GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد.
          فقد هرمت قيادات حزب الإخوان المسلمين وشاخت .. وشابت .. وبلغت من العمر عتيّاً .. لكنهم في كل مرة يثبتون بجدارة عالية، أنهم لا يزالون يعيشون مرحلة المراهقة والدروشة السياسية المتخلفة .. وفي أغبى صورها ومعانيها .. ولا غرابة؛ إذ من يفقد صفاء المنهج، والاعتقاد، والتصور .. يفقد الوعي والنضج السياسيين .. ولو عاش قرناً .. ومهما عركته الأحداث فهو قليل الاستفادة والاعتبار منها! 

          الأمثلة على ذلك كثيرة جداً، وهي أكبر وأوسع من أن تُحصَر في مجلدات لو أردنا الإحصاء .. لكن أكتفي في مقالتي هذه ـ للتدليل على هذه الدروشة والمراهقة السياسية ـ على ذِكر     مثالين:
          أولهما: تحالف الإخوان المسلمين السوريين بقيادة مراقبهم علي البيانوني مع المجرم عبد الحليم خدام فيم عُرِف بـ " جبهة الخلاص الوطني " لتحرير سورية .. ولا أظنني بحاجة للتدليل على عِظَم جرائم " خدام " التي ارتكبها على مدار أكثر من أربعين سنةٍ بحق الإسلام أولاً .. ثم بحق الشعب السوري المسلم ثانياً .. ثم بحق جماعة الإخوان ذاتهم .. حيث كان العين، واليد، والرجل .. لشخص الطاغية الهالك " حافظ الأسد " وحزبه، وطائفته .. وشريك له في جميع جرائمه ومجازره التي ارتكبها بحق سورية أرضاً وشعباً .. واستمرت خدمات " خدام " للنظام البعثي النصيري الطائفي لتشمل أيضاً عدة سنوات من عهد الولد الوريث " بشار الأسد " لطغيان وكفر وظلم أبيه .. ثم لما انتهى خيره وعطاؤه .. واختلف مع النظام الحاكم وأزلامه على بعض الغنائم المغتصبة والمنهوبة من الشعب السوري .. لفظته بقية العصابة الحاكمة .. بعد طول تلك الخدمة الوفية .. وما إن تمكن الرجل من الهروب والخروج من سورية .. إلا وقفز إليه الإخوان المسلمون سراعاً، فراداً وجماعات .. وكأنهم وجدوا ـ في هذا المجرم ـ ضالتهم الذي سينقذهم من ظلم وطغيان النظام السوري .. ليحدثوا معه ذلك التحالف والتزاوج تحت مسمى " جبهة الخلاص الوطني "، وكان ذلك في عام 2006م .. فعقدوا معه الندوات والمؤتمرات .. وكأنه فتح من الفتوحات .. والذي به ستُفتح سورية وتحرر من أغلال وظلم النظام الحاكم!
          يفعلون ذلك في الوقت الذي لا يحتاجون فيه لخدامٍ ولا لخدماته .. لكن " عبد الحليم خدام " كان يحتاجهم حاجة ماسة؛ حيث أن شخصيته وسيرته ومواقفه ملوثة بمجازر وجرائم حزب البعث النصيري الطائفي .. وبنجاساته التي لا تُطهرها مياه البحر .. وبالتالي فهو بعد هذه السيرة الخائنة النجسة .. يحتاج إلى من يطهره، وينظفه، ويُطليه، ويُظهره أمام الرأي العام، وأمام الشعب السوري المقهور والمكبل .. أنه معارض شريف .. وأنه الأمل المُرتجى الذي يترقبه الشعب السوري .. وهو لم يجد لهذه المهمة القذرة المقززة سوى الإخوان المسلمين .. المغفلين والدراويش .. الذين قاموا من قبل بعملية غسيل وتنظيف وإطلاء مماثلة للأحزاب الشيوعية العلمانية المنبوذة والمجهولة على مستوى الشارع السوري، في تحالفهم المشؤوم معها ـ في أوئل الثمانينات من القرن المنصرم ـ فيم يُسمى وعُرِف في حينها بـ " بالتحالف الوطني لتحرير سورية "، الذي جمع جميع أطياف الكفر والزندقة والإلحاد على الساحة السورية مع الإخوان المسلمين!
          ما الذي حصل ...؟!
          حصل عدوان دولة الصهاينة اليهود على غزّة .... فعمد الإخوان المسلمون السوريون .. إلى نقض ما اتفقوا وتحالفوا عليه مع " خدّام " في جبهة الخلاص الوطني .. وأعلنوا عن إيقاف معارضتهم للنظام السوري الحاكم .. وعن إصدار أي بيان أو كلمة نقد للنظام .. بزعم دعمهم لجبهة الممانعة .. والتي يتزعمها النظام البعثي النصيري الحاكم في سورية .. فنسوا ـ أو تناسوا ـ جرائم وخيانات النظام الحاكم بحق سورية أرضاً وشعباً والتي أصموا آذاننا بها على مدار أكثر من أربعين سنة!
          ماذا كانت النتيجة لهذه السياسة الإخوانية ...؟!
          1- ظهر النظام الحاكم على أنه نظام شريف، وأنه بحق يمثل جبهة الممانعة ضد إسرائيل والإمبريالية العالمية .. وأن ما كان يقوله الإخوان ـ في أدبياتهم ونشراتهم ـ عن هذا النظام طيلة العقود العِجاف الماضية، هو مجرد كذب وافتراء!
          2- ظهر المجرم عبد الحليم خدام .. على أنه معارض شريف .. وأنه ثابت عند موقفه ومعارضته للنظام الحاكم ...!
          3- ظهر الإخوان المسلمون .. على أنهم كذبة وخونة .. ومتذبذبون .. لا قرار لهم .. لا هم مع المعارضة قولاً واحداً، ولا هم مع جبهة الممانعة والممثلة بقيادة النظام البعثي الطائفي الحاكم في سورية قولاً واحداً ... فخسروا المعارضة والنظام الحاكم سواء .. وقبل ذلك خسروا مصداقيتهم في أعين الشعب السوري المسلم!!
          ألم أقل لكم أن الإخوان المسلمين .. رغم شيخوختهم .. لا يزالون يعيشون مرحلة المراهقة والدروشة السياسية؟!
          المثال الثاني: يتمثل في موقف الإخوان المسلمين المصريين من النظام المصري الحاكم، ومن الثورة المصرية للشعب المصري المسلم التي تشهدها مصر في هذه الأيام!
          الكل يعلم جرائم وخيانات وعمالة النظام المصري الحاكم بقيادة " اللا مبارك "، وحزبه، وحكومته .. وأنه نظام كذاب .. ما صدق شعبه في وعد قطعه لهم .. والكل يعلم كم تعرض الأخوان المسلمون من قبل هذا النظام الحاكم للظلم، والاحتقار، وسياسة التهميش .. وعدم الاعتراف بهم .. وكيف كان يستغل اسمهم ـ ولا يزال ـ كشماعة تبرر له ـ في أعين المجتمع الدولي والمحلي ـ الاستمرار في حكمه وظلمه وجرائمه بحق شعبه وبلده .. والكل يعلم وقد سمع بالانتفاضة الحالية للشعب المصري المسلم في وجه الطاغية الحاكم ونظامه .. فكان من أبرز وأظهر مطالبهم إسقاط الطاغية ونظامه، وحزبه .. ولما أتت انتفاضتهم وثورتهم المباركة أكلها وثمارها .. وتهاوى الطاغية ونظامه .. أو كاد .. يلبي الإخوان المسلمون نداء النظام للتفاوض والتحاور .. للاتفاق والتشاور على بعض الإصلاحات .. زعموا!
          نسي الإخوان جرائم وخيانات وعمالة الطاغية ونظامه ...!
          نسي الإخوان الإذلال وما تعرضوا له من ظلم وسجن في عهد هذا الطاغية ونظامه ..!
          نسي الإخوان أن هذا النظام الخائن العميل ـ طيلة أكثر من ثلاثين سنة ـ لم يصدق شعبه في وعد قطعه لهم قط .. وأنه لا يمكن أن يصدق في شيء .. وأنه موجود لخدمة أجندة خارجية لا حظ لشعبه فيها .. وأنه نظام فاسد مهترئ .. عصي على الإصلاح والترقيع!
          نسي الإخوان جرائم النظام الحاكم وبلطجيته الأمنية بحق المتظاهرين سلمياً .. وقتله لأكثر من أربعمائة شاب متظاهر .. غير الآلاف من الجرحى!
          نسي الإخوان أن المطلب الأساس والأول للشعب المصري الثائر والمتظاهر يتمثل في إسقاط الطاغية ونظامه ...!
          نسي الإخوان المسلمون .. أن الطاغية عمر سليمان نائب الطاغية اللا مبارك .. ورئيس المخابرات والبلطجية المصرية .. هو السجَّان .. وهو مهندس حصار النظام المصري لأهلنا في غزّة .. وهو مهندس الجدار العازل .. وهو مهندس جميع جرائم الطاغوت ونظامه!
          بهذه السرعة الفائقة .. ينسى الإخوان المسلمون كل ذلك .. ليلبوا نداء الطاغية ونظامه الساقط للتحاور والتفاوض .. ليجلسوا مع رئيس جهاز المخابرات والبلطجية .. عساهم بذلك يجهضوا الثورة .. ويمكنهم من الالتفاف على مطالب الشباب ـ الأبطال المعتصمين في ميدان التحرير ـ العادلة والمتمثلة في إسقاط الطاغية ونظامه.
          قال الإخوان المسلمون ـ على لسان بعض قياداتهم ـ  بكل سذاجة وبساطة .. على الشعب المصري الثائر والمعتصم في ميدان التحرير أن ينصرفوا لأعمالهم وأشغالهم .. ويتظاهروا في آنٍ معاً من أجل مطالبهم .. فنسوا ـ أو تناسوا ـ أن الشعوب إذا انصرفت لأشغالهم الخاصة .. وشؤون معاشهم .. وانغمسوا في الدنيا ومشاغلها .. صعب عليهم أن يعودوا من جديد للثورة والانتفاضة، والتظاهر من جديد .. وبنفس الزخم والقوة التي هم عليها الآن .. وهذا الذي يريده الطاغية ونظامه من وراء هذه الدعوة المشبوهة التي ظاهرها الرحمة وباطنها الشر والمكر!
          أيما محاولة ـ تحت مسمى التفاوض والحوار أو أي زعم آخر ـ تعطي النظام الطاغي فرصة لالتقاط أنفاسه .. وتجميع أوراقه المشتتة عليه .. هي خيانة عظمى لشباب الميدان في التحرير.
          ولما وجد الإخوان أن الشباب المعتصم في الميدان، ومن ورائهم الشعب المصري .. لن يلتفتوا لمفاوضات الإخوان مع الجلاد المجرم .. وأن الشعوب قد تلفظهم كما لفظت النظام ذاته .. خافوا .. فعادوا يرقعون .. ويصلحون ما أفسدوه .. ليُصرحوا من جديد أنهم مع مطالب الشعب في إسقاط النظام!!
          ما أكثر ما سمعنا من قيادات الإخوان المسلمين في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها الشعب المصري .. نحن لسنا طلاب سلطة ولا مناصب .. ولا، ولن نسعى للحكم والرئاسة .. والسلطة .. فيُظهرون هذا الزهد الكاذب، والورع البارد .. في وقت تلتمس فيه الشعوب القيادات الصادقة التي تقدر على أن ترقى إلى مستوى مطالبها وهمومها .. فلا تجد سوى شِلة من الزنادقة العلمانيين والإباحيين!
          ينأون بأنفسهم عن السلطة والحكم .. والمناصب .. كما يزعمون ويصرحون مراراً .. تاركين الساحة فارغة وسهلة الامتطاء للزنادقة العلمانيين والإباحيين!
          ولنا أن نسألهم: لماذا إذا تجمّعون الجموع والشباب حولكم، وتحزبون الناس لكم، منذ أكثر من ثمانين عاماً .. ولصالح مَن؟!
          لصالح من تقتلون وتحجمون طموحات من ينضم إليكم من الشباب .. في أن يحكموا أنفسهم والبلاد بدين رب العباد؟!
          لصالح مَن تُظهرون هذا الورع، والزهد في السلطة والمناصب ...؟!
          قال المراقب العام الجديد للإخوان المسلمين السوريين، في مقابلة له مع " BBC " لما سأله السائل، ما هي مطالبكم، وماذا تريدون من النظام السوري كإخوان مسلمين ... بعد هذه العقود من الهجرة والمطاردة؟
          قال بكل بساطة وسذاجة: أن يسمح النظام لنا أن نعود إلى سورية ولو بصورة فردية لنمارس الدعوة ... لا نريد سلطة ولا شيء .. فقط نطلب منه أن يسمح لنا أن نمارس الدعوة!
          ألم أقل لكم أن الإخوان المسلمين .. رغم شيخوختهم .. واهتراء عظامهم في السجون .. لا يزالون يعيشون مرحلة المراهقة والدروشة السياسية .. وأنهم لا يمكن أن يرقوا بأنفسهم إلى مستوى مطالب وهموم الأمة والشعوب .. وأن الأيام والأحداث لا تعلمهم .. وأنهم قد أدمنوا تقبيل الأيدي التي تجلدهم وتسجنهم .. والطواغيت قد علموا منهم ذلك .. لذلك فليس للإخوان عندهم سوى الجلد والسجن، والمطاردة .. ولا يلوموا إلا أنفسهم .. وإن كان حزني يشتد .. فهو يشتد على شبابٍ لا يزال يرى في هذه الجماعة العجوز العقيم ملاذاً آمناً لطموحاته وآماله .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
4/3/1432 هـ. 7/2/2011 م.


         
                  
         
         

إرسال تعليق

 
Top