بسم الله الرحمن الرحيم
شيخنا الفاضل / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحن إخوانك المجاهدين في الصومال لدينا بعض الأسئلة تهم المجاهدين في الساحة نرجو منكم الإجابة عنها مشكورين مأجورين.
· الوضع في الصومال أننا نعاني من قلة المال والأسلحة والعتاد الذي يحتاجه المجاهدون ، والغنائم عادة ما تكون بيوتا وسيارات وأسلحة يصعب تقسيمها أو بيعها مع انشغال المجاهدين بالقتال وعدم تمكن المجاهدين من تسويق هذه الغنائم ، فنظرا إلى أزمتنا هذه التي قد تختلف عن أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ونظرا إلى منع النبي صلى الله عليه وسلم القاتل من سلبه عندما اختلف مع خالد رضي الله عنه ، وإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم بعض المؤلفة قلوبهم إبلا كثيرا بعد فتح مكة والمعارك التابعة له ، ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الغانمين من سواد العراق، فهل يجوز وقف توزيع الغنائم للغانمين في هذه الحالة؟
· هل يجوز فرض الضرائب على المسلمين لتمويل الجهاد في حالة غياب نظام الزكاة وانشغال المجاهدين بضرورة دفع الصائل؟ وإذا كان يجوز أخذ الضرائب فبأي طريقة تجمع وبأي كمية؟ وهل هناك نصائح حول كيفية جمع الزكوات؟
· هل يجوز منع بعض المنكرات المقدور عليها (كمثل القات) أو (تواجد الهيئات والمنظمات الكافرة) في المناطق الواقعة تحت سيطرة المجاهدين تدريجيا خوفا من بعض المفاسد المحتملة كمثل تقليل الشعبية أو فتح معارك جانبية للمجاهدين؟
· هل يجوز ضرب المسلم في التحقيق إذا ظن به أنه جاسوس؟
· نظرا لتعدد الإمارات الإسلامية في أيامنا هذه وصعوبة اجتماع المسلمين تحت أمير واحد ما حكم إقامة مثل هذه الإمارات وما حكم بيعة أمراء هذه الإمارات الإسلامية؟
جزاكم الله خير الجزاء
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد .. فإنّي أدعو الله تعالى أن يحفظكم، وينصركم، ويثبت أقدامكم .. وأن يرزقكم من فضله .. ويتقبَّل منكم جهادكم وشهداءكم .. وصبركم ورباطكم .. إنه تعالى سميع قريب مُجيب.
وبعد، فإني أجيب عن أسئلتكم الواردة أعلاه بحسب ورودها وتسلسلها .. سائلاً الله تعالى السداد، والتوفيق .. وأن تصلكم الإجابة وأنتم على خير وأحسن حال في أمور دينكم ودنياكم .. اللهم آمين.
السؤال الأول: الوضع في الصومال أننا نعاني من قلة المال والأسلحة والعتاد الذي يحتاجه المجاهدون، والغنائم عادة ما تكون بيوتاً وسيارات وأسلحة يصعب تقسيمها أو بيعها مع انشغال المجاهدين بالقتال وعدم تمكن المجاهدين من تسويق هذه الغنائم، فنظرا إلى أزمتنا هذه التي قد تختلف عن أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ونظراً إلى منع النبي صلى الله عليه وسلم القاتل من سلبه عندما اختلف مع خالد رضي الله عنه، وإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم بعض المؤلفة قلوبهم إبلا كثيراً بعد فتح مكة والمعارك التابعة له، ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الغانمين من سواد العراق، فهل يجوز وقف توزيع الغنائم للغانمين في هذه الحالة؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. العمل بأحكام الغنائم، ماضٍ؛ لا يجوز إلغاؤه ولا توقيفه، كما قال تعالى:) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الأنفال:41. خمس الغنيمة للإمام ومن ينوب عنه من أمراء الجند والجهاد يصرفونه على الأصناف الوارد ذكرها في الآية " الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ "، وفي مصالح المسلمين .. ومن ذلك الجهاد في سبيل الله.
أما الأخماس الأربعة المتبقية فتوزع على المقاتلة الذين شاركوا في الوقعة أو القتال .. فإن تعثَّر توزيعها وتقسيمها .. يُوزغ ويُقسَّم ما أمكن توزيعه .. بحسب الاستطاعة، لقوله تعالى:) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن:16. والقاعدة تقول:" الميسور لا يسقط بالمعسور ". وما صعب ـ أو حصل فيه العجز عن تقسيمه ـ يُستخدم إن أمكن في مصالح المسلمين والجهاد .. كذلك الأسلحة الخفيفة التي تُغتنم يجوز استخدامها للضرورة والحاجة لأغراض الجهاد .. قبل أن يتم توزيعها وتقسيمها .. كما في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه يوم بدر، قال:" انتهيت إلى أبي جهل فوقع سيفه من يده فأخذته فضربته حتى برد ". والشاهد أنه استخدم سلاحه ـ وهو سلاح غنيمة ـ في قتله .. قبل أن يخضع للتقسيم.
خلاصة القول: المسألة قائمة على القدرة والاستطاعة .. فما أمكن تقسيمه من غير ضرر ولا فتنة .. قُسّم .. وما عجُز عن تقسيمه .. أو كان في تقسيمه ضرراً وفتنة للمجاهدين .. أرجئ تقسيمه .. واستغلّ في مصالح الجهاد والمسلمين إن أمكن ذلك.
ويمكن أن نقول أيضاً: كلما كان الجند ـ أو المجاهدون ـ يتقاضون راتباً شهرياً منتظماً .. على مدار السنة .. في الحرب والسلم سواء .. وكانوا متفرغين لشؤون الجيش والعسكر والقتال .. تُنفَق عليهم جميع ما يحتاجونه من شؤونهم الخاصة .. وشؤون الحرب والقتال .. كما هو حال الجيوش المعاصرة .. وكما تقتضي الحياة العسكرية المعاصرة .. كلما كان حظهم من الغنائم ضعيفاً أو معدوماً[[1]] .. والدولة المسلمة ـ ومن ينوب عنها من أمراء الجند والجهاد ـ حينئذٍ تكون هي الطرف التي يحق لها أن تتصرف بالغنائم وفق مصالح المسلمين ومصالح الجهاد والمجاهدين.
بالنسبة للعقارات والبيوت .. لكم أن تجعلوها وقفاً للمسلمين .. عملاً بالخيار الذي ذهب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. كذلك لو وجد الطعام يُؤكَل منه ـ في أرضه ـ قبل ومن دون أن يخضع أو يُرفَع للتقسيم .. ونحوه البترول الذي هو بمثابة العلف للدواب .. لا حرج من استخدامه بحسب ما تقتضي الحاجة .. والله تعالى أعلم.
بهذا أجيب عن السؤال .. وما ذكر من أدلة في السؤال لا يتعارض مع ما تقدم من إجابة .. مع التنبيه على خطأ قولكم واستدلالكم باختلاف خالد مع النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في سؤالكم ـ لعله سقط منكم سهواً ـ فليس لخالد ولا لغيره أن يختلف مع النبي صلى الله عليه وسلم .. فالنبي صلى الله عليه وسلم مقامه أن يُقال له دائماً من غير حرج ولا تردد سمعاً وطاعة .. وخالد بن الوليد رضي الله عنه من أعلم الناس بذلك.
* * * * *
السؤال الثاني: هل يجوز فرض الضرائب على المسلمين لتمويل الجهاد في حالة غياب نظام الزكاة وانشغال المجاهدين بضرورة دفع الصائل؟ وإذا كان يجوز أخذ الضرائب فبأي طريقة تجمع وبأي كمية؟ وهل هناك نصائح حول كيفية جمع الزكوات؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. لا؛ لا يجوز فرض ضرائب على المسلين تُؤخذ من أموالهم غير الزكاة، فالمسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعِرضه، وفي الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يحلُّ للرجلِ أن يأخذ عصا أخيه بغيرِ طيبِ نفسه؛ وذلك لشدة ما حرَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من مالِ المسلم على المسلم ".
لكن الذي يجوز في مثل الحالة التي أنتم فيها وتسألون عنها .. إن وجدتم أن المصادر الشرعية الأخرى لا تكفي لتمويل جهاد دفع العدو الصائل .. هو أن ترغبوا الأغنياء من الناس على الانفاق والتصدق في سبيل الله .. وتبينوا ما لهم من أجر يوم القيامة على ما ينفقون من أموالهم في سبيل الله .. كما كان يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأن تخلفهم عن الإنفاق قد يُؤدي إلى تسلط العدو على أنفسهم وأموالهم وكل شيء .. فإن وجدتم الأغنياء بعد ذلك أشحاء على فعل الخير .. ولم يُحسنوا تقدير الخطر المحيط بهم وبمن معهم من المسلمين .. وأبوا أن يدفعوا شيئاً عن طيب نفس .. فلكم حينئذٍ أن تأخذوا من أموالهم ـ ولو بالقوة ـ المبلغ الذي لا يضر بهم ضرراً كبيراً .. وبنفس الوقت الذي يُساعد على دفع العدو الصائل .. وأن تعدوهم بأن تُعيدوا إليهم الأموال التي أُخذت منهم إن جاءت العواقب لصالح المسلمين .. ورزقكم الله تعالى من فضله .. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية عندما استعار منه أدرعاً يوم حنين ـ حيث كان القتال وقتها قتال دفع ـ فقال: أغصبٌ يا محمد؟ فقال:" لا؛ بل عارية مضمونة ". وهذه خطوة حساسة لا ننصح أن يُقدِم عليها آحاد المجاهدين .. وإنما يجب أن يقوم بها ويُشرِف عليها العلماء الأتقياء من المجاهدين .. ليعرفوا كم يأخذوا وكم يدعوا .. ثم هو أطيب لقلب الغني عندما يجد أن الذي يتعامل معه ومع ماله هم القادة أو العلماء، وليس غيرهم .. وحتى لا يظن أن ماله مرتع مستباح لمن يشاء .. ووقت يشاء، والله تعالى أعلم.
* * * * *
السؤال الثالث: هل يجوز منع بعض المنكرات المقدور عليها (كمثل القات) أو (تواجد الهيئات والمنظمات الكافرة) في المناطق الواقعة تحت سيطرة المجاهدين تدريجياً خوفاً من بعض المفاسد المحتملة كمثل تقليل الشعبية أو فتح معارك جانبية للمجاهدين؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. لا حرج من التدرج في إنكار بعض المنكرات إذا كان إنكارها بصورة حدية وفورية يترتب عليه منكر أكبر من المنكر المراد إزالته .. فمن الفقه أن تُراعى مآلات ونتائج أي عمل كبير تريدون القيام به .. وتُقدرون المصالح والمفاسد الناجمة عنه .. فإن كانت المصالح ترجح أقدمتم .. وإن كانت المفاسد هي الراجحة .. أمسكتم وأحجمتم .. وعملتم على تقليل المفاسد إن أمكن .. فالمنكر يُزال ويُنكَر؛ ولكن ليس بمنكر أكبر منه أو مواز له .. وفي موقف النبي صلى الله عليه وسلم من مقتل رأس النفاق ابن أُبي .. وامتناعه صلى الله عليه وسلم عن قتله حتى لا يُقال أن محمداً يقتل أصحابه .. من الفقه ما يُستفاد منه على ما أشرنا إليه.
وكذلك منعه صلى الله عليه وسلم للشاب أن يُباشر زوجته وهو صائم .. خشية أن يقع في المحظور .. فمنعه من مُباح مراعاة للنتائج والمآلات الخطيرة التي يمكن أن ينتهي إليها .. بينما في المقابل قد أجاز للشيخ الكبير أن يُباشر زوجته وهو صائم .. لسلامة المآلات .. وانعدام حصول المحظور الأكبر بحقه.
ونحو ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" ليس بمؤمن من أذل نفسه؛ يُعرّض نفسه للبلاء ليس له به طاقة ". فليس لأدنى منكر أو مخالفة .. يُستحسن أو من المصلحة .. أن تُفتَح جبهة أو معركة مع الناس .. بينما العدو الكافر الصائل لم يُنتَهَ منه بعد .. وهو يصول ويجول في الحمى .. ويعتدي على الحرمات!
وإنها لمناسبة أن أذكر إخواني المجاهدين بأن الحدود الشرعية لا تُقام في سفر ولا دار حرب وقتال، كما قال صلى الله عليه وسلم:" لا تُقطع الأيدي في السّفر ". وقوله صلى الله عليه وسلم:" لا تُقطع الأيدي في الغزو ". وقد توقف سعد بن أبي وقاص في موقعة القادسية عن تنفيذ حد الشرب على ابن محجم .. ومن أهل العلم من نقل الإجماع على ذلك خشية أن يلتجئ المحدود إلى صفوف العدو .. فيمتنع بهم .. فنكون بذلك قد أعنا الشيطان عليه ونحن لا ندري .. فحذار من العجلة في تنفيذ الحدود قبل استيفاء شروطها الشرعية .. والتي منها التمكين ودار الإسلام .. فمن تعجّل شيئاً قبل أوانه عُوقب بحرمانه.
قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه عمر:" يا أبتِ مالك لا تَنْفُذُ في الأمور، فوالله لا أبالي في الحقّ لو غلَت بي وبك القُدور. قال له عمر: لا تعجَل يا بُني؛ فإنَّ الله تعالى ذمَّ الخمرَ في القرآن مرتين وحرّمها في الثالثة، وأنا أخافُ أن أحمل الناسَ على الحقّ جملةً فيدفعوه وتكون فتنة ".
وفي هذه المرحلة العصيبة التي أنتم فيها ـ مرحلة ما قبل الفتح ـ أرى أن تركزوا في المناطق المحررة على ثلاثة أشياء: تعليم الناس شؤون دينهم، وإقالة عثراتهم والتأويل لهم ما أمكن .. والعمل على رعايتهم وكفالتهم وخدمتهم وإغاثتهم مادياً ما أمكن ذلك .. ثالثاً: العمل على تأمين الناس، والضرب بقوة على أيدي من يُروع الآمنين من العباد .. ويُشيع بينهم الرعب والخوف .. ويسطو على حرماتهم وبيوتهم .. ويقطع عليهم السبيل .. بقوة السلاح .. فهذا دونكم وإياه!
* * * * *
السؤال الرابع: هل يجوز ضرب المسلم في التحقيق إذا ظن به أنه جاسوس؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. إن كان الظنّ راجحاً بأنه جاسوس للعدو .. وكان الظن كذلك راجحاً أنه يُخفي معلومات نافعة عن المجاهدين .. أو إخفاؤها يترتب عليها ضرر للإسلام والمسلمين .. وبخاصة منهم المجاهدين .. ثم هذه المعلومات لا يُمكن انتزاعها منه إلا بنوع ضرب .. أقول: بهذه الشروط والقيود؛ نعم يجوز ضربه .. وإلا فلا، والله تعالى أعلم.
مما يُعين على ما ذهبنا إليه قول الصحابة للمرأة ـ التي كانت تحمل كتاباً من حاطب بن أبي بلتعة إلى كفار قريش ـ:" لتخرجنّ الكتاب أو لنجردَنّ الثياب ". فتجريد الثياب منكر .. لكن من أجل دفع منكر أكبر .. وضرر أكبر .. جاز.
* * * * *
السؤال الخامس: نظراً لتعدد الإمارات الإسلامية في أيامنا هذه وصعوبة اجتماع المسلمين تحت أمير واحد ما حكم إقامة مثل هذه الإمارات وما حكم بيعة أمراء هذه الإمارات الإسلامية؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. الأصل والواجب أن يكون المؤمنون يداً واحدة .. وجماعة واحدةً على من سواهم .. وتحت إمارة واحدة مطاعة .. وبخاصة عندما يُداهم العدو دار الإسلام .. ويعتدي على الحمى والحرمات .. فتكون حينئذٍ الوحدة بين المسلمين، والجماعات العاملة من أجل الإسلام متعينة أكثر من أي وقت آخر، لقوله تعالى:) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ (آل عمران:103. وقوله تعالى:) وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال:46. ومن الصبر الذي أمرنا الله تعالى به؛ الصبر على النوازع الشخصية وحرمان النفس بعض حظوظها .. مقابل المحافظة على مصلحة الوحدة والتوحد .. وقال تعالى:) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (الصف:4.
وفي الحديث:" يد الله مع الجماعة، والشيطان مع من خالف يركض ".
وعليه فإن تيسرت أسباب الوحدة .. ثم آثروا التفرق والتشرذم .. فهم آثمون .. وإثمهم لا يمنع من شرعية وجودهم وصحة عملهم وجهادهم .. وصحة إمارتهم لمن يرضى بإمارتهم .. فهم آثمون على عدم التوحد مع قدرتهم على تحقيقها .. وليس على شيء آخر سوى التوحّد .. أما إن تعسّرت أسباب الوحدة .. وحصل العجز عن دفع تلك الأسباب .. فحينئذٍ لا حرج من تعدد الجماعات والإمارات بحسب ما تقتضي الحاجة والضرورة .. لقوله تعالى:) لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا (البقرة:286. وهذا كله في حال غياب الدولة الإسلامية التي يرأسها إمام واحد مُطاع .. أما في حال وجود الدولة الإسلامية التي يرأسها إمام أو أمير واحد مُطاع .. حينئذٍ لا وجود .. ولا شرعية لوجود تلك الإمارات الاستثنائية التي لها ظروفها الخاصة .. والتي ينبغي أن تزول بزوال ظروفها .. ولو وجدت لا يجوز تكثير سوادها أو الاعتراف بشرعيتها، لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا بويع لخليفتين: فاقتلوا الآخر منهما "، وقال صلى الله عليه وسلم:" فمن أراد أن يُفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان "، والله تعالى أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
14/7/1430 هـ. 7/7/2009 م.
[1] يُنظَر إلى الفارق بين قيمة الغنيمة والقيمة المالية التي يتحصلون عليها خلال خدمتهم العسكرية .. فإن زادت قيمة الغنيمة زاد الإنفاق على الجند والعسكر بما يتوازى مع حقهم من الغنائم .. وإن كانت النفقة التي يتحصل عليها الجند متوازية أو أكثر .. لا يُؤخذ منهم شيئاً .. لأنه من قبيل النفل الذي لا يُسترَد .. ثم هم يُعطون هذا المبلغ مقابل انقطاع كلي ودائم للخدمة العسكرية، والله تعالى أعلم.