س84: ما أقوال الأئمة الأعلام مما وقفتم عليه بشأن الفهم الصحيح لما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- بشأن أئمة الجور:" قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم ؟ قال:لا ما صلوا " وفي رواية أخرى:" أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة " .. وكيف الرد على من ينزل ذلك في الطواغيت المرتدين .. على أنهم من أهل الصلاة ؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين . الحديث فيه أن الحاكم إذا ترك الصلاة أو ترك الأمر بها تعين الخروج عليه، وفيه كذلك أن تارك الصلاة كافر؛ لأن الخروج على الحاكم لا يتعين إلا إذا ظهر منه الكفر البواح .
وليس لأحد حجة في الحديث على صرف الكفر عن أئمة الجور والردة في زماننا .. هذا على افتراض أنهم يقيمون الصلاة ويأمرون بها.
وذلك أن مسائل تكفير الحكام، والخروج عليهم لا يكفي فيها النظر إلى حديث أو حديثين ثم تبنى عليهما كل المسائل والأحكام .. بل لا بد من النظر إلى مجموع الأحاديث والنصوص ذات العلاقة بالموضوع لكي نتمكن من إدراك مراد الشارع فيما يتعلق بهذا الموضوع الهام.
من هذه النصوص مثلاً قوله -صلى الله عليه وسلم-:" إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "،
فهذا حديث أعم من قوله -صلى الله عليه وسلم-:" لا، ما أقاموا فيكم الصلاة" لاحتمال أن يكفر الحاكم من غير جهة ترك الصلاة .. وحتى لا يأتي أحد فينفي وجود الدليل على الخروج على الحاكم الكافر الذي يصلي ويأمر بالصلاة ..!
فقوله -صلى الله عليه وسلم-:" إلا أن تروا كفراً بواحاً.." عام يشمل كل كفر بواح .. سواء جاء هذا الكفر البواح من جهة ترك الصلاة، أم من جهات أخرى غير ترك الصلاة.
فإن قيل إذا كان قوله -صلى الله عليه وسلم-:" إلا أن تروا كفراً بواحاً .." شاملاً لكل كفر، فعلام ذكر الصلاة وعلق الخروج على الحكام على تركها ..؟!
أقول: ذلك من قبيل ذكر الخاص من العام لبيان أهمية هذا الخاص، وما يترتب عليه فعلاً أو تركاً؛ وهو كقوله تعالى:] وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة [ فالعبادة الذي أمرنا بها والواردة في أول الآية تشمل الصلاة وغيرها من العبادات، ومع ذلك أفرد الله الصلاة بالذكر وخصها بالبيان من جملة ما يدخل في العبادة لبيان أهميتها وفضلها .
ونحوه قوله تعالى:] حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [ فالصلوات تشمل الصلوات كلها الوسطى وغيرها، ولكن خص الله تعالى الصلاة الوسطى بالذكر لبيان أهميتها وفضلها .. والله تعالى أعلم.
ثم نسأل ما تنفع الصلاة إذا كان صاحبها يأتي بنواقض الإسلام الأخرى كموالاة المشركين الكافرين ومظاهرتهم على أهل القبلة والتوحيد .. أو أنه يشرع التشريعات التي يحل فيها ما حرم الله أو يحرم فيها ما أحل الله .. وغيرها من نواقض الإيمان، فهل يرون أن الصلاة تنفعه أو تتشفع له في شيء، وتمنع من الخروج عليه لو كان من ذوي الحكم والولاية ..؟!!
نعم، الصلاة تتشفع لصاحبها وذلك عند مورد الكفر المتشابه المحتمل، أما عند مورد الكفر البواح الظاهر فإن الصلاة ـ ولا غيرها من الحسنات ـ يمكن أن تتشفع لصاحبها أو تمنع عنه لحوق الكفر وتبعاته .. والله تعالى أعلم.
إرسال تعليق