طريقة الخوارج الدواعش في القتال ــ كما
ذكرنا من قبل ــ أنهم يُقاتلون جميع الكفار والمشركين في جميع أنحاء الأرض .. ومن
يدخلوهم من المسلمين بأهوائهم في خانة وزمرة المشركين، وهم كل من خالفهم ولا يرى
رأيهم .. فيفتحون جبهات قتال مع الجميع، ومن دون استثناء أحد .. وهم في كل مرة ــ
وكلما أنكر عليهم مُنكِر ــ لا ينسون أن يستدلوا على منهجهم الخاطئ والفاسد هذا ..
وعلى من ينكر عليهم .. بالآية الكريمة: [وَقَاتِلُواْ
الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً]؛ قالوا: أي قاتلوا جميع المشركين والكافرين في
العالَم، كل العالَم، ومن دون استثناء .. فاختزلوا آيات وأحكام الجهاد في هذه
الآية الكريمة، وفي فهمهم الخاطئ لهذه الآية ..!
بينما المراد من الآية الكريمة خلاف ما
ذهبوا إليه وفهموه، فالمراد من قوله تعالى: [وَقَاتِلُواْ
الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً] التوبة:36. أي
قاتلوهم جميعكم مجتمعين غير مختلفين ولا متفرقين، كما يقاتلونكم جميعهم، مجتمعين
غير مختلفين، ولا متفرقين .. وبهذا قال أهل العلم والتفسير.
قال ابن كثير في التفسير: وقوله: [وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً] أي جميعكم. [كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً]أي جميعهم .. ويكون
من باب التهييج والتحضيض؛ أي كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضاً
لهم إذا حاربتموهم، وقاتلوهم بنظير ما يفعلون ا- هـ.
وقال ابن جرير الطبري في التفسير: فإنه
يقول جل ثناؤه: وقاتلوا المشركين بالله، أيها المؤمنون، جميعًا غير مختلفين،
مؤتلفين غير متفرقين، كما يقاتلكم المشركون جميعًا، مجتمعين غير متفرقين ا- هـ.
وقد نقل ذلك عن ابن عباس، وقتادة.
لكن يُستبعد أن يكون المراد من الآية
الكريمة حمل جميع المؤمنين على القتال، على وجه التعيين ومن دون استثناء أحد ..
فلم يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في كل غزوة من غزواته أو من
الغزوات والسرايا التي أمر بها، يستنفر جميع المؤمنين للقتال .. كما لا يُعرف عن
الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين أنهم في جميع جهادهم وغزواتهم قد فعلوا
شيئاً من ذلك .. وكما قال تعالى: [وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ
مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] التوبة: 122.
فيكون المراد من الآية الكريمة الإغراء
والحض على التوحد، واجتماع الكلمة، وعدم التفرق عندما يعزمون على رد عدوان
المشركين .. وأن يُقابلوا المشركين بالمثل؛ فكما هم يجتمعون ويتوحدون ولا يتفرقون
عندما يعزمون على قتال المؤمنين، فكذلك على المؤمنين أن يتحدوا ويجتمعوا، ولا
يتفرقوا عندما يعزمون على قتالهم ورد عدوانهم .. وهو كقوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ
صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ]الصف:4.
قال القرطبي في التفسير: قال ابن عطية: لم
يعلم قط من شرع النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألزم الأمة جميعاً النفير، وإنما
معنى هذه الآية الحض على قتالهم والتحزب عليهم وجمع الكلمة، ثم قيدها بقول: [كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً]؛ فبحسب قتالهم
واجتماعهم لنا يكون فرض اجتماعنا لهم ا- هـ.
هذا هو المراد من الآية الكريمة .. لكن
يأبى السفهاء من حدثاء الأسنان إلا أن يسلطوا أفهامهم السّقيمة على كتاب الله
تعالى .. فيحملون آياته على غير مرادها، ويضعونها في غير موضعها .. ثم يحسبون أنهم
يُحسنون صنعاً!