GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          فقد ذكرت القناة العربية في موقعها على الإنترنت نقلاً عن بعض الصحف المحلية السعودية أن قانوناً سعودياً مقترحاً يتوقع من مجلس الشورى السعودي أن يقره ويوقع عليه قريباً، مفاده:" أن أي شخص يستخدم هاتفاً جوالاً مزوداً بكاميرا في توزيع صور إباحية فإنه يواجه عقوبة تصل إلى ألف ( 1000 ) جلدة، والسجن لمدة 12 عاماً، وغرامة مائة ألف ( 100000 ) ريال "!

          والذي حملني على مناقشة هذا القانون الجائر هو زعم النظام السعودي المتكرر أن قوانينه المعمول بها مستمدة من تعاليم وأحكام الشريعة الإسلامية .. وهو بهذا الزعم الثقيل ـ الذي هو أثقل من الوزر ذاته ـ يُسيء إلى عظمة الإسلام وعظمة شرائعه وأحكامه وقيمه من حيث يدري أو لا يدري!!
          وكذلك نظرة كثير من المراقبين ـ وبخاصة منهم غير المسلمين ـ إلى القوانين السعودية على أنها قوانين إسلامية مستمدة من الشريعة الإسلامية، وبالتالي فهم ـ في كثير من الأحيان ـ يحددون موقفهم من شرائع الإسلام ـ سلباً أو إيجاباً ـ من خلال ما يرونه من شرائع وقوانين يعمل بها النظام السعودي .. ظناً منهم أن هذه القوانين تمثل الإسلام أو مستمدة من الإسلام .. والإسلام ـ في حقيقته ـ بريء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام.
          لذا وجدت نفسي ملزماً بأن أشير إلى بطلان هذا القانون المذكور أعلاه .. وإلى جاهليته وظلمه .. وأنه لا يمت إلى الإسلام وتعاليمه وقيمه في شيء .. وأنه لا يصدر إلا عن أنفس مريضة لا تعي ما تقول، ولا ما تكتب!
          وبطلان هذا القانون يأتي من أوجه عدة:
          منها: انتفاء النص الشرعي من الكتاب والسنة الذي يبيح تلك العقوبة على من يفعل تلك المخالفة المذكورة في القانون أعلاه؛ أي أن هذا القانون مصدره الهوى، والجهل .. وحب التشفي لا غير!
          ومنها: أن هذا القانون يعني أن المخالفة المذكورة فيه أكبر بكثير من وزر زنى الزاني غير المحصن التي لا تتعدى عقوبته مائة جلدة .. ومن شرب الخمر ـ أم الخبائث ـ التي لا تتعدى عقوبة صاحبه ثمانين جلدة .. ومن عقوبة السرقة .. ومن عقوبة قذف المحصنات المؤمنات .. بل ومن عقوبة القتل شبه العمد .. وهذا لا يقول به نقل ولا عقل!
          ومنها: أنه قد حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نوع مخالفات هي أشد مما ذُكِر في القانون أعلاه، ولم يُعاقب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ـ حاشاه ـ بنحو ما ورد في هذا القانون الظالم الذي ينم عن جهل وتخلف مشرِّعيه!
          كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها[[1]]، فأنا هذا فاقض فيَّ ماشئت. فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، قال فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً دعاه، وتلا عليه هذه الآية: ) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (. فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة؟ قال:" بل للناس كافة ".
وفي رواية، قال له صلى الله عليه وسلم:" هل حضرت الصلاة معنا ؟"  قال" نعم ، قال:" قد غُفر لك ".
وفي رواية أخرى، قال له صلى الله عليه وسلم:" أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء ؟" قال: بلى يا رسول الله، قال:" ثم شهدت الصلاة معنا ؟" فقال نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فإن الله قد غفر لك ذنبك ".
بهذا التوجيه النبوي الرفيق الحكيم عالج النبي صلى الله عليه وسلم الموقف .. فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم ـ حاشاه ـ عليه بالجلد أو بالسجن، أو بدفع غرامة مالية تعلو ديَّة القتيل .. علماً أن هذا الرجل قد فعل أكثر من المخالفة الوارد ذكرها في القانون أعلاه!
ومنها: فإن قالوا هذه عقوبة تعزيرية مرد تقديرها للحاكم ..؟!
نقول لهم: بئس التعزير تعزيركم .. والتقدير تقديركم .. وتقدير حاكمكم .. فإنه لا يُعزر فوق عشر جلدات، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يُجلد فوق عشر جلدات إلا في حدٍّ من حدود الله عز وجل "[[2]]. وفي رواية:" لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حدٍّ من حدود الله ".
وعن إبراهيم بن ميسرة قال:" ما علمتُ عمر بن عبد العزيز ضربَ في إمرَته كلها رجلاً في عقوبة ثلاثة أسواط إلا لرجلٍ سبَّ معاوية عنده "[[3]].
وعن أيوب بن موسى قال: كتبَ عمر بن عبد العزيز إلى عماله: أن عاقبوا الناس على قدر ذنوبهم ما بلَغ؛ وإن بلغ ذلك سوطاً واحداً، وإياكم أن تبلغوا بأحدٍ حداً من حدود الله ـ أي يبلغ تعزيركم له درجة عقوبة حدٍّ من حدود الله ـ فإن الله غضبَ فحدَّ حدَّاً واحداً فلا ينبغي لأحد أن يغضب فوق غضب الله، ولا أن يضرب فوق حد الله "[[4]].
فأي تعزير هذا الذي تعنونه عندما تجلدون شاباً ألف جلدة .. والتي تقتل جملاً .. وتسجنونه في غياهب السجون والظلم اثنا عشر عاماً .. عام ينطح عاماً .. قد يخرج منها مجنوناً فاقداً لمستقبله وحياته .. مضيعاً لمن يعول .. أهكذا يكون التعزير .. أين ذهبت عقولكم .. ألا يوجد فيكم رجل رشيد؟!!
لو أردت أن تجلد حماراً ألف جلدة لأخذتك عليه الشفقة والرحمة .. فكيف بشاب مسلم موحد استغل الشيطان منه لحظة ضعف وغفلة ..؟!
فأي قلوب هذه التي تحملونها في صدوركم التي حملتكم على سن مثل هذا القانون الجائر المتخلف؟!
أين المصلحون .. أين العلماء .. الذين يصدعون بالحق ويقولون ـ بكل وضوح وصراحة ـ لمثل هذه القوانين الجاهلية الجائرة .. لا .. ولمشرعيها ومقننيها .. لا .. قد كفرنا بكم وبقوانينكم الكافرة الجائرة؟!
ومنها: لا يوجد في الكتاب والسنة عقوبة على أي ذنب أو جرم مهما كان نوعه أو حجمه اسمها " السجن "!
والذي وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين من بعده .. توقيف لفترة وجيزة جداً
تستدعيها إجراءات تنفيذ الحدود وعملية الاستتابة .. أو حل مشكلة أسرى الحرب من المشركين .. وهي فترة قد تستغرق بضعة أيام .. وربما بضع سويعات .. أما كعقوبة لأشهر وسنوات كما هو حال سجون الطغاة الظالمين في هذا الزمان .. التي يدخلها الإنسان عاقلاً فيخرج منها ـ إلا من رحمه الله ـ مجنوناً فاقداً لعقله وأهليته .. وكما يقول المثل السائد " الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود "، فإن الإسلام بريء منها كل البراءة!
ومنها: أن هذه العقوبة الجائرة المقدرة في القانون أعلاه لا تُعالج الخطأ .. ولا تتناول أسبابه ودواعيه .. ولا يُستشف منها أي توجه تربوي أخلاقي يرتد بالنفع على المخطئ .. وإنما يُستشف منها فقط حب التشفي والإذلال .. ومجرد الانتقام والقهر .. ومن دون أي فائدة تربوية ترتد على المخالف المذنب!
ومنها: أن هذا القانون يعني ـ كما يقرأه كل مراقب ـ سُبَّة كبيرة للمجتمع السعودي، وللناس الذين يعيشون في ذلك المجتمع، وينتمون إلى ذلك البلد الطاهر، بلد الحرمين الشريفين؛ فهو يعني ـ وبكل وضوح ـ أن الشعب السعودي ـ لسوء أخلاقه وطبائعه ـ لا يمكن أن يؤخذ بالترغيب، والتوجيه الأخلاقي، ولا بالعقوبات البسيطة كعشر جلدات أو نحوها .. فهذا كله لا ينفع معه .. ولا يردعه .. وبالتالي لا بد من تغليظ العقوبة عليه أضعافاً مضاعفة .. كما ورد في قانونهم الظالم أعلاه .. حتى يُردع ويُمسِك عن غيه وخطئه!
هذا المعنى لا نرضاه ولا نقبل أن ينتشر ـ في الأمصار ـ عن أهلنا وإخواننا في بلاد الحرمين الشريفين أعزهما الله، وزادهما شرفاً؛ لأنه من الظلم .. ولأنه لا يسر إلا الأعداء الذين يتربصون بالإسلام والمسلمين المكائد والشرور!
ومنها: أن المستفيد الوحيد من هذا القانون وأمثاله من القوانين الجائرة هم العلمانيون .. وغيرهم من المجرمين ـ الذين يصطادون في الماء العكر ـ ممن يتربصون بالإسلام والمسلمين المكائد والشر .. هذا القانون يمكِّنهم من ترويج باطلهم وتنفير الناس عن الإسلام؛ فهم يقولون لهم: انظروا هذه الوحشية وهذا الظلم .. هذا هو الإسلام الذي يدعونكم إليه .. من أجل نقل صورة إباحية .. يُعاقبون الفاعل بالجلد ألف جلدة، وبالسجن اثنا عشر عاماً، وبغرامة مالية تزيد عن دية القتل .. وهؤلاء لا يمكن أن تجدوا عندهم العدل .. ولا التحضر ولا التقدم .. ولا الرحمة .. وبالتالي لا بديل لكم سوى اختيارنا والدخول في منهجنا وطريقتنا المثلى!
ولا أستبعد وجود نفر ممن يشرعون هذه القوانين الجائرة أن يكون هذا هو غرضهم ومرماهم
من وراء سن تلك القوانين!
لأجل هذه الأوجه مجتمعة قلنا ونقول ببطلان وفساد هذا القانون الجائر المتخلف!
ونقول كذلك: إذا كان النظام السعودي وحكامه وأمراؤه حريصين فعلاً على ملاحقة الفساد، والانحرافات الأخلاقية الشاذة لدى شباب الأمة .. فليوقفوا القنوات الفضائية أولاً .. وكذلك المجلات والجرائد العالمية .. التي تبث الفساد والمجون .. والعهر والفجور والتحلل من القيم الأخلاقية .. لملايين الناس ممن يُتابعون تلك القنوات والجرائد والمجلات .. والتي يرعاها ويمولها أمراء وحكام النظام السعودي!!
صورة ينقلها شاب ـ عن ضعف ونزوة ـ عبر هاتفه النقال جريمة لا تُغتفر .. وأفلام ودعايات .. ونشرات .. ومقالات .. تروج للرذيلة .. والفساد والمجون والتحلل من القيم الأخلاقية .. أمر فيه نظر .. يُغض الطرف عنه .. لكونه صادراً عن أمراء وحكام النظام!!
يضعون شباب الجزيرة ـ كان الله في عونهم ـ في مستنقعٍ من المجون .. والفساد .. والتبرج .. والخلاعة .. ليصرفوهم عن الجد .. والاجتهاد .. والجهاد .. من خلال ما يُعرض عليهم ويُبث في القنوات الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام ـ على مدار الساعة ـ التي يرعاها النظام السعودي .. وأمراؤه وحكامه .. ثم يقولون لهذا الشاب .. حذار أن تتلوث .. أو أن تنقل صورة إباحية مما نعرضه عليك ليلاً ونهاراً!
سنلقيك أيها الشاب في اليم .. لكن حذار أن تتبلل .. أو أن تُبلل غيرك .. فحينئذٍ سنضعك عشرين عاماً في السجن!
سنلقيك في النار .. لكن حذار أن تحترق .. أو أن تحرق غيرك .. فحينئذٍ سنجلدك ألف جلدة وجلدة!
لو صدقوا في ملاحقة ومعاقبة المفسدين المنحرفين .. لعاقبوا أولاً رعاة الفساد والتحلل والمجون الأكبر .. من أمراء وحكام النظام .. فهؤلاء الذين يستحقون الجلد والتعزير!
لو كانوا صادقين في محاربة الفساد والمفسدين .. لعملوا جادين على استئصال الأسباب التي تؤدي إلى كل سلوك منحرف مرفوض!
نحن لا نبرر للشباب فعل الخطأ ونرفع عنهم المسؤولية أياً كانت الأسباب وكانت الظروف .. ولكن نقول: لو استقام الرعاة .. لاستقامت الرعية .. وما فساد الرعية إلا من فساد الرعاة .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

13/3/1426 هـ.                                                 عبد المنعم مصطفى حليمة
21/4/2005 م.                                                     أبو بصير الطرطوسي



[1] قال النووي في الشرح17/80: معنى عالجها أي تناولها واستمتع بها، والمراد بالمس الجماع، ومعناه استمتعت بالقبلة والمعانقة وغيرها من جميع أنواع الاستمتاع إلا الجماع . انتهى.

[2]  صحيح سنن أبي داود: 3770.
[3] الكتاب الجامع لسيرة عمر بن عبد العزيز:1/159. قلت: هذا رجل يسب صحابياً، وخليفة من خلفاء المسلمين، وواحداً من آباء وأجداد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وفي حضرته، ومع ذلك يعزره عمر بن عبد العزيز بثلاثة أسواط لا غير .. بينما تأمل لو حصل شيء من ذلك للملوك أو الرؤساء الحاكمين في بلاد المسلمين في هذا الزمان .. فإن حكمه عندهم واحد من اثنين: إما القتل، وإما أن يُغيَّب عشرات السنين في غياهب السجون والقهر والتعذيب .. وربما يحصل كل ذلك تحت عنوان عقوبة التعزير .. كما يزعم مشايخ وعلماء السلاطين!!
[4] المصدر السابق: 1/ 163.

إرسال تعليق

 
Top