GuidePedia

س5: كيف نفهم هذه الآية الكريمة: [وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ] الروم:55. حيث يحتج بها البعض على إنكار عذاب القبر، فيقولون:" هل مرَّت عليهم سنوات عذاب القبر ودهوره وكأنها ساعة واحدة، أم أنهم كانوا في حالة رُقاد وسُبات لا يدركون؟".
 الجواب: الحمد لله رب العالمين. قد دلّت أدلة الكتاب والسنّة، على أن عذاب القبر، وكذلك نعيمه حق لا مرية فيه، وقد أجمع على ذلك السلف الصالح، ولم يشذ عنهم في هذا الاعتقاد إلا أهل الأهواء والبدع، كالمعتزلة من قبل، وحزب التحرير في زماننا المعاصر، وهؤلاء لا يلتفت لهم فيما قد خالفوا فيه.
 أما كيف نفهم الآية الكريمة الواردة في السؤال، وكيف نوفق بينها وبين الأدلة الدالة على عذاب القبر ..؟
أقول: لا تعارض بينهما ولله الحمد، فالأدلة الدالة على عذاب القبر محكمة في ثبوتها ودلالاتها، وما يفيد التعارض في دلالته مع هذا المحكم، يُفهم ويُفسر على ضوء المحكم من الأدلة، وبيان ذلك، أن قولهم: [مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ] ؛ يشمل حياتهم في الدنيا قبل الممات، وفي القبر بعد الممات .. فإذا افترضنا ــ كما ورد في السؤال ــ أنهم كانوا في القبور " في حالة رُقاد وسُبات لا يدركون "، فهل كانوا في حياتهم الدنيا " في حالة رُقاد وسُبات لا يدركون " ..؟!
وهو كقوله تعالى: [قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ . قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ] المؤمنون:112ــ 113. فهم سُئلوا عن مكثهم في الحياة الدنيا ــ ولم يكونوا في رقاد ولا ثبات ــ فكان جوابهم [لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ] ، فأجابوا بما أجابوا به لشدة هول وعذاب جهنم، فأنساهم عيشهم، وكم عاشوا في الحياة الدنيا، وكذلك يُقال في عذاب القبر؛ لشدة الفارق بينه وبين عذاب جهنم، يعتبرون أنفسهم أنهم كانوا في قبورهم في رقاد، كما في قوله تعالى: [قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ] يس:52. وقد نُقل عن بعض السلف كابن عباس وغيره، أنه يتوقف عنهم عذاب القبر ما بين النفختين، فيكونون خلال هذه الفترة في رقاد، فلما بعثوا، وشاهدوا ما كانوا يجحدونه في الحياة الدنيا، يقولون مقولتهم: [يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا] .

يوضح هذا المعنى الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه:" يُؤتى بأنعمِ أَهلِ الدُّنيا من أَهلِ النَّارِ يومَ القيامةِ فيُصبغُ في النَّارِ صبغةً ثمَّ يقالُ يا ابنَ آدمَ هل رأيتَ خيرًا قطُّ، هل مرَّ بِك نعيمٌ قطُّ فيقولُ لا واللَّهِ يا ربِّ ". فهذا رغم أنه كان أنعم أهل الأرض من أهل النار، إلا أنه عندما يشاهد عذاب جهنم، ويُغمس فيها غمسة واحدة، ينسى ما كان فيه من نعيم، ويقول: ما رأيت في حياتي خيراً، ولا نعيماً قط .. فهذا كذاك؛ فهذا أنسته أهوال يوم القيامة ما كان فيه من نعيم، وذاك أنسته كم مكث في الأرض عدد سنين. 

 
Top