س548: يستنكر البعض أنه لا يجوز الانتساب إلى السلف , يعني تقول : أنا سلفي ! وأن الدعوة إلى هذا من التفرقة , وليس هناك إلا فرقة واحدة في زعمه ألا وهي الإسلام , واختيارنا ودعوتنا إلى السلفية إسهام في التفرقة .. ويقول : لسنا سنة وجماعة , ولسنا سلفيون , ولاصوفيون , ولا أشعريون , و لا معتزلة , ولا , ولا , ولا .. بل نحن مسلمون , يجمعنا كتاب الله , يوحدنا توحيد الله , وغايتنا مرضاة الله ... فما هو توجيهكم ؟
جـ: الحمد لله رب العالمين. نجيب على هذا السؤال من أوجه، منها: أن الإسلام دين الله .. وليس فرقة .. فلا يجوز أن نسمي الإسلام فرقة؛ لأن الفرقة تعني مجموعة من الناس تجتمع على فهم وتصور معين .. يحتمل فيهم الخطأ والصواب .. أما الإسلام فهو دين الله تعالى، وتعاليمه، وأحكامه .. لا يجوز افتراض الخطأ فيها .. هذا وجه!
ووجه آخر: من يقول لا فرق بين طائفة السلف .. ومن ينتسب لهذه الطائفة .. وبين طائفة المعتزلة أو طائفة الشيعة الروافض .. ومن ينتسب إليها .. إذ كل طائفة لها علماؤها وأدلتها على أنها هي الطائفة الناجية والمنصورة .. فهو كمن يقول: لا فرق طائفة النصارى .. وطائفة اليهود .. وطائفة المسلمين .. إذا كل طائفة من هذه الطوائف لها علماؤها .. الذين يزعمون بأنهم هم الطائفة الناجية .. والفرقة الناجية .. وما سواهم على ضلال .. وكل طائفة لها أدلتها على ما تزعم ..!!
وهذا قول لا يقول به إلا كل جاهل جهله مركب ومغلظ .. أو شيعي رافضي خبيث .. يريد أن يمرر طعنه بالسلف الصالح .. بمثل هذه الأساليب ..!!
والرد على هذا القول المتهافت الساقط يُخط فيه مصنف كامل .. ولكن نكتفي هنا بأن نسأل سؤالاً واحداً فقط: هل كل فرقة أو طائفة من طوائف أهل الكفر، والبدع،، والأهواء .. يستطيعون بأن يأتوا بالدليل الصحيح من الكتاب أو السنة .. بأنهم هم الفرقة أو الطائفة الناجية .. وأنهم هم أهل الحق ؟!!
هل كل من زعم أنه ممن يُحسنون صنعاً .. يستطيع أن يأتي بالدليل من الكتاب والسنة .. أنه فعلاً من الذين يُحسنون صنعاً ..؟!
فإن قال: نعم .. يكون قد حكم بنفسه على دين الله تعالى بالتناقض .. وأنه دين يقر الشيء وضده .. يقر الحق والباطل .. يقر الإيمان والكفر .. وأن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها .. ولم يبين لنا الحق وصفة أهله .. ولا الباطل وصفة أهله .. لأن كل فريق من هذه الفرق يجد الدليل من الكتاب والسنة على صحة ما هو عليه من حق أو باطل .. وهذا عين التكذيب والكفر البواح!
وإن قال: لا .. لا يستطيعون .. لا يستطيع إلا أهل الحق ـ وهم الذين كانوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ بأن يأتوا بالدليل من الكتاب والسنة على أنهم هم الطائفة الناجية والمرضية .. يكون بذلك قد رد على نفسه بنفسه .. وكفانا مؤنة الجدال!
ووجه آخر من أوجه الجواب، نقول كذلك: لما علمنا بالنقل والعقل أن سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من القرون الثلاثة المشهود لها ـ نصاً ـ بالخيرية والفضل .. وهم خير القرون، وخير الفرق والجماعات فهماً وامتثالاً والتزاماً لأحكام الإسلام .. دل ذلك على أن التزام طريقتهم ومنهجهم وفهمهم لنصوص الشريعة .. هو الأسلم والأحكم .. والأنفع .. وهو الطريق الأمثل والأقرب للنجاة .. بخلاف من شذ عن فهمهم وطريقتهم من الفرق الضالة والمنحرفة .. فإن مآله ولا شك إلى الضلال والعذاب كما قال تعالى:) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً(. وأولى الناس دخولاً في معنى سبيل المؤمنين الوارد في الآية .. الذي يجب اتباعه وانتهاجه .. والذي يهلك ويخسر كل من خالفه وتنكبه .. هم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان .. الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
من هنا جاء الانتساب إلى منهجهم وطريقتهم وفهمهم تشريفاً لصاحبه .. وليعرّف المرء عن نفسه ومنهجه .. وليميز نفسه عن فرق الضلال والأهواء .. ومذاهبهم .. وما أكثرها ..!
أما إن كان هذا الانتساب .. والتسمي بالسلفية يعني التحزب إلى أشخاص وشيوخ معينين ومعاصرين .. تحصر السلفية في موالاتهم؛ فمن والاهم فهو ـ على علاته ـ سلفي وأثري .. ومن خالفهم أو نقدهم .. أو خرج عن بعض منهجهم وطريقتهم .. واجتهاداتهم .. فهو خلفي ليس بسلفي .. فإن كانت السلفية تعني هذا التحزب .. والتعصب الأعمى لأسماء بعض الشيوخ المعاصرين .. فهي بدعة تفرق .. نبرأ إلى الله تعالى منها .. ومن دعاتها .. وسلفنا الصالح برآء كذلك منها!
أقول: كثير من مفاهيم ومصطلحات هذا الدين تعرضت لتشويه بليغ من قبل أهل الأهواء؛ بحيث لا يمكن ذكرها منفردة من دون تفصيل يُعرِّف عن نية المرء من وراء استخدامه لهذا المصطلح أو ذاك .. من هذه المصطلحات والمفاهيم، مفهوم " السلف " و" السلفية " .. حيث كان قبل عشرين عاماً يُقال للناس: عليكم بمنهج السلف .. واتباع السلف .. فيفهمون المقصد والمراد .. وأنه يعني اتباع منهج وفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين .. بينما اليوم لو قيل لهم نفس الكلمة، وطُلب منهم نفس الأمر: ذهب أذهان كثير من الناس .. إلى أننا ندعوهم إلى التعصب والتحزب للشيخ فلان .. وفلان .. وفلان .. ولطريقتهم .. لذا نجد أنفسنا مضطرين للتفصيل والشرح المطول؛ ماذا نريد من هذه الكلمة أو الدعوة .. حتى لا يُفهم مقصدنا خطأ .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!