بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
منذ أن ظهر اسم جماعة " الدولة " العراقية، والتي باتت
تُعرَف بمسمّى " داعش "، على أرض الشام، كان لنا ــ بفضل الله تعالى ــ
السّبق في التحذير منها، ومن غلوها، وأنها جماعة دموية تملك مشروع اقتتال داخلي مع
مجاهدي ومسلمي أهل الشام .. وأنها ماهرة في افتعال الفتن فيما بين المسلمين ..
مستغلة شعار " الدولة الإسلامية "؛ ككلمة حق يُراد بها باطل .. كما قال
أسلافهم الخوارج من قبل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:[ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ
لِلّهِ ]الأنعام:57. يريدون أنه لم يحكم بما أنزل الله، فقال لهم:" كلمة حق
أُريد بها باطل "!
فأنكر علينا وقتها من أنكَر .. ثم ها هي تمضي الأيام لتصدّق "
داعش " قولَنا واعتقادَنا فيها .. فماثلت فعالهم فِعال القرامطة النصيريين ..
فكفّرت مسلمي ومجاهدي أهل الشام .. بما لا يقتضي التكفير .. ورمتهم
بالردة والصحوات .. وغدرت .. وخطفت .. وسجنت .. وقتلت .. وأقامت المجازر الجماعية
لأسرى المسلمين .. ونشرت مفخخاتها ومتفجراتها في الشوارع ــ بصورة لم يسبقها إليها
أحد ــ لتحصد الأبرياء .. وتستهدف مقرات المجاهدين .. فلم يسلم من شرهم وإجرامهم
أحد .. كما أنها لا تكترث لمصالح المسلمين .. ولا لمآلات أفعالها، حتى لو صبَّت في
خدمة الطاغوت بشار الأسد، ونظامه المجرم .. حتى بات كثير من الناس لم يعد يُحسن
التمييز بين فِعالهم وفِعال النظام الأسدي المجرم .. وأيهما أشد فتكاً وإجراماً
بحق الآمنين من المسلمين .. وأيهما يخدم الآخر أكثر .. وهذا كله بزعمهم من أجل
إقامة دولتهم التي لا وجود لها إلا في مخيلتهم، ورؤوسهم المريضة!
عند قتال الطاغوت القرمطي وجنده .. لا تكاد تجد لهم حِسّاً، ولا تواجداً .. فإذا ما توجهوا بأسلحتهم ــ المخزّنة والمكدّسة ــ نحو قتال
المسلمين ومجاهديهم .. أظهروا من القتال والتوحش، والشراسة ما لا يُظهروه في أي
ميدان آخر .. وهذا مصداق ما وصفهم به النبي صلى الله عليه وسلم:" يقتلون أهل
الإسلام ويَدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم قتلتهم قتلَ عاد " متفق عليه.
ومنذ أكثر من ستة أشهر كنت قد كتبت بياناً للأخوة المهاجرين، تحت
عنوان " بيانٌ هام إلى المهاجرين إلى الشام "، حذّرتهم فيه من أن تنحرف
سهامهم وفوّهات بنادقهم عن الغاية التي قصدوا الشام لأجلها؛ وهي نصرة أهل الشام
ومجاهديهم ضد ظلم النظام الأسدي النصيري المجرم .. لتتوجه نحو صدور مسلمي أهل
الشام، ومجاهديهم، وثوارهم .. فأنكر علينا وقتها من أنكر .. وعد ذلك نوعاً من سوء
الظن بالمهاجرين .. وما أن تمضي الأيام إلا ويقع المحظور، وما كنا نخشاه ونتوقعه
.. فها هي جماعة " داعش " تنجح في تجنيد بعض المهاجرين لغاياتها
ومآربها، لتستغلهم في قتال أهل الشام، ومجاهديهم .. وتزج بهم في معركة ما أتوا
لأجلها، وليس لهم فيها ناقة ولا جمل .. ليس لهم فيها حظ سوى الحرام .. وإثم سفك
الدم الحرام .. فكانت " داعش " بذلك هي القاتلة لهم، أو المتسببة في
قتلهم.
ومما زاد ظلم الظالمين ظلماً وغيّاً وغلواً أن من الدعاة وبعض الخواص
.. رغبة منهم في الإصلاح .. مسكوا العَصاة من الوسط .. فلا هم نصروا حقاً، ولا هم
خذلوا باطلاً .. مما حدا بنا أن نخط هذا البيان إبراءً للذمة، ونصحاً للأمة، سائلين
الله تعالى السداد، والثبات.
فأقول: جماعة الدولة المعروفة بمسمى " داعش " من الخوارج
الغلاة، بل قد فاقوا ــ بأفعالهم وأخلاقهم ــ الخوارج الأوائل في كثير من الصفات
والأفعال .. فجمعوا بين الغلو، والبغي والعدوان، وسفك الدم الحرام .. عليهم ــ
وعلى أمثالهم ــ يُحمَل ما صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج، كما في
قوله صلى الله عليه وسلم:" الخوارج كلاب أهل النار "[[1]].
وقال صلى الله عليه وسلم:" سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث
الأسنان ــ أي صغار السن ــ سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يُجاوز
إيمانُهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم
فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة " متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:" سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قومٌ
يُحسنون القيل ويُسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين
مروق السهم من الرميّة، لا يرجعون حتى يرتدّ السهم على فوقه، هم شرّ الخلق
والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يَدعون إلى كتاب الله وليسوا منّا في شيء، من
قاتلهم كان أولى بالله منهم، قالوا: يا رسولَ الله ما سيماهُم، قال: التحليق
"[[2]].
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يخرج قوم من
أمتي يقرأون القرآن؛ ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرأون القرآن، يحسبون أنه
لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من
الرمية " مسلم.
وعن يُسير بن عمرو قال: قلت لسهل ابن أحنف: هل سمعتَ من النبي صلى
الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئاً؟ قال: سمعته يقول:ــ وأهوى بيد قِبل العراق!
ــ:" يخرج منه قومٌ يقرؤون القرآن، لا يجاوز تَراقيهم، يمرقون من الإسلام
مروق السهم من الرمية " متفق عليه.
قال ابن عمر رضي الله عنه:" إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في
الكفار، فحملوها على المؤمنين " البخاري. فأجروا عليهم أحكام الكافرين،
وعاملوهم معاملة الكافرين ..!
وعليه فإن لم تمسك جماعة الدولة المسماة بـ " داعش "، عن
بغيها وظلمها وعدوانها .. وتكف أذاها وشرها عن الشام وأهل ومجاهدي الشام، وتُصغي
إلى خطاب النقل والعقل الذي وجهه إليها بعض العقلاء والفضلاء، فإنه يجب شرعاً على جميع
مجاهدي أهل الشام قتالهم، ورد عدوانهم .. وهو من الجهاد في سبيل الله .. ونشهد
حينئذٍ ــ شهادة عامة ــ جازمين ومستيقنين أن قتلى مجاهدي أهل الشام مأجورون ..
وهم شهداء بإذن الله .. وقتلى داعش آثمون .. وهم في النار، بل ومن كلاب أهل النار
.. وهم في قتالهم لأهل وجند الشام، قد وقفوا في صف الطاغوت بشار الأسد في قتاله وحربه
لأهل الشام .. ونردد ما قاله الحبيب صلى الله عليه وسلم:" طوبى لمن قتلهم
وقتلوه ".
وإنا نطالب المخلصين المغرر بهم، الذين لا يزالون مع هذه الفرقة
الضالة .. أن يفكوا ارتباطهم بها .. ويعلنوا عن براءتهم منها ومن أفعالها ..
ويلتحقوا بمن شاؤوا من الكتائب الشاميّة المجاهدة .. إذ لا يجوز لهم البقاء مع هذه
الجماعة .. أو القتال معها .. أو تكثير سوادها في شيء.
أما الأخوة المهاجرون فهم منا ونحن منهم .. لنا ما لهم، وعلينا ما
عليهم .. فإن أبى بعضهم إلا أن يقف في صف " داعش " الباغية الغالية
الضالة .. يكثر سوادها، ويقاتل معها ضد أهل الشام ومجاهديهم .. فحينئذٍ يأخذ حكمهم
.. ويُعامل معاملتهم .. ولا يلومُنَّ إلا
أنفسهم، وفي الحديث:" من كثّر سواد قوم فهو منهم ".
ولا يُلبّسَنّ على أحدهم إبليس فيظن في قتاله مع داعش أنه يُقاتل في
سبيل الله .. فالقتال لا يكون قتالاً في سبيل الله إلا إذا كان خالصاً لله تعالى،
ومشروعاً موافقاً للسنَّة، أما من قاتل على البدعة والأهواء .. كقتال الخوارج
وغيرهم من أهل الأهواء .. فهو في النار مهما زعم أنه يقاتل في سبيل الله أو أنه مخلص
في قتاله، يبتغي وجه الله!
وفي الختام: لأهل الشام وعلمائهم ومجاهديهم طلب ورجاء من الشيخ أيمن
الظواهري .. في أن يقول كلمته في هؤلاء الغلاة السفهاء .. الذين ظلوا دهراً
يقتاتون باسمه واسم جماعته .. وأن يخذّل عن الشام وأهل الشام وثورتهم ما استطاع ..
وأن يفك ارتباط مجاهدي الشام من أي مسمّى حزبي محدَث يجلب الضرر للشام، ويؤلّب مزيداً
من الأعداء على أهل الشام ومجاهديهم ..
في وقت لم تُحسم بعد المعركة مع طاغية الشام، وحزبه، وعسكره، وحلفائه من الروافض
الأشرار .. وهو لو فعل ذلك سيكون محل تقدير كبير من أهل الشام وعلمائهم ..
ومجاهديهم .. ونحن لا نظن بحكمة الشيخ إلا خيراً .. سائلين الله تعالى أن يرينا
وإياه الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .. اللهم آمين ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد المنعم مصطفى حليمة
أبو بصير الطرطوسي
13/3/1435 هـ. 15/1/2014 م.