بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
كيفما التفت أو اتجهت تجد الترويج لثقافة عبادة الطاغوت؛ تجد الترويج والدعاية لقانونه وشريعته ونظامه، وحكمه .. ودستوره .. تجد تزيين باطله وكفره وظلمه وفسوقه .. وتقبيح وتجريم كل ما يُخالفه أو يُعارضه وإن كان حقاً صريحاً لا مِرية فيه .. باطله حق، وظلمه عدل .. وفسوقه ومجونه رقي وتقدم وتحضر .. تجد الجدال المستميت عنه وعن مكاسبه وسرقاته .. وعرشه .. وميزانية قصره .. وخصوصياته التي لا حدَّ لها .. تجد الغلو في إطرائه ومدحه وتعظيمه .. تجد تكريس ألوهيته وربوبيته على البلاد والعباد .. فالحق ما يراه للناس حقاً، والباطل ما يراه للناس باطلاً .. وهو في ذلك كله فوق أن يُراجَع أو يُسأل عما يفعل أو يقول .. تجد الأجيال كيف تُنَشَّأ على الولاء للطاغوت .. وطاعة الطاغوت .. والخضوع للطاغوت وقانونه .. والخشية من الطاغوت ومن عصيانه .. والتغني والهتاف باسم الطاغوت .. والموت في سبيل الطاغوت .. تجد طاقات وثروات الأمة تُهدَر ـ بسخاء ـ في سبيل تعبيد الناس للطاغوت .. تجد طواغيتاً ـ بكل وقاحة ووضوح ـ يُخاصمون الربَّ في خصوصياته وصفاته وحقوقه .. ثم كثير من الناس يقرونهم ويُتابعونهم على ذلك!!
كل هذا وغيره من المكر المتواصل نراه على مدار الوقت من غير توقف ولا انقطاع، كما قال تعالى:) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (سبأ:33.
لكن من المسؤول عن تعزيز هذه الثقافة الخبيثة في الأمة؛ ثقافة عبادة الطواغيت من دون الله عز وجل؛ هذه الثقافة التي تُخرج العباد من النور إلى الظلمات .. من نور وعدل الإسلام والتوحيد .. إلى ظلمات الكفر والشرك والجهل والضياع؟!
بشيء من التأمل نجد أن المسؤول عن ارتكاب هذه الجريمة النكراء بحق الأمة والشعوب ـ إضافة للطواغيت ذاتهم، وبطانتهم المقربين ـ جهات عدة:
منها: وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة، المأجورة للطاغوت بصورة مباشرة وغير مباشرة ـ وما أكثرها ـ والتي تعمل ـ من غير انقطاع ـ على تكريس وتعزيز ثقافة عبادة الطاغوت، وتعبيد الناس للطاغوت .. وتزيين باطل الطاغوت .. وتزوير وقلب الحقائق في أعين الناس لصالح الطاغوت ونظامه .. هذه الوسائل وكل الموظفين والطواقم التي تعمل فيها .. هم شركاء في هذا الوزر العظيم .. وبعضهم وزره أعظم وأشد من بعض!
ومنها: نظام التربية والتعليم السائد والمعمول به في ظل الأنظمة الطاغية الحاكمة .. والمناهج الدراسية المقررة التي تخضع باستمرار ـ من قبل الطاغوت وزبانيته ـ إلى المراجعة والغربلة والتصفية .. وغربلة وتصفية القائمين على ذلك السلك التربوي التعليمي الهام .. بما يتوافق مع تكريس وتعزيز ثقافة عبادة الطاغوت .. والولاء للطاغوت .. وتعزيز ثقافة مصالح وسياسات وامتيازات الطاغوت أولاً وأخيراً .. والتي تُنشَّأ وتربى عليها الأجيال جيلاً بعد جيل .. فنفاجأ في أجيال مهزوزة ومشوهة وضعيفة؛ قد فقدت دينها .. وعقيدتها .. وانتماءها .. وتصورها .. وأخلاقها .. وولائها لربها .. وكل عوامل المناعة والقوة فيها .. لأن الطاغوت ـ بفعل تلك المناهج المقررة وغيرها ـ قد استحوذ على المساحة الأكبر من ذهن وتفكير واهتمامات وتطلعات تلك الأجيال .. ومنذ نعومة أظافرهم!!
نفاجأ بأجيالٍ .. تعاني من الجهل والفقر، والضعف، والذل، والخوف، والضياع، والجبن .. ترضى بالضيم .. والذل .. وبالقليل من الفُتات الذي يُرمَى إليهم كمنة وفضل من الطاغوت .. وتسكت عن حقوقها .. ولقمة عيشها المغتصبة .. طلباً لمرضاة الطاغوت أو دفعاً لشره!
نفاجأ بأجيال مهزوزة فارغة .. قد فقدت الشعور بقيمتها وكرامتها .. وبالغاية من وجودها في هذه الحياة .. فأسمى غاياتها .. كيف تحظى بركوعٍ وانحناء للطاغوت .. كيف تحظى بقبلة على أكمام وأقدام الطاغوت .. كيف ترقص وتغني وتصفق للطاغوت .. كيف يرضى عنها الطاغوت .. عسى أن ينظر الطاغوت إليها نظرة عطفٍ وتفضلٍ وإحسان!!
جيل أو أجيال محطَّمة ومدمَّرة .. هذه بعض صفاتها .. وتُنشَّأ هذه النشأة المعوجَّة .. كيف يُرجى منها تحرير الأراضي المغتصبة .. أو دفع العدو الصائل .. أو العمل من أجل تقدم وازدهار البلاد؟!
ومنها: علماء السوء .. وشيوخ البلاط الملكي أو الرئاسي .. والدعاة المأجورين الذين يطلبون الظهور والشهرة .. وصرف وجوه الناس إليهم على حساب الحق وكتمانه .. وهؤلاء لا شك أنهم شركاء في هذا الوزر العظيم، وهذا التخلف والظلم الذي تُعاني منه الأمة، إن لم يكن لهم الدور الأكبر والفاعل فيه، تكمن جريمتهم ومسؤوليتهم عن هذه الجريمة من أوجه عدة:
أولاً: كلما ظهرت في الأمة طليعة من المؤمنين تأخذ على نفسها وعاتقها مهمة ومسؤولية القيام بواجب الجهاد في سبيل الله .. وواجب الصدع بالحق .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. والإصلاح .. والتغيير الذي يوجبه عليهم الإسلام .. وترجوه الأمة وتنتظره .. قام في وجهها هذا الفريق من المتلونين؛ من علماء وشيوخ ودعاة القصور والبلاط الملكي والرئاسي .. ليشككوا بنواياهم .. وجهادهم .. وتضحياتهم .. وطريقتهم .. ويرمونهم بعبارات التجريم والضلال والتكفير .. وما يحملهم على فعل ذلك سوى الذود والجدال عن الطاغوت ونظامه .. والخوف على مكتسباتهم ورواتبهم!
الطاغوت يرتكب الموبقات والمهلكات العشر .. وينتهك الحرمات جهاراً نهاراً .. ويزعم لنفسه الربوبية والألوهية على الملأ .. ومع ذلك لا تسمع لهذا الصنف من الشيوخ والدعاة صوتاً ولا همساً .. فهم ـ عندما يأتي المنكر والكفر من جهة الطاغوت ـ صم بكم عمي لا يسمعون ولا يُبصرون .. ولو سُئل أحدهم عن الشرق لأجاب عن الغرب .. وتراهم يُكثرون من الحديث عن فقه الفتنة النائمة، ولَعْنِ اللهِ لمن يُوقظها .. وفاتهم أنهم والطاغوت هم الفتنة ذاتها!
بينما في المقابل ترى لهم ألسنة حِداداً .. لا تعرف الرحمة ولا الشفقة .. وفقهاً لا يعرف التأويل ولا يُقيل العثرات ولا الكبوات .. ضد كل من يقف في وجه الطاغية ويُسمعه كلمة حق .. أو ينشد التغيير والإصلاح .. وتحرير البلاد والعباد من عبادة الطاغوت وأغلاله!!
فهم على طواغيت الحكم والكفر والظلم مرجئة ورحماء ورفقاء .. وعلى المجاهدين الموحدين وعلمائهم ودعاتهم .. خوارج وشداد غِلاظ!
ثانياً: فهم عندما يُبايعون ويؤاكلون ويُجالِسون الطاغوت .. من دون أن ينكروا عليه ظلمه وطغيانه .. وكفره .. يكونون بمثابة شهَّاد زور .. يتقوى الطاغوت بهم على ظلمه وطغيانه، وتثبيت ملكه ونظامه؛ فيقول العامة من الناس: لو لم يكن هذا الحاكم جيداً .. لما جالسه وآكله وبايعه هؤلاء العلماء والدعاة .. ثم مَن الأعلم بحال هذا الحاكم .. وبما ينفع وما يضر، نحن أم هؤلاء العلماء والدعاة .. وإذا كان الجواب هم العلماء والدعاة .. فحري بنا ـ نحن عامة المسلمين والناس ـ أن نرضى بما يرضاه لنا هؤلاء العلماء والدعاة .. فيَضلون ويُضلون .. ويبوءون ـ حينئذٍ ـ بوزرهم ووزر من يتبعهم من الناس!
ثالثاً: كتمانهم للحق الذي يجب عليهم أن يبينوه للناس ولا يكتمون منه شيئاً .. وفي أوقات يتعين فيها الصدع والبيان .. مقابل ثمن بخس يُرمى إليهم من قبل الطاغوت كراتب يتقاضونه على الكتمان والتواطؤ على الظلم ومباركة طغيان الطاغوت .. فيُضلون بذلك الناس .. ويخونون الأمانة .. وينقضون الميثاق .. وبخاصة عندما يتعلق هذا الكتمان بمسائل العقيدة والتوحيد الذي من مقتضاه وشروطه الكفر بالطاغوت، والبراء منه ومن نظامه وقانونه .. وهؤلاء مثلهم مثل فريق من الناس يدخلون كهفاً عميقاً ومظلماً .. محفوفاً بالمخاطر والحُفَر .. ومع أحدهم مشعل من نار يُضيء لهم الطريق ويعرفهم على مخاطره وما يتخلله من حفر وتعرجات .. وآفات .. ثم هو عن سابق عمد وإصرار يُطفئ نار المشعل الذي بيده .. ليتخبط الناس في الظلام .. وحتى لا يهتدون سبيلاً للنجاة!
فهم بهذه الخلال الثلاثة الآنفة الذكر أعلاه ـ مجتمعة بعضها مع بعض، سواء علموا أم لم يعلموا ـ شركاء في الوزر، ويكونون سبباً في تكريس وتعزيز ثقافة عبادة الطاغوت من دون الله عز وجل .. وكأمرٍ واقعٍ لا فكاك ولا خلاص للأمة منه!
وهؤلاء هم المعنيون من قوله تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (البقرة:159.
ومن قوله تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (البقرة:174.
ومن قوله صلى الله عليه وسلم:" إن أخوف ما أخاف على أمتي؛ الأئمة المضلون ".
وقوله صلى الله عليه وسلم:" إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي ـ وفي رواية: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة ـ كل منافق عليم اللسان ".
ومنها: أشباه المثقفين .. الذين لا لون لهم ولا طعم ولا رائحة .. لا يُمكن أن تعرف لهم ولاء ولا وجوداً إلا حيث يُرزَقون .. ويكون همهم الأكبر ما يطلبه الجمهور .. ويباركه الطاغوت .. وكيف يحظون على وظيفة يقتاتون منها في دائرة من الدوائر التابعة للطاغوت ونظامه .. يلحق بهم العلمانيون والإباحيون ومن لا دين ولا خلق له .. فهؤلاء مقابل إشباع شهواتهم ونزواتهم .. وإملاء جيوبهم وبطونهم بالحرام .. لا يترددون لحظة في الذود والجدال عن الطاغوت ونظامه وقانونه .. والتجسس لصالحه .. والعمل على تعزيز وتكريس ثقافة عبادة الطاغوت في الأمة .. فهؤلاء أيضاً شركاء في الوزر والجرم، ولسوف يُسألون!
ومنها: الأحزاب التي يرتضيها الطاغوت .. والتي ترضى أن تسير وفق قانونه ونظامه ودستوره .. فتُمنَح رخصة للعمل الحزبي على هذا الأساس؛ أساس ترويج وتعزيز ثقافة عبادة الطاغوت من دون الله .. وإن خالط بعد ذلك بعض البرامج الإصلاحية الترقيعية الأخرى .. فإن وجود ذلك قد لا يضر ولا يمنع من الترخيص لها .. ما دامت قد وافقت على الأصل؛ ألا وهو الاعتراف بربوبية وألوهية الطاغوت .. وشرعية حكمه ونظامه ودستوره .. والعمل بين الناس على تكريس وتعزيز ثقافة عبادة الطاغوت من دون الله عز وجل!
وأيما حزب لا يرضى أن يسير في هذا الطريق؛طريق تعبيد العباد للطاغوت ونظامه وقانونه ودستوره، وتعزيز ثقافة عبادة الطاغوت من دون الله ـ ولو بصورة من الصور ـ لا يُمكن أن يحظى على الفرصة أو الترخيص للعمل .. وما أكثر الشواهد والأدلة المعايشة والمعاصرة الدالة على ذلك لو أردنا الاستدلال!
فهذه الأحزاب ـ التي ترتضي لنفسها أن تسير في هذا النفق المظلم الآثم ـ هي كذلك شريكة في هذا الوزر والجرم .. ولسوف تُسأل وتُحاسَب ) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الشعراء:88-89.
هذه هي المشكلة الكبرى ـ الذي لا يجوز أن تعمى الأبصار عنها ـ وهذا هو حجمها .. وهؤلاء هم أطرافها وشركاؤها .. ولا بد للعلماء والدعاة إلى الله من أن يُعطوا هذه المشكلة حقها من الجهد والاجتهاد والجهاد .. وتكون على رأس أولوياتهم واهتماماتهم .. ويكون همهم الأكبر وشغلهم الشاغل كيف يواجهونها .. ويعرُّونها .. ويستأصلونها .. وكيف يُخرجون العباد من عبادة الطاغوت إلى عبادة الله تعالى الواحد الأحد .. وهي مهمة جميع أنبياء الله تعالى ورسله من قبل على مَرِّ العصور والأزمان، كما قال تعالى:) لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (الأعراف:59. وقال تعالى:) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (الأعراف:65. وقال تعالى:) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (الأعراف:73. وقال تعالى:) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (الأعراف:85. وقال تعالى: )وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (النحل:36. وقال تعالى:) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (الفرقان:31. هذه هي مهمة الأنبياء والرسل العظمى .. وهذه هي دعوتهم الخالدة .. أن ) اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ( .. وهذا هو منهجهم في الدعوة إلى الله تعالى ومواجه الباطل وطغيانه .. وجهاد المجرمين .. ولا بد للدعاة والعلماء ـ ورثة الأنبياء ـ من يسيروا على نهج الأنبياء والرسل في الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله.
يشتد عجبي من قومٍ يُنسَبون إلى العلماء والدعاة .. يستشرفون الحديث عن معوقات تقدم الأمة .. وعن أسباب تخلفها وضَعفها .. وعن كيفية إطلاق طاقات الشباب والاستفادة منها .. وغير ذلك من المواضيع العامة والهامة .. من دون أن يُشيروا ـ مجرد إشارة ـ إلى هذه المشكلة الكبرى ـ الآنفة الذكر أعلاه ـ التي تُعتبر المعوق الأكبر والأساس لكل تقدم .. وعدل .. وأمنٍ .. وازدهار .. وخير!!
يُنظِّرون حول ضرورة الإصلاح والتغيير .. ثم تراهم ـ رغبة أو رهبة ـ لا يشيرون ـ مجرد إشارة ـ إلى هذه المشكلة الكبرى ـ الآنفة الذكر أعلاه ـ التي تُعتبر العائق الأكبر أمام كل إصلاح أو تغيير!
يتكلمون ـ كلاماً عاماً ـ عن ضرورة عودة النَّاس إلى الله .. وأن يدخلوا في سلم الإسلام كافة .. ثم تراهم ـ رغبة أو رهبة ـ لا يشيرون ـ مجرد إشارة ـ إلى من يقف عقبة كأداء أمام عودة الناس إلى ربهم .. وأمام أي محاولة جادة تستهدف استئناف حياة إسلامية راشدة .. والمتمثل في الطاغوت الحاكم للبلاد والعباد .. الذي يُفسد في ساعة ما يُصلحه الدعاة في سنة ـ هذا إذا تُرك لهم مجال للإصلاح ـ بحكم ما لديه من إمكانيات وصلاحيات وقوة!!
يتكلمون عن ضرورة تحرير أراضي المسلمين من العدو الغاصب .. مع علمهم أن طواغيت الحكم هم الذين مكنوا للعدو في بلاد وأراضي المسلمين .. وسهلوا له سبل الغزو والعدوان .. وهم الذين يحمونه ويحرسونه .. ويمنعون الشعوب من أن تأخذ طريقها لجهاد ومقاومة عدوان المعتدين .. وطردهم من ديار المسلمين .. بل ويجرِّمون ويقتلون ويعتقلون من يحاول أن يفك أو يخترق حصارهم وطوقهم الذي به يحمون الأعداء .. ويحمون مستوطنات وثكنات وقواعد العدو .. ومع ذلك ـ هؤلاء الدعاة والمنظرين .. رهبة أو رغبة ـ لا يُشيرون ـ ولو مجرد إشارة ـ إلى خيانة طواغيت الحكم لأمتهم وشعوبهم وديارهم .. ودورهم الفاعل في تكريس وتثبيت عدوان المعتدين في بلاد المسلمين!
يتكلمون عن ضرورة محاربة ظاهرة الفساد والمفسدين .. كلاماً عاماً .. ومن دون أن يُشيروا ـ مجرد إشارة ـ إلى راعي وحامي الفساد والمفسدين .. والمتمثل في الطاغوت الحاكم للبلاد والعباد .. بل إذا اقتربوا منه بكلمة أو إشارة .. تراهم ـ رغبة أو رهبة ـ يحسِّنون به الظن .. ويتوسعون له في التأويل والأعذار .. وينزهونه عن الإفساد في الأرض .. أو أن يكون له دراية أو علم بالفساد والمفسدين!!
يُحاربون التورمات الخبيثة المستعصية والمنتشرة .. بالكلمات الواهية والمسكِّنات التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع .. وكان الصواب .. وهذا الذي تقتضيه الأمانة منهم أن يتوجهوا إلى تحديد الداء الأساس والأكبر ومن ثم العمل على استئصاله من جذوره .. لكنهم لا يريدون أن يضحوا .. ولا أن يخسروا شيئاً من متاع الدنيا وزخرفها .. ولا أن يكون لهم عدو من المجرمين يجاهدونه بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله .. كما كان لكل نبي من أنبياء الله تعالى عدو من المجرمين .. ثم هم بعد ذلك كله يسمون أنفسهم ـ زوراً ـ بأنهم دعاة وعلماء .. وأنهم من ورثة الأنبياء
.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
21/8/1428 هـ. 3/9/2007 م.