محبّةُ الإخوان
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد.
من أعظم المطالب وأشرفها التي تُطلَب ويُسعَى
لها، طلب محبة الإخوان في الله، والحرص على سلامتها، ودوامها، واجتناب مكدّراتها،
كما في الحديث القدسي:" حَقَّت محبَّتي
على المتحابِّين فيَّ، وحَقَّت محبَّتي على المتناصِحين فيَّ، وحَقَّت محبتي على
المُتَباذِلين فيَّ، هم على منابِرَ من نورٍ، يغبطُهُم النَّبيُّون والشُّهداء
والصِّديقُون "[[1]].
وفي رواية:" المُتحابُّون في جَلالي لَهُم منابِرُ من نورٍ، يَغبطُهُم
النبيُّون والشُّهداءُ ". وقال صلى الله عليه وسلم:" المتحابُّون في
الله في ظلِّ العرشِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه، يَغبِطُهم بمكانهم النبيُّون
والشُّهداءُ ".
وقال
صلى الله عليه وسلم:" إن لله جُلساءَ يومَ القيامة عن يمين العرشِ، وكلتا يدي
الله يمينٌ، على منابرَ من نورٍ، وجوهُهم من نورٍ، ليسوا بأنبياءَ ولا شُهداء ولا
صدِّيقين "، قيل: يا رسولَ الله من هم؟ قال:" هم المُتحابُّون بجلالِ
الله تبارك وتعالى "[[2]].
وقال صلى الله عليه وسلم:" ليبعثنَّ اللهُ أقواماً يومَ القيامةِ في وجوهِهِم
النور، على منابِرِ اللُّؤلُؤِ، يغبِطُهُم الناسُ، ليسوا بأنبياءَ ولا شُهداءَ
"[[3]].
ولتحقيق
هذه المحبة، وبلوغ درجتها العالية الرفيعة، معانٍ ومتطلبات عدة لا بد من استيفائها
والإشارة إليها:
منها: أن هذه المحبة لها أسبابها الشرعية، تتحقق
بتحقيقها، وتنتفي بانتفائها .. إذ لا يكفي لتحقيق المحبة بين الإخوان الاقتصار على
الرجاء والتّمني.
ومنها: أن هذه المحبة تكون في الله، ولله، وليس لأي غرض
من أغراض النّاس والدّنيا، ومن علامات أن تكون المحبة لله وفي الله، أن تزيدها
الطاعة تماسكاً وتقارباً وتآلفاً وتألّقاً، وأن تزيدها المعصية ضعفاً وفتوراً
وتنافراً.
ومنها: أن المحبّة، وتآلف القلوب بيد
الله تعالى، فهو الذي يؤالف بين القلوب سبحانه وتعالى بعد تنافر، وهو الذي يضع لمن
يشاء من عباده المحبة في قلوب العباد، كما قال تعالى:[ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا
أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ ]الأنفال:63.
وفي الحديث فقد
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن القلوبَ بينَ إصبعينِ من أصابعِ
اللهِ يُقلِّبُها
كيفَ
يشاءُ ".
يقلبها من البغض والنفور إلى المحبة والإلفة، ومن المحبة والإلفة إلى البغض
والنفور، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الإيمان إلى الكفر .. نسأل الله تعالى الثبات
وحسن الختام.
وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا
أحبَّ اللهُ عبداً نادى جبريلَ: إن الله يُحبُّ فُلاناً فأحْبِبْهُ، فيُحبّه
جبريلُ، فينادي جبريلُ في أهل السَّماء: إنَّ الله يُحبّ فلاناً فأحبوه، فيُحبُّه
أهلُ السّماء، ثم يوضَعُ له القبولُ في الأرض " متفق عليه. ونحوه البغض.
ومنها:
أن محبَّة الله لعبده، ومن ثم أن يضع له القبول والمحبة في السماء والأرض، وفي
قلوب العباد .. نعمة عظيمة لا توازيها
نعمة قط .. بل هذه النعمة هي غاية الغايات .. غاية العلم والعمل معاً .. وهي تُطلب
بطاعة الله تعالى، لا بمعصيته .. وبمتابعة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعدم
مخالفة أمره، كما قال تعالى:[ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ]آل
عمران:31. فعلى قدر متابعة العبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولسنّته على قدر
ما تكون محبة الله تعالى لعبده، وعلى قدر ما يكون العبدُ صادقاً في محبته لله عز
وجل .. وعلى قدر محبة الله تعالى لعبده، على قدر ما يضع له القبول والمحبة في قلوب
عباده.
وقال تعالى:[ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ]مريم:96. سيجعل
لهم الرحمن محبة ووداً في السماء، وعند جميع ملائكته، ومحبة في الأرض، في قلوب
عباده المؤمنين .. لكن هذا الخير كله، مقابل:[ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
]. إذ لا بد من عمل الصالحات لبلوغ تلك الدرجات.
ومنها:
أن المعاصي، ونسيان حظّ من الدين والتوحيد .. سيترك آثاره السلبية ولا بد على
المحبة، وتآلف القلوب، واجتماع الكلمة .. مهما حاولنا خلاف ذلك .. فالمحبة
والتآلف، واجتماع الكلمة، مع العصيان ونسيان حظ من الدين والتوحيد .. لا يستقيمان
.. ولا يجتمعان، كما قال تعالى:[ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا
مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ]المائدة:14. وعلى قدر
النسيان والغفلة والإعراض عن الدين الحق، على قدر ما تكون العداوة والبغضاء في
الصدور بين أتباع ذلك الدين.
فإن قيل: هذه آية نزلت في النصارى .. وبالتالي فهي لا تشمل المسلمين؟!
أقول: ليس لهم كل مرة، ولنا كل حلوة؛ فإذا وقعنا فيما وقعوا فيه من الغفلة
والإعراض والنسيان لحظ من حظوظ الدين، سينالنا ما نالهم من العدواة والبغضاء
وتنافر القلوب، على قدر ونوع النسيان والإعراض .. وهذه سنة لا تتخلف عن قوم، ولا
عن أتباع دينٍ من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه.
وفي سنن أبي داود وغيره، عن البراء بن عازب، قال:" كان
رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يتخلَّلُ الصفَّ من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ يمسح
صدورَنا ومناكبَنا ويقول لا تختلِفوا فتختلفَ قلوبُكم وكان
يقول إنَّ اللهَ وملائكتَه يصلونَ على الصفوفِ الأُوَلِ ". وفي رواية عند
مسلم:" اسْتَوُوا، ولَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ
". فإذا كان الاختلاف والخلل في تسوية الصفوف عند الصلاة سينعكس مباشرة على
اختلاف القلوب وتآلفها، وقوة تماسكها .. فما يكون القول عندما يكون الاختلاف
والخلل فيما هو أكبر من تسوية الصفوف؛ عندما يكون في المناهج، والعقائد،
والتصورات، والأصول .. فإن اختلاف القلوب، وحصول النفرة فيما بينها حينئذٍ سيكون
ــ شئنا أم أبينا ــ أشد، وأوسع، وأضخم بكثير .. والسبب هو من عند أنفسنا، كما أن
العلاج والمخرج يكون أيضاً من عند أنفسنا، والله المستعان.
وكان من السّلف
من يقول:" إنّي لأعصي الله، فأعرفُ ذلك في خُلُقِ امرأتي ودابَّتي "،
فيتغير عليه الأصحابُ والأحباب، حتى زوجته أقرب الناس إليه تتغير أخلاقها عليه،
بسبب معاصيه!
قال ابن عباس
رضي الله عنه:" إنَّ للحسنة ضياءٌ في الوجه، ومحبَّةً في قلوب الخلق، وإنَّ
للسيئة سواداً في الوجه، وبِغْضَةً في قلوب الخلق ".
قال ابنُ القيم
في كتابه الماتع " الداء والدواء ": للمعاصي من الآثار القبيحة
المذمومة، والمضرة بالقلب والبدن، والدنيا والآخرة، ما لا يعلمه إلا الله، منها: الوحشة
التي تحصلُ له بينه وبين الناس، ولا سيما أهل الخيرِ منهم، فإنه يجد وحشةً بينه
وبينهم، وكلما قويت تلك الوحشةُ بعُدَ منهم ومن مجالسهم، وحُرِم بركة الانتفاع
بهم، وقَرُبَ من حزبِ الشيطان بقدْر ما بعُدَ من حزب الرحمن، وتقوى هذه الوحشة حتى
تستحكمَ، فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه، وبينه وبين نفسِه، فتراه مستوحشاً
من نفسه. ا- هـ.
ــ قاعدة:"
نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه "، كيف نفهما،
وما مدى صحتها "؟
أقول: أطلق بعض أهل العلم المعاصرين هذه
القاعدة " نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه
"، وهي قاعدة واسعة الانتشار، قد فُهمت من قبل الكثيرين فهماً خاطئاً، كما
أنها استغلت استغلالاً خاطئاً .. وطبقت تطبيقاً خاطئاً .. والسبب في ذلك أن
القاعدة متشابهة، قد أطلقت من غير تقييد، فحمّلت من المعاني والتفاسير المغايرة
مالا يصح .. والتوجيه الصحيح للتعامل مع هذه القاعدة، نراه كالتالي:" نتعاون
فيما اتفقنا عليه من الحق "؛ إذ لا بد للشطر الأول من القاعدة أن يُقيد بقيد "
الحق "؛ لأنه لا يجوز أن نتعاون فيما اتفقنا عليه من الباطل .. كذلك الشطر
الثاني منها:" ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه فيما يجوز ويُستساغ فيه
الاختلاف " من مسائل فروع الفقه والاجتهاد .. أما إن كان المختلف عليه لا
يحتمل إلا وجهاً واحداً؛ إما حقاً أو باطلاً .. إما معروفاً أو منكراً .. فحينئذ
لا يجوز أن نختلف عليه، كما لا يجوز أن نحمل عليه العذر الوارد في القاعدة أعلاه،
والدليل على هذا التفسير، وما تقدمت الإشارة إليه، قوله تعالى:[ وَتَعَاوَنُواْ
عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ]المائدة:2.
فالتعاون يكون على البر والتقوى، أما الإثم والعدوان فلا نتعاون عليه، فضلاً عن أن
نعذر أصحابه أو يعذر بعضنا بعضاً فيه، والله تعالى يقول:[ وَلاَ يَتَّخِذَ
بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ]آل عمران:64,
وكذلك للأحاديث الكثيرة الثابتة عن النبي
صلى الله عليه وسلم، والدالة على أن المنكَر يُنكَر، أيّا كان نوعه، وكان صاحبه،
ولا يجوز أن يُعذر فيه المخالف، كما في الحديث الصحيح:" من رأى منكم منكراً
فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان
"مسلم.
خلاصةُ القول: أن القاعدة بهذا القيد:" نتعاون فيما اتفقنا عليه من الحق، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه،
فيما يجوز ويُستساغ فيه الاختلاف
"، تصبح صحيحة .. ومن دونه فهي قاعدة متشابهة، وحمالة أوجه وتفاسير متغايرة.
هذا الضبط للقاعدة بهذا القيد لا يُرضي
أهل البدع والأهواء؛ لأنه يمنعهم من استغلالها لمآربهم الخاصة والخاطئة!
ــ أمور تزيدُ المحبة بين الإخوان:
لم
يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن نتحاب في الله وحسب، وإنما مع ذلك فقد أرشدنا
للوسائل التي تزيد المودة، والألفة، والمحبة فيما بين الإخوان.
ــ من هذه الوسائل: إفشاءُ السلام: كما في
الحديث، عن أبي هريرة، عن النبيِّ r
قال:" والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّةَ حتى تُسْلِموا، ولا تُسْلِموا حتى
تحابُّوا، وافشوا السلامَ تحابُّوا، وإياكُم والبُغضَةَ؛ فإنها هي الحالقة، لا
أقولُ لكم: تحلقُ الشَّعرَ، ولكن تحلق الدينَ "[[4]].
وقال r:"
لا تدخلوا الجنَّةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تَحابُّوا، ألا أدلُّكُم على
شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتُم؟ أفْشُوا السلامَ بينكُم " مسلم.
وقال r:"
إنَّ أوْلى الناسِ بالله من بدأَهم بالسَّلامِ "[[5]].
وفي رواية عند الترمذي: قيل يا رسولَ الله الرجُلانِ يلتقيان أيُّهما يبدأُ
بالسَّلامِ؟ قال:" أولاهما بالله تعالى ". أي أقربهما إلى الله وأحبهما
إليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا لقي
أحدُكم أخاهُ فليُسلِّم عليه، فإن حالَ بينهما شجرةٌ أو جِدارٌ أو حجرٌ ثمَّ
لقيَهُ فليُسلِّم عليه "[[6]].
وعن أنس بن مالك t،
قال:" كنا إذا كنَّا معَ رسولِ الله r
فتُفَرِّقُ بيننا شجرةٌ؛ فإذا التقينا يُسلِّمُ بعضُنا على بعضٍ "[[7]].
وعن عبد الله بن عمرو: أن رجلاً سألَ
رسولَ الله r:
أيُّ الإسلامِ خير قال: تُطعِمُ
الطَّعامَ، وتَقرأُ السَّلامَ على من عَرفتَ ومن لم تعرف " مسلم.
وعن الأغرِّ ـ أغرِّ مُزينَةَ ـ t
قال: كان رسول الله r
أمرَ لي بجَرِيبٍ من تمرٍ عند رجلٍ من الأنصار، فمَطَلني به، فكلمت فيه رسولَ
اللهِ r، فقال:" أُغدُ يا أبا بكرٍ؛ فخُذ له
تَمْرَهُ ".
فوعدني أبو بكرٍ المسجدَ إذا صلينا
الصُّبحَ، فوجدتُه حيثُ وعدني، فانطلقنا، فكلما رأى أبو بكرٍ رجُلاً من بعيدٍ
سلَّم عليه، فقال أبو بكر t:
أما تَرى ما يصيبُ القومُ عليكَ من الفضل؟ لا يسبِقُكَ إلى السَّلام أحدٌ. فكنا
إذا طَلِعَ الرجلُ من بعيدٍ بادرناه بالسَّلام قبلَ أن يُسلِّمَ علينا "[[8]].
وعن بُشَيْر بن يسار قال:" ما كان
أحدٌ يبدأ ــ أو يبدرُ ــ ابن عمر السلامَ "[[9]].
أي كان هو دائماً يُبادرهم السلام، فيكون هو السابق والبادئ!
وعن الطُّفيل بن أُبي بن كعب: أنه كان
يأتي عبدَ الله بن عمر فيغدو معه إلى السوقِ، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمرَّ عبدُ الله بن عمر على سقَّاطٍ ــ
الفقير الذي يبيع سَقَطَ المتاع ورديئه ــ ولا صاحب بيعة، ولا مسكينٍ، ولا أحدٍ
إلا ويُسلِّمُ عليه!
قال الطُّفَيل: فجئتُ عبدَ الله بن عمر
يوماً، فاستَتْبَعَني إلى السوق، فقلت: ما تصنعُ بالسوقِ، وأنت لا تقِفُ على
البيعِ، ولا تسألُ عن السِّلَعِ، ولا تَسومُ بها، ولا تجلسُ في مجالس السوق، فاجلس
بنا هنا نتحدَّث؟!
فقال لي عبد الله:" يا أبا بطنٍ ـ
وكان الطفيل ذا بطنٍ ـ إنما نغدو من أجل السَّلام؛ نُسلِّمُ على من لقينا "[[10]].
ــ ومنها المُصافحةُ: من
الأمور التي تزيد المحبة بين الإخوان المصافحة، كما في الحديث عن البراء بن عازب،
قال: قال رسولُ الله r:"
ما من مُسلِمَينِ يلتقيانِ فيتَصافحَانِ إلا غُفِرَ لهما قبلَ أن يفتَرِقا "[[11]].
وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا لقي
المُسلِمُ أخاهُ المُسلِمَ، فأخذ بيدهِ فصافحَهُ، تناثرت خطاياهُما من بين
أصابِعِهِما كما يتناثرُ ورقُ الشَّجَرِ بالشِّتاء "[[12]].
وعن البراء بن عازِب، قال:" من تمام
التحيَّةِ أن تُصافِحَ أخاكَ "[[13]].
وعن أنس بن مالك، قال:" كان r
إذا
صافَحَ رجلاً لم يَترُك يدَهُ حتى يكونَ هو التارِك ليدِ رسولِ الله r
"[[14]].
وهذا
من تمام وكمال تواضعه r.
وعنه، قال:" كان أصحابُ النبيِّ r
إذا تَلاقَوا تَصافَحوا، وإذا قَدِموا من سفرٍ تعانَقُوا "[[15]].
ــ ومنها
الإهداء والتهادي: فإنها تزيد المودة والمحبة، كما في الحديث عن أبي هريرة،
عن النبيِّ r
قال:" تهادُوا تحابُّوا "[[16]].
وعن أنسٍ،
يوصي أبناءه، قال:" يا بُنيَّ تباذَلُوا بينكم؛ فإنه أوَدُّ لما بينكم
"[[17]].
أي
تباذلوا فيما بينكم بالعطايا والهدايا؛ فإن ذلك مما يزيد الود بينكم ويُحافظ عليه.
وعن ابن
عمر قال:" لقد أتى علينا زمانٌ ــ أو قال: حينٌ ــ وما أحدٌ أحقُّ بديناره
ودرهمه من أخيه المسلم، ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم
"[[18]].
ــ ومنها الدعاء لأخيك المسلم بظهر الغيب: فهو علامة على المحبة وصدق الوفاء،
كما في الحديث عن أم الدرداء، قالت: فإنَّ النبيَّ r
كان يقول:" دعوةُ المرء المسلم لأخيه ــ بظهرِ الغيب ــ مُستجابةٌ عندَ رأسِه
ملَكٌ؛ كلما دعَا لأخيه بخيرٍ، قال الملكُ الموكَّلُ به: آمين، ولكَ بِمِثْلٍ
" مسلم.
وعن أبي
بكر الصديق t:"
إنَّ دعوةَ الأخ في الله تُستجَاب "[[19]].
ــ ومنها التبسُّمُ في وجه أخيك المسلم، وأن تلقاهُ ووجهُكَ
منبسطٌ منطلق: كما في الحديث عن أبي ذر t
قال: قال رسولُ الله r:"
تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ صدقةُ، وأمرُكَ بالمعروف ونهيُكَ عن المنكر صدقةٌ،
وإرشادُكَ الرجلُ في أرضِ الضَّلال لك صدَقةٌ، وإماطَتُكَ الأذى والشَّوكَ والعظمَ
عن الطريقِ لك صدقةٌ، وإفراغُكَ من دَلوكَ في دلو أخيكَ لك صدقةٌ "[[20]].
وعن أبي
جُريّ الهجيمي t
قال: أتيتُ رسولَ الله r
فقلتُ: يا رسولَ الله إنا قومٌ من أهلِ الباديةِ، فعلمنا شيئاً ينفعنا الله به؟
فقال:" لا تحقِرنَّ من المعروفِ شيئاً، ولو أن تُفرِغَ من دلوكَ في إناء
المُستقي،
ولو أن تُكلِّمَ أخاكَ ووجهُكَ إليه مُنْبَسطٌ ...
"[[21]].
وفي رواية
للنسائي وأحمد، فقال:" لا تحقِرنَّ من المعروفِ شيئاً أن تأتيَهُ ولو أن
تهَبَ صِلةَ الحبلِ، ولو أنْ تُفرِغَ من دَلوِكَ في إناء المُستَقِي، ولو أن
تَلقَى أخاكَ المسلمَ ووجهُكَ بِسْطٌ إليه ــ أي منبسطٌ منطلق ــ ولو أن تؤنِسَ
الوحشانَ بنفسك؛ ولو أن تهَبَ الشَّسَعَ ". والشَّسَعُ: الشيء أو الخيط الذي
يُربَط به النعل ويُشَد.
ــ ومنها الاعتدال والتوسط في زيارة الإخوان من غير إكثارٍ ممل،
ولا إقلالٍ مُخِلٍ: كما في الحديث عن عبد
الله بن عمرو قال: قال رسولُ الله r:"
زُرْ غِبَّاً تَزْدَدْ حُبَّاً "[[22]].
ــ ومنها أن
يُعلِمَه أنه يُحبُّه في الله: عن علي بن الحسين مرفوعاً:" إذا أحبَّ
أحدُكم أخاه في الله فليُبيِّنْ له؛ فإنَّه خيرٌ في الإلفةِ، وأبقَى في المودَّةِ
"[[23]].
ــ ومنها أن لا يماريه: فإن المِراء والجدال لغرض الجدال
والغلبة، أو لصرف الوجه، يوغر الصدور فيما بين الإخوان المتحابين، ويُذهب الإلفة، كما
في الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا "[[24]]. وربضُ الجنة أدناها
وأطرافها.
وعن معاذ بن
جبل، قال:" إذا أحببتَ أخاً فلا تُمارِه، ولا تُشارِه، ولا تسأل عنه؛ فعسى أن
توافِيَ له عدواً، فيُخبركَ بما ليس فيه، فيُفرِّق بينك وبينه "[[25]].
وقوله " ولا تُشارِه "؛ والمشاراة من اللجاجة؛ أي لا تكن لجوجاً ولحوحاً
في مراجعتك له إن كان لك عليه حقاً، أو لك عنده حاجة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم
عبد المنعم مصطفى
حليمة
" أبو بصير
الطرطوسي "
29/3/1441 هـ.
26/11/2019
www.abubaseer.bizland.com
[1] رواه ابن حبان وغيره، صحيح الترغيب والترهيب: 3019.
وقوله " حقت "؛ أي وجبت.
[2] رواه الطبراني، صحيح الترغيب والترهيب: 9022.
[3] رواه الطبراني، صحيح الترغيب والترهيب: 3025.
[4] صحيح الأدب المفرد: 197.
[5] رواه أبو داود وغيره، صحيح الترغيب والترهيب: 2703.
[6] صحيح سُنن أبي داود: 4332.
[7] رواه الطبراني، صحيح الترغيب والترهيب: 2706.
[8] رواه الطبراني، صحيح الترغيب: 2702. وقوله:" أما
تَرى ما يصيبُ القومُ عليكَ من الفضل؟"؛ أي بسبب أنهم يُبادرونك السلام قبل
أن تُبادرهم؛ فيكونون بذلك لهم زيادة فضل عليك .. فاحرص أن لا يسبقك إلى السلام
أحد!
[9] صحيح الأدب المفرد: 753.
[10] صحيح الأدب المفرد: 770.
[11] صحيح سنن أبي داود: 4343.
[12] السلسلة الصحيحة: 2004.
[13] صحيح الأدب المفرد: 745.
[14] السلسلة الصحيحة: 2485.
[15] رواه الطبراني، السلسلة الصحيحة: 2647.
[16] صحيح الأدب المفرد: 462.
[17]
صحيح
الأدب المفرد: 463.
[18] صحيح الأدب المفرد: 81.
[19] صحيح الأدب المفرد: 486.
[20] رواه الترمذي وغيره، صحيح الترغيب والترهيب: 2685.
[21] رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسنٌ صحيح، صحيح الترغيب
والترهيب: 2687.
[22] رواه الطبراني، صحيح الترغيب: 2583. قال ابن الأثير في النهاية:
الغِبُّ من أوراد الإبل؛ أن ترِدَ الماء يوماً وتدعَهُ يوماً ثم تعود، فنقلَه إلى
الزيارة وإن جاء بعد أيامٍ، يُقال: غَبَّ الرجلُ إذا جاء زائراً بعد أيام. وقال
الحسن: في كل أسبوع ا- هـ.
[23] السلسلة الصحيحة: 1199.
[24] صحيح سنن أبي داود: 4800.
[25] صحيح الأدب المفرد: 424.