بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
مما يُؤسف له أن كثيراً ممن تتناولهم وسائل الإعلام على أنهم مراقبون ومحللون وأخصائيون .. نجدهم ـ في كثير من الأحيان ـ إذا تناولوا حدَثاً هاماً يخص الشعوب والأمم والدول ينأون بأنفسهم ـ رغبة أو رهبة ـ عن ذكر الحقيقة .. وأفضلهم الذي يذكرها منقوصة؛ فيحوم ويطوف حولها .. ويُشير إليها من طرف بعيد وخفي .. يحتاج إلى أخصائي آخر يُفسر ويُحلل مراده وكلماته ـ وليس كل الناس كذلك ـ فيزيدون بذلك الطين بلَّة .. والغامض غموضاً .. ويجعلون من السهل صعباً .. ومن المحكم متشابهاً وحمَّال أوجه .. ويا ليتهم لم يحللوا ولم يعلقوا .. وكأن وظيفتهم أن يُسدلوا على الحقائق مزيداً من السِتر والغبش والتشويش والغموض .. وأن يزيدوا الناس ضلالاً وتِيهاً .. حتى تلتبس عليهم الحقائق والمعاني .. فلا يحسنون التمييز بين ما هو حق وما هو باطل .. وبين ما ينفعهم وما يضرهم .. وبين من هو عدو لهم وبين من هو صديق .. وهذا من الغش الذي لا يليق بأولي النُّهى من الرجال!
قد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن طموحات إيران النووية .. وخطر مشروعها النووي على المنطقة .. وعن طموحاتها في المنطقة العربية والإسلامية بشكلٍ عام .. وعن التقارب العربي الإيراني .. وعن التجاذبات السياسية والتصريحات الصحفية بين أمريكا ودول الغرب من جهة وإيران من جهة أخرى .. والتي تتسم تارة بالتوتر والتصعيد وتارة بالتهدئة والتقريب حتى يُخيل للرائي وكأنَّ الفريقين فريق واحد .. مما جعل الحليم حيراناً؟!
كيف ينبغي أن نفهم ونفسر هذه الأحداث .. وكيف ينبغي أن نتعامل معها؟!
أقول: قبل أن نجيب عن هذا السؤال .. لا بد من أن نعرِّف بالأطراف والفرقاء المعنية من موضوعنا أعلاه، وهي:
إيران: تلك الدولة الطائفية الدينية القائم نظامها على دين وعقيدة التشيع والرفض، وسلطة ولاية الفقيه المطلقة .. ذات الطموح الكبير في بسط نفوذها في المنطقة العربية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ـ وبخاصة منها منطقة الخليج العربي؛ لقربها جغرافياً من إيران، ولوجود السكان فيها الذين يدينون بالولاء والطاعة العمياء لقم وسلطة ولاية الفقيه ـ وهذا يستدعي منها أن تغزوها أولاً ثقافياً ودينياً وطائفياً .. لتضمن ولاء أكبر شريحة من الشعوب في تلك البلاد .. والتي تُساعد كثيراً في تمرير المخططات الإيرانية الأخرى .. كما تُساعد على تدخلها في شؤون البلاد الداخلية .. الصغيرة منها والكبيرة .. كما هو حاصل في لبنان، وسورية، وأفغانستان، والعراق .. وفلسطين .. وغيرها من البلدان العربية والخليجية ـ والبلدان المنتمية للعالم الإسلامي ـ بنسب متفاوتة بحسب قوة وعدد من يدين لها ولسلطة ولاية الفقيه بالطاعة والولاء.
وإلا فقولوا لي، كيف يمكن أن نفسر وجود خمس قنصليات لإيران في العراق: قنصلية في
أربيل، وقنصلية في السليمانية، وقنصلية في البصرة، وقنصلية في كربلاء، وقنصلية في
بغداد .. هذا غير السفارة في بغداد؟!
لا يُمكن أن نقتنع أن لهذا الكم الكبير من القنصليات أغراضها الدبلوماسية
والخدماتية وحسب .. أو أن العراق ـ هذا البلد العربي المسلم الذي قطعت أوصاله
أحقاد ومؤامرات الآيات في قم وطهران ـ يستوعب ويحتاج إلى كل هذا العدد من
القنصليات!
هذه مستوطنات وقلاع عسكرية .. لها وظائف عسكرية وسياسية وطائفية وتخريبية .. منها
يُنطلق لتنفيذ ما يُحاك في قم وطهران من مؤامرات وتصفيات لخيرة الكوادر العلمية
العراقية!
فإيران إن نجحت في غزو المنطقة طائفياً .. ومذهبياً
.. نجحت ولا بد في غزوها سياسياً واقتصادياً .. وعسكرياً .. وهي كل ما ترجوه من أي
اتفاق أو تقارب ثنائي بينها وبين أي دولة عربية أن يُسمح لها أن تنشط في البلد
المتفق معه للدعوة إلى التشيع والرفض .. والولاء لعقيدة ولاية الفقيه المطلقة ..
أو على الأقل يُسكت عن نشاطاتها الساعية إلى تشييع الناس واستمالتهم إلى مذهب
الرفض والطعن .. وغالباً ما يتم ذلك تحت عنوان الاتفاقات الثقافية .. وأيُّ ثقافة
تُرجى من إيران غير ثقافة التشيع والرفض .. وثقافة الطعن والهدم للإسلام وثوابته!
ولكي يتحقق لإيران هذا المطلب الهام بالنسبة لها .. لا بد من أن تظهر كقوة عظمى في
المنطقة تُرهِب حكامها .. وتستميل قلوب الشعوب التي تتطلع بشغف إلى كل قوي في
المنطقة يرفع عنها ما نزل بها من ذلِّ وضعف وهوان ـ من قبل حكامها والصهاينة
اليهود ـ وفي نفس الوقت تمكن إيران من فرض شروطها وإملاء طلباتها على الآخرين ..
ويجعلها تتصرف وكأنها ند ورقم يصعب تجاوزه .. وهذا يستلزم من إيران أن تسير في
طريق سباق التسلح وبطريقة جنونية .. وإلى درجة أنها تعمل على تصنيع قنبلة نووية ..
وهي إن لم تكن قد أنجزتها .. فهي في طريقها نحو إنجازها .. والمسألة بالنسبة
لإيران قضية وقت لا أكثر ولا أقل .. وهي تستفيد من كل دقيقة يمنحها إياه تفرق كلمة
المجتمع الدولي والعربي نحو مشروعها النووي المريب والمثير للجدل!
فسياسة النظام الإيراني تقوم على محورين أساسيين؛ كل منهما يؤدي إلى الآخر ويمده
بالقوة والحياة .. غير قابلين للتفاوض والمساومة: الأول والأهم: العمل المكثف على
نشر مذهب التشيع والرفض في المنطقة .. وحماية ودعم كل نشاط شيعي رافضي في المنطقة،
وهذه مهمة غالباً ما يقوم بها أئمتهم وآياتهم وأحبارهم، مدعومين بصورة مباشرة من
الطبقة الحاكمة المتنفذة. والثاني: العمل الدؤوب ـ وبصورة جنونية ومريبة ـ على تطوير
برنامجها التسليحي التقليدي منه وغير التقليدي .. والذي لا يتوقف إلا عند تصنيع
القنابل النووية والذرية تنفيذاً لوصية إمامهم الخميني!
إيران تُمارس دورين متناقضين: دور العميل لأمريكا وحلفائها من دول الغرب؛ وذلك
عندما تكون ضحية هذه العمالة هم المسلمون السنة، كما حصل في أفغانستان والعراق؛
حيث صرح المسؤولون الإيرانيون أكثر من مرة أنهم ساعدوا أمريكا في غزوها
لأفغانستان، والعراق، وأنهم لولا مساعدة إيران لما استطاعت أمريكا أن تُسقط نظام
الطالبان في أفغانستان، ونظام وحكم صدام في العراق .. وهذا أمر واضح لا يحتاج
لمزيد تدليل أو براهين.
ودور الندِّ الذي يسعى لمصالحه وبسط نفوذه؛ ونفوذ التشيع والرفض في المنطقة .. وإن
أدى به هذا الطموح لنوع مواجهة مع من تعامل معهم من أجل ضرب العالم المسلم السني
.. فإيران تتعامل مع أمريكا وحلفائها من دول الغرب ككاسحات ألغام .. تستعين بهم
وتعينهم وتتعامل معهم على ضرب المسلمين السنة واحتلال بلادهم .. ثم هم بعد ذلك
يدخلون بسلام ـ بعد أن تكون الكاسحات الأمريكية قد مهدت لهم الطريق .. وأزالت من
طريقهم الألغام والعقبات ـ ليقطفوا الثمار .. ويبسطوا نفوذهم .. وينشروا سمومهم ..
سموم التشيع والرفض .. سموم الهدم والطعن .. وسموم التخريب والقتل لكل مناوئ سني
قوي .. كما حصل في أفغانستان والعراق؛ أي أن إيران حتى في الجانب الذي تظهر فيه
كعميل فهو من أجل تسخير واستخدام الطرف الآخر الأمريكي الغربي في بسط نفوذها في
المنطقة .. ونشر التشيع والرفض .. وثقافة ولاية الفقيه المطلقة .. بأقل خسارة
ممكنة .. فمن عرف هذه الحقيقة .. أمكنه التوفيق بين المواقف المتذبذبة المتناقضة
لساسة وآيات وأحبار قم وطهران .. وأدرك أن إيران تستخدم أمريكا ودول الغرب "
كطنابر " تعبر من خلالهم إلى القلاع الإسلامية السنية الصعبة الحصينة .. التي
قد تكلف إيران قتال عشرات السنين .. ومئات الآلاف من شبابها .. لو أرادت أن تقتحم
تلك القلاع بمفردها .. من دون استخدام تلك الطنابير .. والحرب الإيرانية العراقية
السابقة أكبر دليل على صحة ما نقول!
دولة الصهاينة اليهود: وهي طرف أساس في هذه القضية والمعادلة .. فهي مهما قُدمت لها ـ من أمريكا ودول الغرب، وإيران ـ الضمانات على أن القوة العسكرية النووية الإيرانية لا يُمكن أن تُستخدم ضدها .. كما لا يُمكن أن تُشكل عليها خطراً .. فهي لا ترضى ولا يهدأ لها بال .. لأن طبيعتها كدولة طاغية عدوانية غريبة .. قد استمرأت العصيان على المجتمع الدولي وقراراته .. واعتادت أن تفرض شروطها وطلباتها على الآخرين ومن دون جدال .. لا تقبل وجود قوة عسكرية في المنطقة تنافسها، أو تكون لها كفأ .. مهما قيل لها عن حيادية أو عمالة هذه القوة .. فالسيد لا يُمانع أن يكون عميله قوياً .. لكن أن ترقى قوته إلى درجة قد تمكنه في مرحلة من المراحل أو ظرف من الظروف على العصيان والتمرد أو الانفراد بالقرار بعيداً عن السيد ومصالحه .. فهذا لا يُمكن أن يُقبل في منطق الدول الطاغية المستعمرة المعتدية على حقوق وبلاد الآخرين .. لذا نجدها بين الفينة والأخرى تثير مخاوفها من مشروع التسلح الإيراني وبخاصة منه النووي .. وتحرض حلفاءها في أمريكا ودول الغرب على موقف أشد صرامة من إيران ومن مشروعها العسكري والنووي!
أمريكا ومعها دول الغرب: هذه الدول يهمها في المنطقة ثلاثة أشياء غير قابلة للمساومة أو التساهل:
أولها: أمن وسلامة وقوة دولة الصهاينة اليهود من كل وجه.
ثانياً: سلامة مصالحها الاقتصادية في المنطقة، وعلى رأسها استمرار ضخ الذهب الأسود ـ وبثمن بخس، وفي كثير من الأحيان بلا ثمن ـ من البلاد العربية إلى السوق الأمريكي، والأوربي.
ثالثاً: أن لا تقوم للإسلام في المنطقة ـ على مستوى الدولة والحكم والسياسة ـ قائمة تُذكر .. وأن يبقى محصوراً في القلب .. وزوايا المساجد!
وأهمية هذا المطلب بالنسبة لهم تأتي من جهة كونه سبباً في تحقيق المطلبين السابقي
الذكر أعلاه .. لأنهم يرون في الإسلام سبباً في تهديد أمن وسلامة دولة إسرائيل ..
وتهديد مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة سواء .. ويأتي من جهة كونه
يحقق لهم مطلباً ثقافياً طائفياً صليبياً قديماً .. يتجدد عند أدنى ظهور للإسلام
على مستوى الحكم والسلطة والسياسة!
وما سوى ذلك ـ كحقوق الإنسان ونشر الديمقراطيات في المنطقة كما يزعمون ـ فهو غير مهم .. أو لنقل هو قابل للمفاوضة والمساومة والابتزاز .. والتذبذب صعوداً وهبوطاً وبالقدر الذي يحقق لهم سلامة المطالب الثلاثة الآنفة الذكر .. وهو ـ في حقيقته ـ لا يعدو مثلاً أن يكون " كبسمار جحا " الذي يمكنهم من دخول البيت في أي وقتٍ يشاؤون، ومن دون استئذان .. والتدخل بشؤون الأوطان بحجة الحرص على حقوق الإنسان!
وإلا كيف نفسر تقاربهم واتفاقهم مع أطغى طغاة المنطقة .. وإلقاء ألقاب المديح على
فخاماتهم بعد أن كانوا يصنفونهم في خانة الديكتاتوريين المناهضين لحقوق الإنسان!
الأنظمة العربية الحاكمة: هذه الأنظمة منذ نشأتها
ـ وإلى الساعة ـ رضيت أن تعيش طفيلية فضولية .. تستحمي بالقوي الأجنبي ضد ما يتهدد
عروشها ووجودها، ومكاسب الطبقة الحاكمة الذاتية الضيقة .. لذا فهي ـ ومنذ زمن ـ قد
فهمت اللعبة جيداً، وحفظت المطلوب منها دولياً، لكي تبقى آمنة على عروشها، وخصائص
حكامها المترفين .. وهي لكي تحظى بالرعاية والحماية الكاملتين .. فقد نفذت وبكل
إخلاص ما طُلب منهم.
فعلى مستوى الموقف من دولة الصهاينة اليهود: فالأنظمة العربية لم تعترف بشرعية
وجودها وحسب، بل نراها تعمل ـ ومنذ زمن طويل ـ ككلب حراسة وفي على حدودها .. تحمي
وتحرس أمنها وحدودها .. وتصد أي عمل إغاثي يمكن أن تتقدم به الشعوب نحو إخوانهم
وأبنائهم في فلسطين .. وهي الآن تسير في تطبيع شامل ومكشوف وسريع مع دولة الصهاينة
اليهود .. ومن دون مُقابل يستحق الذكر!
وعلى مستوى مراعاة مصالح أمريكا ودول الغرب: فالكل يعلم السخاء العربي أللا محدود
في ضخ البترول " الذهب الأسود " عصب الحياة الصناعية، وغيره من الثروات
الباطنية إلى السوق الأمريكي والأوربي بثمن بخس .. وأحياناً من دون ثمن .. ومن دون
أن يسمحوا لشعوبهم أن تراقب عدَّاد ضخ البترول لتلك الدول.
إضافة إلى أن البلاد العربية قد تحولت إلى سوق استهلاكي لمنتجات الشركات الأجنبية
.. إلى درجة أنها في جميع حاجياتها تعيش على ما تصدره وتمن به تلك الشركات للسوق
العربي .. حتى لما طالبناهم بمقاطعة الأجبان الدنمركية فقط .. لما طعنوا بسيد
الخلق صلوات ربي وسلامه عليه .. قالوا: لا نستطيع .. ومن أين لنا بالجبن .. ومن
سيُطعمنا الجبن إن قاطعنا ألبانهم وأجبانهم!!
وعلى مستوى قمع ومحاربة الإسلام السياسي .. والدعاة إلى الله .. فحدِّث ولا حرج؛
فسجونهم تنبئك .. بما يعجز القلم عن تسطيره وذكره .. وهذا لا شك أنه مما يرضي
أمريكا ودول الغرب عن تلك الأنظمة العميلة الفاسدة الخائنة .. مهما بدر من حكامها
من فساد وظلم وطغيان وانتهاك لحقوق وحرمات الإنسان!
فالأنظمة العربية تعمل على حماية وتنفيذ المطالب الأمريكية الغربية الثلاثة الآنفة
الذكر أكثر من أصحابها .. مقابل أن تبقى لهم عروشهم .. وأن يبقوا في سدة الحكم إلى
أن يتخطفهم الموت .. أو يقعدهم العجز والمرض .. فلا يستطيعون حراكاً ولا كلاماً ..
ولو كان ذلك على حساب البلاد والعباد .. فهذا كله غير مهم .. المهم دوام سلامة
العرش .. وسلامة خصائص ومقتطعات العائلة أو الفئة الحاكمة .. وليكن بعدها ما يكون!
وهم مع ذلك .. ليأمنوا ثأر الشعوب لحقوقهم وحرماتهم ودينهم وعزتهم وثرواتهم .. فقد
شغلوهم بكل ما يؤدي إلى تخديرهم وإفسادهم .. وتحللهم أخلاقياً .. وتجهيلهم ..
وصدهم عن دين الله .. ومن يستعصي عليهم من الناس؛ فلا يأتي معهم من خلال هذا
الطريق؛ طريق التحلل والفساد .. والإغواء .. والإغراء .. أتوا به عن طريق الإرهاب
والقتل .. والسجن .. والتعذيب .. وتكميم الأفواه .. وحرمانه من حقوقه المدنية
المعروفة!
هذه الأنظمة ليس لها رصيد على مستوى شعوبها يحميها .. لأن التصالح مع الشعوب ليس
من سياستها واستراتيجيتها .. وليس لها قوة عسكرية معتبرة تعتمد عليها مستقلة عن
الدعم الأجنبي في صد أي عدوانٍ خارجي .. فكل منهم يقول بلسان حاله: بيوتنا عورة ..
وقصورنا من زجاج لا تتحمل أي حرب أو مواجهة .. لذا نجدهم يسعون في مرضاة القوي
الأجنبي .. ولو كان ذلك على حساب أمن وسلامة البلاد والعباد .. ونراهم يخشون كل
قذيفة أو صاروخ يعلو سماء بلادهم .. خشية أن تُصاب قصورهم فتتهمَّش أبنيتها الزجاجية!
هذا هو واقع جميع الأطراف المعنية من موضوع مقالنا هذا .. بعد أن عرفناه سهل علينا
ـ بإذن الله ـ أن نجيب عن السؤال الوارد أعلاه: كيف نفهم ونفسر هذا التجاذب
والتذبذب في العلاقات الأمريكية الغربية من جهة، والإيرانية من جهة ثانية .. وكذلك
هذا التذبذب في التقارب العربي الإيراني؟
أما الجواب عن السؤال الأول فأقول: أمريكا ومعها حلفائها من دول الغرب يريدون ضرب
إيران وممارسة مزيد من الضغط عليها، ولا يريدون .. كيف؟!
يريدون ضرب إيران وممارسة مزيد من الضغط عليها، لوجوه:
منها: خوفهم من مشروع
إيران العسكري والنووي المتطور .. ومن طموحاتها العسكرية الزائدة .. ومن أن ينعكس
ذلك يوماً من الأيام ـ وفي ظرف من الظروف لم يُحسب له حسابه ـ على أمن وسلامة دولة
اليهود .. وقد ذكرنا من قبل أن أمن دولة اليهود خط أحمر لا يقبل المجتمع الدولي
الأمريكي الغربي الاقتراب منه!
ومنها: خوفهم من تزايد
طموحات إيران في المنطقة التي بدأت تتصادم مع بعض مصالحهم وسياساتهم في المنطقة ..
كما الموقف في لبنان .. حيث أصبح اختيار رئيس لبنان بيد إيران .. وليس بيد الشعب
اللبناني أو حتى المجتمع الدولي .. مستغلة نفوذها القوي عن طريق حزبهم الرافضي
" حزب الله "، وكذلك منظمة أمل الشيعية الرافضية التي لا تخفي ولاءها
لآيات قم وطهران!
ومنها: رغبة المجتمع الدولي
في إحداث نوع توازن في القوى في المنطقة .. بحيث لا تتضخم قوة طرف على حساب قوة
الأطراف الأخرى في المنطقة .. وبشكل كبير .. والذي بدوره قد يؤدي إلى فقدان
السيطرة على أمن المنطقة، وبخاصة منها الخليجية .. وحتى لا تدخل دول المنطقة
الضعيفة ـ جرياً وراء القوي الذي يحميها أو لا يؤذيها ـ في ولاءات متعددة متضاربة
لا ترضاها أمريكا .. وتتنافى مع مصالح المجتمع الدولي الغربي في المنطقة!
فبعض
الدول العربية وبخاصة منها الخليجية تُظهر ـ على استحياء ووجل وتردد ـ نوع تخوف من
تضخم المشروع العسكري النووي في إيران .. وأمريكا ومعها الدول الغربية لا بد من أن
يُظهروا نوع اهتمام لما تتخوف منه تلك الدول العميلة التابعة لها!
هذه
هي الأوجه التي تحمل أمريكا ومعها دول الغرب على التفكير بممارسة مزيد من الضغط
على إيران .. وإلى درجة التلويح إلى اللجوء إلى الخيار العسكري .. أمَّا أنهم لا
يريدون ضرب إيران، ولا أن يُمارسوا عليها مزيداً من الضغط .. ذلك للأوجه التالية:
منها: أن إيران حليف وفي
لأمريكا ودول الغرب .. عندما تكون الهجمة باتجاه العالم المسلم السني .. كما حصل
في العراق وأفغانستان .. ولو اضطروا إلى غزو منطقة سنية أخرى فسيجدونها بجوارهم ..
لذا ليس من الحكمة التفريط بهكذا حليف بسهولة .. ومن دون دراسة العواقب والنتائج!
ومنها: أن إيران بتركيبتها
الطائفية .. عنصر توتر في المنطقة .. وهو مما يستدعي من دول المنطقة الضعيفة أن
ترمي بنفسها وثرواتها وقرارها السياسي .. في حضن أمريكا ودول الغرب .. ليحموها من
البعبع الإيراني .. ومن طموحاته التوسعية .. طيلة فترة التوتر .. وفي ذلك مكسب
ظاهر لأمريكا .. لذا من صالحها أن تبقي على عنصر التوتر هذا .. وأن تُطيل من أمده
.. ليستمر الابتزاز .. ويستمر وجود القواعد الأمريكية العسكرية في المنطقة!
فإذا
خلا وجود العدو أو الخطر من المنطقة .. فما هو المبرر للابتزاز، والتدخل في شؤون
المنطقة .. وما هو المبرر لاستمرار بقاء تلك القواعد العسكرية الأمريكية الغربية
في المنطقة .. كان من قبل صدام .. فقضوا عليه .. والآن إيران .. فإذا قضوا على
خطرها كلياً .. فمن أين سيأتون بخطر جديد .. يبتزون به أموال وثروات العرب ..
وبخاصة منها الدول الخليجية!
أمريكا
بحاجة ـ في المنطقة ـ إلى كلب عقور .. ترخي له الحبل وقت تشاء .. وتلجمه وقت تشاء
.. تُرهب به من يستعصي أو يُحاول أن يفكر من عملائها الصغار بالخروج عن طاعتها ..
أو التحرر من التبعية لها!
ومنها: أن إيران ـ بحكم
دوافعها الطائفية الدينية الخطيرة القائمة على الاختلاف والمخالفة لكل ما يمت إلى
الإسلام بصلة ـ تلعب دوراً هاماً في تقسيم الأمة إلى أمتين .. والدولة إلى دولتين
.. والمجتمع الواحد إلى مجتمعين بل ومجتمعات .. حتى المناسبات العامة التي تجمع
الأمة؛ كالأعياد .. فإن إيران ـ بحكم نفوذها الجديد في المنطقة ـ تفرقها إلى
مناسبات وأوقات عدة ومختلفة .. فنصف الأمة يعيّد في يوم .. والنصف الآخر يُعيِّد
في يومٍ آخر .. وهذا التفرق في الكلمة .. وعلى جميع المستويات .. مطلب أمريكي غربي
ـ يساعدها على التدخل في شؤون المنطقة ـ قد لا يُمكن أن يحققوه من دون آيات وأحبار
وساسة قم وطهران!
ومنها: أن إيران قد تضخمت قوتها العسكرية ـ كما
ذكرنا من قبل ـ وتضخم نفوذها في المنطقة .. فهي لم تعد مجرد عميل يمكن تأديبه أو
ضربه بسهولة .. عندما يخرج عن طاعة الأسياد أو حدود الأدب واللباقة .. وبالتالي
فإن إقدام أمريكا ومعها المجتمع الغربي على ضرب إيران يُعد مجازفة لا تؤمن عواقبها
.. وقد يترتب عليها تكاليف تفوق قدرات وطاقات أمريكا وحلفائها في هذه المرحلة أو
الظروف .. لذا نجد أمريكا تحسب ألف حساب لهذه الخطوة .. وتقدم خطوة وتُحجم أخرى ..
يوماً تُصعد فيه الخطاب .. ويوماً آخر تلجأ فيه إلى التهدئة والخطاب الأقرب على
الدبلوماسية والموادعة!
ومنها: أن إيران قد نجحت في إشغال أمريكا ومعها
المجتمع الدولي في المستنقع العراقي والأفغاني .. عن مشروعها العسكري النووي، وعن
طموحاتها الخاصة في المنطقة .. وإلى درجة الاستنزاف .. بحيث يصعب على أمريكا
وحلفائها أن يفتحوا جبهة ثالثة مع دولة بقوة ونفوذ إيران .. وساسة أمريكا والغرب
قد صرحوا بذلك أكثر من مرة!
ومنها: أن ضرب إيران من قبل أمريكا وحلفائها ..
قد يحمل إيران ـ من قبيل ردة الفعل، والدفاع عن النفس ـ على مد بعض الحبال
للتجمعات السنية المجاهدة المحاصرة في كل من العراق، وأفغانستان .. لقربها الجغرافي
من المنطقتين .. إضافة إلى تحريض عملائها ودبابيرها الكامنة في المنطقة والتي
تنتظر أمراً من ساسة وآيات قم وطهران .. وهذا ما يؤذي أمريكا جداً .. ويُفسد عليها
مخططاتها ويزيدها إرهاقاً وخسارة في جنودها وعتادها .. وهي تحسب لذلك ألف حساب!
ومنها: أن إيران سوق نفطي كبير .. والاعتداء عليه
يربك الاقتصاد العالمي .. وهذا أمر معتبر لدى المجتمع الدولي .. التفريط به ليس
بالأمر الهيّن أو السهل!
هذه الأوجه مجتمعة هي التي تمنع أمريكا ومعها حلفائها من الاجتراء على ضرب إيران
.. وتصعيد الخلاف معها .. وهم واقعون بين " حَيص بَيص "؛ فتارة تراهم
يلوحون بإمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري .. وتارة يلوحون بغصن الزيتون والسلام
.. ويخففون من حدة لهجة التصعيد والمواجهة .. وهذا التذبذب في المواقف ولهجة
الخطاب مرده في حقيقته إلى مدى ترجيح العوامل الدافعة للحرب والمواجهة .. والعوامل
المقابلة الدافعة إلى السلم .. وتخفيف حدة المواجهة والتصعيد .. وإلى أن ترجح
مصلحة عوامل على أخرى .. قد تتخذ أمريكا قراراً بالحرب أو السلم مع إيران .. وإن
كانت المعطيات كلها ترجِّح جنوح أمريكا وحلفائها إلى خيار السلم والموادعة والرضى
بالأمر الواقع .. وأن لا يزيدوا في ضغوطهم عن الضغط المعنوي والسياسي، والإعلامي
.. لحجم التكاليف الواسعة والضخمة الناجمة عن الجنوح إلى خيار الحرب والمواجهة ..
كما ذكرنا أعلاه.
وساسة وأحبار ورهبان قُم وطهران يُدركون هذا الذي ذكرناه أعلاه .. لذا نسمعهم بين
الفينة والأخرى يصرحون وبكل وضوح: أن أمريكا لا تستطيع أن تقدم على ضرب إيران ..
وهم لا يكترثون للهجة التصعيد الصادرة عن المجتمع الدولي .. لذا فهم ماضون في
عملية تطوير مشروعهم النووي وإلى أقصى حد .. وفي اعتقادي أن إيران ستصنع القنبلة
النووية عاجلاً أم آجلاً .. مراهنة على العوامل الآنفة الذكر التي تمنع التجمع
الدولي من مواجهتها ومحاربتها .. ومنعها من المضي في مشروعها النووي .. والقضية ـ
بالنسبة لإيران ـ لا تعدو أكثر من وقت وحسب .. وهي ـ كما ذكرنا ـ تستفيد من هذا
الانقسام الدولي نحوها .. ونحو مشروعها النووي .. وهو يمدها .. ويمد مشروعها
النووي العسكري بالقوة والحياة!
أما الجواب عن السؤال الآخر: وهو كيف نفهم ونفسر ظاهرة التقارب العربي الإيراني
الملحوظ مؤخراً .. ولماذا .. ومن المستفيد منه؟
أقول: بالنسبة للأنظمة العربية وحكامها .. المهم بالنسبة لهم بالدرجة الأولى .. أن
يأمنوا سلامة عروشهم وقصورهم .. وليكن بعدها ما يكون .. وهم قد أدركوا أن إيران ـ
على حين غفلة ولهوٍ منهم ـ قد تضخمت .. وكبرت .. واستعصت على العصا الأمريكية ..
لم تعد ترهبها العصا الأمريكية كما كانوا يظنون .. وأن لإيران طموحاتها في المنطقة
.. وهي تسعى لتحقيقها بجلادة وصبر ـ وبكل الوسائل والسبل ـ ولو بعد حين ..
وبالتالي لا بد من أن يسعوا في إرضاء هذا الكابوس الجديد المتمثل في النظام
الإيراني ـ الذي فاجأهم بعد رحيل صدام حسين رحمه الله ـ وأن يأخذوا منه
عهداً بأن لا يقصد عروشهم وقصورهم .. بصواريخه .. وقنابله .. لو حصلت أي مواجهة
بين إيران وأمريكا .. وأنهم سيقفون على الحياد ما استطاعوا في حال نشوب الحرب ..
وبخاصة بعد تصريح ساسة وأحبار قم وطهران .. أنهم سيحرقون ويدمرون دول الخليج على
أهلها لو نشبت أي حرب بينهم وبين أمريكا .. وكأن عدوهم الذي يُحاربهم هي دول
الخليج وليست أمريكا!
لأجل ذلك نجد حكام العرب يهرولون الواحد تلو الآخر ليجروا اتفاقات ثنائية بينهم
وبين النظام الإيراني .. يمنع الآخر من استهدافهم في حال نشوب أي حرب بين أمريكا
وإيران .. وكان من آخر هذه التحركات الاسترضائية استضافة ودعوة الملك السعودي عبد
الله .. لرئيس إيران أحمد نجاد لزيارة السعودية .. وأداء مناسك الحج!
لكن ما هو الموقف الإيراني من هذا التقرب والتزلف لحكام العرب .. وما هي شروطها ..
وكيف تفاعلت معه؟!
أقول: إيران ـ في هذه المرحلة ـ لا تُريد من هذا التقارب العربي الإيراني .. سوى
شيء واحد .. وهو أن يُسمح لها ولآياتها بأن ينشطوا في المجتمعات العربية لنشر
دينهم ومذهبهم .. دين التشيع والطعن والهدم والرفض .. أو على الأقل أن لا يواجهوا
أي معارضة أو مصادرة لنشاطاتهم التشييعية الرافضية في المجتمعات العربية من قبل
السلطات الحاكمة .. فإن أُعطوا ـ من قبل حكام المنطقة ـ هذا الجانب .. وسُمح لهم
بأن ينشطوا لدينهم ومذهبهم الرافضي .. فهذا ـ مرحلياً ـ يكفيهم .. ويُعد بالنسبة
لهم فتحاً ونصراً ليس بعده فتح ولا نصر؛ لعلمهم أن تشييع المنطقة هي الخطوة الأساس
والأهم نحو بسط أي نفوذ سياسي أو اقتصادي أو عسكري لاحق!
وللأسف فحكام العرب قد أعطوا ساسة وآيات قم وطهران هذا المطلب .. وغضوا الطرف عن
نشاطاتهم الدينية الطائفية الرافضية في بلاد المسلمين .. ومنهم من توسع؛ حيث نراه
يمنع علماء ودعاة الإسلام من مواجهة أو تعرية هذا الخطر الشيعي الرافضي الزاحف في
المنطقة .. ومن يعصي أو يخالف فالسجن مأواه ومنزله .. بينما في المقابل نجد إيران
تعطي دعاة التشيع والرفض كامل الدعم والحرية .. وتحميهم وتدافع عنهم داخل إيران
وخارجها .. لعلمهم أن طريقهم لتحقيق مصالحهم ومآربهم الأخرى لا يمكن أن تتم لهم
إلا عبر هذا الطريق .. وفات حكام العرب هؤلاء أنهم يحفرون قبورهم .. ويهدمون
قصورهم بأيديهم .. وإن غداً لناظره لقريب!
من أكبر الأخطاء التي ارتكبها صدام حسين أبَّان حكمه .. أنه استهان بهذا الجانب ..
وتعامل مع الشيعة الروافض حوله من أبناء العراق بحسن الظن .. وأنه منع علماء السنة
من أن ينشطوا في الدعوة إلى الله ليخرجوا ضلاَّل وجهلة الشيعة الروافض من جهلهم
وضلالهم وشركهم إلى نور الإسلام وتوحيده .. فكانت نهايته المؤلمة على يد هؤلاء
الروافض من أبناء وشيعة العراق .. فاستقوَوا عليه بالعدو الأجنبي .. والآن بقية
حكام العرب يكررون نفس الخطأ مع الشيعة الروافض .. ولا أستبعد أن تتكرر نفس الآثار
الناجمة عن الوقوع في هذا الخطأ .. أو أسوأ منها!
كثير من حكام العرب يتعاملون مع الملف الإيراني الشيعي الرافضي .. بطريقة
مزاجية، ومن منظور سياسي مصلحي وحسب؛ فإن ساءت علاقتهم بإيران سمحوا لشيوخ
ودعاة البلاط أن يتكلموا على إيران .. وعلى الشيعة الرافضة .. وأن يستخرجوا
كفرياتهم وأحقادهم من بطون كتبهم .. وإن تحسنت العلاقة بين طهران وأنظمتهم ..
مَنعوا وألجموا وجرَّموا وسجنوا كل من يتكلم أو يذكر الشيعة الروافض بكلمة سوء ..
وهذا بخلاف ما عليه النظام الإيراني؛ حيث نراه يسمح ويُوحي إلى آياته وعملائه بأن
ينشطوا لمذهب التشيع والرفض والطعن .. في كل الأجواء والظروف والتقلبات السياسية
والعلاقات الرسمية مع الآخرين سواء كانت إيجابية أم سلبية!
فإن قيل: كلامك هذا قد يُفسَّر على أنه حرص على سلامة عروش هؤلاء الحكام والطواغيت
.. فما ردك؟!
أقول: بل هو الحرص على سلامة دين ومصالح المسلمين في بلادهم .. هو الحرص على
مقدساتهم وحرماتهم .. وأوطانهم .. هو الحرص على تجنيبهم مخاطر ومزالق التشيع
والرفض وما أكثرها .. فإذا كانت هذه المصلحة أو المصالح لا تتحقق إلا مع نوع مصلحة
قد تصيب الحكام .. فليكن .. لا حرج .. فهذا لا يمنعنا من تحذير الجميع من خطر
الشيعة الروافض على المنطقة وأبنائها من المسلمين .. وإن ارتد نفع ذلك على أهل
الأرض كلها .. المهم أن نوقف زحف الخطر الأكبر .. وليكن لكلِّ منا نيته وقصده ..
فإن كانت نيتهم الحفاظ على ملكهم وعروشهم .. فنحن نيتنا وقصدنا الحفاظ على ما تبقى
من إسلامٍ في نفوس الناس .. ومنع الخطر عنهم .. وعن أوطانهم وحرماتهم .. لا عن
سواهم من الحكام!
كما أنني أقول بكل وضوح ـ وليعلم ذلك عني القاصي والداني ـ أننا لنا مشكلة كبيرة
مع هؤلاء الحكام وأنظمتهم .. والجميع يعرف لماذا .. ولكن هذا لا يعني بحال أننا
نرتضي مكانهم ـ أو أن يكون البديل عنهم ـ ساسة وآيات وأحبار التشيع والرفض في قم
وطهران .. أو نرتضي أن يُجيَّر موقفنا من هؤلاء الحكام وأنظمتهم .. لصالح ساسة
وآيات وأحبار التشيع والرفض والطعن .. معاذ الله أن نرضى بذلك .. ولو فعلنا يكون
مثلنا حينئذٍ كمن يدفع شراً أصغر بشرٍّ أكبر .. وهذا بخلاف ما يقره ويرتضيه العقل
والنقل!
ومما تستفيده إيران كذلك من وراء هذا التقارب العربي .. أنها توصل رسالة قوية إلى
أمريكا وحلفائها من دول الغرب أن إيران فوق أن تُحاصَر .. وأنها رقم صعب لا يمكن
تجاهلها .. وتجاهل مصالحها في المنطقة .. فهاهي الدول العربية المحسوبة في ولائها
ومواقفها على السياسة الأمريكية تفتح أبوابها لإيران وآياتها .. وتسعى لمرضاة ساسة
وآيات طهران .. وتدعوهم لحضور مؤتمراتها واجتماعاتها الخاصة!
لأجل هذا السبب والذي قبله نجد أن إيران تُرحب بمثل هذا التقارب والانفتاح ..
لأنها الطرف الوحيد في هذا التقارب الذي يربح ولا يخسر شيئاً!
فإن قيل: ما هو الموقف الذي ترونه مناسباً وموافقاً للنقل والعقل تجاه محاولة
إيران تصنيع قنبلة نووية .. وما ينبغي على المسلمين أن يكون موقفهم تجاه هذه
القضية؟
أقول: لا يجوز ـ شرعاً ولا عقلاً ـ أن نبارك أو نوافق على فكرة أو مبدأ تصنيع
إيران للقنبلة النووية؛ لأن أول تجربة نووية لها ستكون في عاصمة عربية سنيِّة إن
لم تكن في المدينة المنورة، ومكة المكرمة حفظهما الله تعالى، وزادهما شرفاً وأمناً
وتعظيماً .. وبوادر ذلك ظهرت عند أول استفزاز لإيران وتصعيد في التصريحات بين
إيران وأمريكا .. لما صرَّح ساسة وآيات طهران أنهم سيحرقون ويدمرون عواصم الخليج
العربي المسلم على أهلها وساكنيها .. وكأن مشكلتهم الأساسية مع الخليج العربي
المسلم وأهله، وليس مع أمريكا .. والذي يصعِّد في تصريحاته ضد إيران هم أهل
الخليج، وليس أمريكا!
من حقِّنا كمسلمين أن نتخوف من مشروع إيران النووي .. ونتحفظ تجاه كل نشاط لإيران
حول هذا المجال .. وما صرح به ساسة وآيات طهران مؤخراً لبعض حكام دول المنطقة من
طمأنة لهم ولشعوب المنطقة من أنهم لن يكونوا هدفاً لصواريخ وقنابل قم وطهران .. لا
يكفي .. وهو غير مقنع، ولا مُطمئن .. لماذا؟!
أولاً: لأن التقية والكذب، والخداع، والغدر ديناً
يتدين به الشيعة الروافض .. فمن لا تقيَّة له عندهم لا دين له .. وبالتالي كيف
نستطيع أن نميز بين ما يقولونه كذباً وتقية وبين ما يقولونه صدقاً غير كاذبين؟!
من كان دينه قائماً على التقية والكذب والتكذيب، وتصديق الكذب .. كيف يريدوننا أن
نصدقهم فيما يقولون؟!
هذه التقية نفعتهم عندما تعاملوا مع الأمريكان .. أما نحن ـ ولله الحمد والمنة
والفضل ـ قد خبرناهم منذ زمن فلا تنطلي علينا أكاذيبهم، ولا وعودهم الكاذبة ..!
ثانياً: حقدهم الدفين على الإسلام وأهله .. الذي
لا يُوازى بحقد .. كثير من كتبهم القديمة والحديثة مليئة بالنقولات والنصوص التي
تنص على أن دم وحرمات المسلمين حلال زلال .. وعلى أي وجه كان السطو والاعتداء
عليها!
هذه النصوص المتوارثة أنتجت منهم أجيالاً عامرة قلوبهم بالحقد والكراهية للإسلام
وأهله .. ولو قيل لأحدهم: من عدوَّك الأول .. ثم الثاني .. ثم الثالث .. ثم العاشر
.. وإلى الألف .. لأجابك من فوره: المسلم السني ..؟!
ترى أحدهم إن جالس يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً .. أو هندوسياً .. أو ملحداً لا
دينياً .. ينبسط في مجلسه .. وتنفرد عليه أساريره .. بينما إذا جالس المسلم السني
انقبض وانكمش .. وتلوَّن .. واستعمل التقية والخداع والكذب!
ولو قيل لأحدهم: هذا مسدس فيه طلقة واحدة .. وأمامك خنزير .. ومسلم سني .. على من
تُطلق هذه الطلقةَ .. لأجابك من فوره على المسلم السني .. وهو إذ يفعل ذلك؛ يفعله
تديناً وتقرباً إلى الأئمة من أهل البيت بزعمه .. وكما يصور له الشيطان!!
فكيف بعد ذلك يريدوننا أن نصدقهم .. أو نطمئن أن مشروعهم النووي العسكري لن يستخدم
ضد المسلمين .. وضد بلادهم وحرماتهم، وأطفالهم؟!
ثالثاً: مما يميز الشيعة الروافض عن غيرهم حمقهم الشديد، وخفة عقلهم .. هذا إن كان
عندهم عقل .. وإلا فقولوا لي: كيف تفسرون تصرف أعلى شخصية إيرانية ـ بعد نائب
الإمام خامنئي كما يصفونه ـ ممثلة في شخص رئيس إيران " أحمد نجاد "، وهو
يسجد للقبور .. ويشق جيبه .. ويضرب صدره .. وينوح مع النائحين والنائحات على أموات
لا يعلم حالهم إلا الله تعالى .. وهذا التصرف له لا يُستثنى منه آية من آياتهم ولا
مسؤول من مسؤوليهم .. فكلهم يلطمون ويسجدون للقبور والأموات .. ويعبدونها من دون
الله .. وكثير منهم من يضرب نفسه بالسلاسل والسكاكين والخناجر إلى أن تسيل منه
الدماء .. فإذا كان عليَّة القوم هذا هو حالهم، وهذا هو وصفهم .. فكيف يُستأمنون
على قنبلة أو قنابل نووية .. تفجيرها يؤدي إلى زوال شعوب ودول بكاملها .. إن لم
يكن تدمير الأرض كلها؟!
لأجل هذه الأوجه الآنفة الذكر مجتمعة نرفض أن يكون لإيران قنبلة نووية .. ومن حقنا
أن نتحفظ تجاه أي نشاط نووي يقومون به .. والملامة عليهم، لا علينا.
فإن قيل: بموقفكم هذا من المشروع النووي الإيراني، قد شابهتم وماثلتم موقف دولة
اليهود من المشروع النووي الإيراني .. فكما أنكم تتخوفون من المشروع النووي الإيراني
فكذلك اليهود يتخوفون، ويتحفظون من طموحات إيران النووية .. فوقفتم نفس موقفهم؟!
أقول: أولاً غالب دول العالم والشعوب .. يرفضون أن يكون لإيران سلاحاً نووياً ..
لأسبابهم الخاصة .. وليس اليهود وحسب!
ثم أن اليهود يخافون على أنفسهم وأبنائهم من مرض الإيدز ومرض السرطان .. فهل لا
يحق لنا أن نخاف على أنفسنا وأبنائنا من مرضي الإيدز والسرطان .. لأن اليهود
يخافون على أنفسهم هذا المرض .. وحتى لا نشاركهم نفس التخوف؟!!
هذا منطق لا يقول به عاقل .. وليس بمثله تُناقش المسائل الكبار!
فإن قيل: لماذا لم تنكر نفس الإنكار على السلاح النووي الإسرائيلي أو الأمريكي، أو
الصيني أو غيرها من الدول ..؟!
أقول: إنكارنا على هذه الدول، وبخاصة منها السلاح النووي الإسرائيلي معلوم ..
القاصي والداني يعرفه عنا .. لا يحتاج منا إلى مزيد بيان .. وغيرنا الكثير من
علماء وشيوخ ودعاة ومثقفين وساسة من أبناء هذه الأمة ينكرون على دولة اليهود
سلاحها النووي .. فالإنكار على هذه الدول معلوم .. وهو محل اتفاق عند الجميع .. لا
يحتاج إلى نقاش ولا إلى مزيد بيان .. بينما السلاح النووي الإيراني ـ وللأسف ـ ليس
محل اتفاق عند الجميع من أبناء الأمة .. ويُثار حوله كثير من الجدل واللغط ..
والتجاذبات .. لذا تعين علينا التنبيه والتحذير والبيان.
هكذا نرى الأمور .. وهكذا نفسرها ونفهمها .. وهكذا ينبغي أن تُفهم وتُفسَّر ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
14/12/1428 هـ. 23/12/2007 م.