بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد
لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد استُوقِفتُ على بيان لجماعة"جند الأقصى"،
الصادر بتاريخ 23/10/2015، والذي يُعلنون فيه عن خروجهم من جيش الفتح .. فلاحظت في
البيان التناقض، والقول بالشيء وضده في آنٍ معاً .. وقد ناشدوا في بيانهم هذا
العلماء بأن لا يبخلوا عليهم بالنصح والتوجيه .. ونزولاً عند طلبهم ورغبتهم نخط
هذه الكلمات، عسى أن تجد عندهم ــ أو عند بعضهم ــ أذناً صاغية، وقلوباً واعية ..
وما توفيقي إلا بالله.
1- استفتحوا بيانهم بذكر النصوص والأدلة الدالة على وجوب
الاتحاد والاعتصام، وبيان خطر التفرق والاختلاف .. ثم قالوا: "إن شرّ ما بليت
به الأمة تفرقها واختلافها".
ثم هم في نفس البيان يعلنون عن شقّ الصف .. وتفريق الكلمة ..
وخروجهم من جيش الفتح، لأسباب واهية .. لا ترقى ولا تزيد عن كونها من سوء الظن ..
والظن لا يغني من الحق شيئاً .. ومن حق المسلم على المسلم أن يُحسّن به الظن!
فكيف ينسجم هذا مع ذاك .. وكيف يمكن التوفيق بينهما؟!
2- أنكروا على الخوارج الدواعش غلوهم، وظلمهم، وتكفيرهم
للمسلمين، واستباحتهم للدماء بغير حق، وتسفيههم للعلماء .. ثم هم ــ جند الأقصى ــ
يأتون بنفس المقدمات والاطلاقات التي وقع فيها الخوارج الدواعش، والتي انتهت بهم
إلى الغلو في التكفير، وسفك الدم الحرام .. وتفريق الصف!
فقالوا: "تأييد بعض الفصائل في جيش الفتح للمشاريع
المصادمة للشريعة الإسلامية"!
وهذا تكفير صريح لتلك الفصائل التي لم يذكروا اسمها على وجه
التحديد .. يعطي المسوغ للغلاة منهم ومن غيرهم على قتالها، وعلى سفك الدم الحرام
.. وهو نفس أسلوب الخوارج الدواعش عندما بدأت في قتال الفصائل الشامية المجاهدة!
ينكرون على الغلاة غلوهم، وظلمهم، واستباحتهم للدماء .. ثم
يأتون بنفس إطلاقاتهم وأحكامهم، ومقدماتهم .. والتي توصل إلى ما وصل وانتهى إليه
الخوارج الغلاة ... فكيف التوفيق يا جند الأقصى؟!
3- ثم ما هي هذه المشاريع المصادمة للشريعة الإسلامية ...؟!
فكل ما ذكروه عن هذه المشاريع المصادمة للشريعة الإسلامية ..
والتي كانت سبباً في ترك جيش الفتح، وشق الصف .. لا يخرج عن الأوصاف التالية:
"التدليس .. وسوء الظن .. والجهل"!
فقالوا: "التوقيع على بيان ديمستورا الأخير"!
والصواب أن جميع الفصائل أصدرت بياناً تحت عنوان" بيان
رفض خطة ديمستورا"، فكيف أصبح رفض خطة ديمستورا .. هو موافقة على خطة وبيان
ديمستورا ؟!
وهل مجرد كتابة بيان برفض خطة ديمستورا .. أصبح هذا عندكم ــ
يا جند الأقصى ــ تأييد للمشاريع المصادمة للشريعة الإسلامية؟!
كم هي الدماء التي تُسفك بغير حق .. وكم هي المظالم والأخطاء
التي تُرتكب باسم الشريعة الإسلامية .. والشريعة الإسلامية من ذلك براء .. ولا حول
ولا قوة إلا بالله!
يشقون الصفَّ، ويفرقون الكلمة، ويُضعِفون الشوكة، ويشمّتون
الأعداء بالمسلمين .. ثم يقولون: فعلنا ذلك من أجل الشريعة .. وتحكيم الشريعة ...
والشريعة بريئة من صنيعهم هذا براءة الذئب من دم يوسف!
قالوا ــ وهذا من جملة المشاريع المصادمة للشريعة الإسلامية
ــ: "الترحيب بالتدخل التركي، والخطابات الانهزامية"!
وأنا هنا لا أريد أن أناقش من جديد مسألة الاستعانة بتركيا
على فرض منطقة آمنة في سوريا يأمن فيها المستضعفون ــ رغم أن الفكرة لم يحصل شيء
منها في الواقع وعلى الأرض ــ وإنما أذكّر
جند الأقصى بما قالوه في بيانهم وهم يناشدون علماء الأمة: "نحن في جند الأقصى
لا نقطع أمراً دونكم بإذن الله، ونمد أيدينا لكم فلا تبخلوا علينا بالنصح والتوجيه"!
وأنا أقول لهم: ها هم جميع علماء الأمة، وبخاصة منهم علماء
الشام .. ممثلين بالمجلس الإسلامي السوري، ومجلس شورى علماء الشام، وغيرهم .. وهم
بالمئات .. كلهم قد باركوا ووافقوا على التدخل والمساعدة التركية .. ألا يسعكم ما
وسعهم؟!
لكنكم أبيتم إلا أن تعارضوهم، وتخونوهم، وترموهم بسوء الظن،
والانبطاح .. وأنهم قد أيدوا مشاريع مصادمة للشريعة، وغير ذلك .. فكيف نوفق بين
قولكم في البيان الوارد أعلاه ــ بأنكم لن تقطعوا أمراً من دون العلماء، وأنكم
تبعاً لهم ــ وبين موقفكم هذا الطاعن والمشكك بعلماء الأمة، وعلماء الشام ..؟!
أم أنكم تريدون علماء على مقاسكم .. يدورون مع أهوائكم،
ورغباتكم، وفهمكم الخاطئ، وما تريدون ــ على طريقة الخوارج الدواعش ــ فإن وافقوكم
وما تريدون .. فهم العلماء الأعلام، وورثة الأنبياء .. وإن خالفوكم ونصحوكم ..
وبينوا خطأكم .. وأين الصواب مما أنتم فيه .. تبرأتم منهم .. وخونتموهم .. وأسأتم
بهم الظن، ورميتموهم بكل ما هو مشين؟!
4- قالوا: "وأما دفع صيالهم ــ أي صيال الخوارج الدواعش
ــ في المناطق التي نتواجد فيها فهو حق مشروع لنا، فسندفع صيالهم عن أنفسنا وعن
المسلمين، وهذا واجب شرعي لا مناص منه"!
أقول: دفع صيالهم وعدوانهم في مناطقكم وأماكن تواجدكم .. حق
وواجب شرعي .. بينما دفع صيالهم وعدوانهم عن المسلمين .. في غير أماكن تواجدكم ..
حرام لا يجوز .. وتنكرون أشد الإنكار على من يستنجد بكم، ويطالبكم برد صيال وعدوان
الخوارج الدواعش عن المسلمين في المناطق الأخرى؟!
أهكذا يكون حق المسلم على المسلم .. وهكذا تؤدى حقوق الأخوة؟!
إذا كان المسلم في أماكن تواجدكم نصرتموه .. ودافعتم عنه وعن
حرماته .. وإن كان في غير مناطقكم تركتموه، وأسلمتموه للقتل والظلم والعدوان ..
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يُسْلِمْه"البخاري.
أي لا يُسلِمْه للظلم والقهر والعدوان!
ثم ما بالكم .. من جهة ترفضون الحديث عن حدود سايكس بيكو ..
ومن جهة نراكم تتحدثون عن مناطقكم .. ومناطقنا .. ومناطقهم .. وقريتنا .. وقريتهم
.. وقريتكم؟!
5- اشترطوا لرجوعهم إلى جيش الفتح: "إصدار بيان باسم جيش
الفتح بقتال الأمريكان والروس، ومن ناصرهم".
وأنا هنا لا أريد أن أكرر خطأ تذعير العالَم كله على الشام،
وأهل الشام .. على ما هم فيه من استضعاف .. بينما هم العدو الأساس والمباشر لهم لم
يحسموا المعركة معه بعد .. فهذا المعنى قد أشرت إليه مراراً، مع ذكر أدلة النقل
والعقل، التي تبين خطأ وبطلان هذا التصور والعمل!
وإنما أريد الإشارة إلى عبارة، وقولهم" ومن ناصرهم"؛
لأن وراء الأكَمَةِ ما وراءها ..!
من هم الذين يناصرون الأمريكان .. ومن الذي يحدد ــ ويحق له
أن يحدد ــ الذين يناصروهم .. وما هو الميزان والضابط الذي على أساسه، يُقال لطرف
من الأطراف أنه قد ناصر الأمريكان أو لم يناصرهم .. فهذا وغيره .. تُرك مفتوحاً من
غير تحديد .. لتتاح الفرصة للغلاة أن يُعملوا سوء الظن، والشبهات في رمي كل من
يخالفهم .. ولأدنى شبهة .. بأنهم أعوان وأنصار أمريكا .. لتأتي بعد ذلك مرحلة سفك
الدم الحرام!
على طريقة" جند الأقصى"، وحديثها عن أنصار وأتباع
المشاريع المصادمة للشريعة الإسلامية .. والأدلة التي اعتمدتها في ذلك .. واتباعها
الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً .. قد تخرج بنتيجة أن الشعب السوري كله .. وجميع
الفصائل المجاهدة في الشام هم أنصار الأمريكان .. وبالتالي لا بد من التوقيع على
قتال جميع هذه الفصائل .. وحاضنتها من أهالي ومسلمي الشام!
في الوقت الذي تمتنع فيه جماعة جند الأقصى عن قتال الخوارج
الدواعش الذين حصل الإجماع على ضرورة قتالهم ورد عاديتهم، وصيالهم .. فإنها تحرّض
.. وتتجرّأ .. وتطالب الآخرين على التوقيع على قتال بقية الفصائل المجاهدة الشامية
.. تحت عنوان ووهم" أنصار الأمريكان"، التهمة الجاهزة والأسهل لتبرير
جرائم وعدوان الغُلاة!
6- قالوا: "في حال حدوث خلاف بين فصائل جيش الفتح، يرفع
الأمر إلى علماء الأمة للفصل فيه".
أقول: ها قد حصل خلاف بينكم وبين جيش الفتح .. وقد اتخذتم
قراراً من طرفكم بالخروج، وشق الصف .. لأسباب واهية لا تتعدى سوء الظن بإخوانكم ..
من دون أن ترجعوا أو ترفعوا الأمر إلى علماء الأمة .. وعلماء الشام منهم بخاصة!
إلا إذا كان لكم علماء نحن لا نعرفهم .. يسكنون كوكباً غير
كوكبنا!
7- يا جند الأقصى .. إن كان يهمكم رأي علماء الأمة كما تقولون
.. فها أنذا أنقل إليكم رأي وقول علماء الأمة، وبخاصة منهم علماء الشام: بيانكم
هذا .. وخروجكم من جيش الفتح .. وسوء ظنكم بإخوانكم .. وفي هذه الظروف الحرجة ..
هو بخلاف الشريعة الإسلامية .. تعاليم الشريعة الإسلامية منه براء .. وهو لا يخدم
ولا يُفرِح إلا اثنين: النظام النصيري ومن والاه من الروافض والقوى الإقليمية
والدولية .. والخوارج الدواعش .. وهذا كافٍ لكم لأن تراجعوا موقفكم، وأن تتقوا
الله في الشام، وأهل الشام .. وأن تحسنوا الظن بإخوانكم .. ومن دون أي شرط.
عبد
المنعم مصطفى حليمة
"
أبو بصير الطرطوسي"
26/10/2015
www.abubaseer.bizland.com