بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال: شيخنا ما رأيك بالمجلس الوطني السوري الذي شُكّل مؤخراً في اسطنبول؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
ليس لنا أي مشاركة في تشكيل هذا المجلس والإعلان عنه، كما أننا لم نُستَشَر في قيامه ولا في شيء من أنشطته وتوجهاته .. ربما نحن لا يشملنا شعارهم المرفوع بعدم إقصاء أي طرف من أطراف المعارضة للنظام السوري .. فصدورهم ـ وللأسف ـ مفتوحة لكل شيء .. حتى للنطيحة والمتردية وما أكل السبع فصدورهم تتسع لهم .. إلَّانا ومن كان على منهجنا .. فنحن دون ذلك عند القوم .. والحمد لله رب العالمين.
وفيم سألت عنه أقول: ذكرت من قبل أن أي عنصر معارض يستشرف المشاركة في قيادة الثورة السورية وتمثيلها في هذه المرحلة العصيبة .. ينبغي أن يتحقق فيه ـ كحدٍّ أدنى ـ شرطان: أولهما أن يُعرف بسابقة بلاء ونضال، ومواقف مشرفة ومميزة ضد الطاغوت ونظامه الطائفي، بحيث لا يُعرف عنه قبل الثورة نوع ارتماء على عتبات السفارات السورية، يستجدي العفو والقرب من الطاغية ونظامه.
ثانياً: أن يتميز بثقافة والتزام يمكناه من الارتقاء إلى مستوى أدبيات ومبادئ وشعارات الثورة السورية الإيمانية والإسلامية .. إذ لا ينبغي ولا يصح أن ينتمي إلى أجندة إلحادية معادية ومضادة ـ تمثل الوجه الآخر القميء للنظام البعثي السوري ـ لما عليه الشعب السوري المسلم الثائر المجاهد من توجه والتزام .. فحينئذٍ ستكون الثورة وشعاراتها وأهدافها في اتجاه وفي وادٍ، ومن يمثلها ويتكلم باسمها في الخارج يغرد في اتجاه معاكس وفي وادٍ آخر!
من لا يتحقق فيه هذان الشرطان لا يمنع أن يكون من المعارضة، لكن لا يُقبل أن يكون من ضمن قيادات الثورة ومنظريها وموجهيها، وبخاصة في هذه المرحلة .. لأنه فاقد لمتطلبات هذا الموقع الحساس، وفاقد الشيء لا يُعطيه.
الشعب السوري يعيش في هذه المرحلة مأساة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى .. وهو لا يهتم كثيراً للأسماء والعناوين .. كما تهمه الأعمال التي تخفف عنه بعض مأساته ومعاناته .. وتحقق له أهدافه.
فإن علمت ذلك علمت أن لنا تحفظاً على كثير من الأسماء الوارد ذكرها في هذا المجلس المشار إليه في السؤال، منهم النَّي المتحامل ربيبة فرنسا وصنيعتها " برهان غليون " .. لكن تحفظنا هذا لا يعني ولا يلزم منه أن نثير ـ في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها سوريا أرضاً وشعباً ـ معركة مع أي طرف من أطراف المعارضة الممثلة في هذا المجلس أو غيره .. لأننا نعتقد أن أمامنا عدواً شرساً فاقداً لمطلق القيم والمبادئ .. كما أنه فاقد لشعور الانتماء إلى سوريا أرضاً وشعباً .. لا بد من معالجته واستئصاله أولاً .. وأن تتفرغ جميع الجهود والطاقات من أجل ذلك.
نحن نلتقي مع هذا المجلس ـ على ما مآخذنا عليه ـ وغيره، في هدف واحدٍ ـ وهو الهدف الذي أجمع عليه جميع أفراد الشعب السوري الحر، ونادت به الثورة ـ ألا وهو اسقاط الطاغية بشار الأسد ونظامه وعصابته وإرثه الطائفي البغيض .. فعلى مثل هذا الهدف ـ في هذه المرحلة ـ ينبغي أن تتوحد الجهود والسهام .. وعلى مثل هذا الهدف سيُقيّم عطاء وأعمال هذا المجلس سلباً أو إيجاباً .. ثم بعد الفتح والتحرير لكل حادث حديث، ولكل مقام مقال .. ولا شك أن لنا المقال الذي يميزنا عن غيرنا كإسلاميين .. نهدف ونتطلع إلى أن تكون سورية ـ بإذن الله ـ دولة إسلامية منسجمة مع توجه ورغبة الغالبية العظمى للشعب السوري المسلم.
وهذا لا يعني ـ تحت ضغط الحاجة لتشكيل هكذا مجلس بتركيبته الحالية والمعلن عنها ـ أن نعمي العين عن مسيرة ونشاطات هذا المجلس وغيره .. إن جاءت في الاتجاه المعاكس لمصلحة الثورة السورية بخاصة، والشعب السوري بعامة .. ومصلحة مستقبل الشام .. بل أن المراقبة ستبقى مستمرة .. وبيننا وبينهم النقد والنصح على قدر ما يستدعي الموقف والحاجة، بإذن الله.
ولعلني اسجل ابتداء هذا التساؤل، الذي يتساؤله كل الشعب السوري .. وكل شباب الثورة .. وكل تنسيقياتهم .. ويوجهونه لهذا المجلس الذي استشرف في هذه المرحلة مهمة العمل من أجل اسقاط الطاغية ونظامه الطائفي البغيض: إذا كنتم تمنعون وتعارضون ـ كما تقولون ـ أي تدخل عسكري خارجي .. ثم أنكم في نفس الوقت تصرون على سلمية الثورة .. وتجرمون أي نشاط أو توجه عسكري لها في الداخل .. مع الاتفاق والإجماع على أننا في سوريا أمام عصابة طائفية حاكمة متوحشة ومجرمة عديمة الإنسانية والأخلاق .. لا تتورع عن قتل كل الشعب السوري لو قدرت على ذلك ـ وبأبشع الصور ـ مقابل أن تبقى مخصصاتهم الاستعمارية والاستعبادية لسوريا أرضاً وشعباً .. فسوريا لا تعدو عندهم عن كونها مجرد مزرعة لهم يرتعون فيها فساداً وخراباً كيفما شاؤوا .. فكلنا متفقون على هذا التوصيف، وأشد منه!
والسؤال الكبير الذي يطرحه الشعب السوري في الداخل على هذا المجلس، وبإلحاح: ما هي الآلية التي ستعتمدونها مع هكذا نظام بوليسي مخابراتي طائفي متوحش .. لكي توقفوا على الأقل مجازره بحق الشعب السوري الأعزل .. كيف ستوقفون عمليات الذبح اليومية التي يرتكبها الطاغية ونظامه بحق العزل من الشعب السوري .. إذا كان هذا المجلس ـ ممثلاً بالقائمين عليه ـ يجرم العمل العسكري؛ سواء منه الخارجي، أو الداخلي ..؟!
أعلم أن كثيراً من أعضاء هذا المجلس همه الأكبر كيف يسجل لنفسه وحزبه موقفاً سياسياً يستقوي ويتباهى به لاحقاً على الشعب السوري .. بينما الموقف الأخلاقي يقتضي منه ومن حزبه البحث في الآلية العملية الجادة والفعالة التي توقف عمليات الذبح والقتل التي يرتكبها النظام الطائفي بدم بارد هستيري بحق الشعب السوري .. وبصورة يومية!
نطرح هذا السؤال .. واعتقد أن جميع التنسيقيات السورية .. بل وجميع الثوار .. بل وجميع الأحرار من الشعب السوري .. يطرحون معي هذا السؤال المحق .. وهم يريدون له الجواب الشافي وبكل وضوح من المجلس المعلن عنه..؟!
ونعلمهم مسبقاً أننا قد حفظنا وسئمنا اجابتهم المتكررة ـ وبألفاظ منمقة مختلفة متشابهة وحمالة أوجه ومعانٍ ـ حول تفعيل الإجراءات السلمية المحلية والدولية .. مع علمهم المسبق أن هذه الإجراءات .. لا تقدم ولا تؤخر كثيراً في عملية اسقاط الطاغية ونظامه، وعملية ايقاف مجازره وجرائمه ... فهذا الجواب لم يعد مقنعاً لأحد .. وبالتالي نتوقع منهم أن لا يكرروه على مسامع الشعب السوري أكثر من ذلك .. وأن يكونوا أكثر جدية وشعوراً بالمسؤولية فيم يطرحون من حلول وإجراءات؟!
فإن قِيل: هل يمثلكم هذا المجلس وترضاه ممثلاً للشعب السوري في هذه المرحلة ..؟
أقول: رغم أننا فُوجئنا بالمجلس بصورته الحالية .. إذ لم نُستشَر في أمره .. ولم يسبق لنا العلم به من قبل ـ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ـ فهو يمثلنا منه ما وافق الحق، وتحققت فيه المصلحة الراجحة لسوريا؛ ثورةً، وأرضاً، وشعباً، ومستقبلاً .. يمثلنا منه كل اجراء عملي يساعد على حماية حرمات وأعراض الشعب السوري من الانتهاكات والاعتداءات اليومية التي يتعرض لها من قبل النظام الطائفي وأجهزته الأمنية .. وما سوى ذلك فهو لا يمثلنا ولا نرضاه لأنفسنا ولا لغيرنا .. وهو ردٌّ ومرفوض .. فليس مثلنا من يعطي صفقة يمينه لكل من هب ودب .. ولمن نعلم ومن لا نعلم .. وفي الحق والباطل سواء.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ". وقال صلى الله عليه وسلم:" من أمركم من الولاة بمعصية فلا تطيعوه "، هذا فيمن كان له ولاية شرعية علينا .. فكيف بمن ليس له علينا مثل هذه الولاية، فمن باب أولى أن لا يُتابَع أو يُقَر في الباطل والخطأ.
نسأل الله تعالى أن يكشف البلاء عن أهلنا في سوريا .. وأن يعجل بهلاك وسقوط الطاغية ونظامه .. وأن يجعل من أعمالنا كلها مفتاح خير مغلاق شرّ .. إنه تعالى سميع قريب مجيب، وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
7/11/1432 هـ . 4/10/2011 م.