GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم
          قد ذكرتني قصة هذه المرأة المؤمنة الفاضلة " وفاء قسطنطين "، بآسيا امرأة الطاغية الظالم فرعون مصر .. والتي كانت تكتم إيمانها رهبة من فرعون وملأه .. والتي أنزل الله فيها قوله تعالى:) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (التحريم:11.
          والله تعالى إذ ضرب بامرأة فرعون مثلاً .. فهو لأنه مثل يتكرر في كثير من الأزمان والأمصار التي يسودها الظلم وتحكمها الفراعنة .. ولتكون امرأة فرعون النموذج والمثال والقدوة في الإيمان والصبر والثبات .. لكل امرأة تُبتلى بما ابتليت به .. وتتعرض لما تعرضت له .. وتمر بنفس تجربتها!
          لا أريد أن أطيل الوقوف مع " وفاء المؤمنة " وما حصل لها، ولا مع مثيلاتها من الأخوات المؤمنات المضطهدات في دينهن وإيمانهن .. اللاتي اخترن الإيمان والتوحيد على الكفر والشرك .. وما أكثرهن وإن لم نسمع عنهن .. وأكتفي بتذكيرهنَّ بأن المؤمن مبتلى، ويُبتلى على قدر دينه وإيمانه .. فمن ارتضى لنفسه أن يسير في طريق الإيمان؛ طريق الأنبياء والرسل، لا بد أنه سيُبتلى .. وبخاصة في زماننا هذا الذي يسود فيه حكم وقانون الفراعنة الطغاة .. ولا بد له أن يروض نفسه على تحمل البلاء في الله، والصبر عليه.
          قال الله تعالى:) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (العنكبوت:2. وقال تعالى:) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (محمد:31.
          وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى العبد على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ". وقال صلى الله عليه وسلم:" يودُّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض ". وقال صلى الله عليه وسلم:" كما يُضاعَف لنا الأجر، كذلك يُضاعف علينا البلاء ". وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه:" ما أوذي أحدٌ ما أوذيتُ في الله U ". 
          هذا الذي أود قوله لأختنا الفاضلة وفاء .. ولكل أخت تمر بنفس تجربتها .. وتُبتلى بما ابتليت به وفاء .. ولا أزيد. 
          ولكن هذا الحدَث الجلل .. ماذا يعني لنا نحن المسلمين .. أمة المليار مسلم وأكثر .. وكيف ينبغي أن نفهم الحدَث، وكيف نفسره .. إذ لا بد من وقفة صادقة معه ومع دلالاته؟!   
          فهو ـ أي هذا الحدث الجلل ـ يعني أموراً عدة:
          منها: أن الإنسان ليس حراً في أن يختار العقيدة التي يريد .. كما يزعمون .. وهذه الحرية المزعومة ما وجدت إلا لكي يضمنوا حرية ارتداد المسلمين عن دينهم .. وحرية انتقالهم لأي دين آخر يشاءونه .. ومتى يشاءون .. ومن دون أن يتعرضوا إلى أية مساءلة .. أما أن يحصل العكس .. فلا ..!
          ومنها: أن المرأة لا تضمن الأمان على نفسها لو اختارت الإسلام والإيمان بمحض إرادتها في كثير من بلاد المسلمين، وبخاصة مصر .. التي يزيد تعداد سكانها من المسلمين عن الستين مليوناً من أصل تعداد السكان .. وهي لا تستبعد أن تُدَوَّل قضيتها .. وتُعرض على البيت الأبيض .. والكنيست الإسرائيلي .. وربما مجلس الأمن!!
          ومنها: بعد هذا الذي حصل للمرأة الفاضلة " وفاء "، وما رأته من تخاذل المسلمين لها ولقضيتها ـ على المستوى الرسمي والشعبي ـ، لا ينبغي أن نتوقع من امرأةٍ مصرية أخرى تجرؤ أن تعلن عن إسلامها وتجهر بعقيدتها لو اختارت الإسلام ..!!
          وأقباط مصر هذا الذي يريدونه ..!!
          ومنها: أن الكلمة في مصر هي للأقباط النصارى .. وليس لغيرهم .. علماً أن تعدادهم قد لا يتجاوز 5% من مجموع سكان مصر.
          ومنها: أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض مهما باعدت بينهم الأمصار والجنسيات .. يظهر ذلك في استنجاد نصارى مصر بنصارى الغرب .. وتهديدهم للمجتمع المصري بجورج بوش وشارون .. إن لم يكرهوا " وفاء " على أن ترتد عن دينها، وتعود من جديد إلى كنيستها، وشركها ووثنيتها!
          وهذا مصداق لقوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (المائدة:51. ولكن ـ وللأسف ـ لا يزال من بني جلدتنا إلى الساعة من يُحاول أن يُشكك بدلالة هذه الآية الكريمة!  
ومنها: أن الدولة المصرية ـ ممثلة في رئيسها حسني مبارك ـ لا يهمها من معاني السيادة شيء إلا بالقدر الذي تتم فيه المحافظة على النظام الحاكم العميل، وعلى عرش وكرسي الحاكم ..
مهما أدى ذلك إلى إذلال شعبه، وإهدار كرامته وحريته، وحقوقه ..!
ومنها: إذا كان النظام المصري ـ ممثلاً في رئيسه حسني مبارك ـ عاجزاً عن حماية حقوق امرأة اختارت الإسلام وعقيدة الإسلام بمحض إرادتها .. فكيف تراه قادراً على حماية مصالح وحقوق شعبه بكامله .. أو تراه أميناً عليها؟!
ومنها: أن هذا الحدث يعني بكل وضوح خيانة مشايخ الأزهر ـ وعلى رأسهم كبيرهم الذي علمهم الخيانة والتخاذل، والنفاق .. الطنطاوي! ـ للأمانة الملقاة على عاتقهم .. وللإسلام والمسلمين .. وكتمانهم الحق والعلم .. مجاملة للطواغيت الظالمين!
من بدهيات ديننا الحنيف أن المرأة إذا جاءت إلى المسلمين مهاجرة مسلمة مؤمنة أن لا تُرد إلى الكافرين ثانية ـ مهما كانت النتائج ـ  كما قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ (الممتحنة:10. فالله تعالى يقول:) فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ (، بينما شيخ الأزهر وعصابته من مشايخ السوء، يقولون: لا، بل أرجعوهن إلى الكفار .. فهنَّ حِلٌّ لهم!
ومنها: أن الذي يتحمل مسؤولية ما حصل للمرأة الفاضلة " وفاء "، وغيرها من أخواتها المؤمنات مما لا نعلم عنهن إلا القليل .. هو حاكم مصر ذاته الذي أمر ـ مرضاة لأسياده في البيت الأبيض ـ بأن تعود هذه المرأة المؤمنة بالإكراه والقوة إلى نصرانيتها، وأن تُسلم إلى الكنيسة ليُجرى لها عملية تعميد من جديد .. وكذلك علماء ومشايخ مصر .. ومن ثم شعب مصر!
ومنها: أن هذا الحدث يعني بكل وضوح ما كنا ذكرناه مراراً، أن هذه الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين ـ بما فيهم النظام المصري ـ أنظمة كافرة مرتدة لا شرعية له .. ولا سمع ولا طاعة لها من شعوبها .. يجب الخروج عليها، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم:" إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "؛ أي إذا رأيتم منها ومن حكامها كفراً بواحاً لكم فيه من كتاب الله وسنة رسوله دليل صريح على كفرهم، يتعين قتالهم والخروج عليهم .. وما أكثر ما رأينا منهم من كفر بواح!
هاأنتم أبيتم الخروج على هذه الأنظمة الطاغية العميلة الكافرة خشية الفتنة .. كما تزعمون .. فكانت النتيجة أن نساءنا لم يعدن آمنات على أنفسهنَّ لو اخترن الإسلام .. فأي فتنة تعلو هذه الفتنة لو كنتم تعلمون؟!! 
أبيتم أن تدفعوا ضريبة العزة .. والكرامة .. ورفض الذل والكفر .. فها أنتم تدفعون أضعاف أضعافها كضريبة للذل، والخنوع، والخوف من الطواغيت الظالمين!
فتكاليف القتال في سبيل الله مهما عظمت .. فهي أقل بكثير من ضريبة الركون إلى الظالمين والقتال في سبيل الطواغيت المجرمين .. لو كنتم تعلمون!
شححتم ـ على الله! ـ بالقليل .. فحملكم شحكم هذا على أن تدفعوا الكثير الكثير .. ومن أعز ما تملكون .. في سبيل الطاغوت .. ونظامه .. وتوقعوا أن تدفعوا المزيد .. إن لم تستدركوا وتستأنفوا الجهاد من جديد!
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (التوبة:38.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

14/11/1425 هـ.                       عبد المنعم مصطفى حليمة
25/12/2004 م.                          " أبو بصير الطرطوسي "

 
         


إرسال تعليق

 
Top