بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
إلى طاغية وفرعون مصر حسني مبارك؛ لا بارك الله فيك .. لسنا هنا في صدد إحصاء جرائمك بحق الأمة، وشعبك المسكين .. لأن إحصاءها يحتاج إلى مجلدات!
لسنا هنا في صدد الحديث عن عمالتك وخيانتك لدينك، وأمتك، وبلدك .. لأن خيانتك معلومة للقاصِي والداني، والصغير والكبير .. لا تحتاج إلى مزيد بيان!
لسنا هنا في صدد الحديث عن كفرك ومروقك؛ فكفرك لا يشك به إلا كافر أو جاهل من ذوي الجهل المركب؛ أعمى البصر والبصيرة.
توقعنا منك كل خِسَّة .. وكل سيئة، وكل غدرٍ .. واستهتارٍ بحقوق العباد .. لكن ما خطر ببالنا قط أن إجرامك وخيانتك وعمالتك .. وخستك، تبلغ بك مبلغاً تحملك على أن تحتجز الشيوخ والنساء من ضيوف الرحمن؛ حجَّاج بيت الله الحرام، من حجاج أهلنا في فلسطين .. وتمنعهم من العودة ـ بعد معاناة الحج والسفر ـ إلى ديارهم وبيوتهم سالمين، ومن حيث خرجوا قاصدين بيت الله الحرام .. تفعل ذلك نزولاً عند رغبة الصهاينة اليهود، وأسيادك الأمريكان .. ضارباً عرض الحائط كل الاعتبارات الدينية، والأخلاقية، والإنسانية!
نسأل الله تعالى ـ عاجلاً غير آجل ـ أن يقتلك، ويُريح البلاد والعباد منك.
إذا نزل بساحتك وساحة بلدك الكفار والفجار والفساق أحسنت كالكلب الذليل استقبالهم، وخدمتهم، ورعايتهم .. وأسرعت في تلبية طلباتهم ورغباتهم .. كالقوَّاد الذي يسعى في التوفيق بين فاسقين ومجرمين .. بينما إذا نزل الطهَّار من حجاج بيت الله الحرام أرض مصر، حاصرتهم، وحجزتهم، وأسأت معاملتهم، وأمعنت في إذلالهم، ومنعتهم من العودة إلى ديارهم .. فكان عندك الكفار الفجار خير من ضيوف الرحمن من أبناء ومسلمي فلسطين!
إذا خاطبت شعبك المسكين .. والأمة المنكوبة بأمثالك من الطواغيت .. خاطبتهم باستعلاء وكبر، وانتفشت كالطاووس متكبراً .. وإذا حادثت أو جالست صهيونياً، أو واحداً من أسيادك الأمريكان أو الغربيين، ظهرت على ملامحك جميع معاني ومعالم الذلة والمسكنة، والانكسار .. ليتك تنظر لنفسك في المرآة لترى الفارق بين الصورتين والموقفين!
أنت على شعبك طاغوت كبير .. لكن أمام أعداء الأمة ذليل حقير .. تأبى الذلة إلا أن ترتسم جميع معالمها ومعانيها على وجهك القميء!
عتبنا ليس عليك .. فليس بعد الكفر، والخيانة والعمالة .. ذنب .. وإنما عتبنا على أمة لا تزال منقسمة على نفسها في كيفية التعامل معك .. ومع أمثالك من طواغيت الأمة!
عتبنا على شعب لا يزال يرى في الصبر عليك .. وعلى كفرك .. وجرائمك .. وخيانتك .. وعمالتك .. ومجونك .. وفسادك .. وظلمك .. أقل ضررٍ من الخروج عليك وعلى نظامك، ومن إنصاف الحق منك!
عتبنا على أناس لا يزالون يرون فيك ـ على ما فيك ـ وفي أمثالك من الطواغيت صفات ولي الأمر الذي يجب أن يُطاع إذا ما أمر!
عتبنا على مشايخ ودعاة لا يزالون يُجادلون عنك .. وعن نظامك .. وطغيانك .. ويمنعون الشعوب من أن تنهض للانتصاف لدينها، وحقوقها، وحرماتها، وثرواتها، وعزتها وكرامتها .. منك، ومن نظامك!
والله تعالى يقول:) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً (النساء:107.
هذا فيمن يُجادل عن الذين يختانون أنفسهم بالمعاصي وبالصغائر من الذنوب، فكيف بمن يُجادل عن الذين يختانون أنفسهم بالكفر والطغيان، والظلم، وتعبيد الشعوب لذاته وقانونه، وارتكاب جميع الموبقات والمهلكات .. لا شك أنه أولى بالنهي، وأولى بالوعيد إن أبى إلا المخالفة والجدال!
لما هلكت بنازير بوتو التي جنَّدت نفسها وحزبها لمحاربة الإسلام والمسلمين، ولصالح مخططات خارجية أريد منها إشعال الفتن على أرض باكستان وبين الشعب الباكستاني المسلم .. بكاها جميع المنافقين .. وفي برقية عزاء لها من الملك السعودي عبد الله، يقول فيها:" ببالغ الأسى والأسف علمنا باستشهاد دولة السيدة الفاضلة الأخت بنازير بوتو بيد الغدر والخيانة .. نسأل الله جلَّت قدرته أن يتولَّى الشهيدة الراحلة بمغفرته ورحمته، وأن يُسكنها فسيح جناته "!
لن نحاسبك أيها الملك على كلماتك هذه .. وهل يرضاها شعبك المسلم منك أم لا .. ولكن نسألك ـ وأنت الذي تسمي نفسك بخادم الحرمين، وخادم ضيوف الرحمن ـ: ما بال الأمهات الفلسطينيات العائدات من الأراضي الحجازية بعد أداء فريضة الحج .. اللاتي قتلهنَّ ظلم وبغي وعمالة صديقك الحميم حسني اللا مبارك .. بحجزهن .. وإذلالهنَّ .. ومنعهنَّ من العودة بسلام إلى ديارهن .. نزولاً عند رغبة أسياده من الصهاينة اليهود .. أليس هؤلاء الأمهات .. بالأخوات الفاضلات .. والشهيدات الطاهرات؛ وهنَّ اللاتي لم يمض على انقضاء حجهنّ سوى أيام معدودات .. هلاّ ساويت ـ على الأقل ـ بينهن وبين بنازير بوتو .. فخططت برقية عزاء لهن ولذويهن .. وأبرقت لصاحبك بأن يطلق سراح من تبقى منهنَّ حياً .. ويأذن لهن ولذويهن من حجاج بيت الله الحرام بالعودة إلى ديارهم من حيث خرجوا؟!
أم أن هذه المرأة المؤمنة الفلسطينية ـ التي قُتلِت ظلماً وعدواناً ـ ليست بسيدة .. ولا فاضلة .. ولا شهيدة .. تستحق الذكر، كالسيدة الفاضلة الشهيدة بنازير بوتو؟!!
قلنا مراراً .. ونعود هنا فنقول: لامناص للأمة من الخروج مما هي فيه من الظلم، والجهل، والفساد، والفقر، والذل، والتخلف، والخوف، والحرمان .. إلا بإحدى سبيلين؛ لا ثالث لهما: إما أن يصطلح هؤلاء الحكام ـ بصدق وإخلاص ـ مع دينهم وأمتهم وشعوبهم؛ فيقفون في خندق الأمة ضد أعدائها، وأعداء دينها .. فإن تعذَّر وتعسَّر هذا السبيل أو هذا الخيار .. وهو كذلك عما يبدو .. بقي السبيل أو الخيار الآخر، ولا مناص منه: وهو أن تتحرر الأمة والشعوب من أغلال الخوف والجبن، وتنتصف بالقوة من طواغيت الحكم والكفر هؤلاء؛ تنتصف لدينها، وحقوقها، وحرماتها، وعزتها، وكرامتها، وثرواتها .. وما سوى ذلك من الحلول فهو خرط القتاد؛ لا يُساوي المداد الذي يُكتب به!
حاول كثير من الإصلاحيين والدعاة ـ ومنذ أكثر من خمسين سنة ـ أن يرقِّعوا، وأن يوجدوا حلاً ـ بل وحلولاً لمشاكل الأمة ـ وسطاً بين الحلين أو الخيارين الآنفي الذكر .. وسوَّدوا في ذلك آلاف الصفحات ومئات المجلدات .. إلا أنهم لم يفلحوا .. وهم في تخبط وتناقض وترقيع للظالمين مستمر .. والأمة لا تزال تدفع ضريبة باهظة نتيجة لتجاربهم وحلولهم واقتراحاتهم الناقصة المجتزأة .. وهي من ذلك الحين وإلى يومنا هذا تسير من سوء إلى أسوأ .. ومن ظلم على أظلم .. ولا يعصمها .. ويوقف مسيرة هذا الانحدار والانهيار إلى الأسوأ .. إلا واحد من الخيارين الآنفي الذكر .. وإن بدا للناظر استحالتهما وأن أحدهما أصعب من الآخر، لكن ما سواهما من الحلول والخيارات أكثر استحالة وصعوبة، وهي إضافة على ذلك لا تُغني ولا تُسمن من جوع .. ولا تُنكئ عدواً ولا تُنصف مظلوماً!
الذي نقول به هو الذي دل عليه النقل والعقل، وهو الذي تمارسه جميع الشعوب الحرة التي ترفض الظلم والاستبداد وتنشد الحق والعدل .. وهو الذي ستعود إليه الأمة، ويختاره الأحرار من شعوبها ولو بعد حين .. ومع ذلك لا يزال كثير من الناس ـ من بني قومي ـ غير مقتنع بما نقول .. وتراه يُجادل ويُراوغ .. ويهدرون الأوقات والطاقات ـ من غير طائل يُذكر ـ في تجارب وبرامج وحلول سهلة ناقصة لا تعدو كونها مسكنات ما إن ينتهي مفعولها، إلا ويعود المرض أشد مما كان عليه قبل تعاطي المسكنات أو المخدرات!
المسلم كيِّسٌ فطِن لا يُلدغ من جحر واحدٍ مرتين .. ومع ذلك كثير من بني قومي يُلدغون من جحر واحد مرات ومرات .. ولا يزالون يجربون نفس الجحر؛ لأنهم استمرؤوا ألم اللدغ فلم يعد يحسون أو يشعرون به!
في كل يومٍ تشكو الأمة نوعاً جديداً من الظلم والطغيان والعدوان يمارسه طواغيت الحكم والكفر بكل وقاحة واستهتار بالعباد وبحقوقهم وحرماتهم .. فإلى متى سنستمر بالشكوى .. وإلى متى سنستجدي العطف والإحسان من الطواغيت كمنة يتفضلون بها على الشعوب المقهورة المحرومة .. وإلى متى سنستمر بمطالبة الناس بأن يصبروا على الظلم والضيم والعدوان والذل .. والتفريط بحقوقهم وحرماتهم .. وإلى متى سنستمر بالنظر إلى السفينة .. وهي تُخرَق لتغرق .. ويهلك كل من عليها!
ليحدد لنا المخالفون زمناً فيصلاً نتفق عليه .. يكون ملزماً لنا ولهم .. أما أن يُطالبونا والأمة أن نصبر الدهر كله على كفر وظلم وطغيان وفساد، وعمالة طواغيت الحكم هؤلاء .. وأن تُمسك الأمة كلها عن الانتصاف لدينها وحقوقها وحرماتها الدهر كله .. فهذا لا يُقبل منهم، وهو مرفوض بالنقل والعقل.
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
23/12/1428 هـ. 1/1/2008 م.