GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبي بعده، وبعد.
          فقد استوقفتني هذه الظاهرة التي يلجأ إليها بعض الشباب، في بعض الأقطار العربية، كتعبيرٍ منهم عن رفضهم لظلم طغاة الحكم، واستئثارهم بالثروات لأنفسهم وعوائلهم من دون الناس .. إلى حرق أنفسهم .. ليلفتوا نظر رأي العام لقضاياهم ومظالمهم ..
ومما زاد الطين بلَّة أن بعض وسائل الإعلام صورت مثل هذا العمل على أنه عمل بطولي، يدخل في إطار النضال، والمعارضة السياسية للأنظمة .. مما جرأ مزيداً من الشبابِ أن يُبادروا إلى حرق أنفسهم، على مرأى ومسمع من الناس .. حتى بتنا في كل يوم تقريباً نسمع عن حالة حرق من هذا القبيل!

          ولهؤلاء أقول: لا تحرقوا أنفسكم .. لا تقتلوا أنفسكم .. لا تجمعوا على أنفسكم ظلمين: ظلم الطغاة، وظلمك لنفسك .. من أكبر الكبائر أن يقتل المرء نفسه .. ثم أن نفسك ليست ملكاً لك لكي تفعل بها ما تشاء كما تهوى وتريد .. وإنما هي ملك لخالقها، يجب عليك أن ترعاها وتتلطف بها وفق أمر الله تعالى وشرعه .. فإن قصرت في رعايتها في شيء ـ فعرضت نفسك لنوع أذى أو ضرر بغير سلطان من الله تعالى ـ فلسوف تُسأل وتُحاسَب.
          قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} النساء:29. 
وقال تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }البقرة:195. والتهلكة هنا شاملة لجميع موارد الهلكة والضرر المادية منها والمعنوية التي حذّر الشرع من ورودها.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسأل عن أربعٍ: عن عُمُرِهِ فيمَ أفناهُ، وعن علمِه ماذا عمِل به، وعن مالِه من أين اكتسبَه وفِيمَ أنفَقَهُ، وعن جسمِه فِيمَ أبلاهُ "[[1]]. هل أبلى جسده في طاعة الله تعالى أم في معصيته.
وقال صلى الله عليه وسلم:" من قَتلَ نَفْسَهُ بحديدةٍ فحديدَتُه في يدِه يتَوجَّأُ بها في بطنهِ في نارِ جهنَّم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شَرِبَ سماً فقتل نفسَه فهو يتحسَّاهُ في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبَداً، ومن تَردَّى من جبلٍ فقتلَ نفسَهُ فهو يَتردَّى في نارِ جهنَّم خالداً مخلداً فيها أبداً " مسلم. وهذا وعيد شديد توجل منه القلوب المؤمنة.
وقال صلى الله عليه وسلم:" الذي يَطعنُ نفسَهُ، إنما يطعنها في النارِ، والذي يتقحَّم فيها يتقَحَّمُ في النار، والذي يخنقُ نفْسَهُ يخنقها في النَّار "[[2]]. وقوله " والذي يتقحم فيها "؛ أي الذي يتقحم في نار الدنيا " يتقحم في النار "؛ أي نار الآخرة؛ فالعذاب من جنس العمل.
وقال صلى الله عليه وسلم:" مَن قتَلَ نفْسَهُ بشيءٍ في الدنيا عُذِّبَ به يومَ القيامة " مسلم. وغيرها كثير من النصوص التي تنهى عن الانتحار وقتل النفس، أو تعريضها لأي نوع أذى أو ضرر بغير سلطان من الله تعالى.
ثم قتل المرء لنفسه .. لم يكن قط علامة على شجاعة ورجولة صاحبه .. وإنما هو علامة على الضعف والانهزام والهروب من مواجهة ومجاهدة الواقع .. ثم هو الخيار الأمتع والأسهل لطغاة الحكم والظلم!
فإن قيل: ما السبيل .. وما العمل .. وكيف الخلاص من هذا الواقع الظالم الذي نعيشه .. كيف نسترد الحقوق .. وندفع الظلم والظالمين عن الناس .. كيف ينتصر الشباب لحقوقهم ومظالمهم؟
أقول: لا، ولن يكون ذلك عن طريق الانتحار وقتل المرء لنفسه .. وإنما بالجهاد .. والقتال .. قاتلوا في سبيل الله دون حقوقكم ومظالمكم .. إلى أن تستردوا الحقوق كاملة أو تُقتلون دونها ـ على أيدي الطغاة وجندهم ـ شهداء بإذن الله.
قال تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } الحج:39. أي أُذن لهم بالقتال بسبب أنهم ظُلموا من قبل الكافرين الظالمين .. لدفع الظلم عن أنفسهم.
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ } الشورى:39.  
وقال صلى الله عليه وسلم:" مَن قُتِلَ دونَ مالِه فهو شَهيدٌ " متفق عليه. أي من قاتل في سبيل الله دفاعاً وذوداً عن ماله فهو شهيد.
وقال صلى الله عليه وسلم:" من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتِل دون أهله فهو شهيد ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" من قُتِل دون نفسه فهو شهيد، ومن قُتِل دون أخيه فهو شهيد، ومن قتل دون جاره فهو شهيد ". وقال صلى الله عليه وسلم: " ومن قُتل دون مظلمته فهو شهيد ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" من أُرِيدَ مالُه بغيرِ حَقٍّ فقاتلَ فَقُتِلَ فهو شَهيدٌ "[[3]].
وعن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله أرأيتَ إن جاءَ رجلٌ يريدُ أخذَ مالي؟ قال:" لا تُعْطِه مالَك"، قال: أرأيتَ إن قاتلَني؟ قال:" قاتِلْهُ "، قال: أرأيتَ إن قَتلَني؟ قال:" فأنتَ شهيدٌ "، قال: أرأيتَ إنْ قَتَلْتُه؟ قال:" هو في النَّارِ " مسلم.
كان ابن المبارك: يُقاتِلُ عن مالِه ولو درهمين[[4]]. فطواغيت العصر لم يسلبوا منك يا عبد الله درهمين وحسب .. وإنما سلبوا من الأمة أموالها كلها .. ليبذروها على أنفسهم وشهواتهم وموائد الميسر .. ولينفقوها في سبيل الشيطان ومحاربة الإسلام .. فدونك وإياهم!
أعجب لقومٍ دينهم يحضهم على العزة والقتال دون مظالمهم وحقوقهم وحرماتهم .. فإن قتلوا فهم شهداء، ولهم الجنة .. فيعرضون عن هذا الخير كله .. ليختاروا بدلاً عن ذلك الانتحار وقتل النفس بالحرق وغير ذلك؟!
أنتم أيها الشَّباب لم تُعدَموا الخيارات في تحصيل حقوقكم ومظالمكم .. لتختاروا الانتحار وحرق النفس بالنار .. فتشمّتوا الطغاة والظالمين بنا وبكم .. وتُضحكوا الشيطان عليكم .. فباب الجهاد في سبيل الله مشرع أمامكم .. فدونكم وإياه .. فإمَّا حياةٌ تَسرُّ الصَّديقَ ... وإما مماتٌ يغيظُ العِدَى .. يتبعه بإذن الله تعالى جنة عرضها السماوات والأرض.
قال تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } آل عمران:196-170.

عبد المنعم مصطفى حليمة
أبو بصير الطرطوسي
15/2/1432 هـ. 19/1/2011 م.



 


[1] رواه الترمذي وقال: حديث حسنٌ صحيح، صحيح الترغيب والترهيب: 3592.
[2] أخرجه أحمد، السلسلة الصحيحة: 3421.  
[3] صحيح سنن الترمذي: 1174.
[4] صحيح سنن الترمذي: 2/62.





إرسال تعليق

 
Top