س48: سؤالي يا شيخ هو قبل أيام قليلة قام بعضهم بعمل فيروس على الكمبيوتر؛ وهذا الفيروس يؤدي إلى تلف أي جهاز يصيبه .. وينتقل هذا الفيروس من جهاز إلى آخر من غير أن يشعر مستخدم الجهاز بوصوله إليه .. ولكنه حال وصوله للجهاز عنده يظهر على الشاشة أصوات الله أكبر .. ويتبعه صوت الأذان .. ثم يتبع ذلك تلف الجهاز .. وهذا الفيروس لا يصيب إلا الأجهزة التي عليها برنامج يسمى " ICQ " وهو برنامج للمحادثة عبر الإنترنت .. وهو برنامج صنعه اليهود في أغلب الظن .. ولكن انتشاره انتشار عالمي .. فيستعمله الكثيرون في مجال الاتصال عبر الإنترنت سواء من المسلمين أو غيرهم .
صانعوا ذلك الفيروس برروا فعلتهم تلك أن ذلك البرنامج " ICQ " هو يهودي الصنع .. ولذلك أجازوا لأنفسهم صناعة هذا الفيروس، وبالتالي تدمير العديد من الأجهزة .. بحجة محاربة المنتجات اليهودية .. فسؤالي أولاً: ما حكم مثل هذا العمل .. والذي كما هو معلوم سيسبب التلف لأجهزة المسلمين وغيرهم من اليهود والنصارى ..؟
ثانياً: على فرض أن هذا الفيروس لن يصيب بالتلف أجهزة المسلمين تحديداً .. ولكنه سيؤدي إلى تلف من هم دونهم في أنحاء العالم .. فهل مثل هذا جائز .. وسبب سؤالي هذا أن أحد الأخوة قال لي أن الأصل في أموال الكفار الحل .. وعلى ذلك يجوز تخريب أجهزتهم ولا حرمة في ذلك؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . إذا كان هذا الفيروس سيصيب ـ ولا بد ـ أجهزة المسلمين، وغيرهم ممن هم في أمان أو عهد مع المسلمين .. لا يجوز استخدامه؛ لأن مال المسلم على المسلم حرام لا يجوز الاعتداء عليه أو الاقتراب منه بسوء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" كل المسلم على المسلم حرام: ماله، وعرضه، ودمه .. "مسلم . وقال -صلى الله عليه وسلم-:" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه .. " متفق عليه؛ أي لا يسلمه للظلم والقهر والجوع وغير ذلك من معاني العدوان ..
وكذلك غيرهم من المشركين ممن هم في عهد وأمان مع المسلمين لا يجوز الاقتراب منهم ولا من أموالهم بسوء؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-:" لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يُعرف به " متفق عليه . وقال -صلى الله عليه وسلم-:" إن الغادر يُنصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان " متفق عليه. ومن خصال النفاق:" وإذا عاهد غدر " كما في الحديث؛ ومن الغدر بالقوم الاعتداء على أموالهم وحرماتهم بعد أن يُؤمنوا عليها ..!
فذريعة مقاطعة المنتجات اليهودية وغير ذلك من الذرائع لا تبرر الاعتداء على أموال العباد المصانة بالشرع .. فالغاية عندنا لا تبرر الوسيلة؛ كما هو الحال عند أخلاق اليهود ..!!
أما إذا كان هذا الفيروس يمكن التحكم به ـ وهذا مستبعد بحسب علمي ـ بحيث لا
يصيب إلا أجهزة الكفار المحاربين دون غيرهم .. وكان في ذلك مصلحة راجحة للمسلمين فهذا جائز إن شاء الله؛ لأنه من جملة ضروب الحرب الحاصلة بين أهل الحق من جهة وأهل الباطل من جهة أخرى .. وكل منهما في حل من عهد وأمان الآخر .. وليس لكون أن مالهم حلال؛ فكون أن مالهم حلال هو مبرر لاغتنامه والانتفاع به، وليس مبرراً لإتلافه وهدره .. إلا إذا كان في إتلافه مصلحة راجحة لصالح الإسلام والمسلمين تستلزم إتلافه.
لذا فقد نص غير واحد من أهل العلم أن أموال الكفار ـ كالأشجار والدواب والماشية وغير ذلك ـ لا تقصد بالتلف إلا على الوجه الذي تتحقق فيه مصلحة راجحة للمسلمين .. كأن يكون في ذلك إضعاف لقوة وشوكة المشركين المحاربين .. والله تعالى أعلم.
فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أن يُقتل شيء من الدواب صبراً، وقال -صلى الله عليه وسلم-:" لا تمثلوا بالبهائم ".
وقد صح عن أبي بكر رضي الله عنه كما في وصيته لأمير جيش بعثه إلى الشام قوله: لا تعقرن شاة، ولا بعيراً إلا لمأكله، ولا تحرقنَّ نحلاً ولا تغرقنه، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً .. !
قال ابن حزم في المحلى: لا يحل عقر شيء من حيواناتهم البتة لا إبل، ولا بقر، ولا غنم، ولا خيل، ولا دجاج، ولا حمام، ولا أوز، ولا برك، ولا غير ذلك إلا للأكل فقط، حاشا الخنازير جملة فتعقر، وحاشا الخيل في حال المقاتلة فقط .. ولا يُعقر شيء من نحلهم، ولا يغرق، ولا تُحرق خلاياه .. وهو قول مالك، وأبي سليمان ا- هـ .
بقي التنبيه إلى أنني لا أستحسن ذكر التكبير أو الأذان قبل تلف الأجهزة ـ كما ورد في السؤال ـ لاحتمال أن يكون صاحب الجهاز الذي يتلف جهازه في حالة لا تمنعه من شتم الله U أو الأذان والعياذ بالله .. وهذا محذور ينبغي على الإخوان أن يتفطنوا إليه، وأن لا يأتوا بالأسباب التي تؤدي إليه .. وجزاهم الله خيراً.