س546: أنا أعمل في مجال الدعوة إلى الله ، عبادة الله وحده لا شريك له , ونبذ وكفر بكل طاغوت عبده العابدون الكافرون . أنا أركز في هذه الدعوة على الكفر بالطاغوت ، خصوصاً الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله ، وإعلان البراءة منهم ومن قوانينهم الوضعية . واجهتني مشاكل كثيرة أغلبها من الأجانب الأوربيين والأمريكان ، أما العرب والحمد لله فكان أكثرهم يقتنع بما أقول . من هذه المشاكل ما حدث لي مع أحد المسلمين الأمريكان ، لقد أسلم منذ سبع سنوات مضت ، ولقد بذلت جهداً كبيراً ، والله سبحانه وتعالى أعلم كم تعبت في إقناعه ، حتى آمن أن الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله طواغيت مرتدون يجب تكفيرهم وإعلان البراءة منهم .
لقد فسرت له أن دينهم هو الديموقراطية وليس الإسلام ، وأنهم حتى لو صلوا فإنها لا تقبل لأنهم لا يملكون التوحيد، وسردت له أقوال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله والشيخ أبي محمد المقدسي حفظه الله . لقد تعبت كثيراً حتى كافأني على تعبي باقتناعه ، ففرحت كثيراً وشعرت بسعادة لا مثيل لها أنستني تعبي . ولكن يا شيخ للأسف ، لقد قابل بعض أصحابه الضالين المضلين حتى حاد عن الحق واتبع أهواءهم . قالوا له أن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ، وأنه وجب علينا طاعة الحكام ، وسردوا لذلك أحاديث . أجبت هذا الأخ على هذا الأحاديث , وقلت له أن الحكام الذين أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعتهم هم الظلمة , ولكن ليس الكفرة ، وسردت له الأثر عن عبادة بن الصامت أنهم عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينازعوا الأمر أهله إن رأوا كفراً بواحاً . قال لي : إنه لن يقول لأي شخص بعد اليوم كافر ، لأنه خائف جداً من هذا الحديث ، لدرجة ، تخيل يا شيخ ، قال له أحد أصحابه الضالين المضلين ، أن الشيطان ليس بكافر بالله ، بل هو مؤمن . تكلمت مع هذا الضال ، وسرد لي تفسيرات سخيفة , فقال : إن معنى كافر في اللغة من يكفر أي من يغطي ، والشيطان يخفي الحقيقة ، وغيرها من التأويلات الفاسدة . قلت له : إن كلمة كافر , غدت من مصطلحات الإسلام الخاصة , والتي تعني عدم الإيمان بالله العظيم حق الإيمان ، ولكنه جادل وناقش ، وشرق وغرب ، حتى كفرته ، وكفرت أمثاله الذين يقولون بقوله . وهذا الأخ الأمريكي غدا يقول بقولهم ، فكفرته كذلك ، وقلت له : إن الطواغيت قسمان ، قسم واضح بين على جميع المسلمين أن يكفروا به ولا يعذر أحد بالجهل ، ومن لم يكفر به فهو كافر ، وهذا القسم فيه الشيطان والأصنام وكل معبود يعبد من دون الله حقيقة ، فيسجد له أو يطلب منه دفع الضر أو جلب الخير وهو راض بذلك . والنوع الثاني نوع مبهم ، وهم الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بسبب الاختلاف بين العلماء في كفرهم ، فلا يكفر من لا يرى كفرهم حتى تقام عليه الحجة ، ويعذر مثل هذا بالجهل إذا لم يتولهم أو ناصرهم أو دخل في دينهم . والآن يا شيخ وددت أن أسأل :
1- عندما كفرت ذلك الشخص لعدم تكفيره الشيطان ولتأويلاته الفاسدة ، هل آثم بذلك ؟
2- لقد أصبح هذا الأخ الأمريكي من المرجئة بعدما كان موحداً ، ولم يعد يكفر الحكام الطواغيت بعدما كان يكفرهم ، ومن لم يكفّر الطاغوت لم يكفر به على حد علمي ، فهل كفر بذلك ، مع أني فسرت له معنى كل حديث أرادني أن أفسره , ولكن لم يعد يقتنع ، فقمت وكفرته , وقلت له : إنه كفر بالله العظيم إذ لم يكفر بالطاغوت . وقال لي أنه مقتنع بقصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وهذا أكبر دليل على أن من فعل الكفر ظاهراً لا يحكم عليه بالكفر.
ولكني بعدها قلت له : دعنا نتناقش بهدوء وبمنطق ولكنه رفض ، ولم يعطني الفرصة كي أفسر له أحكام قصة حاطب رضي الله عنه. فهل هو كافر يا شيخنا، مع أني، وبصعوبة، بعد أن أصبح مرجئاً ، اقتنع أن الشيطان كافر بالله العظيم غير مؤمن به حق الإيمان ، بعدما كان يخاف أن يكفر حتى الشيطان .
ماذا تنصحني حيال هذا الصنف من الناس ، الذي لا يلبث أن يقتنع حتى يحيد عن جادة الطريق، وهذا الأخ ، بعد كل هذا النقاش حول الحكام وأنهم طواغيت ورفضه تكفيرهم ، هل تنصحني بهجره وتكفيره ؟ وجزاك الله خيراً شيخنا الحبيب ونفع الله بك الإسلام والمسلمين؟
جـ: الحمد لله رب العالمين. شكر الله تعالى جهودك في الدعوة إلى توحيده تعالى .. وإلى البراءة والكفر بالأنداد والطواغيت، على جميع صورهم وأشكالهم .. وإليك جواب ما سألت عنه، فأقول: من لم يكفر الشيطان .. ولا الطواغيت الذين يُعبدون من دون الله .. مع علمه بكفرهم .. وعلمه بالأدلة الشرعية التي توجب كفر وتكفير هؤلاء الطواغيت .. وكذلك من يقول لا أكفر أحداً .. لا اليهود ولا النصارى .. ولا غيرهم من أهل الشرك والكفر .. فهذا لا شك في كفره وخروجه من الملة .. يجب تكفيره ولا بد .. ومن شك في كفره فهو كافر.
أما صاحبك الأمريكي .. فأنت أدرى به وبعقيدته ومواقفه .. ولكن الذي يظهر لي من خلال ما نقلته أن الرجل مشوش من مشايخ الإرجاء .. وخائف من أن يقع في مخالفة الأدلة التي ساقوها له؛ والتي في حقيقتها هي شبهات .. مشايخ الإرجاء الذين يأتونه من الأردن وغيرها .. ويقومون بزيارات دورية لأمريكا وبعض الدول الأوربية .. في كل عام مرتين وثلاث .. ليعبئوا أعاجم المسلمين ـ مستغلين جهلهم ـ في تلك البلاد نحو قضيتين، هما: أن طواغيت الحكم .. مسلمون تجب طاعتهم .. وأن كفرهم كما قال ابن عباس كفر دون كفر .. وليحذرونهم من دعاة التوحيد تحت زعم وعنوان التحذير من الخوارج .. فكل تركيزهم ونشاطهم يصب على هاتين القضيتين .. لأن تسهيلات السفر أصلاً ما تمت لهم إلا من أجل ذلك!
لذا أرى أن تصبر عليه .. وعلى من هم أمثاله .. وتستمر في نصحهم وتعليمهم .. ولا تتعجل في إطلاق الأحكام عليهم .. والله تعالى أعلم.