بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
لا يُمكن أن تأتي نتائج الانتخابات العراقية بخلاف رغبة الغزاة، وفي الاتجاه الذي قد يفرط بشيء من مصالحهم ومكاسبهم في العراق بخاصة والمنطقة العربية والإسلامية بعامة!
لا يُمكن أن تأتي الانتخابات العراقية بخيار لا ترتضيه أمريكا ومن معها من دول الغرب الذين شاركوا في عملية غزو العراق!
هذه النتيجة للانتخابات العراقية التي أُعلن عنها .. هي نفسها التي كان سيُعلَن عنها من دون انتخابات .. وهي نفسها التي كانت ستحكم العراق من دون انتخابات!
هذه النتيجة أو الحقيقة أدركها العراقيون بعد فرز الأصوات وظهور النتائج .. فهم بعد أن أثنوا على الانتخابات ومجرياتها .. عادوا ليشككوا بنتائجها .. وبالطريقة التي تمت بها عملية فرز الأصوات .. لما جاءت النتائج والتقسيمات وفق مخططات وتقديرات ورغبات الغزاة وعملائهم وحلفائهم من أهل الشقاق والنفاق من الشيعة الروافض وغيرهم .. كما كان معد ومخطط لها من قبل!
لذا نجد رئيس وزراء حكومة الغزاة " الجعفري " الرافضي يُصرح في مؤتمر صحفي عبر الأثير قائلاً:" على الذين يطعنون بالعملية الانتخابية أن يُدركوا حقيقة مهمة؛ وهي أن هدف الانتخابات أن يفوز كل العراقيين "؛ بحيث تُعطى كل طائفة أو جماعة حصتها من مقاعد الحكم التي ترتضيها لها أمريكا، وبالقدر والطريقة التي تخدم مصالح الغزاة وسياساتهم في المنطقة .. وعلى مبدئهم القديم " فرق تَسُدْ "!
هذا الذي نذكره ليس خفياً على كثير من الناس .. وليس هو من الأمور المعضلة التي يصعب اكتشافها .. فما أكثر التجارب الانتخابية الديمقراطية التي خذلتها أمريكا ـ ومعها دول الغرب ـ لما كانت النتائج تأتي بخلاف توقعاتهم .. وفي الاتجاه الذي لا يرضونه ولا يخدمهم .. كان من آخر ما يدل على ذلك تصريحهم ـ عن طريق ممثلهم خافيير سولانا ـ وبكل وضوح وصراحة بأنهم سيقطعون عن الشعب الفلسطيني المساعدات .. في حال رشحت " حماس " نفسها للانتخابات التشريعية .. أو اختارها الشعب الفلسطيني!
بعد كل ذلك يقولون بكل وقاحة وكذب: أنهم يحترمون اختيار الشعوب .. ويحترمون الشعوب التي تنتهج الطريقة الديمقراطية الانتخابية!
فإن قيل: إذا كان الذين يحكمون العراق من دون انتخابات هم أنفسهم الذين سيحكمون العراق من خلال الانتخابات وبعد الانتخابات .. والنتائج معلومة من دون الانتخابات وقبل الانتخابات .. فما هو غرض الغُزاة من هذه الانتخابات والتشجيع على ممارستها .. وإشغال الناس بها؟
أقول: لأن الانتخابات تُحقق للغزاة الصليبيين الأهداف والمصالح التالية:
1- تُصبغ الانتخابات على حلفائهم وعملائهم في العراق الشرعية؛ حيث سينظر إليهم الناس على أنهم حكموا العراق بناء على اختيار ورغبة الشعب العراقي .. وليس بناء على اختيار ورغبة الغزاة المستعمرين!
2- إصباغ الشرعية على غزوهم للعراق .. وكل ما اقترفوه من جرائم في العراق .. من خلال وجود الحكومة الشرعية المنتخبة التي تُبارك غزو الغزاة .. وجرائم الغزاة .. وهذا بُعد مهم للغزاة ليظلوا يُمارسون جرائمهم بحق الشعوب والإنسانية .. تحت غطاء الشرعية .. ومباركة وتأييد الشرعية!
3- محافظة الغزاة على مصالحهم ومكاسبهم وسياساتهم في المنطقة من خلال وجود حكومة شرعية ومنتخبة ـ ولو في الظاهر! ـ يسلِّم الناس بشرعيتها .. تجعل من أهم أولوياتها حماية مصالح ومكاسب الغزاة المحتلين!
وبالتالي أيما فعل يقوم به الغزاة بحق العراق .. وحق الأمة .. يُصبح مشروعاً ومباركاً مادام قد حظي هذا الفعل بالغطاء أو الموافقة والمباركة من هذه الحكومة الشرعية .. التي اكتسبت شرعيتها ـ كما يزعمون ـ من خلال العملية الانتخابية الديمقراطية!
4- لضرب الاتجاه الجهادي المسلح الذي يُفسد على الغزاة المستعمرين مخططاتهم ومصالحهم .. ووجودهم في المنطقة .. ولصرف الناس عن نصرة وتأييد ذوي هذا الاتجاه ودعمه .. فالناس ـ قد يتساءلون بعد هذه الانتخابات ـ لماذا يُجاهدون أو يؤيدون المجاهدين .. مادامت قد قامت لهم حكومة شرعية عن طريق الانتخابات .. وصناديق الاقتراع ـ زعموا! ـ وهذا الذي يريده الغزاة المستعمرون لتخلو لهم الساحة من معارض قوي صادق!
5- تفريق العراقيين في كتل وطوائف وتجمعات .. وأحزاب .. متناحرة مختلفة المشارب والطموحات .. تساعد الغزاة المحتلين على اختيار الحليف المناسب .. وبالتالي التدخل في الشؤون العراقية وقتما يشاءون .. كما وتساعدهم على تمرير ما يشاءون تمريره .. ووقتما يشاءون!
لذا نعود فنقول ـ بغض النظر عن شرعية الانتخابات، وما يجوز منها ومالا يجوز من الناحية الشرعية ـ: لا يمكن للمسلمين أن يُمارسوا أي عملية اختيار تمثلهم حقيقة .. مادامت بلادهم ـ شعوباً وأنظمة ـ خاضعة للهيمنة الأمريكية والغربية .. لا يجوز لهم أن يمرروا شيئاً من شؤون حياتهم وحكمهم إلا بعد موافقة أمريكا وحلفائها من دول الغرب!
لا بد لهم أولاً من أن يعملوا على تحرير أنفسهم وبلادهم من هيمنة الغزاة المستعمرين .. وهيمنة عملائهم وحلفائهم من طواغيت الحكم والكفر .. ويعيشوا أحراراً أعزاء في واقع حياتهم العامة والخاصة .. ثم بعد ذلك يأتي الحديث عن العملية السياسية .. والنظام السياسي الذي ينبغي أن يحكم البلاد والعباد.
كيف يزعمون بأن انتخاباتهم حرة .. ونتائجها حرة .. وصادقة .. وهم في نفس الوقت يعيشون تحت وطأة وهيمنة الغزاة المستعمرين .. لا يمكن لهم أن يمرروا شيئاً من شؤون الحكم والسياسة والحياة إلا ما يرضي الغزاة!
كيف يزعمون ـ هؤلاء الذين ينتهجون الانتخابات الديمقراطية ـ أنهم قادرون على منح الحرية لشعوبهم .. وعلى أن يحققوا لهم شيئاً من تطلعاتهم وآمالهم .. وهم عبيد غير أحرار .. لا يستطيعون الفكاك ولا الخروج عن السياسات ولا الخطوط الحمراء التي تُرسم لهم من قبل الغزاة المستعمرين .. ففاقد الشيء لا يمكن أن يُعطيه!
أيما فرد أو حزب أو اتجاه يريد أن يسير في طريق الانتخابات الديمقراطية .. وهو في نفس الوقت يعيش تحت وطأة هذه الهيمنة الأمريكية الغربية .. فإنه لا بد له أولاً من أن يبرمج نفسه، وحزبه، وأفكاره وفق الأجندة الأمريكية الغربية، والصهيونية .. ووفق مصالحهم وسياساتهم وأولوياتهم .. وإلا لا يُسمح له .. إلا إذا كانت مشاركته ضعيفة هزيلة لا أثر لها يُذكر على مجريات الحكم واتخاذ القرارات .. فحينئذٍ قد لا يؤبه له ولا لحزبه[[1]].
وبالتالي أيما ممارسة سياسية قبل عملية التحرر الكامل من الهيمنة الأمريكية الغربية على البلاد والعباد .. فهي من جهة تُعتبر مضيعة للطاقات والأوقات .. وتخديراً للشعوب .. ومن جهة أخرى فهي قلب للحقائق وإتيان للبيوت من غير أبوابها .. ومن جهة ثالثة فهي ممارسة ضعيفة .. ومنقوصة .. ومشبوهة .. لا يُمكن أن ترقى إلى مستوى أن تمثل إرادة واختيار شعب من الشعوب!
هذه حقيقة ساطعة من مسلمات هذا العصر، لا ينبغي الجدال حولها .. ومع ذلك لا يزال ـ وللأسف ـ من بني جلدتنا وديننا من يُكابر ويجادل حولها .. ويزين المشاركة في الانتخابات الديمقراطية .. وهو في نفس الوقت تراه مسلوب الحرية والكرامة .. والقرار .. يعيش ذليلاً تحت وطأة وهيمنة الغزاة المستعمرين .. وهيمنة عملائهم وحلفائهم من طواغيت الحكم والكفر والردة عبيد الأمريكان .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
21/11/1426 هـ / 22/12/2005 م.
[1] على سبيل المثال لا الحصر، تأمل الشروط التي أملتها أمريكا ـ ممثلة بمجلس نوابها ـ على حماس، لكي يُسمح لها أن تُشارك في الانتخابات التشريعية الفلسطينية:" أن تعترف بما يُسمى حق إسرائيل في الوجود، وتدين ما يُسمى الإرهاب، وتتخلى عن أسلحتها بصفة دائمة، وتفكك بنيتها الأساسية الإرهابية " انتهى نقلاً عن موقع الجزيرة على الإنترنت.
قلت: هذا المعلَن .. وما خفي أعظم .. هذه البرمجة وفق المطالب الأمريكية الصهيونية يجب أن تكون قبل الانتخابات .. أما بعد الانتخابات .. لو حصل فوز نسبي .. فحدث ولا حرج؛ فإن البرمجة ـ وفق المطالب والسياسات الأمريكية والصهيونية ـ يجب أن تبلغ ذروتها وإلى درجة الاختناق، والتخلي عن معظم ثوابت الدين والعقيدة .. ثم بعد كل هذه البرمجة وهذا الخناق والتضييق يزعمون زوراً بأنها انتخابات ديمقراطية حرة تمثل إرادة الشعب واختياره .... فتأمل!!