بسم الله الرحمن الرحيم
بيان إلى بشار الأسد والطائفة النصيرية بخاصة، والعالم الإسلامي بعامة حول الأوضاع المستجدة في سورية
بيان إلى بشار الأسد والطائفة النصيرية بخاصة، والعالم الإسلامي بعامة حول الأوضاع المستجدة في سورية
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
بعد موت حافظ الأسد أخذ المحللون والمراقبون يتناولون الأوضاع المستجدة في سورية بين ناقد، وناصح، ومؤيد، ومعارض ..!
وقد جاءت أكثر الآراء تصب في ضرورة عودة سورية إلى الديمقراطية والحرية بعد عهد الديكتاتورية والقهر، واحترام إرادة الشعب في اختيار شخص الحاكم .. وضرورة تخلي النظام عن سياسته الطائفية القائمة على التمييز الطائفي بين الطائفة النصيرية القليلة العدد الحاكمة، وغيرها من الطوائف الموجودة في سورية والتي تمثل السواد الأعظم من الشعب السوري ..!
وبغض النظر عن مدى صحة هذه الآراء وفاعليتها في حل المشاكل القائمة في سورية، فإننا نقول: إن المشاكل والمزالق التي تعاني منها سورية ليست منحصرة في هذا الجانب وحسب، وإنما هناك جوانب أخرى هامة جداً لا يمكن إعماء العين عنها، أو تجاوزها إذا أردنا بحق أن تخرج سورية من مأزقها الحالي، وأن يعود لها دورها الريادي والقيادي في الأمة الذي كان لها من قبل، من أهم هذه الجوانب والمشاكل:
أولاً: الطائفة النصيرية الحاكمة: حيث يوجد شعور صائب عند جميع المسلمين السُّنَّة في سورية وخارجها أن النصيرية طائفة مارقة خارجة عن ملة الإسلام كلياً بناءً على ما تنطوي عليه هذه الطائفة من عقائد وأفكار خطيرة لا يمكن أن تُدرج بسببها كفرقة من فرق الإسلام التي يمكن الاعتراف بها أو التعايش معها؛ من ذلك قولهم: بألوهية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من البشر، وإنكارهم للبعث والنشور، والوعد والوعيد .. وقولهم بالتناسخ والحلول .. إضافة إلى جحودهم لأركان وفرائض الدين .. وتحليلهم للحرام المجمع عليه في الأمة .. وخضوعهم لنصوص ورموز وطقوس باطنية رهيبة .. وغير ذلك من الأقوال والاعتقادات الشركية التي تدرجها كطائفة باطنية مارقة عن الدين بإجماع جميع أهل العلم المتقدمين منهم والمتأخرين .. وهذه مسألة ليست محطة خلاف أو جدال بين أهل العلم المعتبرين .
ومما يجعل المسلمين يصدقون أكثر بكفر وزندقة هذه الطائفة: هذا التاريخ المديد للطائفة الحافل بالحرب والمكر والطغيان ضد الإسلام والمسلمين، فهم لا يُعرف عنهم، ولا يُرى منهم إلا العداء الصريح للإسلام والمسلمين .. يشهد بذلك تدميرهم للمساجد في مدينة حماه وغيرها من المدن، وقتلهم وسجنهم ومطاردتهم للآلاف من الشباب المسلم بسبب انتمائهم لهذا الدين بحق، أو ظهور بعض علامات التدين عليهم .. ولا يزال إلى يومنا هذا عشرات الآلاف من المسلمين قابعين في سجون القهر والتعذيب كتدمر وغيره !!
إضافة إلى ذلك فإنك لا تستطيع على امتداد الجبال النصيرية في سورية أن تجد رجلاً واحداً قد حج بيت الله الحرام .. أو يقيم الصلوات الخمس كما يقيمها المسلمون .. أو يصوم شهر رمضان .. بل هي خاوية تماماً من المساجد التي يُرفع فيها الأذان أو تقام فيها الصلوات ..!
فإن قيل هذا مسجد ناعسة في القرداحة .. فكيف تفسرون ذلك ؟
نقول: بُني هذا المسجد لأهداف سياسية بحتة بدليل أن هذا المسجد منذ أن أُسس لم يُفتح إلا ثلاث مرات: مرةً لما ماتت صاحبته ناعسة أم حافظ الأسد، ومرة لما مات باسل الأسد، وأخيراً لما مات حافظ الأسد .. من أجل الصلاة عليهم !!
لذا فإننا نقول ناصحين ومشفقين وجادين: إذا أرادت هذه الطائفة ـ ممثلة في قياداتها الدينية والسياسية وجميع أبنائها وشبابها ـ أن تعيش بأمان وسلام، وعزة وكرامة مع المسلمين كل المسلمين في سورية وخارجها، وأن تعود إلى الجسد الأم كجزء لا يتجزأ عن الأمة، لا بد لها من أن تعلن ـ على الملأ ـ براءتها من عقائدهم وأفكارهم الباطنية الباطلة والمنحرفة، ومن تحالفاتهم المشبوهة مع أعداء الأمة، وأن يدخلوا في سلم الإسلام كافة، ظاهراً وباطناً .. فإن التوبة قبل القدرة تجبُّ ما قبلها وهي أصدق في الدلالة على التراجع عن الباطل، وهي أنفع لهم من التوبة بعد القدرة وسطوة السيف.
أيها النصيريون: لا يمكن للأمة أن تقبلكم كجزءٍ منها ومن أبنائها، لكم ما لهم، وعليكم ما عليهم من الحقوق والواجبات ـ وأنتم على ما أنتم عليه ـ إلا بعد أن تعلنوا التوبة والبراءة مما أنتم عليه من كفر وباطل وانحراف .. وتثبتوا ـ بالقول والعمل ـ أنكم لستم ضد الأمة ولا ضد دينها وثوابتها .. وهذه حقيقة لا ينبغي أن يصدكم عنها ما أنتم عليه في هذه الأيام من قوة وطغيان، فالتاريخ ليس كله لكم، والزمن إن أسعفكم يوماً، فبقية الأيام ليست كلها لكم، ولو كانت ستدوم لكم لدامت لغيركم من الطواغيت والجبابرة الظالمين الذين هلكوا من قبلكم .
فاعتبر يا بشار بأبيك وما نزل به، ولا تظنن أنك ستبلغ من الملك والرياسة أكثر مما بلغ أبوك أو مثله .. فها هو بعد ثلاثين عاماً من الحكم قضاها في الظلم والطغيان .. جعل من نفسه نداً لله عز وجل في كثير من خصائصه وصفاته .. إلى أن وصل كذب وضلال الناس وفتنتهم به أن يقولوا له: إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الأسد .. وكأنه لن يموت ؟!!
يا الله حلَّك حلَّك يجلس حافظ محلك ..؟!!!!
وكان يسمع ذلك منهم .. فما يزيده ذلك إلا كفراً وطغياناً وكبراً !!
لكن أين أبوك الآن .. وأين الله جل جلاله ، وأين الإسلام، وأمة الإسلام ..؟!
ماذا نفعه ظلمه وجبروته .. ماذا أخذ معه من ملكه وسلطانه وجنده .. إنه كفنه وحسب ليقف منفرداً أمام أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، فيحاسبه على ما فرط بحق نفسه وحق شعبه وأمته .
ما نزل بأبيك نرجو أن تكون فيه كامل العبرة لك ولطائفتك، تحملكم جميعاً بجد على التفكير بعواقب الأمور في الدنيا والآخرة ..
لا تغرنكم هتافات الشعوب الضالة والمقهورة، ولا نفاق المنافقين المتزلفين .. فمن يقول لكم غير ذلك فهو غاش لكم، ولا يمكن أن يكون ناصحاً، وهو لا يريد لكم الخير ولا البقاء ..!
إنكم اليوم تُجْرون الصلح ـ منفردين وبعيدين عن إرادة الأمة ـ مع اليهود ودولة إسرائيل .. فهلاَّ اصطلحتم أولاً مع الله سبحانه وتعالى ودخلتم في دينه وعبادته بصدق وإخلاص ..؟!
هلاَّ اصطلحتم مع أهل السنة في بلدكم، واعتذرتم لهم عما بدر منكم نحوهم من ظلم واعتداءات، وانتهاكات للحرمات .. قبل أن تصطلحوا مع اليهود ودولة إسرائيل ..؟!
فأيهما أولى بالصلح والسلام ..؟!!
وأيهما نفعه أقرب وأدوم لكم ..؟!!
أليس فيكم اليوم رجل رشيد قبل حلول ساعة الندم، ولات حين مندم ..؟!!
ثانياً: قد أفرزت فترة حكم الطاغية حافظ الأسد في المجتمع السوري تورمات سرطانية خطيرة لا بد من استئصالها وإزالتها، إن أردنا لسورية الشفاء وأن تعود لها عافيتها، ويعود لها دورها الريادي والقيادي .
من هذه التورمات السرطانية حزب البعث وغيره من الأحزاب العلمانية الملحدة التي ناصبت الإسلام والمسلمين الحرب والعداء طيلة فترة وجودها .. هذه الأحزاب التي طالما كانت عقبة كؤوداً أمام حركة الإسلام وانتشاره .. تمنع عودة العباد إلى دينهم وربهم !
لذلك نجد أن حافظ الأسد ومعه طائفته قد استغلوا هذه الأحزاب كغطاء سياسي لمحاربة الإسلام والمسلمين، وتمرير مخططاتهم ومآربهم ..!!
ثم أن هذه الأحزاب قد أُعطيت الفرصة الكافية لتظهر ما عندها، ويُعرف خيرها من شرها .. فما عُرف عنها إلا الشر، والفساد، والدمار للبلاد والعباد ..!
لذا نرى من السلامة أن تزول ـ غير مأسوفٍ عليها ـ قبل أن تُزال ..!
والقول بخلاف ذلك هو من قبيل إعطاء المسكنات التي لا تزيد المرض العضال إلا قوة واستفحالاً .. وهو لا يمكن أن يكون علاجاً يحسم أصل الفساد والمرض.
ثالثاً: لقد نجم عن هذه التورمات السرطانية الآنفة الذكر تسلط فئة من اللصوص الساقطين المنافقين المرتدين .. على مقدرات البلاد والعباد، فكان لهم أسوأ الأثر على سورية وعلى جميع المستويات الداخلي منها والخارجي !
وهؤلاء كذلك ـ عند الحديث عن سورية القوية المعافية ـ لا بد أن يُزالوا بعد أن يأخذوا قصاصهم العادل .. ويحاسبوا على ما فرطوا بحق الأمة والشعوب .
رابعاً: ما تقدم هو كائن ـ بإذن الله ـ لا محالة ولو بعد حين؛ فإن سورية الشام لا بد أن يعود لها دورها المشرِّف في قيادة الأمة ونصرة هذا الدين وإعلاء كلمته .. ولكي يتحقق ذلك كله لا بد أولاً من أن يتقدم ذلك عملية استئصال للفساد من جذوره وأصوله، لتزول مادته عن موقع التأثير وإصدار القرار .
وهذا ليس من قبيل الظن أو الضرب بالغيب من غير علم، بل الأحاديث النبوية الصادقة هي التي نطقت بذلك، ودلت عليه .
قال صلى الله عليه وسلم :" إن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله "، أي أن الله تعالى قد تكفل لنبيه صلى الله عليه وسلم بنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته بالشام وأهله، ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم:" لن تبرح هذه الأمة منصورين أينما توجهوا لا يضرهم من خذلهم من الناس حتى يأتي أمر الله، وهم بالشام ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ". وغرب المدينة هي الشام .
وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" يا طوبى للشام، يا طوبى للشام، يا طوبى للشام، قالوا يا رسول الله وبم ذلك ؟ قال: تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" هل تدرون ما يقول الله عز وجل بالشام ؟ يقول: أنت صفوتي من بلادي أُدخل فيك خيرتي من عبادي .. ورأيت ليلة أُسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة . قلت: ما تحملون ؟ قالوا: نحمل عمود الإسلام، أُمرنا أن نضعه بالشام ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" فسطاط المسلمين ـ أي مدينتهم ـ يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق، من خير مدائن الشام ".
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم:" يوم الملحمة الكبرى، فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذٍ ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي أكرم العرب فرساً، وأجودهم سلاحاً يؤيد الله بهم الدين ". وهذه الأحاديث كلها صحيحة ولله الحمد ـ قد صححها أهل العلم والحديث ـ وهي قليل من كثير مما قيل في فضائل الشام وأهله[[1]].
وما جاء فيها من أخبار ستتحقق ـ ولو بعد حين ـ بإذن الله، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم ما كذَب أمته قط، حاشاه وهو الصادق الأمين ..
والشاهد مما تقدم أن الخير بدلالة النص سيعود للشام، وأن الخير ـ رغم كيد الكائدين ـ باقٍ في الشام .. وأن الشام سيعود إليها دورها في استئصال مادة الشر والفساد، ونصرة دين الله وإعلاء كلمته في الأرض.
وأن حكم الطائفة النصيرية ما هو إلا عبارة عن غيمة سوداء ستزول ـ بإذن الله ـ عن سماء الشام، وها قد بدأ أفولها ..
فسنوات حكم النظام النصيري الطائفي في بلاد الشام لا شيء بالنسبة للامتداد الزمني لتاريخ ومستقبل بلاد الشام الحافل بالكرامات والبطولات .. ) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (. ) وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (، ويخزي الظلم والظالمين، والكفر والكافرين ..
فإن قيل ـ ولا بد أن يُقال ـ أنتم تعظون قوماً عُرفوا بكفرهم المغلظ والمركب، وبعدائهم القديم للأمة وثوابتها .. فهل تطمعون بتوبتهم وإيابهم إلى الحق والجماعة ؟!!
نقول: نعرف ذلك، وما عُرفوا به من كفر مغلظ لا يمنع من نصحهم ووعظهم من باب إنذارهم سوء العاقبة، والإعذار إلى الله تعالى ولعلهم يتقون .. والله تعالى يهدي من يشاء.
كما قال تعالى:} وإذْ قالت أمةٌ منهم لِمَ تعظون قوماً الله مُهلِكُهُم أو معذِّبُهم عذاباً شديداً قالوا معذِرةً إلى ربِّكُم ولعلَّهم يتقون {. والحمد لله رب العالمين.
15/ ربيع الأول/ 1421 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
17/6/2000م. " أبو بصير الطرطوسي "