسبب للناس ولعواطفهم ومشاعرهم .. من أذى .. وفتنة .. وإثارة .. وحرج .. وضرر .. فهو لا يُمكن أن يُصنف في عرف الليبرالية والليبراليين على أنه ضرر ممنوع .. فهو عندهم من الحرية الشخصية، والحقوق المصانة!!
هذه المرأة التي تتعرى .. وتتفنن في التعري والإغواء على الملأ .. وتلبس ما يزيد عريها فتنة وإغواءً .. فهذا ليس من الضرر المحظور .. بل هو من الحريات الشخصية المباحة .. لكن لو اقترب من هذه المرأة ـ والتي تقول من خلال لباسها .. وكل حركة من حركاتها قد هيت لك ـ رجل أو شاب قد فقد أعصابه وصوابه ولمسها من دون إذنها .. مجرد لمس .. فهذا هو الضرر فقط الذي يُجرّم صاحبه ويُعاقَب عليه .. وفق النظرية الليبرالية ومفهومها للحرية والحريات .. والضرر المسموح به من الضرر غير المسموح به!
الليبراليون يمنعون الاغتصاب .. لكن لا يمنعون الأسباب التي يقيناً ستؤدي إليه .. وما أكثر حالات الاغتصاب والاعتداء على النساء .. في الدول التي يصنفها صاحب المقال على أنها أرقى دول العالم ليبرالية وديمقراطية .. ربما قد لا تمر ساعة واحدة في تلك البلاد إلا وتُسجَّل حالة اغتصاب واعتداء في دوائر الشرطة المختصة .. ليُضاف كرقم إلى الرقم الضخم .. ليستفيد منه ـ فيما بعد ـ الباحثون الإحصائيون المصابون بهوس إحصاء كل شيء[[4]]!
يقولون للرجل اشرب الخمر إن شئت .. وكما شئت .. وحتى الثمالة وفقدان عقلك .. والبول على نفسك ـ كما يقول الإباحي الليبرالي صاحب المقال ـ فهذا حقك الشخصي .. ومن ضمن حرياتك .. لا حرج عليك .. لكن لو تعديت على حريات وخصوصيات الآخرين ـ وأنت في هذه الحالة ـ بأي نوع من أنواع الأذى والتحرش .. تكون في هذه الحالة فقط قد خرجت عن حدود اللباقة .. وحدود حرياتك وحقوقك الشخصية .. وبالتالي تتعرض للعقوبة والمساءلة!
يُفقدونه كامل عقله ووعيه ـ باسم الحرية الشخصية ـ ثم يُطالبونه بما يُطالبون به العقلاء الذين هم في كامل وعيهم ورشدهم[[5]]؟!
يكبلون يديه ورجليه بالسلاسل الثقال .. ثم يلقونه في وسط اليم .. ثم يقولون له إياك إياك أن تغرق .. ولو غرقت لعاقبناك وحاسبناك .. هذه هي حدود الضرر كما في المفهوم الليبرالي .. وهكذا يفهم الليبراليون الضرر .. وهكذا يتعاملون معه .. وهكذا يريدوننا أن نتعامل معه في بلادنا!
بينما لو نظرنا إلى الإسلام كيف يتعامل مع الضرر، وكيف يُعالجه، ويُحاصره في أديق دائرة له لوجدنا قمة الرشد، والحق، والعدل، والرفق والرحمة بالإنسان .. ولأدركنا الفارق الضخم بين الإسلام والليبرالية؛ كالفارق تماماً بين الحق الساطع الأبلج، والباطل الخبيث اللجلج!
الإسلام يمنع الضرر .. المادي منه والمعنوي .. والضرر الشخصي الخاص أو العام سواء .. ويُحاصر أسبابه وكل ما يؤدي إليه قبل أن يُعاقب على نتائجه وهذا ما يُعرف في الشريعة بقاعدة سد الذرائع.
وقوله صلى الله عليه وسلم:" لا ضَرر ولا ضِرار " شامل لجميع أنواع الضرر والضرار .. وكل ما يؤدي
إلى الضرر والضرار.
الإسلام ينظر للإنسان على أنه مخلوق مملوك لخالقه سبحانه وتعالى .. وهذا الإنسان مستخلف من قِبَل خالقه فيما مَنَّ عليه من نعم وخير وعطاء .. وبالتالي هو سيسأل يوم القيامة عن عمره وشبابه فيما أفناه، وعن ماله فيما اكتسبه وأنفقه .. وعن كل ما استرعاه الله عليه .. هل تصرف بنفسه وماله وما استُخلِف واسترعاه عليه وفق تعاليم خالقه ومالكه ومشيئته أم لا ..؟!
كما في الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته .. " البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم:" لن تزول قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه ـ وفي رواية: وعن جسده ـ فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه ". 
لا يحق للإنسان ـ وفق عقيدة الإسلام ـ أن يتصرف بنفسه أو ماله كيفما يشاء؛ كأن يُنزل الضرر بنفسه وجسده .. أو يكتسب ماله أو ينفقه .. في سبل الفساد والحرام .. والإجرام .. وفي غير الأوجه المسموح والمأذون بها شرعاً أن يكتسب أو ينفق .. وعِلة ذلك أنه وماله مملوك للمالك الحقيقي ألا وهو الله سبحانه وتعالى .. والإنسانُ مجرد راعٍ مستأمَن ومستخلف .. سيُسْأل عما استؤمِن واستُخلِف عليه .. وبالتالي ليس من حقه أن يتصرف فيما لا يملك كما يشاء ومن دون إذن المالك الحقيقي الذي أمَّنه واستخلفه.
وهذا بخلاف ما عليه الليبرالية التي تقول أن الإنسان هو المالك الحقيقي لنفسه .. ولما في يده من مال .. وله أن يتصرف بنفسه .. وماله .. كيفما يشاء .. وبالطرق التي يشاء .. حتى لو أراد أن يقتل نفسه فله ذلك .. ولو كان عنده عشرة من الأبناء وكلب صيد .. وشاء أن يورِّث ماله كله لكلبه .. ويحرم أبناءه العشرة فله ذلك .. والقانون الليبرالي يسمح له بذلك .. ويعللون لك ذلك أنه هو المالك الحقيقي لماله وبالتالي من حقه أن يتصرف به كما يشاء وفي الأوجه التي يشاء .. ومن دون أدنى مساءلة .. أو أن يُقال له هذا حلال وهذا حرام .. هذا يجوز وهذا لا يجوز .. هنا يكمن الفارق .. وهنا يكمن الخلاف .. وهذا ما حاول الكاتب الليبرالي الإباحي تركي الحمد أن يخفيه ويتهرب من ذكره .. غشاً ونفاقاً للسواد الأعظم من المسلمين في بلده ومجتمعه .. وحتى لا يظهر في أعينهم كداعية صريح إلى الكفر والجحود والإلحاد!!
مثل الإسلام والليبرالية .. والمسلمون والليبراليون .. هو المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة تتلاطمها الأمواج في وسط البحر، فقال صلى الله عليه وسلم:" مثل ُالقائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلهاَ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً "البخاري.
وفي رواية:" مثل القائم على حدود الله، والمدهن فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذونا، فقالوا: لو أنا خرَقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَن فوقَنا، فإن يتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعاً ".
الليبراليون الإباحيون يقولون دعوا هؤلاء السفهاء أن يخرقوا السفينة .. فهذا حقهم .. ومن ضمن الحقوق والحريات الشخصية الفردية التي كفلتها لهم الليبرالية .. وليكن بعدها ما يكون .. بينما المسلمون ـ وهم مثلهم في الحديث القائمين على حدود الله بالرعاية والحماية ـ الذين ينظرون إلى العواقب والمآلات .. يقولون: لا؛ لا بد من الأخذ على أيديهم بالمنع والزجر .. فإن تركناهم وما يريدون .. تغرق السفينة .. وينهار المجتمع ويتفسخ .. ونهلك جميعاً!
والله تعالى يقول:) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (الإسراء:16.
ومنها: أي مما يُرد على كلامه أعلاه .. أنه جعل هذه الإباحية .. وهذه الحرية في اختيار الارتداد والإلحاد .. لمن شاء .. هو مما بشرت به الأديان .. ومن الأديان بالطبع التي يعنيها الإسلام، وبخاصة أنه استدل بنص من نصوصه .. مما يدل على جهله المركب بالإسلام، وقواعده، ومبادئه، ومقاصده .. حتى النص الذي ذكره لم يُحسن نقله، إذ قال:" أن تكون متدينا أو ملحداً فهذا شأنك أيضاً، وهو أيضاً ما بشرت به كافة الأديان:«قد تبين الرشد من الغي، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» ا- هـ.
والنص ليس هكذا كما في القرآن الكريم .. وإنما هو مقتطع من آيتين كل آية في سورة مختلفة عن الأخرى، كما قال تعالى:) لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة:256.
وقال تعالى:) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (الكهف:29.
فهو أخذ واقتطع من الآيتين ما يُناسب هواه بظنه وجعل ما اقتطعه وكأنه نص واحد، فأخذ من الآية الواردة في سورة البقرة:) قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (، ومن الآية الثانية الواردة في سورة الكهف:) فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (؛ وجعلهما في نص واحد وكأنهما آية واحدة .. وهذا من تلبيسه وجهله بهذا الدين ومقاصده.
ومن حقده لم يرد هذا المقتطع من الآيتين الكريمتين للقرآن الكريم، ولقوله تعالى .. وإنما رده عمداً لجميع الأديان .. بما فيها الوثنية .. ومن دون استثناء .. حتى لا يخص الإسلام بأدنى إنصاف أو ثناء من دون بقية الأديان الأخرى .. وهذا أيضاً من الغش والكذب والجهل، وعدم الإنصاف!
ونحن نقول لهذا الرجل: لا تتكلم فيما ليس لك به علم .. تكلم إن شئت عن آلهتك وأربابك؛ آلهة وأرباب الحرية الليبرالية " هوبز، أو لوك، أو بنثام، أو غيرهم .. "، ممن تتباها بهم في مقالاتك .. فهذا اختصاصك عما يبدو .. وهذا الذي تصلح له .. ولكن لا تتكلم عن الإسلام، والمسلمين .. فأنت لست منهم ولا من أتباع دينهم وقيمهم وحضارتهم، وإنما من أتباع ودعاة الليبرالية الإباحية الكافرة الملحدة الماجنة .. تريد أن تجدد عهد ومجد وإباحية سلفك من
القرامطة الأوائل!
ونقول له ولإخوانه الليبراليين المستغربين: اسألوا التاريخ كله؛ القديم منه والمعاصر .. مَن الذي حمى اليهود والنصارى من عدوان وظلم واضطهاد الطواغيت المستكبرين من أبناء دينهم وجلدتهم .. وحافظ عليهم وعلى مصالحهم من دون أدنى مساس يُسيئها .. ومن دون أن يُكرهوا على ترك دينهم واعتناق دين الإسلام .. وذلك لمَّا رضوا أن يدخلوا ـ أحراراً مختارين ـ في ذمة، وعهد، وسلم، وأمان الإسلام والمسلمين .. وفق شروط الإسلام ومبادئه الربانية العادلة!
لو كنا نتوقع الحديث عن احترام كرامة الإنسان .. واحترام حقوقه وخصوصياته المصانة والمحترمة .. كما هي في الإسلام .. ينفع الليبراليون الملحدون الإباحيون المتحاملون .. لتوسعنا في الشرح والبيان والحديث .. لكن لا نظنهم طلاب حق .. ولا طلاب علم يبحثون عن الحقيقة .. وإنما هم طلاب فتنة، ومكر، وخداع، وكفر، وإلحاد، وتحلل، ودياثة .. عَمَرَ الحقدُ صدورَهم .. وأعمَى بصائرهم .. فصدَّهم عن السبيل .. لذلك تعين التحذير منهم، ومن دعوتهم، ومقاصدهم الهدَّامة .. وهذا الذي رجوناه من ردنا هذا!
سادساً: قوله:" ولكن أن تفرض معتقدك على الآخرين، فهذا ليس من شأنك، بل اعتداء على دوائر الآخرين وحرية الاختيار لديهم .. فبفرض اعتقادك على الآخرين، لسبب أو آخر، فإنك قد تحولهم إلى معتقدك ظاهراً، ولكن هل يتحول الضمير باطناً؟ هذا هو السؤال، وهنا يكمن الفرق بين المجتمع الليبرالي والمجتمع الشمولي أو الثيوقراطي أو السلطوي: الليبرالية تسمح بتوافق الظاهر والباطن، فيما بقية الأشكال تجعل التناقض هو أساس العلاقة بين الظاهر والباطن (ظاهرة النفاق) .. الفرق بين الحالة الليبرالية وغيرها، حيث تنتفي ظاهرة النفاق في الحالة الليبرالية، وينسجم الظاهر مع الباطن، وتنتفي الأقنعة "ا- هـ.
أقول: مرة ثالثة .. ورابعة .. وعاشرة .. يعود الرجل إلى الكذب والدجل وتزيين الباطل في أعين الناس .. ليروج لدينه الجديد ـ المسمى بالليبرالية ـ في بلاد المسلمين .. وكلامه أعلاه يُرد عليه من أوجه:
منها: أن النفاق مصطلح شرعي إسلامي؛ يعني إضمار الكفر في القلب، وإظهار الإسلام على الجوارح .. فرَقاً من الإسلام والمسلمين .. وقد يكون لغرضٍ من أغراض الدنيا الساقطة .. أو لغرض خبيث من أغراض الغش والخداع والفتنة والمكر في نفوس المنافقين .. فإذا أطلق هذا المصطلح " النفاق " فإنه يعني هذا المعنى لا غير .. والإسلام قد بغَّض النفاق إلى نفوس المؤمنين .. وحذَّر منه ومن عواقبه .. وعده من أسوأ ما يتخلق به المرء!
الإسلام يقبل من الكافر أو المشرك الذي يدخل في ذمة وعهد وأمان الإسلام والمسلمين وفق شروطه أن يبقى على كفره وشركه .. بل ويحميه .. ويُدافع عنه .. ويُحسن جواره ومعاملته .. ويمنع من الإساءة إليه وإلى دينه في شيء .. ولا يُجيز أن يُكره على ترك دينه ليدخل في الإسلام أو أي دين آخر .. لكن لا يقبل من هذا الكافر المشرك الذي يدخل في الإسلام حراً مختاراً من غير إكراه .. ولا خوف .. ولا إجبار .. ولا شيء من ذلك .. ثم يكون في نفس الوقت غير صادق في دخوله في الإسلام .. ويكون إسلامه الظاهر خداعاً ومكراً .. وعن نفاق لغرض خبيث في نفسه .. فالإسلام يمنع من ذلك، ويبغضه، ويُحاربه!!
والرجل لجهله بالإسلام ومصطلحاته حمل معنى هذا المصطلح " النفاق " المذموم شرعاً وعقلاً على جميع حالات وأجواء الخوف التي تحمل الإنسان أحياناً على " التقيَّة "؛ والتي تعني مداراة الظالمين ظاهراً .. لدفع ظلمهم .. وبالقدر الذي يدفع الضرر والظلم والأذى عن أنفسهم .. والتظاهر لهم بالتسليم .. مع إضمار الحق أو الإيمان في القلب، كما قال تعالى:) إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً (آل عمران:28. وقال تعالى:) إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ (النحل:106.
فالنفاق إضمار الكفر في القلب وإظهار الإسلام .. بينما التقية عكس ذلك؛ فهي تعني إضمار الإيمان أو الحق في القلب وإظهار الكفر أو ما يُضاد الحق من قول لضرورة دفع الضرر والأذى .. بالقدر الذي يدفع الضرر والأذى من غير زيادة .. وهذا الذي لم يحسن كاتب المقال التمييز بينه .. وأنَّى له .. لذا وجدناه قد عمم معنى النفاق على الوصفين والحالتين!
ومنها: أن ما من دولة ولا نظام .. بما في ذلك الأنظمة الليبرالية الأمريكية والغربية ـ قبلة الليبراليين في العالم ـ إلا ويفرض عقيدته، ومبادئه وثقافته ـ الممثلة في الدستور، ومجموع القوانين والشرائع التي تنظم سلوك وحياة الإنسان وتبين ما يجوز له وما لا يجوز من لحظة استيقاظه إلى وقت نومه ـ على الناس .. والناس عن إكراه أو رضى، بقناعة أو غير قناعة .. بخوف أو من دون خوف .. شاؤوا أم أبوا .. يجب عليهم أن يلتزموا بهذه العقيدة .. وهذه الدساتير والقوانين والتعاليم والمبادئ!
لا يجوز ولا يُقبل أن نقول أو أن نفترض جميع أفراد المجتمع الليبرالي يلتزمون بقوانين ودساتير بلادهم عن حب واختيار ورضى وقناعة تامة بها .. كما لا نستطيع أن نقول أن من يشرع في تلك الأنظمة الليبرالية يمثلون أكثرية أفراد المجتمع .. بل هم يمثلون أكثرية الأقلية التي شاركت في التصويت لا غير .. ولا أدل على ذلك من تلك الحالات التي يغيب فيها القانون بعض الوقت عن المراقبة .. كأن تنطفئ الكهرباء لساعة أو ساعتين مثلاً .. فتنطفئ معها كاميرات المراقبة والتصوير .. ويتحول كثير من الناس ـ الذين كانوا قبل قليل يُنظر إليهم على أنهم من صفوة المجتمع الليبرالي ـ إلى شلة من اللصوص والحرامية .. وقطاع الطرق!
بل ومن دون أن تغيب رقابة القانون .. فإن هؤلاء اللصوص .. والمجرمون .. متواجدون بنسب كبيرة .. ومتفاوتة .. في تلك المجتمعات .. وغيرهم الكثير ممن يتحايلون على القانون بطريقة لبقة تتناسب مع شرف المحتال وحجمه ـ وما قصص الفساد المالي والاختلاسات الكبيرة التي تتسرب أخبارها عن كبار القوم والساسة إلا دليل من جملة الأدلة على ما ذكرناه  ـ وهم لو التزموا بالقانون ظاهراً يلتزمون به وهم له كارهون .. منه خائفون .. هذا موجود في أرقى الدول ليبرالية وبصورة ملفتة للنظر .. لا يمكن تبرأة المجتمعات الليبرالية منها كما حاول أن يصور صاحب المقال .. وما حمله على ذلك إلا عصبيته العمياء لليبراليته ولإخوانه وأسياده الليبراليين!
الفرد في المجتمعات الليبرالية .. لكي يخرج من بيته إلى جامعته .. أو مصنعه .. أو متجره .. أو مقر عمله .. ومن ثم يعود في نهاية النهار إلى بيته .. يجب عليه أن يلتزم بمئات القوانين والتعليمات والإرشادات والتوجيهات .. والتي بدورها تشكل عنده عقيدة ومبادئ وثقافة يومية يجب عليه أن يلتزم بها .. رضي بها أم لم يرض .. اقتنع بها أم لم يقتنع .. فإن لم يفعل يُعرَّض للمساءلة والعقوبة .. هذا موجود .. ويمارس في جميع الأنظمة .. وعلى جميع المستويات!
هذه المرأة المسلمة التي تُجبر على مخالفة اعتقادها بخلع حجابها .. خوفاً ورهبة من القانون .. ومن عواقب مخالفة القانون .. يحصل ذلك في أرقى الدول والمجتمعات الغربية ليبرالية وديمقراطية .. هل هذا السلوك الظاهر متوافق ومطابق مع باطن صاحبته .. كما زعم صاحب المقال؟!
حتى على مستوى السلوك الشخصي الفردي .. لم يعد كثير من الشباب المسلم الذي يعيش في بلاد الغرب الليبرالي حراً في أن يلبس ما يشاء .. أو حتى يرخي لحيته .. حتى لا يُصنَّف .. ويؤخذ بتهمة الإرهاب المزعومة التي أصبحت جاهزة ضد كل من لا يروق لليبراليين منظره وشكله .. والسؤال هنا يتكرر كذلك: هل هذا السلوك الظاهر متوافق ومطابق مع باطن أصحابه .. كما زعم صاحب المقال المفتون بالليبرالية؟!
ولو أردنا أن نتكلم عن أوجه التناقض بين الظاهر والباطن في السلوك الإنساني ـ والتي مردها إلى الخوف والإرهاب المقنن المنظم ـ والسائدة في الدول الليبرالية التي يتماجد بها صاحب المقال لطال بنا المقام .. وفيما تقدمت الإشارة إليه يكفي كدليل على ما ذكرناه وقررناه .. ولمن نشد معرفة الحق وإنصافه.
خلاصة القول: لا يُقبل من كاتب المقال ولا غيره من الليبراليين أن يرمي جميع المجتمعات والأنظمة .. بالنفاق .. وأنها تكرث ثقافة النفاق والخوف بين الناس .. باستثناء الأنظمة الليبرالية التليدة!!
ومنها: أن الكاتب عندما تكلم عن فرض اعتقاد ما على الآخرين فإنه بذلك يُعرِّض ويغمز بالإسلام .. لكن نفاقه يمنعه من التصريح بذلك .. فأطلق أحكامه العامة على المجتمعات الشمولية، والثيوقراطية، والسلطوية .. ليبقى صراحة المعنى في قلبه مدفوناً مقبوراً .. وحسرة عليه وندامة يوم القيامة.
قد تقدمت الإشارة إلى أن الإسلام ـ رغم أنه دين الله تعالى المنزل، يتمثل فيه الحق المطلق، والعدل المطلق، والخير المطلق؛ لأنه صادر عن رب له الكمال المطلق في جميع أسمائه الحسنى وصفاته العليا ـ لا يفرض نفسه على غير أتباعه .. من الملل الأخرى .. ممن يرضى أن يدخل في ذمته أو أمانه وعهده .. وفق شروطه .. وعلى هؤلاء يُحمل قوله تعالى:) لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (البقرة:256. وقوله تعالى:) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (الكهف:29. هذا المعنى من أجلى المعاني وأوضحها في الإسلام، لا يُماري في ذلك إلا جاهل أو مكابر حاقد.
لكن بقي أن نشير ـ وهذا الذي ينبغي أن يعرفه الليبراليون .. وغيرهم من الناس .. كل الناس ـ إلى أن الله تعالى ابتعث محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين بالدين المُنقِذ .. وأنزل عليه الكتاب الخاتم هدى ونوراً للبشرية جمعاء .. لغاية واحدة فقط: ألا وهي إخراج العباد من عبادة العباد والطواغيت .. ومن العبودية للعبيد .. إلى عبادة رب العباد وحده .. ومن جور الشرك ورجاسته إلى عدل التوحيد وطهارته .. وتحريرهم من مكر الليل والنهار .. والقيود والضغوطات الثقال التي يفرضها ويمارسها عليهم الطواغيت، والمستكبرون من الأحبار والرهبان والساسة المتنفذين .. والتي تُحيل بينهم وبين معرفة الحق أو اختياره .. ليحسنوا بعد ذلك الاختيار وإصدار القرار .. ولهم كامل الخيار .. كما قال تعالى:) وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة:251. وقال تعالى:) وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج:40. بعد عملية المدافعة هذه ـ التي بها تحيى الأرض وتسلم ـ وتحطيم الأوثان .. وتكسير القيود .. وإزالة العقبات الحؤول .. وتأمين الطرق من القراصنة المجرمين وقطاع الطرق الذين يُرهبون الناس، ويُفسدون عليهم دينهم وحياتهم .. بعد ذلك كله ـ وليس قبله ـ يُقال للجميع:) لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (البقرة:256. ويُقال لهم:) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (الكهف:29.
ويُقال كذلك لا حرية للارتداد عن الدين .. فليس من الحرية المتاحة في الإسلام أن يدخل المرء في الإسلام ـ حراً مختاراً ـ  ثم يرتد عنه وقت يشاء .. فمن دخل في الإسلام حراً مختاراً .. وعن قناعة تامة ومن دون أن يُمارَس عليه أدنى ضغط أو إكراه .. ثم تُساوره نفسه الأمارة بالسوء ـ لغرض من الأغراض ـ أن يرتد عن دينه .. وينقلب عليه وعلى أهله .. وآثر الاستمرار في الارتداد وإعلان المحاربة والمحاددة .. والمشاققة .. وأبى التوبة والإياب إلى الحق .. يُقال له ما قاله سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه:" من ارتد عن دينه فاقتلوه ".
هذا هو دين الله تعالى .. الذي لا يُماري فيه إلا جاهل .. وهذه هي معالمه .. وغايته .. وطريقته .. فمن رضي فله الرضى .. ومن سخط فله السخط .. ولا يضرنَّ  إلا نفسه.
بانتهائي من هذه الفقرة ينتهي ـ بفضل الله تعالى ردي وتعقيبي ـ على بعض ما ورد في مقال الليبرالي السعودي المستغرِب تركي الحمد المشار إليه في أول هذا المقال .. وعنيت من ردي عليه الرد على الليبرالية ذاتها .. وعلى كل من يقول بها من أبناء جلدتنا الليبراليين المستغربين .. ويعمل على توريدها إلى بلاد المسلمين.
فإن علمت ذلك أيها القارئ .. بقي عليك أن تعلم أن مثير الجدل " تركي الحمد " هذا، الذي جند نفسه وقلمه لنشر العلمانية، والإباحية، والليبرالية في بلاد المسلمين، وبخاصة منها الجزيرة العربية .. بدلاً من أن يُزجَر ويُنهى عن غيه وضلاله وفتنته وفساده .. يقوم الملك السعودي؛ الملك عبد الله بإهدائه قلمه الخاص ـ كما أفاد بذلك تركي الحمد نفسه في مقابلة له مع العربية ـ تعبيراً منه عن دعمه وتشجيعه وتأييده، ومباركته له فيما ينشط له من مجون وإباحية وكفر وإلحاد في المجتمع السعودي .. كما يقول حمَد نفسه عن هذه الهدية:" قد كان هذا الإهداء لفتة جميلة منه لدعمي وتشجيعي "!
 الملك ـ راعي التوحيد كما يزعمون ـ يهدي قلمه للعلماني الإباحي الليبرالي .. تركي الحمد ـ الذي اعتدى على الذات الإلهية في أكثر من موضع من رواياته الساقطة ـ ليتمادى بالاعتداء على دين الله، وعلى الذات الإلهية؛ لكن هذه المرة ليس بقلمه، ولكن بقلم الملك .. بينما في المقابل الملك ونظامه: يكسِّر أقلام الموحدين .. ويعتقل علماءهم .. ويُكمم أفواههم .. ويُطارد شبابهم؟!
إهداء كهذا لا يُمكن أن يُفسَّر كصدقة أو كنوع من أنواع المن والإحسان .. لا؛ ليس شيئاً من ذلك .. وإنما يُفسر كدعم وتأييد للرجل وما عليه من باطل .. وتشجيعٍ له في أن يستمر فيما هو عليه من نهج وشذوذ وكفر وانحراف .. وإفساد!
الملك يريد أن يوصل رسالة تطمينية لأمريكا ولحلفائها في بلاد الغرب ـ من وراء هذا الإهداء ـ مفادها: أن ملوك السعودية، والمسؤولون عن النظام السعودي .. هكذا يُكرِّمون ويتعاملون مع دعاة الليبرالية، والعلمانية، والإباحية والمجون .. ونحن قادمون نحو التغيير إلى الديمقراطية، والليبرالية، ونحو مزيد من الإباحية والتفلت من قيود الدين .. ولا بد .. ولكن اصبروا علينا .. خطوة خطوة .. بحسب ما تسمح به عادات وتقاليد المجتمع .. وبحسب التطور والنضج الذي يصل إليه الناس .. ويجعلهم يتفهمون مثل هذا التغيير والتبديل .. والتحلل والانقلاب!
دعاة الكفر والإلحاد الذين يتطاولون على الإسلام .. وعلى الذات الإلهية ..  يُكرَّمون .. ويُمجَّدون، ويُحترمون ـ في النظام السعودي ـ وتفتح لهم كامل الأبواب .. وتُتاح لهم كامل الوسائل .. للتعبير عن مناهجهم وضلالاتهم وعقائدهم .. ليفتنوا الناس عن دينهم .. بينما دعاة الحق التوحيد .. تُكسَّر أقلامهم .. وتُصادر أوراقهم .. وتُكمم أفواههم .. ويجرَّمون ويُغيبون في غياهب وظلمات السجون .. ويُحجر عليهم أي نشاط دعوي أو ثقافي .. حتى يدخلوا في الولاء والطاعة العمياء؟!
لكن ألا يحق لنا أن نسأل ـ عسى أن نجد عند القوم جواباً عما نسأل عنه ـ: أهكذا تكون نصرة الدين والتوحيد .. كما يزعمون ويدعون؟!
أهكذا تكون دولة العقيدة والتوحيد .. كما يزعمون ويدعون؟!
أهكذا تكون الدولة التي تحكم بما أنزل الله .. كما يزعمون ويدعون؟!
أهكذا يكون الإصلاح .. ومحاربة الفساد والمفسدين .. كما يزعمون ويدعون؟!
المشكلة أنه لا يزال أناس من بني قومي وديني من يصدق ذلك .. ويُجادل عن ذلك .. اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
6/2/1428 هـ/ 24/2/2007 م.













[1]  من بنود صلح الحديبية الذي تم بين المسلمين ومشركي قريش، أن من يجيء من المسلمين إلى المشركين مرتداً .. لا يُرد إلى المسلمين .. وذلك لعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن من ذاق طعم الإيمان، وعرف عظمة الإسلام .. لا يمكن أن يرتد ثانية إلى الوثنية والشرك .. والجهل .. والضياع .. وهذا الذي كان؛ فما جاء إلى المشركين ـ طيلة فترة الصلح ـ أحد من المسلمين مرتداً!
[2]  من شروط منح الإقامة للمسلم في بعض الولايات الألمانية أن يجيب عن ثلاثين سؤالاً لها علاقة بثقافته ودينه، وعقيدته وقيمه كمسلم .. فإن أجابهم كما يريدون ويهوون منحوه الإقامة .. ورحبوا به .. وإن أجابهم بما لا يريدون ولا يشتهون .. وبما يختلف مع قيمهم ودينهم وأخلاقهم .. رفضوه .. ومنعوا عنه حق الإقامة في بلادهم!
    وفي هولندا كانوا أكثر وقاحة وإحراجاً عندما اشترطت الحكومة الهولندية لقبول المسلم أن يعيش في بلادهم .. أن يعرضوا عليه فلماً إباحياً خلاعياً .. فإن لمسوا منه علامات الحياء والحرج .. أو ظهر منه نوع اعتراض .. رفضوه وحرموه من حقه في الإقامة .. وإن وجدوه متفهماً لما يُشاهد .. لم تظهر عليه من علائم الحياء أو الدهشة أو الحرج شيء .. قبلوه ورحبوا به ..!
    وقد وجدنا كثيراً من ساسة الغرب الليبراليين يرفعون شعاراً ويعنون به المسلمين المقيمين في بلاد الغرب: اندمجوا .. أو ارحلوا .. وابتعدوا عنا!
    والسؤال الذي يطرح نفسه: أين هذه الحرية الشخصية التي يدعون ويزعمون أنهم يحترمونها .. وأين مراعاتهم لخصوصيات وحقوق الأفراد كما يزعمون، ويدعون ..؟!
[3]  كما أن مساحة الحرية في الإسلام ثابتة لا يحق لأحدٍ أن يتدخل بها تقصيراً أو توسيعاً .. نقصاناً أو زيادة ..  يُقال كذلك: أن مساحة الحرية التي منحها الله تعالى لعباده كافية تلبي أقصى حاجيات وطموحات الإنسان .. وما زاد عن هذا المساحة .. فهو يدخل في خانة الشذوذ والانحراف .. والمرض .. والضرر .. والترف .. والفضول الزائد الذي تأباه وتترفع عنه النفوس السوية .. والعقول السليمة .. ومن لم يرض ويستشرف ما وراء هذه المساحة المباحة .. فهو كمن يستشرف الهلكة .. والشذوذ .. والمرض .. والضرر .. وما غلب شره على نفعه! 
[4]  نقلت جريدة الشرق الأوسط دراسة" صدرت عن معه المرأة في العاصمة الاسبانية مدريد أن مليون و 310 آلاف عاملة تعرضت لنوع من أنواع التحرش الجنسي عام 2005 م " .. فتأمل!
ونقلت العربية في موقعها على الانترنت:" إحصائية لوزارة الداخلية الفرنسية تشير إلى وقوع 4412 حادثة اغتصاب خلال عام 2005 م في فرنسا؛ أي ما معدله حادثة اغتصاب كل ساعتين تقريباً " .. فتأمل!
    وفي استطلاع أجرته منظمة العفو الدولية في لندن:" أظهر أن خمسين ألف امرأة تتعرض للاغتصاب في البلاد سنوياً .. وعُزيت الأسباب الأساسية لجرائم الاغتصاب التي يشهدها الشارع البريطاني ـ بحسب الدراسة وونتائج الاستطلاع ـ إلى عبث المرأة، ولباسها الفاضح، لتتحمل بذلك مسؤولية تعرضها للاعتداء .. وتقول الدراسة: وعلى الرغم من ازدياد حالات البلاغ عن التعرض للاغتصاب التي تتلقاها الشرطة البريطانية إلا أن إدانة المتهمين انخفضت بشكل كبير، لتقتصر على 5% من الحالات، بعدما كانت 33% في العام 1977م " .. فتأمل!
[5]  نشرت الـ BBC دراسة ترصد حالة المجتمع البريطاني المتأزمة مع الخمر، تقول  الدراسة:" أن الكحول يرتبط بنحو خمسة وستين في المئة من جميع محاولات الانتحار في البلاد، وله علاقة بنحو ستة وسبعين ألف إصابة أو عاهة في الوجه، ونحو ثلاثة وعشرين في المئة من قضايا إهمال الأطفال وسوء تربيتهم سنويا!
    وتقول الدراسة إن حالات الموت المرتبطة بالكحول ارتفعت في إنجلترا وويلز بمعدل ستة وستين في المئة خلال الفترة من عام ستة وثمانين إلى عام سبعة وتسعين، إلى جانب وجود نحو ثلاثة وثلاثين ألف حالة وفاة سنويا ذات علاقة مباشرة بتعاطي الكحول!
    كما توضح دراسة الجمعية البريطانية أن قطاع الصناعات البريطاني يخسر نحو مليارين وثمانمائة مليون جنيه إسترليني سنوياً بسبب الأمراض والعوارض الصحية، وفقدان العمل، والموت المبكر الناتج من المبالغة في تعاطي الكحول "ا- هـ، وهذا كله لا يُصنف في عرف الليبرالية والليبراليين كضرر يستحق أن يُمنع؛ لأن هذا الضرر يحقق لهم غرضاً سياسياً وثقافياً .. وكسباً مادياً يعلو ويزيد المبلغ الذي يخسرونه في سبيل الخمر وما ينتج عنها من آثار .. يستفيد منه بالدرجة الأولى أفراد قلة من العمالقة الكبار من الساسة والرأسماليين المتنفذين .. هكذا ينظرون إلى الضرر .. وهذا هو ميزانهم في تقدير الضرر من عدمه؛ فهو خاضع لمبدأ الخسارة والربح .. وإن أدى ذلك إلى زهق أرواح عشرات الآلاف من أفراد البشر، فتأمل!
google-playkhamsatmostaqltradent