بسم الله الرحمن الرحيم
أظهر حكام العرب جميعهم ومن دون استثناء ـ تجاه ما يجري في هذه الأيام من جرائم وحرب إبادة ترتكب بحق أهالينا وإخواننا في فلسطين ـ عجزاً مخزياً يدل على مدى جبنهم وتخاذلهم وعمالتهم ..!
أظهروا عجزاً .. يدل على أن معاني الغيرة .. والإحساس .. والحياء .. قد ماتت في نفوسهم، ومنذ زمن بعيد ..!
أظهروا عجزاً .. يدل أنهم ليسوا من أبناء هذه الأمة .. يألمون لمصابها .. ويُسرون لسرائها ..!
أظهروا عجزاً .. يدل أنهم لا يهمهم من شؤون الحكم والملك شيء سوى إشباع شهواتهم وغرائزهم .. والحفاظ على عروشهم وحكمهم .. ومخصصاتهم المفتوحة .. وتنفيذ مخططات أعداء الأمة الهدامة في الأمة ..!
الويل كل الويل لمن يفكر من الشعوب بالخروج عليهم .. أو مجرد النقد والاعتراض .. أو حتى التظاهر للإعراب عن التضامن لما يجري لأهل فلسطين .. فالجيوش المعدة لحماية العروش العفنة .. والدبابات .. والراجمات .. سرعان ما تنزل إلى الشوارع لتقوم بواجبها الوطني ـ وبكل حماسة ورجولة! ـ في الذود عن الأوثان .. وأنظمتهم الكافرة العميلة!
لا يتورعون .. من أجل عروشهم .. من أن يبيدوا شعباً بكامله .. وأن يتكلموا عن قبضتهم الحديدية .. وقوتهم التي لا تُقهر ..!!
بينما من أجل الذود عن الأمة وحرماتها، ومقدساتها .. التي تُنتهك على أيدي يهود .. تراهم يتكلمون بمنطق العجزة الذين لا يملكون قوة على الحراك أو فعل أي شيء ..؟!
أسود متوحشة ومفترسة على شعوبهم .. بينما تراهم أرانب ونعاج على أعداء الأمة .. مع تسجيل الاعتذار للأرانب والنعاج؛ لأنها أحياناً تدافع عن أفراخها وأعشاشها ..!!
اليهود يقومون بمزيد من حروب الإبادة والتقتيل والتشريد .. وارتكاب كل ما هو محظور بحق الآمنين الفلسطينيين .. وحكام العرب يُقابلون ذلك بمزيدٍ من الاستسلام، والانبطاح، والتطبيع مع بني يهود .. ومد جسور التفاهم والتعاون .. تحت ذريعة العجز .. وفرض الأمر
الواقع .. وأنهم لا يقدرون على فعل شيء!!
يموت طاغية منهم .. فتُجبر جميع المدن والمحافظات ـ ولمدة أربعين يوماً! ـ على الخروج في مسيرات ومظاهرات .. لتعرب عن حدادها وحزنها على فراق القائد الملهم ..!!
ويموت شعب بكامله .. فلا يتحرك لأجله ساكن .. وتُحظر المظاهرات والمسيرات .. والويل لمن يُظهر الحزن أو الحداد على الحرمات التي تنتهك على أيدي يهود ..!
والعجيب في الأمر أن لهؤلاء الطواغيت .. طائفة من الكتاب .. والمحللين السياسيين .. هم من بطانة الطاغوت .. باعوا أنفسهم ودينهم وآخرتهم بثمن بخس .. يتصدرون وسائل الإعلام .. يقومون بدور سحرة فرعون .. يبررون لهؤلاء الحكام عجزهم وضعفهم .. ويعملون ـ منذ زمن ـ على إقناع الشعوب على أننا ـ كعرب وحكومات عربية ـ لا نستطيع أن نفعل شيئاً أمام إرادة دولة يهود .. وما ترتكبه من مجازر وحرب إبادة بحق أبناء فلسطين ..!!
فإنهم يصورون للناس بأن اليهود يملكون مالا نملك .. وعندهم من المقومات والخصائص القتالية ما ليس عندنا .. وميزانيتهم تفوق ميزانيتنا .. وبالتالي من العبث والتهور أن نفكر بقتالهم .. أو بالرد على جرائمهم وإرهابهم بالقوة التي تردعهم عن المضي في غيهم وتجبرهم ..!!
يتذرعون بالمواثيق الدولية .. وضرورة احترامها ومراعاتها .. وغير ذلك من الأعذار التي توحي بها شياطينهم .. يحسبون أن ذلك نافعهم أو يخفي عمالتهم وخيانتهم!
ولهؤلاء الدجالين الذين جندوا أنفسهم وأقلامهم للجدال عن الطواغيت الخونة العملاء نقول: الأمة قد اجتمع فيها من خصال القوة والخير .. ومقومات النصر والسؤدد .. ما لم تجتمع لأمة غيرها .. ولكن لما تسلط عليها وعلى مقدراتها اللصوص .. والخونة والعملاء .. ظهرت بهذا المظهر المخزي .. الذي لم تعرفه الأمة من قبل!
ما الذي جعل ميزانية دويلة يهود .. تفوق ميزانية كثير من الدول العربية مجتمعة ..؟!
الجواب ـ يعرفه القاصي والداني، وهو لا يحتاج إلى دراسة العلوم السياسة أو الاقتصاد ـ هو: اللصوص .. والبطون التي لا تشبع .. المتسلطة على مقدرات البلاد والعباد .. تنهب من أموال الأمة ما تشاء .. من غير حسيب ولا رقيب من بشر ..!!
راجعوا حسابات كثير من حكام العرب .. تجدونها بمليارات الدولارات .. مودعة في بنوك يهود .. تكفي لإشباع ملايين الناس .. بينما شعوبهم تتضور فقراً وجوعاً وحرماناً!
تجدون من الحكام العرب من يحتل المرتبة الثانية أو الثالثة كأغنى أغنياء العالم .. أضف إلى ذلك حالات النهب والسلب الواسعة التي يقوم بها الحاشية المقربون من الحكام أو الحزب الحاكم .. لأجل ذلك نجد أن ميزانية دولة الصهاينة تزيد ميزانية عدد من الدول العربية مجتمعة!!
لماذا دويلة يهود ـ التي نصف جيشها من النساء! ـ تتفوق عسكرياً على كثير من جيوش العرب مجتمعة ..؟!!
الجواب: لأن جيش اليهود معد للقتال والدفاع عن دولتهم ومصالحهم .. وهو جاهز للحرب والقتال في أي وقت ولحظة .. وهو في جاهزية وتدريب مستمر .. بينما جيوش العرب معدة لحماية عروش الطواغيت من غضب وسخط شعوبهم المقهورة .. فقط .. فإذا ما داهمتها أي حرب خارجية .. سرعان ما يرفعون رايات الاستسلام والعجز ..!
جيش اليهود .. يتدرب على حروب الجبهات .. وكيف يغزو البلاد والعباد .. ليحقق لشعبه أطماعه وأهدافه .. بينما جيوش العرب تتدرب على كيفية قمع المظاهرات .. وإبادة أي تمرد داخلي على سلطة الطاغوت الحاكم ..!!
جيش يهود .. لا يدافع عن سلطة حاكم .. أو الحزب الحاكم .. فهو معد ليدافع عن الأمة اليهودية .. وعن مصالحها .. بينما جيوش العرب معدة للدفاع عن سلطة الحاكم .. و سلطة الحزب الحاكم فقط ..!
لأجل ذلك يظهر جيش يهود أنه أقوى من جيوش العرب ..!
منحت الأمة هؤلاء الحكام من عمرها ـ وهي مكرهة ـ أكثر من خمسين عاماً .. ماذا كنتم تفعلون .. أين الإعداد .. أين السلاح .. أين الكفاءات القتالية .. أين الروح الجهادية القتالية التي تربون الأجيال عليها .. لا شيء من ذلك .. إلا ما يصب في خدمة عروش وأنظمة الطواغيت ..!
مما يدل أنهم كذابون منافقون لا يريدون الجهاد ولا التحرير .. ) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (التوبة:46.
لو وجدت الإرادة الصادقة على التحرير .. لتحقق التحرير .. ومنذ زمن ..!
لو وجدت الإرادة الصادقة على النهوض والتقدم في جميع الميادين .. لكان لهذه الأمة السبق في كل الميادين ..!!
إذا توفرت الإرادة والعزيمة على التماس دروب النصر والرفعة والتمكين .. وتحررنا من عقدة الاعتذار بالعجز والاستضعاف .. أتت النتائج الكبار سهلة وهي مرغمة ..!
نملة .. يا عرب .. نملة .. يا جيوش العرب .. أضأل مخلوقات الله تحرس قومها .. من أكبر وأقوى جيش على مر التاريخ وإلى يوم القيامة .. إنه جيش سليمان!!
) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (النمل:18.
نملة .. لم يحملها ضعفها .. وضآلة جسمها على الاستخفاف بنفسها .. والتخلف عن القيام بدور حراسة بني قومها وجنسها .. من أضخم وأقوى جيش في العالم على الإطلاق ..؟!
أتكون هذه النملة ـ أضأل وأضعف مخلوقات الله ـ خيراً لبني جنسها .. منكم يا جيوش العرب لشعوبكم وبلادكم ..؟!
أتكون هذه النملة أعلى منكم همة واعتداداً بالنفس ..؟!!
لذا فإن تعذركم بالعجز والضعف .. مرفوض .. وهو ذنب .. بل أقبح من ذنب!
ثم نسأل: هل احترم الصهاينة اليهود العهود والمواثيق الدولية وغيرها .. حتى تعتذروا بضرورة احترام المواثيق والعهود الدولية المبرمة مع بني يهود ..!
كم من ميثاق وعهد يبرمونه ثم ـ طمعاً وشحاً ـ ينقضونه، ويفعلون خلافه .. أترون لهؤلاء عهداً وميثاقاً؟!
فإن قيل هل من سبيل الآن لإيقاف هذه المجازر التي تقوم بها عصابات يهود بحق الآمنين في فلسطين ..؟!
أقول: نعم، لو صدقوا، وتوفرت النية الصادقة لدى حكام العرب على إيقاف تلك المجازر التي تمارس بحق أهالينا في فلسطين ..!
ليجربوا فقط ـ ولو لشهر واحد ـ إيقاف ضخ البترول العربي لأمريكا .. ولغيرها من الدول الغربية التي تقف في صف وخندق دولة يهود .. ثم ليروا كيف تأتي النتائج على رؤوس عصابات يهود!
لم يحصل شيء من ذلك بعد .. ومع ذلك الرعب والخوف دب الحياة الأوربية .. خوفاً من انقطاع البترول أو رفع أسعاره بشكل كبير ..!!
لا نطالبهم بالحرب والقتال .. ولا نطالبهم بإرسال جيوشهم إلىجبهات القتال .. فليُحافظوا عليها منتشرة حول عروشهم وقصورهم ..!
لا نطالبهم بشيء من ذلك .. وإنما نطالبهم فقط بأن يفتحوا ثغرة صغيرة على الجبهات المحيطة بدولة يهود .. ليقوم المجاهدون الصادقون في جميع أنحاء العالم بواجبهم نحو تحرير فلسطين وأهل فلسطين من براثن واحتلال يهود ..!
ليخففوا الحراسة المشددة على الحدود .. ليقللوا من عدد كلاب الحراسة الأوفياء الرابضة على حدود دولة يهود .. ثم ليروا كيف ستأتي النتائج ..؟!
نطالبهم بأن يتوقفوا عن ملاحقة المجاهدين .. وعن محاربة الجهاد وأهله .. وأن يخلوا بين المجاهدين وعصابات بني يهود ..!
فقط لو فعلوا ذلك ـ ولن يفعلوا! ـ سيرون أن هالة جيش دويلة بني صهيون .. كانت عبارة عن وهم وخيال .. وأن جيشهم أوهن من بيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ..!
المشكلة ليست في السلاح .. ولا العدد والعدة .. وإنما بانعدام الإرادة والعزيمة، والرغبة الصادقة في الدفاع عن فلسطين .. وأهل فلسطين!
المشكلة تكمن في هؤلاء الطواغيت الجاثمين على مقدرات وطاقات الأمة .. الذين لا يرون من الحياة الدنيا إلا مصالحهم الذاتية .. وسلامة عروشهم .. ولو كان ذلك على حساب الشعوب بل والأمة برمتها!!
لذا فإني أصارح بني قومي القول .. وأقول لهم ناصحاً مشفقاً ومحذراً: ليس لكم خيار إلا واحداً من اثنين: إما الرضى بالأمر الواقع .. والاستسلام له .. والاستمرار فيه .. وهذا يعني الرضى بمزيدٍ من الذل والخنوع والظلم .. يعني الرضى بالكفر .. وبطواغيت الكفر ..!
يعني مزيداً من ضياع الدين، والمال، والأرض، والعرض ..!!
يعني مزيداً من التضحية بكل غال ونفيس على موائد وشهوات هؤلاء الطواغيت اللئام .. التي لا تقنع بحدٍّ من العطاء!
يعني مزيداً من التخلف، والتفرق، والضعف ..!!
يعني مزيداً من العبودية للعبيد .. مزيداً من القهر والعذاب!
يعني كلَّ هذا .. ولا تلوموا إلا أنفسكم ..!!
إما هذا .. وإما الرجوع إلى الله تعالى .. والخروج على هؤلاء الطواغيت الظالمين .. والتحرر من أغلال الخوف والجبن .. وإراحة الأمة من أوثان طالما مُجدت في الباطل .. هذا إن أردتم بحق أن تعود للأمة عزتها وكرامتها .. وقوتها .. ويعود لها دورها الريادي المتقدم من بين الأمم الأخرى ..!!
لا بد من ولوج هذا الطريق مهما بدت تكاليفه .. وتعاظمت تضحياته .. هذا إن أردتم بحق أن تتحرروا من تلك الضرائب الباهظة التي تقدمونها ـ وأنتم كارهون ـ على موائد شهوات وأهواء الطواغيت الظالمين ..!
لا بد من مخاض وآلام .. وتضحية .. وفداء ودماء .. إن أردتم بحق السلامة والنجاة .. وأردتم لهذه الأمة أن تنهض من جديد ..!
أعلم أن هذا الخيار خيار صعب .. ومُكلف .. ولكن مهما قيل في تكاليفه فإنها لا يمكن أن تساوي أو ترقى إلى درجة تكاليف الخيار الأول؛ خيار الركون إلى الطواغيت الخونة العملاء .. والرضى بهم وبأنظمتهم الكافرة!
أعلم أن هذا الخيار خيار صعب .. وشاق .. لا تستهويه ذوي النفوس الضعيفة التي استمرأت الذل والسكوت عن الظالمين .. لكن لا بد من ولوجه وعبوره ولو بعد حين ) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (غافر:44.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
25/1/1423هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
7/4/2002 م. أبو بصير