حريَّةُ الاختيار؛ كلمة حق، في كثير من الأحيان، توضع في غير موضعها الصحيح، ويُراد بها باطل!
فما هو الحق في هذه الكلمة، وما هو
الباطل ..؟
الحق في حرية الاختيار محصور في موضعين،
لا يتعداهما: أولهما، متعلق بالكافر الأصلي؛ فله
الحق في أن يختار الإيمان أو الكفر، أن يُصبح مؤمناً، أو أن يبقى على كفره ودينه،
فلا يُكرَه على تركِ دينه.
ثانيهما، متعلق بالاختيارات الفقهية
المشروعة، الواردة في المذاهب الأربعة، وغيرها من اجتهادات واختيارات أهل العلم
المعتبرين .. فالمسلم لا يُكره على اختيار فقهي، هو لا يعتقده، ولا يراه صواباً ..
فله كامل الحق في أن يختار القول أو المذهب الفقهي الذي يعتقده صواباً، والأقرب
للنص المنزل، ولدلالاته، وعلى هذين الفريقين يُحمل قوله تعالى:[ لاَ إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ ]البقرة:256.
أما المعنى الباطل الذي تُحمَل عليه
كلمة " حريَّةُ الاختيار "، هو كل أمر سوى الموضعين الآنفي الذكر أعلاه،
كأن يٌقال: للمسلم الحق في أن يختار الردة والكفر بعد الإيمان .. أو أن يختار
الحرام بدلاً من الحلال .. أو أن يختار الفسوق والعصيان على الطاعة لله ولرسوله
صلى الله عليه وسلم .. فهذا النوع من
الاختيار باطل، مردود بالنقل والعقل، مصادم للنص المنزل، لا يقول به عالم معتبر،
وهو أقرب لمعنى الإباحية الشائعة عند الباطنيين وملل الكفر الأخرى، قال تعالى:[
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً
أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ]الأحزاب:36. وقال تعالى:[ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ ]الحجرات:1. أي لا تقدموا بقول أو فعل، أو فهم يخالف أمر الله تعالى وأمر
رسوله صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى:[ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ
حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ]النساء:65.