س64: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 12/488-489:" ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه . واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوا به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ".
ما تعليقكم على هذه المقولة بالتفصيل، مع عدم إغفال أن المجادلين عن طواغيت العصر كثيراً ما يتكئون على ما نقله شيخ الإسلام عن الإمام رحمهما الله في دفاعهم عن الطواغيت ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . ورد كلام شيخ الإسلام الآنف الذكر في معرض حديثه عن الكفر العام والكفر المعين، وأن الكفر العام لا يستلزم دائماً تكفير المعين .. ثم استدل بكلام الإمام أحمد رحمه الله على مخالفيه من أهل التجهم والاعتزال الذين كانوا يقولون القرآن مخلوق وليس كلام الله، وكيف أنه كفر بعضهم بأعيانهم ـ بسبب هذا القول ـ وكيف أنه أمسك عن تكفير البعض وحللهم من ظلمهم له .. منهم الخليفة في زمانه كالمعتصم وغيره الذي نصر القول بأن القرآن مخلوق لظنه أن هذا هو الحق الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من عند ربه ..!
والذي حمل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ على تكفير البعض بأعيانهم، والإمساك عن البعض رغم اشتراكهما بنفس الذنب والكفر .. هو لثبوت شروط التكفير، وانتفاء موانعه ببعض، وانتفاء الشروط وثبوت الموانع عن البعض الآخر .. وكان من هؤلاء الآخر الخليفة الحاكم في زمانه .. لعلم الإمام أن الذي حمله على هذا القول وهذا الظلم الذي نصر فيه قول المعتزلة في مسألة خلق القرآن أنه لم يرد به التكذيب ومجرد الجحود للصفات وتشبيه الخالق بالمخلوق، وإنما حمله على هذا الظلم التنزيه والتعظيم للخالق كما كان يظن ..!
لنقرأ الأسطر التي تلي الأسطر التي ذكرتها في سؤالك من كلام شيخ الإسلام وفي نفس الصفحة والمصدر يتضح لك كل ما تقدم حيث يقول رحمه الله: وقد نقل عن أحمد أنه كفر به ـ القول بخلق القرآن ـ قوماً معينين،فأما أن يُذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التفصيل، فيقال: من كفر بعينه؛ لقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير، وانتفت موانعه، ومن لم يكفره بعينه، فلانتفاء ذلك في حقه، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم .
والدليل على هذا الأصل: الكتاب والسنة، والإجماع .. ا- هـ.
هذا هو سبب إمساك الإمام أحمد عن كفر الخليفة في زمانه .. فهل الذين يمسكون عن تكفير الطواغيت في هذا الزمان لهذا السبب أو نحوه ..؟!
فهل هذا الكفر البواح المتعدد والمتنوع الذي يظهر من طواغيت هذا الزمان أرادوا منه التعظيم والتنزيه للخالق -سبحانه وتعالى- .. كما كان مقصود ومراد المعتصم وغيره ..حتى يُحمل عليهم مقولة الإمام أحمد في خلفاء زمانه ؟!!
وهل طواغيت الحكم في هذا الزمان يسيِّرون كتائب الجهاد في سبيل الله لمواجهة أعداء الأمة كما كان يفعل المعتصم وغيره من حكام العباسيين .. حتى يُحمل عليهم ما قاله الإمام أحمد في المعتصم وغيره ..؟!
وهل طواغيت زماننا يحكمون بما أنزل الله .. ويحبون الحكم بما أنزل الله ويحرصون عليه كما كان حال الخلفاء زمن الإمام أحمد .. حتى يُحمل عليهم ما قاله الإمام أحمد في خلفاء زمانه ..؟!
وهل طواغيت الجور في زماننا عندما يعتقلون الدعاة والعلماء ويفتنونهم عن دينهم بالتعذيب وغيره .. هل مرادهم من ذلك كله أن يحملوهم على مراد الشارع كما كان مراد المعتصم من الإمام أحمد .. ؟!!
فإذا علمنا أنهما لا يستويان مثلاً ـ ولا يجوز القول بغير ذلك ـ علمنا خطأ أولئك الفادح عندما يحملون مقولة الإمام أحمد التي قالها في خلفاء زمانه على طواغيت زماننا .. وعلمنا كذلك بيقين أنه ليس لهم أدنى حجة في ذلك وهم في معمعة الجدال عن طواغيت الحكم في هذا العصر .. والله تعالى أعلم.