GuidePedia

0
       النَّظرة للقوى الدولية ــ في كثيرٍ من الأحيان ــ تتسم بالإفراط أو التّفريط، فريق يرى أن لا إرادة للشعوب، ولا للدول الصغرى، مقابل إرادة الدول العظمى، وأنه لا يمكن أن يمضي شيء في الأرض ذو بال إلا فيما تشاؤه وتريده الدول العظمى، أصحاب الفيتو .. فأنزلوها منزل القضاء والقدر والعياذ بالله .. وفريق آخر مقابل تراه يجنح للتفريط؛ لا يُقيم لهذه الدول اعتباراً ولا وزناً، ويتصرف وكأنها لا شيء، وغير موجودة أمامه .. وكلا الفريقين لم يوفقا للصواب، الفريق الأول: أوقع الأمة في الشّلل، واليأس والقنوط، والاستسلام. والفريق الآخر: يتسبب للأمة بالدمار، والهلاك، وهو يحسب أنه يُحسن صنعاً .. والحق الوسط الذي نراه في هذه المسألة؛ أن هذه الدول الكبرى لها وجودها وأثرها على الدول والشعوب، وأنها تجتهد أن يكون لها وجود وأثر وموطأ قدم في كل حراك، وموقع هام .. لكنها ليست كل شيء، أو بيدها كل شيء .. أو قادرة على كل شيء .. كما أنها لا تستطيع أن تقف عقبة أمام إرادة الشعوب الحرة في التغيير والنهوض، لو كانت هذه الشعوب متماسكة صفوفها، متحدة كلمتها وأهدافها، تعرف ما لها وما عليها.
       نعم هذه الدول، وغيرها، قد تجد لها موطأ قدم وتأثير، في موطنٍ أهله متفرقون، متناحرون، مختلفون، متواكلون، تتنازعهم الأهواء، والمآرب!
       قوة العدو، وقدرته على التأثير والتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب، تأتي من جهة ضعفنا، وتواكلنا، وتفرقنا، وجهلنا، فهو قوي لأننا نحن ضعفاء .. وإنني لأخاف على أنفسنا من أخطائنا وتقصيرنا، أكثر مما أخاف من العدو .. ثم هذه الدول الكبرى مهما بلغت قوتها، وعلت، واستكبرت، فالله تعالى فوقها، وهو أقوى منها وأقدر .. يمضي فيها ــ وفي سائر خلقه ــ حكمه ومشيئته سبحانه .. ومن يأخذ بالأسباب قدر استطاعته ــ ولا يُطالَب بما لا يُستطاع ــ ثم يتوكل على الله حق التوكّل .. فالله تعالى حسبه .. وكافيه وناصره .. وله ركن شديد يأوي إليه، ما ليس لغيره .. فكم من دولة صغيرة ناشئة جمعت بين الأخذ بالأسباب الممكنة والمتاحة، وصدق التوكل على الله، فنصرها الله، وقامت وكبرت، وتمددت، وعلا شأنها رغم أنف قوى الدول العظمى، سواء من قبل لما كان العالم يخضع لدولتي الروم والفرس، أو في زماننا.
       قال تعالى:[ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ]آل عمران:160. [ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ]الحج:40. [ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ]المجادلة:21.

12/12/2018



إرسال تعليق

 
Top