س6: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم
"البخاري. فهل زمن النصر والتحرير الذي سيعقب المرحلة شر من هذه المرحلة، وهل
زمن النصر الذي حققه صلاح الدين الأيوبي رحمه الله شر من المرحلة التي سبقته، أم
كيف نفهم الحديث ؟ بارك الله فيكم.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين. الحديث لا يفيد أن كل جزئية في هذا الزمان، خير من كل
جزئية تقابلها في الزمان التالي، أو كل شخص في هذا الزمان خير من كل شخص في الزمان
التالي، وإنما يفيد أن مجموع هذا الزمان خير من مجموع الزمان الذي يليه.
ويُقال
كذلك: ليس كل زمن يتحقق فيه النصر أو شيء من النصر والخير، خير من الزمن الذي
قبله، فكم من نصر وخير جرّ بطراً وكبراً، وفسوقاً، ونسياناً، فيكون العهد الذي
قبله الذي يتسم بالشدة، ويخلو من تلك الانحرافات، خير من الزمن التالي الذي تحقق
فيه ذلك النصر أو الخير مع تلك الانحرافات، كما قال تعالى:
[تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ
أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ . قُلِ اللّهُ
يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ]
الأنعام:63 ــ 64. فهؤلاء في مرحلة الشدة وهم
يدعون الله تضرعاً وخُفية خير مما هم فيه بعد الظفر والفرج، والنجاة، من الشرك،
والفسوق، والنسيان.
ونحوه
قوله تعالى: [وَلَوْ
رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ
يَعْمَهُونَ] المؤمنون:75.
وهؤلاء في زمن الشدة قبل النصر والرحمة، خير مما هم فيه بعد النصر والخير والرحمة
الذي يعقبه أو يتخلله الطغيان والفجور والنسيان!
فالخيرية
لا تُقاس بزمن النصر والخير من عدمه، وإنما بزمن الاستقامة على الطريقة من عدمها،
والله تعالى أعلم.
قال
تعالى: [وَنَبْلُوكُم
بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً] الأنبياء:35.
وفي كثير من الأحيان يكون بلاء الخير والسعة والرخاء والظفر، أشد فتنة من بلاء
الشدة .. نسأل الله تعالى العفو والعافية.