بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ
لله وحده، والصلاةُ والسَّلام على من لا نبي بعده، وبعد.
مما
يؤخذ على كثير من المراكز والمساجد الإسلامية في بريطانيا ـ إن لم يكن جلها ـ أنها
لا تواكب تطلعات وحاجيات الجالية أو الأقلية المسلمة البريطانية المتواجدة على
الأراضي البريطانية والتي يتجاوز تعدادها المليوني نسمة .. فالمراكز الإسلامية
واهتماماتها في وادٍ، والجالية المسلمة وتطلعاتها وحاجياتها الدينية، والثقافية،
والتربوية في وادٍ آخر!
مراكز
ومساجد ضخمة .. خاوية من أي نشاط تربوي تعليمي توجيهي يُذكَر .. وفي المقابل جالية
مسلمة كبيرة .. تعاني من الذوبان والضياع .. وتتقاذفها الفتن والرغبات والتحديات
.. متعطشة للالتزام بتعاليم دينها .. لكنها لا تجد من يأويها .. ولا من يروي لها
القليل من ظمئها!
فما هي الأسباب .. وما هي الآثار الناجمة عن هذا التقصير .. وكيف نرى الحل أو
العلاج؟
أما عن الأسباب الباعثة والمؤدية إلى هذا التقصير الفادح، فهي عديدة:
منها: ارتباط وعمالة هذه المراكز والمساجد
والقائمين عليها بجهات خارجية؛ كالسفارات العربية المتواجدة على الأراضي
البريطانية .. تتلقى منها التعليمات والتوجيهات .. بما يتناسب مع سياسة وأمن
الأنظمة الحاكمة التي تنتمي إليها تلك السفارات!
السفارات العربية ـ وبخاصة منها السفارة السعودية ـ لا تكتفي في أن تشل نشاط وحركة
هذه المراكز والمساجد .. بل هي تعمل جاهدة على تجيير هذه المراكز والمساجد لصالح
الأنظمة الحاكمة في بلادها .. وسياساتها الفاسدة .. من خلال بذل بعض المال
والمساعدات لتلك المراكز والمساجد .. وأحياناً من خلال نفوذ شيوخ البلاط الملكي أو
الرئاسي المحليين، وإرسالهم إلى أوربا .. لتتدخل فيما بعد بشؤونها .. وتتحكم
بسياسة، وأنشطة، وأئمة وإدارة تلك المراكز والمساجد .. وتجيرهم في الاتجاه التي
تريد .. فيأتي عطاء هذه المراكز والمساجد بما يتناسب مع ما تسمح به تلك الأنظمة
الظالمة الفاسدة من نشاط .. من خلال سفاراتهم .. وهي لا تسمح بشيء إلا اللهم
الصلاة .. ثم يتبعها إغلاق تلك المساجد والمراكز بعد الصلاة مباشرة .. ومنها من
تسمح بفتح المساجد في رمضان فقط .. وفي صلاة العشاء والقيام فقط، لتتحول المناسبة
إلى دعاية رخيصة للكرم والجود والفضل الذي يمن به النظام الحاكم على الجالية
المسلمة المغتربة .. أن سمح لهم أن يصلوا العشاء والقيام في المسجد التابع لهم ..
كالمسجد الضخم التابع لأكاديمية الملك فهد، مثلاً .. والله تعالى يقول:) وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى
فِي خَرَابِهَا (البقرة:114.
يأتي هذا التدخل السافر المرفوض من تلك السفارات العربية بذريعة، وتحت غطاء .. منع
تسرب الإرهاب أو الأفكار الإرهابية إلى تلك المراكز والمساجد، لتجد لسلوكها المخجل
والمتخلف المبرر عند الجهات الرسمية البريطانية .. والحقيقة أنه ما حملهم على هذا
التدخل سوى الرغبة في لجم الناس وإسكاتهم .. ومنعهم من أن يُمارسوا حقوقهم أو أن
يتكلموا ويعبروا عن مشاعرهم وآرائهم من غير خوف ـ وبخاصة إن جاء هذا التعبير في
الاتجاه الذي يعري فسادهم وظلمهم ـ كما يفعلون مع شعوبهم في بلادهم!
فهم لا يكتفون أنهم يُكمِّمون أفواه الشعوب في البلاد التي يحكمونها .. ويمنعونهم
من حقهم في التعبير .. والمراقبة والمحاسبة ..بل تراهم يُلاحقون المغترب المهاجر
منهم إلى بلاد الغربة .. ليمنعوه من الكلام .. والهمس والتنفس .. وبخاصة إن جاء
هذا الهمس في الاتجاه الذي يعري فساد وظلم تلك الأنظمة الفاسدة الظالمة .. وهذا لا
يتأتَّى لهم إلا من خلال التدخل والتحكم بشؤون وأنشطة المراكز والمساجد؛ مأوى
المسلمين وأماكن تجمعهم في بلاد المهجر والغربة!
وكأنه كُتب على الإنسان العربي المسلم أن يظل جباناً سلبياً؛ تُنتهك حُرماته
وخصوصياته، ويؤخذ حقه من بين يديه ومن فِيه من دون أدنى اعتراض أو امتعاض .. سواء
كان في بلده الأصلي أم كان في بلده الثاني؛ بلد المهجر!
ومنها: أنه يغلب على تلك المراكز والمساجد الطابع
التجاري، والحرص على الكسب والربح، وتجميع الأموال والتبرعات .. وليكن بعدها ما
يكون .. تعلَّم الناس أم لم يتعلموا .. ضاع أبناء المسلمين أم لم يضيعوا .. فهذا
غير مهم ولا بذي بال بالنسبة للقائمين على تلك المراكز والمساجد .. المهم المال ..
وكم يجمعون من المال في الأسبوع!
حتى أن من طمع وجشع بعض تلك المراكز والمساجد الإسلامية المشهورة .. مَن فَرَضَ
على مسلمي المهجر في بريطانيا أن يدفعوا رسوماً مالية محددة ليتمكنوا من صلاة
العشاء والقيام في المسجد، وذلك طيلة شهر رمضان الفائت ـ مستغلين شدة إقبال الناس
على دينهم في شهر رمضان المبارك ـ: الرجل الكبير يدفع ثلاثين جنيهاً، والمرأة
عشرين، والطفل عشر أو خمس جنيهات .. المنتدى الإسلامي؛ الذي يصدر مجلة البيان
المشهورة .. مثال على ما ذكرناه!!
ترى القائمين على تلك المراكز والمساجد .. يلهثون وراء كل من يتوقعون أنه قد يتبرع
لهم أو يدفع لهم بعض المال .. وفي الغالب يكون ذلك على حساب حرية المركز أو
المسجد، وحرية قراره وأنشطته وبرامجه .. والصدع بالحق .. والدعوة إلى الله تعالى
التي ينبغي أن تُقام فيه .. والضحية الخاسر حينئذٍ هم المسلمون وأبناؤهم!
المشكلة أنهم يجمعون ـ من الناس ـ تلك الآلاف من الجنيهات .. وربما الملايين ..
وفي المقابل لا يقبلون من أحدٍ أن يسألهم .. أو يُحاسبهم: أين تذهب تلك الآلاف
والملايين .. وفي جيوب مَن تُوضَع .. وعلى من تُصرَف .. ولو حاولت لسرعان ما
يتصلون بالشرطة المحلية: يوجد إرهابي يتحرش بنا .. ويقترب من مركزنا ومسجدنا ..
تعالوا فخذوه .. والطرف الآخر .. ما إن يسمع كلمة إرهاب أو إرهابي .. سرعان ما
يُلبي النداء ويأتي!
تراهم يحرصون أشد الحرص على منع أي نشاط دعوي ـ ينفع المسلمين في دينهم ودنياهم ـ
خشية أن يَتوسَّع هذا النشاط .. وتتوسع صلاحياته .. وينال القبول عند الناس ..
فيتدخل في إدارة المركز أو المسجد .. وربما يسحب من تحتهم صلاحية جمع التبرعات
والأموال .. والتحكم أو التصرف بها من غير رقيب ولا حسيب .. وهذا الذي يخشونه،
ويحسبون له ألف حساب!
مشكلة ما بعدها مشكلة .. أن يروا غيرهم ـ عند الباب الخارجي للمسجد ـ يجمع تبرعات
لفقير أو مسكين!!
هذا واقع نلمسه .. ونشهده .. والجالية المسلمة في بريطانيا تُعاني منه!
ومنها: جهل القائمين على تلك المراكز والمساجد ..
بفقه الشريعة والواقع معاً .. فترى أحدهم ليفرض نفسه على المسلمين، ويُصنَّف في
المجتمع الذي يعيش فيه كإمام .. وشيخ .. يكتفي أن يرتدي ثوباً .. ويُطيل من لحيته
.. وبعدها الويل لمن لا يخاطبه بلقب إمام أو شيخ .. وهو في حقيقته أجهل من جاهل ..
لو عرضت عليه أن يقرأ فاتحة الكتاب لا يُحسن قراءتها .. فضلاً عن أن يلبي حاجيات
الجالية المسلمة الفقهية، والتربوية، والتوجيهية .. والأخلاقية .. فضلاً عن أن
يفتيهم في النوازل والمستجدات .. ولو حاول يُسيء ويُفسد أكثر مما يُصلح .. لأنه
جاهل؛ وجاهل الشيء كفاقده لا يُمكن أن يعطيه لنفسه فضلاً عن أن يُعطيه للآخرين!
جهلهم هذا انعكس سلباً على أنشطة المراكز والمساجد .. وعلى الجالية المسلمة كلها
.. فلا هم يُعلِّمون ويقومون بالواجب .. لأنهم لا يُحسنون شيئاً .. ولا هم يدَعون
غيرهم يقوم بالواجب وبما ينفع المسلمين في دينهم ودنياهم .. وذلك حتى لا يخسروا
الألقاب والمخصصات والأموال .. والسيطرة على المراكز والمساجد والمنافع التي تُدر
عليهم من خلالها .. لكن الضحية حينئذٍ هي الجالية المسلمة .. بل ومعهم المجتمع
الذي يعيشون فيه!
لجهلهم لا يستطيعون أن يُناقشوا ـ على الملأ ـ أي مسألة ذي بال تخص الجالية
المسلمة في بلد المهجر .. تتعلق بحقوقهم .. وواجباتهم .. بما يحق لهم وما يجب
عليهم شرعاً!
قوموا ـ إن شئتم ـ بجردٍ وبحث في مئات المساجد والمراكز الإسلامية المنتشرة في
المدن البريطانية .. ثم انظروا ـ خلال خمس سنوات مضت ـ كم ندوة أو محاضرة علمية
راشدة، تعتمد الخطاب العلمي الفقهي الراشد، بعيداً عن التزلف والكذب والنفاق، قد
أقيمت في تلك المراكز والمساجد .. تفقِّه المسلمين بحقوقهم وواجباتهم .. وبما يحق
لهم وما يجب عليهم شرعاً نحو المجتمع الذي يعيشون فيه .. ستجدون أن النتيجة مخجلة
للغاية .. وربما تكون النتيجة صفراً؛ أي لا شيء!
مئات المسائل الفقهية الملحّة تتعلق بما يحق للمسلمين وما يجب عليهم في بلدهم
الثاني؛ بلد الإقامة والمهجر ـ ومنهم من يكون بلده الأساس والأول، حيث لا بلد آخر
له سواه ـ تعتلج في نفوس الجالية أو الأقلية المسلمة .. لكن من دون أن تجد لها جواباً
شافٍ كافٍ في تلك المراكز والمساجد .. ولا عند هؤلاء الذين يتسمون كذباً وزوراً
بإمام .. وشيخ .. مما يحمل بعض أبناء المسلمين على أن يقعوا في الخطأ، ويُمارسوا
الخطأ .. ثم يحسبون أنهم ممن يُحسنون صنعاً .. تفجيرات لندن مثال على ذلك!
المسؤول الأكبر في اعتقادي عن كل خطأ يقع به أي فرد أو أفراد ينتمون إلى الجالية
المسلمة .. هي هذه المراكز والمساجد .. وهؤلاء الجهلة الذين يتسمون زوراً وكذباً
بشيوخ وأئمة .. وما هم بشيوخ ولا أئمة .. وإنما يقتاتون السحت بالمشيخة والإمامة
.. فهم لم يتعلَّموا .. ولم يتأدَّبوا .. ولم يُعلِّموا .. ولم يدعوا غيرهم ليعلّم
ويفقّه الناس!
ومنها: إضافة لما تقدم يتصف القائمون على تلك
المراكز والمساجد بالجبن الخالِع والشديد الذي يمنعهم من أن يُمارسوا أو يُمرروا
أي نشاط إسلامي نافع وهادف مشروع ينعكس على الجالية المسلمة بالخير .. وذلك كله
بحسب زعمهم .. حتى يدفعوا عن أنفسهم ومراكزهم ومساجدهم .. تهمة الإرهاب .. عند
السلطات والجهات الرسمية المحلية .. فانعكس ذلك سلباً على الجالية المسلمة في
دينها، وأخلاقها، وسلوكها مع الآخرين!
مراكز ومساجد ضخمة .. خاوية خالية .. لا تجد فيها حلقة فقه أو علم .. ولا
حلقة تجويد أو تلاوة أو حفظ لكتاب الله .. يا ويلهم من الله!
حتى أن من المراكز والمساجد من منع بعض الطالبات في المرحلة الإعدادية والثانوية
من أن يجتمعن في المسجد ليتدارسن فيما بينهن بعض شؤون دينهن، وأحوالهن الخاصة التي
تناسبهن كبنات .. وذلك حتى لا يُصنَّف اجتماعهن على أنه عمل إرهابي .. ويُتَّهم
مسجدهم ومركزهم بأنه يأوي الإرهاب والإرهابيين .. زعموا!
جمعني لقاء مع مدير مركز إسلامي ضخم معروف، موجود في منطقة " Fulham
" من مدينة لندن، فقال لي: كان فيما مضى لهذا المركز ـ الذي هو يديره ـ
اهتمامات ونشاطات على مستوى العالم الإسلامي كله، وأنا أريد أن أحصر اهتماماته في
منطقة وحي " Fulham " أو
على مستوى منطقة " Fulham " فقط
.. ولا أتعداها!!
فقلت له: ماذا تقدمون لأهالي ومسلمي منطقة " Fulham
" .. هل أحصيتم عدد العائلات المسلمة في هذه المنطقة .. وكم عندهم من الأبناء
.. لتكونوا على تواصل معهم .. وتُطلعوهم على الجديد من نشاطات وبرامج المركز ..
لتضمنوا أكبر حضور لبرامج ونشاطات المركز .. وأكبر نفع لمسلمي حي " Fulham
"؟!
فقال: لا يوجد شيء من ذلك .. لأنه لا يوجد برامج ولا نشاطات أصلاً .. وهذا كله ـ
بحسب زعمهم ـ لكي يدفعوا عن أنفسهم ومراكزهم ومساجدهم تهمة الإرهاب!!
والحقيقة أن هذه زيادة من عند أنفسهم ما كلفهم ولا طالبهم ولا ألزمهم بها أحد من
الجهات أو السلطات الرسمية المحلية .. وما حملهم على فعل ذلك إلا جبنهم الذي لا
مبرر له .. والحرص الشديد في النزول عند رغبة وتوجيهات بعض السفارات العربية ..
والرغبة الزائدة ـ إلى درجة التكلف والنفاق والضرر ـ في أن ينأوا بأنفسهم عن تهم
الإرهاب .. زعموا .. وفاتهم أنهم بمثل تصرفهم المتخلف الجبان هذا هم الذين يصنعون
الإرهاب الذي لا نقره ولا نرضاه!
أبناء الجالية المسلمة عندما يجدون أبواب المساجد والمراكز الإسلامية مغلقة أمامهم
.. ثم هم لا يجدون في تلك المراكز والمساجد من يجيبهم أو يجرؤ على أن يُجيبهم عن
تساؤلاتهم المشروعة التي تُحاك في صدورهم .. ويجعلون تساؤلاتهم تهمة وشغَباً
يستدعي الاتصال بالشرطة ليريحوهم من هؤلاء الإرهابيين المشاغبين .. ويخرجوهم من
المساجد .. حينئذٍ قد يلتجئون إلى تحت الأرض .. وإلى الغرف المظلمة .. ليناقشوا
قضاياهم بأنفسهم .. بعيداً عن أعين العلماء .. والعقلاء .. والموجهين والمربين
المخلصين .. فيحصل الخطأ والمكروه .. ومالا يُحمَد عُقباه .. ويحصل هذا الإرهاب
الذي هم يفرون منه .. ويحذرونه!
الخطأ لا يمكن أن يقع مع العلم .. والفقه .. والنور .. وإنصاف الحق .. والجرأة على
محاورة الشباب ومن عنده أي سؤال أو مسألة يرغب بنقاشها .. وإنما يقع مع الجهل ..
والظلام .. والجبن .. وتكميم الأفواه .. والإرهاب الفكري .. والنفاق .. والاستقواء
بالشرطة المحلية على الشباب المسلم عند أدنى خلاف أو حوار يُجرَى معهم!
ومنها: أن كثيراً من القائمين على هذه المراكز والمساجد .. يعكسون
البيئة المحلية ومشاكلها التي كانوا يعيشونها في بلادهم الأصلية .. على وجودهم في
تلك المراكز والمساجد وعلى إدارتهم لها .. ومن ثم على الجالية المسلمة التي
يتعاملون معها!
فكل منهم تراه يفرض نفسه وعقليته على المركز أو المسجد الذي يشرف عليه ومعه مشاكله
الشخصية، والنفسية، والسياسية، والاجتماعية، والدينية، والثقافية التي كان يعيشها
في بلده الأصلي .. وهذا لا شك أنه يُوجِد شرخاً كبيراً بين أبناء الجالية المسلمة
في بريطانيا ـ وبخاصة منهم الذين نشأوا وولدوا في بريطانيا ـ وبين تلك المراكز
والمساجد التي لا تواكب حاجيات ومشاكل الجالية المسلمة والتي تختلف كلياً؛ كماً
ونوعاً عن المشاكل التي يعيشها هؤلاء المهيمنين المتسلطين على تلك المراكز
والمساجد في بلادهم!
ومنها: اتسام الخطاب الديني الذي تُشرِف عليه تلك
المراكز والمساجد .. بالكذب والنفاق .. وكتمان العلم .. والحق والحقيقة ..
التماساً لرضى الجهات والسلطات المحلية .. وهم بغنى عن ذلك كله .. ولم يُطالبهم
أحدٌ بذلك .. لكن الرخيص رخيص .. والصغير صغير .. ولو عمَّر دهراً .. وعاش في
القمر .. وليس في لندن!
والشاهد أن مثل هذا المنهج لتلك المراكز والمساجد، الذي يتسم بالكذب والنفاق ..
والتزلف .. وكتمان العلم والحق .. يُفقِد الثقة بين الجالية المسلمة وبخاصة منهم
الشباب المسلم وبين تلك المراكز والمساجد والقائمين عليها .. ويجعل الشرخ بينهما
كبيراً .. يصعب ترميمه!
هذه هي أهم الأسباب التي تمنع تلك المساجد والمراكز الإسلامية من أن تؤدي دورها
المطلوب والمرجو منها .. وتجعلها والقائمين عليها يسيرون في وادٍ، والجالية
المسلمة في وادٍ آخر ومختلف .. لكل منهما دربه المختلف .. واهتماماته وتطلعاته
ومشاكله المختلفة!
لكن ما هي النتيجة .. ومن هو الضحية؛ ضحية هذا الواقع المر الأليم المحزن لتلك
المراكز والمساجد؟!
أقولها وبكل وضوح ـ وهذا الذي يؤلمنا ويُقلقنا ـ: الضحية هم أبناء الجالية المسلمة
وبناتهم .. هم الشباب والشَّابات من أبناء الجالية المسلمة .. الذين لا يجدون
الرعاية .. ولا التوجيه .. ولا التثقيف .. ولا التفقيه بشؤون دينهم وما يجب لهم
وما يجب عليهم .. ولا التربية الكافية والمطلوبة .. فتفشت فيهم عادات وسلوكيات
خاطئة يجدى لها الجبين: منها تعاطي الخمور والمخدرات والاتجار بها!
ومنها:
ارتكاب بعض الجرائم من قتل ونهب وسرقة .. وأحياناً ـ وللأسف ـ يحصل شيء من ذلك
باسم الدين .. والدين من ذلك براء!
ومنها:
التحلل والتفسخ والشذوذ الأخلاقي!
ومنها:
البعد عن تعاليم وأخلاق وسماحة ورفق الإسلام!
ومنها:
تفكك الأسر وتدميرها .. وذوبانها في عادات وقيم مُشينة لا تمت إلى الإسلام وثقافته
وأخلاقه النبيلة بصلة!
ومنها:
فقدان الهوية الإسلامية، وعقيدة الانتماء للإسلام وأمة الإسلام .. لا يعرفون من
الإسلام إلا اسمه ورسمه .. يعيشون الضياع بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى!
ومنها:
القيام ببعض الأعمال والسلوكيات الخاطئة التي تؤذي المجتمع الذي يعيشون فيه بعقد
وأمان .. وتؤذي من حولهم من الناس بغير حق .. باسم الدين .. والدين من ذلك براء ..
لكنهم لا يعلمون!
هذا
واقع نلحظه .. ونشاهده .. ونعايشه .. والقائمون على هذه المساجد والمراكز
المسمَّاة بالإسلامية لا شكَّ أنهم شركاء في هذه النتيجة المؤلمة .. وهذا الوزر
العظيم .. ولهم القسط الأكبر منه، كما في الحديث الصحيح:" كلكم راعٍ، وكلكم
مسؤول عن رعيته ".
فإن
قيل: عرفنا الداء وأسبابه .. فما هو الحل .. وكيف ترون الدواء والعِلاج؟
أقول:
يكمن الحل والعلاج بمعالجة الأسباب الواردة أعلاه: لا بد لهذه المراكز والمساجد من
أن تحظى بكامل الاستقلالية لتتمكن من ممارسة نشاطها وأداء رسالتها المرجوة من دون
حساب لهذه السفارة أو هذه الجهة أو تلك .. وهذا يستدعي ترشيح الأكفأ من أهل العلم
والتقوى والاستقامة لقيادة وإدارة هذه المراكز والمساجد .. يقوم بعملية الترشيح
المسلمون المحيطون بكل مسجد أو مركز .. ثم أن عملية الترشيح هذه تتجدد كل بضعة
سنوات .. وخلال تلك السنوات تُراقب تلك الإدارة المنتخبة .. من قبل أهل ورواد تلك
المساجد .. هل تقوم بدورها المناط بها والمرجو منها أم لا .. فإن كان الجواب، لا
.. تُقال بكل سهولة وتُستبدل بغيرها الأكفأ!
مشكلة
هذه المراكز والمساجد المشار إليها أعلاه أن مدير المركز أو المسجد لا تعرف كيف
أتى ومن أين أتى ومن نصبه مديراً للمركز أو المسجد .. وكم يتقاضى راتباً .. وهو إن
استلم المركز أو المسجد تراه لا يتزحزح عن منصبه طيلة عمره؛ حتى الممات، ولو أريد
تغييره بغيره وبمن هو أكفأ منه فهو يحتاج إلى انقلاب وثورة وحركة تمرد واستعصاء
داخل المسجد أو المركز .. كما أنه يتصرف وكأنه المالك للمركز أو المسجد وما فيه ..
ومن فيه .. يحل ويربط .. ويجيز ويمنع من دون الرجوع لأحد أو استشارة أحد .. ولا
ندري كيف استملكه .. ومن ملَّكه إياه .. كحكام العرب تماماً ترى أحدهم إذا
حكم وسيطر على الحكم لا يتزحزح عن سدة الحكم والملك والزعامة إلى أن يدركه
الموت .. ويتصرف كمالك للبلاد والعباد .. والويل لمن يُحاسبه أو يسأله .. وهو حتى
يتفهم بعض حاجيات شعبه يحتاج إلى مظاهرات وثورات .. وقادة هذه المراكز والمساجد
صورة مصغرة عن هؤلاء الحكام وللأسف!
الحل
يكمن في أن تُفتَح أبواب هذه المراكز والمساجد لحلقات العلم والفقه .. والحوارات
العلمية المكشوفة الهادفة مع الشباب المسلم .. وعلى مدار الوقت .. وأن يُعطى
العلماء المخلصون الفرصة الكافية ـ ومن دون مِنَّة من أحد ـ ليمارسوا دورهم
ونشاطهم المرجو في تلك المراكز والمساجد .. بعيداً عن الإرهاب الفكري .. ومجاملة
الظالمين!
الحل
يكمن في أن تُعقد الندوات العلميّة الهادفة في تلك المراكز والمساجد .. وباستمرار
.. وبشكل دوري .. التي تناقش ـ بكل صدق وجرأة وعلم وسمو أخلاق .. بعيداً عن التزلف
والنفاق ـ حقوق وواجبات الجالية المسلمة .. ما يجب لهم من قبل المجتمع الذي يعيشون
فيه، وما يجب عليهم نحوه .. وما تلزمهم به الشريعة نحو تلك الحقوق والواجبات ..
ويُشهد على المحسن منهم بأنه محسن، وعلى المسيء بأنه مسيء.
الحل
يكمن في استثمار تلك المراكز والمساجد ـ وباستمرار ـ في عقد الندوات والمحاضرات
العلمية الهادفة التي تواكب تطلعات ومشاكل وهموم الجالية المسلمة .. وتقدر على أن
تضع لها الحلول المناسبة .. وتجيب عن تساؤلاتهم من دون ممارسة أي نوع من أنواع
الترهيب والتخويف لأحد، أو الاستقواء بالشرطة المحلية على الشباب المسلم لوجود
أدنى خلاف معهم .. يُمكن أن يُحسَم بشيءٍ من العلم والرفق والتواضع والحب .. لو
توفَّر ذلك!
الحل
يكمن في تَفَهُّم الجهات والسلطات الرسمية والمحلية لهذا الملف الحسَّاس .. حتى لا
يستقوي بهم في الباطل الجهلة والظالمون والمتزلفون النفعيون من القائمين على تلك
المراكز والمساجد .. باسم محاربة الإرهاب .. وتحت وشايات كاذبة .. لا أساس لها من
الصحة والواقعية .. ليغطوا على عيوبهم وعجزهم، وعوراتهم، وتقصيرهم الفادح!
ومرة
ثانية وثالثة أقول للجميع: لا تخافوا من العلم .. ولا من أهل العلم الصادقين ..
ولا ممن يدعون إلى العلم .. وينشر العلم بين الناس .. العلم يُنصِف الجميع ..
العلم لا يأتي إلا بالخير .. العلم ينتفع به جميع الناس الموافق منهم والمخالف ..
وإنما الخوف ينبغي أن يكون من الجهل .. وممن يروج الجهل ويتسبب به بين أبناء
الجالية المسلمة .. وممن يمنع حلقات العلم والفقه أن تسود في تلك المراكز والمساجد
.. لأن الجاهل قد يؤذيك .. ويؤذي نفسه .. وهو لا يدري .. أو وهو يحسب أنه ممن
يُحسنون صُنعاً!
) إِنْ
أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود:88.
عبد المنعم مصطفى حليمة
"
أبو بصير الطرطوسي "
16/1/1429 هـ. 25/1/2008 م.
إرسال تعليق