GuidePedia

0


          س159: هناك سؤال يراودني منذ فترة وهو حول الشيخ يوسف القرضاوي وكتاباته وأفكاره ومنهجه، حيث أني في بداية طلبي للعلم قرأت له بعض الكتب وأعجبت بها، وكان توجهي وقتها أخوانياً، لكن بعد سنوات زادت ثقافتي واطلاعي وقرأت من كتب السلف الصالح كثيراً فوجدت فيها ضالتي وهداني الله إلى المنهج الذي أراه حقاً والاعتقاد الصحيح الذي به تتم النجاة، وخلال تصفحي لمواقع التوحيد والجهاد على الإنترنت تعرفت أكثر وأكثر على الفرقة الناجية ومعالم الطائفة المنصورة فازددت حباً لها وتمسكاً بها، وكنت كلما قرأت ما يكتب عن الشيخ القرضاوي أدركت مدى الأخطاء التي وقع فيها الشيخ وخصوصاً في مفهوم الديمقراطية والحرية وموقفه من الحكام والطواغيت... الخ لكن من الناحية الأخرى رأيت البعض يقذفه بأبشع الأوصاف مثلاً الكلباوي، الجرباوي، وشريط كاسيت بعنوان الرد لإسكات الكلب العاوي المدعو القرضاوي، القرداوي، الضال المضل، عالم الضلالة من الدعاة إلى أبواب جهنم... الخ.

وسؤالي: هو إذا كان الشيخ قد أخطأ فهل يليق بأهل السنة والجماعة والسلفيين المزعومين منهم وغير المزعومين أن يسبوه ويشتموه بدلاً من أن يواجهوه ويبينوا خطأه بأسلوب علمي راقي بعيداً عن القذف والقدح ..؟!
والسؤال الثاني: ما هو موقفنا نحن كمسلمين من هذا الشيخ وهل نعتبره عالماً يؤخذ من قوله ويرد أم أنه ليس كذلك بل هو ضال مبتدع وهل بدعته تصل إلى درجة التفسيق أم التكفير؟
والسؤال الثالث: إذا كان أهل الرأي وأهل الحديث قد اختلفوا منذ القدم وأجازوا هذا الاختلاف وكانوا إخواناً متحابين فلماذا نحن لا نجيزه اليوم ويحترم بعضنا بعضاً ما دام أن الشرع  الحنيف يقر ذلك كما في حديث بني قريظة أم أن هنالك غلو وتشدد وإفراط كما يقولون .. وأخيراً نرجو منك يا شيخ أن تقول لنا كلاماً شافياً وافياً في هذا الشخص لنكون على بينة من أمرنا .. وبارك الله فيكم وجزاكم الله عنا خير الجزاء ؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. لا نرى جواز إطلاق العبارات النابية الآنفة الذكر في السؤال بحق القرضاوي ولا غيره .. لأن المسلم لا ينبغي له أن يكون لعاناً أو طعاناً أو بذيئاً .. والمسلم عليه أن يترفع عن ذلك .. ولكن هذا لا يمنع من حمل المصطلحات والأحكام الشرعية التي يستحقها القرضاوي أو غيره من تفسيق أو تضليل، أو تكفير ونحو ذلك من الاطلاقات الشرعية .. إن كان في الشخص من الخصال ما يستدعي حمل هذه الأحكام أو بعضها عليه.
أما سؤالك عن شخص القرضاوي .. فأقول: كانت للرجل بدايات طيبة وإنجازات علمية نافعة في أوائل مراحل حياته الدعوية والعلمية .. ولكن أعتقد أن الرجل فيما بعد قد غير وبدل .. وانحرف انحرافاً واسعاً لم نعهده عليه في أوائل مراحل طلبه للعلم .. وعمله من أجل هذا الدين .. والعبرة بالخواتيم وبما يُختم به على المرء، كما في الحديث:" لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يُختم له، فإن العامل يعمل زماناً من دهره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً .." نسأل الله تعالى الثبات وحسن الختام.
فإن قلتم: أين وجه التغيير والتبديل عند الرجل ..؟!
أقول: تغييره وتبديله يأتي من جهات عدة، منها: من جهة قربه من طواغيت الحكم الظالمين والثناء عليهم خيراً، والجدال عنهم ودونهم .. وهذا معروف مشهور عنه يدركه كل من يعرف شيئاً عن الرجل !
يأتي من جهة قوله بالديمقراطية بمعناها الكفري والشركي .. والترويج لها .. وبحرية الأحزاب العلمانية المرتدة وتمكينها من حكم البلاد والعباد لو اختارتها الأكثرية .. وقد رددنا عليه في كتابنا " حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية " في أكثر من ثمانين صفحة .. يمكنكم مراجعتها .. ومعرفة المزيد عن الرجل في هذا الشأن!
يأتي من جهة ثنائه على الشيعة الروافض خيراً .. وتهوينه من شأن الخلاف معهم .. والدخول في موالاتهم .. رغم ما يعلنه الآخرون من كفر بواح بحق الكتاب والسنة، وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- .. وغير ذلك!
يأتي من جهة سعيه في إغاثة الأصنام التي تُعبد من دون الله في أفغانستان .. نزولاً عند رغبة وأوامر طواغيت الحكم الذين أوفدوه لهذه المهمة القذرة .. والتي هي نقطة سوداء في حياة هذا الرجل لا يجليها عنه إلا الندم والبكاء والتوبة على الملأ مما جنت يداه!
يأتي من جهة استخفافه بالخالق سبحانه وتعالى وهو على المنبر  من يوم الجمعة، حيث قال بملء فيه ووعيه بعد أن أثنى خيراً على الديمقراطية الإسرائيلية اللعينة:" لو أن الله عرض نفسه على الناس لما أخذ هذه النسبة "؛ أي النسبة التي يأخذها حكام العرب وهي 99،99% ..!!
ولما عُرضت مقولته هذه على الشيخ ابن عثيمين قال: هذه ردة.. لتضمنها الاستخفاف ورفع المخلوق على الخالق سبحانه وتعالى .. يجب أن يُستتاب  ـ أن يُعلن توبته من على ذات المنبر الذي قال كلمته الكافرة تلك ـ  فإن لم يتب يُقتل ردة .. وقد أصاب الشيخ وبقوله نقول.
يأتي من جهة تحليله للحرام المعلوم حرمته من دين الله بالضرورة .. كتحليله للمرأة أن تغني على المسارح وبالمعازف .. وبعض المعاملات والبيوع المحرمة .. كما جاء ذلك في النشرة الصادرة عن المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث والذي يترأسه القرضاوي، حيث جاء في النشرة كخلاصة للتوصيات التي توصلوا إليها في مؤتمرهم الثاني الذي عُقد في إيرلندا:" أباح المجلس بيع الخمر ولحم الخنزير في متاجر يملكها مسلمون إذا كان لا بد من بيعها، وشرط المجلس أن تكون نسبة تلك المواد المحرمة قليلة من جملة التجارة العامة .. وحرم المجلس بيع الخمر في المطاعم لأنها تحتل نسبة عالية من المبيعات .. وأباح المجلس اشتراء المنازل والسيارات بواسطة البنوك والدفع بالأقساط .. أباح المجلس اشتراك الرجال والنساء في مكان واحد، في إطار ضوابط الشرع مثل مجالس العلم والمحاضرات والدراسة، والنشاطات الاجتماعية وغيرها .. وجوز المجلس دخول النساء والرجال من باب واحد للقاعات والمجالس، ولم ير في ذلك بأساً، واعتبر كلمة اختلاط كلمة دخيلة على المصطلح الإسلامي.. وأباح المجلس أكل المطعومات التي تحتوي على كميات قليلة من مواد محرمة مثل لحم الخنزير وشحمه شرط أن لا تتجاوز نسبتها 1% .. وشدد المجلس على وجوب احترام
المسلمين لقوانين البلاد التي يقيمون فيها .. وأجاز المجلس المشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية
في الدول الغربية بما يحقق مصالح المسلمين .." !!!!
قلت: هذا الباطل الجلي .. الذي يتضمن التحليل الصريح لما حرم الله تعالى نصاً وإجماعاً ..  هو بعض ما ورد في نشرتهم من توصيات .. والتي كلها صدرت باسم القرضاوي وبعد توقيعه عليها وإجازته لها .. وبسببه راج العمل بها في الأمصار وبخاصة في البلاد الأوربية ..ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
لأجل هذه الأوجه وغيرها قلنا آنفاً أن الرجل قد غير وبدل .. وأحل ما حرم الله .. ووقع في الكفر البواح .. ولا أرى مانعاً من تكفيره بعينه إلا التوبة النصوح وعلى الملأ من جميع ما تقدم من كفر مما هو ثابت على الرجل .. والله تعالى أعلم.
هذا الحكم الذي صدر منا بحق هذا الرجل لم يصدر على طريقة المتهورين .. أو غلاة أهل التكفير .. لا .. وإنما صدر بعد تأمل طويل في موانع التكفير وموجباته ولوازمه .. وبعد صبر وصمت طال أمده خشينا منه الإثم والوزر .. وبخاصة أن فتنة الرجل قد اتسعت وعمّت وطمّت .. وكثر السؤال عنه وعن مواقفه وتصريحاته وفقهه .. فوجدنا أنه لا بد من بيان الحكم الشرعي ـ في هذا الرجل ـ الذي نعتقده .. وإن كان هذا الحكم قد لا يروق لشريحة من الناس الذين لا يعرفون إلا التعصب لاسم الرجل وشخصه وألقابه .. والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل. 
فإن قلتم: لماذا على الملأ ..؟!
أقول: لأنه أعلن كفره .. وقال كلمة الكفر على الملأ .. فلا بد أن يتوب ويبين توبته للناس على الملأ .. لنمسك عن القول بكفره وردته .. كما قال تعالى:) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (.
أما سؤالك عن إمكانية بقاء المودة والمحبة بين المسلمين رغم وجود الاختلاف ..؟
أقول: هذا وارد وواجب .. وذلك عندما يكون الاختلاف من قبيل اختلاف التنوع .. أو مما تحتمله نصوص وقواعد الشريعة .. فهذا النوع من الخلاف لا ينبغي أن يُفسد الود الذي يجب أن يكون بين الإخوان.
أما إن كان الخلاف أو الاختلاف في الأصول والثوابت العامة .. في التوحيد .. وفي مسائل الكفر والإيمان .. وفي تحليل الحرام .. أو تحريم الحلال .. مما هو معلو من دين الله بالضرورة .. فهذا النوع من الاختلاف لا يمكن السكوت عليه أو أن يبقي بين المختلفين الود والاحترام .. كما في النوع الأول من الاختلاف .. وشواهد ذلك من السنة وسيرة السلف أكثر من أن تحصر في هذا الموضع .. والله تعالى أعلم.

إرسال تعليق

 
Top