س145: شيخنا الكريم حفظه الله .. لا يخفاكم ما يُذاع حول حركة طالبان الإسلامية التي تحكم بلاد الأفغان في الوقت الحاضر، نرجو منكم ـ شيخنا الكريم ـ إفادتنا بالإجابة عن التساؤلات التالية:
1- هل الحركة ذات توجه سني يفهم الإسلام بالفهم الذي مضى عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم ..؟
2- هل يجب على المسلمين الهجرة إلى تلك الديار ..؟
3- هل يجب على المسلمين مبايعة الملاّ محمد عمر على اعتبار أن أفغانستان الآن هي الدولة الإسلامية الوحيدة المطبقة للشريعة والمحاصرة من أجل ذلك ..؟
نرجو منكم شيخنا إفتاءنا بما ترونه حقاً وبما تدينون به رب العالمين .. وجزاكم الله خيراً.
الجواب: الحمد لله رب العالمين. فقد وردني هذا السؤال من أكثر من طرفٍ وأخ .. وبصيغ مختلفة، أجمعها السؤال المتقدم .. وكنت أود أن أؤخر الإجابة على مثل هذه الأسئلة لفترة من الزمن ريثما تظهر لنا أمور تعيننا على فهم هذه المسائل أكثر .. ولكن عما يبدو قد نفد صبر الإخوان .. ولا بد من الإجابة على أسئلتهم بما نعلمه ونعتقده إلى هذه اللحظة .. مجملاً الإجابة في النقاط التالية:
1- مصادر علمي عن حركة الطالبان هو ما تتناقله وسائل الإعلام المختلفة المنصفة منها والظالمة .. وما سمعناه من شهود بعض الإخوان الثقات .. وهي بمجموعها تصب في الثناء على
الطالبان خيراً .. وأنهم جادون في نصرة هذا الدين، وفي قيام دولة الإسلام التي تحكم بما أنزل الله.
ولكن ـ ومن خلال ما تناها إلى مسامعنا ـ لا يمكن أن نصف حركة الطالبان بمجموع طاقمها وقياداتها أنها حركة سنية سلفية تفهم الإسلام بالفهم الذي مضى عليه سلف الأمة كما ورد في السؤال .. فقيادات الطالبان متباينون في مواقفهم تجاه ذلك!
فهي حق فيه دخن .. ودخنه يأتي من جهة الصوفيات المنتشرة في البلاد .. ومن جهة التعصب الشديد لمذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله .. ومن جهة التباين النسبي في المواقف والتصور بين أفراد الطاقم الحاكم في حركة الطالبان .. نسأل الله تعالى أن يُزيله، وأن يبدل الأحوال إلى أحسن حال.
2- هذا الدخن المشار إليه .. لا يمنع ـ إن شاء الله ـ من وصف الدولة الإفغانية الحالية بأنها دولة إسلامية تستحق كل دعم ونصرة وتأييد .. وبخاصة أن دول الكفر والنفاق كلها قد تكالبت على هذه التجربة الإسلامية الجادة في أفغانستان .. لغرض وأدها في مكانها، وقبل أن تمتد آثارها إلى بقية الأمصار وبخاصة منها المجاورة لها ..!
3- أما بالنسبة إلى وجوب الهجرة إلى أفغانستان .. ؟
أقول: الهجرة تُشرع أولاً لسلامة العبادة والدين .. وثانياً لسلامة النفس من سطوة الأعداء .. فحيثما تتحقق سلامة العبادة والدين .. وكذلك الأمن على النفس تتعين الهجرة والإقامة.
فكل مسلم أدرى بنفسه وحاله .. وأدرى بالمكان الذي يناسبه ويُمكن أن يُظهر فيه دينه .. وتكمن فيه مصلحة الدين والدنيا معاً .. حيث أن من أهل العلم من جعل نوعاً من الهجرة من أرض العدو لا تجوز وذلك عندما تكون إقامة المسلم في أرض العدو أرجح مصلحة وفائدة من هجرته إلى أرض الإسلام .. وأكثر نكاية لهم مما لو كان يعيش في أرض الإسلام، وهذا فقه وجيه معتبر عند الحديث عن الهجرة وما يتعلق بها من أحكام ومسائل.
فإذا علمت ذلك علمت أنه ليس من الفقه أن نطالب ما يزيد عن مليار مسلم منتشرين في أصقاع الأرض بأن يتركوا ديارهم وبلدانهم، ويفرغوها للطواغيت الظالمين ليتوجهوا إلى أفغانستان .. أو العكس فنطالب المسلمين بأن لا يُهاجر أحد منهم إلى أفغانستان .. فهذا خطأ، وذاك خطأ .. والصواب هو ما فصلناه من قبل بأن يتحرى المسلم المكان الذي تتحقق فيه سلامة العبادة والدين على الوجه الأكمل والأفضل كما قال تعالى:) وقل لعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ( فوسع الله تعالى الأرض من أجل تحقيق سلامة العبادة والدين.
4- أما ما يتعلق ببيعة الشيخ الملا محمد عمر ـ حفظه الله ـ فإني لا أعرف أنه قد طالب بها مجموع الأمة؛ إذ أن البيعة لها حقوق وواجبات على كلا الطرفين .. قد لا يكون من المناسب في هذه المرحلة العصيبة الحرجة أن يفتح الشيخ على نفسه هذا الباب ..!
ولكن الذي أراه أن من نزل في سلطان الرجل ودولته يجب عليه أن يعطيه السمع والطاعة في المعروف .. سواء تم ذلك ببيعة أم من دون بيعة، والله تعالى أعلم.