GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده الذي أوجب علينا الإيمان بجميع أنبيائه ورسله؛ فنعرف للجميع ـ من غير غلو ولا جفاء ـ قدرهم وفضلهم لا نفرق بين أحدٍ من رسله، وصلى اللهُ على موسى، وعيسى، ومحمد، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلَّم تسليماً كثيراً، وبعد.

بين الفينة والأخرى تُطالعنا وسائل الإعلام عن صور جديدة من التهكم والاستهانة، والاستخفاف، والطعن بحق المسيح عيسى -عليه الصلاة والسلام- وأمه مريم العذراء البتول الصدِّيقة الطاهرة عليها السلام .. يقوم بها نصارى أمريكا وبلاد الغرب الذين يزعمون زوراً وبهتاناً انتماءهم واتباعهم لهذا النبي العظيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .. من آخر هذه الإساءات انتاج فلم إيطالي يصور المسيح -عليه الصلاة والسلام- وهو يشرب الكوكاكولا ...!!
 يُمارسون هذه الإساءة وهذا الاعتداء على مشاعر المؤمنين الموحدين .. بزعم أن حق التعبير مكفول للجميع .. حتى لو كان هذا التعبير طعناً واستهزاءً بالله تعالى وبرسله وأنبيائه .. وتعدياً على مشاعر المؤمنين .. وما حملهم على ذلك سوى الكفر والفسوق، والخواء الروحي الإيماني، والشك في دينهم الذي هم عليه!
فهذا متوقع منهم .. فليس بعد الكفر ذنب .. فالمجتمع الأمريكي وكذلك الغربي .. إذ يُحافظ على الولاء الطائفي للصليب والصليبية .. ويغضب لخشبة الصليب .. إلا أنه لا يلتزم من تعاليم الديانة المسيحية التي كان عليها المسيح -عليه الصلاة والسلام- ومن معه من الحواريين شيئاً .. للتحريف الواسع والمستمر الذي طرأ ولا يزال على الديانة النصرانية .. مما حمل أبناءهم على الشك والتشكيك بأصول دينهم .. حتى عيسى -عليه الصلاة والسلام- .. وأمه مريم العذراء البتول عليها السلام .. لم يسلما من هذا التشكيك؛ فتارة تراهم يُغالون فيهما فيرفعونهما إلى مقام الربوبية والألوهية ويعبدونهما من دون الله تعالى .. وتارة أخرى يشككون بحقيقة عيسى -عليه الصلاة والسلام- وحقيقة ولادته وأصله ولونه .. وبأمه الطاهرة الصدِّيقة البتول .. وأنها ولدت ابنها سفاحاً ـ والعياذ بالله ـ كما تلد النساء بعد علاقة مع الرجال .. معتمدين في ذلك على روايات وإفك بني يهود .. وهم في كل ذلك إن يتبعون إلا الظن .. وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً!
وأنا هنا أوجه رسالتين: رسالة إلى الأمة النصرانية، ورسالة إلى الأمة الإسلامية.
أما رسالتي إلى الأمة النصرانية، فأقول: اعلموا أنكم لستم على شيء مما كان عليه المسيح عيسى -عليه الصلاة والسلام- ومن آمن به وتابعه من الحواريين .. وأنكم قد غيرتم وبدلتم .. وأحدثتم في دينكم مالا يرضاه الله تعالى، ولا نبيه عيسى -عليه الصلاة والسلام-، ولا المؤمنون .. ومالا يقره نقل صحيح، ولا عقل سليم.
واعلموا أنّ المسيح -عليه الصلاة والسلام- منا ونحن منه .. الإيمان به بأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى أمه مريم العذراء البتول واجب .. وجحوده ونكرانه كفر ومروق من الدين .. وهو أخ لنبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه .. ما يُسيئه يُسيئنا .. عِرضنا وأرواحنا دون عِرضه فداء .. لا نقبل أن يُساء إليه في شيء .. الإساءة إليه في ديننا كفر وخروج من الإسلام .. والطعن والاستخفاف به يوجب ـ باتفاق أهل العلم ـ على الطاعن القتل حداً من حدود الله .. وكذلك الطعن والاستهزاء بكل نبي من أنبياء الله تعالى.
قال -صلى الله عليه وسلم-:" أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء أخوة لِعِلات؛ أمهاتهم شتى ودينهم واحد " البخاري.
فوالله قد تماديتم في الطعن والاستهزاء والاستخفاف بهذا النبي العظيم .. ونحن من هذا كله برآء .. وله مبغضون وكارهون .. نبرأ إلى الله تعالى منكم .. ومن صنيعكم الكافر الفاجر .. تحسبون صنيعكم هيناً، وهو عند الله عظيم!
والأدهى من هذا كله، أنهم بعد كل هذا الطعن والاستخفاف والاستهزاء والتشهير والتشكيك .. ينسبون أنفسهم لهذا النبي العظيم صلوات الله وسلامه عليه .. ويزعمون كذباً وزوراً أنهم من أتباعه ) كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (الكهف:5.
أما رسالتي إلى الأمة الإسلامية، فأقول: أمة الإسلام هي أمة الوسط والعدل التي تشهد وتصدِّق الأنبياء كلهم بأنهم قد بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة، وجاهدوا في الله حق جهاده.
أمة الإسلام؛ هي الأمة التي آمنت بجميع أنبياء الله تعالى ورسله، لا تُفرق بين أحد من رسله، كما قال تعالى:) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة:285.
أمة الإسلام؛ جُعلت خير أمة أخرجت للناس؛ لكونها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، كما قال تعالى:) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (آل عمران:110. فإن تخلت أو تقاعست ـ في مرحلة من المراحل ـ عن القيام بمهمتها ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ فقدت مباشرة خيريتها على غيرها من الأمم، وبالقدر الذي تتخلى فيه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
العلماء ورثة الأنبياء .. ومن أمانة الإرث وأخذه بحقه وقوة .. أن يتصدى العلماء والدعاة للذود عن حرمات الأنبياء وحقوقهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
لذا المرجو من المسلمين ـ كل المسلمين في جميع أنحاء الأرض ـ أن يغضبوا لحرمات المسيح عيسى -عليه الصلاة والسلام- كما يغضبوا لحرمات أخيه محمد صلوات الله وسلامه عليه .. وأن يعربوا عن استنكارهم ومعارضتهم لهذه الهجمة الشرسة الخبيثة التي تستهدف عِرض وشرف ومكانة المسيح -عليه الصلاة والسلام- .. وبكل الوسائل المتاحة والممكنة، والمشروعة.
لا بد للمسلمين من أن يوجهوا رسالة قوية واضحة صريحة .. للنصارى في بلاد الغرب وأمريكا وغيرها .. مفادها أن هذه الاعتداءات المتكررة السافرة منهم على المسيح -عليه الصلاة والسلام-، وعلى حرماته، ومكانته العظيمة كنبي من أنبياء الله ورسله، وكواحد من أولي العزم المصطفين الأخيار .. أننا لا نرضاها .. بل نسخطها ونبغضها .. ونبغض فاعليها .. وأننا كما لا نسمح بالاعتداء على حرمات وعِرض ومكانة نبينا وحبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- .. كذلك لا نسمح بالاعتداء على حرمات وعِرض ومكانة نبي الله .. وحبيبنا .. المسيح عيسى -عليه الصلاة والسلام-.
أصارحكم القول: أنني لا أحسن التفسير .. عندما أرى الأمة كلها تنتفض غضباً لحرمات النبي -صلى الله عليه وسلم- ـ وهذا حق وواجب فداه نفسي ـ بينما عندما يُعتدى على أخيه المسيح عيسى -عليه الصلاة والسلام- بأشد أنواع الاعتداء والتهكم والسخرية من قبل نصارى الغرب .. لا أحد يتحرك .. أو يغضب .. ولا أحد يعترض أو يستنكر .. وكأن الأمر لا يعنينا نحن المسلمين في شيء!!
فهذا لا ينبغي ولا يجوز .. ولا يليق بأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وقد تقدمت الإشارة إلى أن إجماع واتفاق علماء سلف الأمة معقود على وجوب قتل من تجرأ على سبِّ نبي واحدٍ من أنبياء الله تعالى .. وهو حد من حدود الله .. حصانة لحقوق الأنبياء وحرماتهم .. لا شفاعة فيه لأحد، كما لا أحد يستطيع أن يعطله أو يمنعه.

عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
4/4/1428 هـ/ 21/4/2007 م.


إرسال تعليق

 
Top