GuidePedia

0
س563: لا يخفى عليكم حال المجتمعات الجاهلية التي نعيش فيها خاصة في مصر من انصراف كثير من الناس إلى عبادة الطاغوت وإعراضا عن التوحيد رغبة واختياراً منهم ومعاداة لاتباع ملة إبراهيم من أهل التوحيد جرياً وراء سحرة فرعون من إعلاميين وكهنة ممن اتخذ الدين مطية فامتلأت الجيوب والكروش وبئسما شروا به أنفسهم ..

فانقسم أهل الدين حول طبيعة الولاء والبراء والحكم بالإسلام أو ضده على هؤلاء بين تفريط أدى إلى الوقوع في أفسد ما ذهب إليه غلاة جهمية المرجئة؛ والمصيبة في هذا الصنف أنهم ينسبون أنفسهم للسلفية وقد تخندقوا في الدفاع عن الطواغيت المستبدلين لشرع الله بالقوانين الشركية وإعلان الحرب على من تبرأ من الطواغيت وأهلها بحجة التصدي للأزارقة عتاة الخوراج .. وإفراط من جانب طوائف أخرى أدى إلى حصر الإسلام على جماعات بعينها بل وجدنا من يقول بآراء غريبة وربما وجدوا لبعض أهل العلم من أمثال العلامة الجبرين إقراراً في تعليقه على كتاب ( دعاة علي أبواب جهنم ) للأخ يوسف الفكي صفحة 153 يقول:" ووجود المجتمع الجاهلي لا يمنع أن يكون هناك مسلمون لم يحدث عنهم لسانهم وأعمالهم فهؤلاء مجهولوا الحال لا أقول بكفرهم ولا إسلامهم ..". وكتاب آخر ( فقه الإيمان على منهج السلف الصالح ) الدكتور وميض بن رمزي العمري تقديم أ.د عمر الأشقر يقول في صفحة 65 :" حكم التبين والعمل بالظاهر لا ينقطع فلا يحل تكفير إنسان أو أهل قرية أو بلد ولا إدخالهم في الإسلام بظنون لا تدل عليها الظواهر " .. ولهذا يوجد من يقول بالتوقف في الحكم على الناس بالإسلام وعدمه حتى يتبين من شيء ظاهر يدل على البراءة من الشرك كما فعل أهل الكهف .. أو فعل يشهد على صاحبه صراحة دون تأويل وقبلها فالإنسان لا مسلماً ولا كافراً .. ومما زاد الأمر إشكالا قولهم بكفر الطائفة التي لا تعتقد كفر الطاغوت لأن أئمة الدعوة السلفية شرطوا البراءة من الشرك وأهله في ثبوت الإسلام ..؟
يا فضيلة الشيخ أسألك بالله وأرجو منك بحق ثقتنا فيكم ومحبتنا لكم أن لا تنسانا بالرد المفصل .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جـ: الحمد لله رب العالمين. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. قبل أن أجيب على السؤال أود الإشارة إلى خطأ ـ أحسبه وقع من الأخ زلة وسهواً ـ ورد في السؤال، وهو قوله:" بحق ثقتنا فيكم ..! " .. وهذه صيغة قسم بالمخلوق .. وقد ورد النهي عن الحلف بالمخلوق، كما في الحديث: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت". وقال صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك". لذا تعين التنبيه.
وجواباً على ما ورد في السؤال أقول: ليس عندي الكتابان المذكوران لمراجعة كلام الشيخين .. وما ذكر عنهما لا يجوز الاستدلال به على التوقف في الحكم على الناس في أمصار المسلمين .. وإنما يجوز الاستدلال به على المجتمعات التي يكون الناس فيها كفاراً .. فحينئذٍ يمكن القول: بأنه لا نحكم على أحدٍ منهم بالإسلام ما لم تظهر لنا قرينة ظاهرة تفيد بأنه مسلم أو تدل على إسلامه .. أما إن لم تظهر لنا قرينة تدل على إسلامه أو أنه مسلم .. حكمنا عليه بالكفر .. وعاملناه معاملة الكافرين؛ لأنه يعيش في مجتمع كافر الأصل في الناس فيه أنهم كفار .. والقول بالتوقف؛ أي لا نحكم على أحدٍ منهم لا بكفر ولا إسلام قول محدث لا دليل عليه!
وكذلك المجتمعات الإسلامية التي يغلب على سكانها التدين بالإسلام .. نحكم على المعين منهم بالإسلام، ونعامله معاملة المسلمين، ما لم تظهر لنا قرينة صادقة تدل على كفره وأنه غير مسلم .. والقول بالتوقف والمنزلة بين المنزلتين؛ بحيث لا نحكم على أحدٍ منهم بكفر ولا إسلام .. هو من التكلف الذي نهينا عنه .. وهو قول محدث بخلاف ما كان عليه سلفنا الصالح .. فالناس إما كافر وإما مسلم .. ولا منزلة بينهما، قال تعالى:)هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( التغابن:2.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال:"تُطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". فأنت تُسلم عليه وإن لم تعرفه أو تعرفه عنه شيئاً .. والسلام لا يُتلى إلا على مسلم.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم اشتراط المعرفة ـ كما هو مذهب أهل التوقف ـ لإلقاء السلام من أشراط الساعة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة" وفي رواية:"أن يسلم الرجل على الرجل لا يُسلم عليه إلا للمعرفة"!
وعن الطُّفيل بن أُبي بن كعب: أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقَّط ـ وهو الذي يبيع سقَط المتاع ـ ولا صاحب بيعة، ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه!
قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوماً، فاستتبعني إلى السوق، فقلت: ما تصنع بالسوق؟ وأنت لا تقف على البيع ولا تسال عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق، فاجلس بنا هنا نتحدث، فقال لي عبد الله:" يا أبا بطن ـ وكان الطفيل ذا بطن ـ إنما نغدو من أجل السلام، نسلم على من لقينا "!
وكان رضي الله عنه لشدة ما عُرف عنه أنه يُسلم على من يعرف ومن لا يعرف كان يُسلم خطأ على نصارى أهل الذمة وهو لا يعلم، كما في الأثر عن عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان، قال: مرّ ابن عمر بنصراني فسلم عليه، فرد عليه السلام، فأُخبر أنه نصراني، فلما علم رجع، فقال:" رُدّ علي سلامي " .. وكان يحصل ذلك لغيره من السلف .. وسبب ذلك أن الناس يُأخذون ويُعاملون بحكم مجتمعاتهم التي يعيشون فيها ما لم تظهر منهم القرائن التي تُخالف هذا الضابط والأصل.
ويُقال كذلك لأهل التوقف: هذا الذي لا نحكم عليه بكفر ولا إسلام .. كيف نتعامل معه في المرحلة التي لم يظهر لنا فيها ـ وقد تطول ـ ما يدل على كفره ولا إسلامه ..؟!
فإن قيل: نعامله على أنه مسلم ..!
أقول: كيف تعامله على أنه مسلم .. وأنت لا تعتقد أنه مسلم ؟!
وإن قيل: نعامله على أنه كافر ..!
أقول: كيف تعامله على أنه كافر .. وأنت لا تعتقد أنه كافر ؟!
لذا لم يبق إلا القول الذي أشرنا إليه: وهو أن يُحكم على الناس على اعتبار المجتمعات التي يعيشون فيها؛ فإن كانت إسلامية حُكم بإسلامهم وعوملوا معاملة المسلمين ما لم يظهر من أحدهم ما يدل على كفره أو أنه من الكافرين .. وإن كانت مجتمعات كافرة حُكم عليهم بالكفر ما لم يظهر من أحدهم ما يدل على إسلامه أو أنه من المسلمين .. والله تعالى أعلم.

إرسال تعليق

 
Top