GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          لماذا الإخوان المسلمون حصلوا في الانتخابات التشريعية الحالية على نسبة تقارب 20% من مقاعد المجلس التشريعي المصري .. أي ما يُقارب المائة عضو من مجموع أعضاء مجلس الشعب المصري .. وهي نسبة لم يكن يحصل عليها الإخوان المسلمون من قبل؟!

          لماذا كان الإخوان المسلمون ـ طيلة ثلاثة عقود تقريباً ـ يتراوح تعدادهم في مجلس الشعب المصري ما بين عشرة إلى عشرين عضو .. ولا يتجاوزون هذا العدد .. بخلاف الذي حصل في الدورة الحالية من الانتخابات؟!
          لماذا الشعب المصري استطاع أن يُعبر عن اختياره وبصورة جريئة نسبياً .. قياساً للانتخابات السابقة على مدار أكثر من ثلاثة عقود؟!
          ثم كيف تكون هذه الانتخابات عبارة عن رسالة من أمريكا وإليها ..؟!
          هذا ما سنجيب عنه ـ بإذن الله ـ في هذه الأسطر .. ليكون القارئ على بينة ودراية بما يجري حوله، وحتى لا يؤخذ على حين غفلة أو غرَّة!
          أما كيف تكون الانتخابات المصرية عبارة عن رسالة من أمريكا ..؟
          أقول: أدركت أمريكا ضعف الدكتاتورية الطاغية للنظام المصري .. وأنه لم يعد بمقدوره أن يواكب التطلعات والإصلاحات الديمقراطية في المنطقة .. وأن التمسك بالنظام المصري ـ على ديكتاتوريته وتخلفه رغم عمالته ـ سيفقد أمريكا كثيراً من المصداقية نحو الشعارات التي ترفعها ذات العلاقة بإصلاح ودمرقطة الشرق الأوسط وفق رؤيتها .. وفي المقابل أدركت تزايد نمو الانتماء والشعور الديني لدى الشعوب المسلمة .. والشعب المصري بخاصة .. الذي يحملها على المطالبة بحقوقها التي اغتصبها طغيان الحاكم وحزبه، ونزعها منه .. وبالتالي لا بد من الاعتراف أو التعامل مع هذا الاتجاه!
          هذه المعادلة التي أدركتها أمريكا .. ألزمتها ـ حتى لا تفقد الجميع .. وتتهاوى شعاراتها البراقة في المنطقة ـ أن تعترف بشيء من حقوق وحرية الشعب المصري .. فأوحت إلى النظام المصري .. بأن يعطي الانتخابات التشريعية الحالية نسبة من الحرية المعقولة قياساً للانتخابات السابقة .. وأن يكون التزوير والتدخل بنتائج الانتخابات كذلك محدوداً قياساً للانتخابات السابقة .. ثم هي مع ذلك فرصة لأمريكا أن تتعرف أكثر على اختيار الشعب المصري .. لكي تُحسن احتواءه والتصرف معه!
          هذه الرسالة ـ من أمريكا ـ فهمها النظام المصري .. وفهمها الأخوان المسلمون .. وفهمتها الأحزاب المصرية المعنية من الانتخابات ونتائجها .. وفهما غالبية الشعب المصري ممن شاركوا في الانتخابات ومن لم يُشاركوا .. لذا جاء التعبير عن الانتخابات بالصورة التي رأيناها ورآها الجميع .. والتي تخللتها عمليات القمع والبلطجة من الجميع .. وبخاصة من طرف النظام الحاكم وحزبه!
          لماذا البلطجة والقمع إلى درجة ارتكاب جريمة القتل .. إذا كانت الرسالة رسالة أمريكية .. وعلى الجميع أن يلتزم بمضمون هذه الرسالة؟
          أقول: لأن مضمون الرسالة الأمريكية أن يُعطى الشعب المصري نسبة محدودة من الحرية .. لا مطلق الحرية .. حتى لا تأتي النتائج مفاجئة لأمريكا وحلفائها .. فتخرج الأمور عن السيطرة .. ويصعب احتواؤها .. هذه النسبة المحددة أراد النظام المصري الالتزام بها، وفرضها، وعدم تعديها ـ وليس له كعميل مطيع إلا أن ينفذ ما يؤمر به ـ، بينما الأحزاب ومعها أنصارها وأتباعها من جهة أخرى لم تلتزم بهذا الحد من الحرية الذي سُمح به، فأرادت أن توسعه أكثر مما قُدر ورُسم له من قبل أمريكا .. فهي فرصة لها لم تكن تحلم ولم تتنعم بها من قبل .. لذا فأرادت أن تستغلها إلى أبعد حد ممكن .. مما أدى إلى هذه البلطجة، وهذا التصادم والعنف والقمع، والقتل ...!
          وإلا من حقنا أن نسأل: لماذا الإخوان لم يحصلوا من قبل على العدد الذي حصلوا عليه في الدورة الانتخابية الحالية .. هل لأن الشعب المصري أكثر تعاطفاً مع الدين والمتدينين مما كان عليه قبل أربع أو خمس سنوات ..؟!
          لماذا لأول مرة يُمارس المنتخبون الانتخابات .. بمثل هذا النوع من الهيجان .. والشجاعة والإقدام .. والدعاية الجريئة .. بصورة لم تُعرف عنهم من قبل؟
لماذا جاءت النتائج بهذا القدر والتقسيم .. وبصورة لم تعرفها مصر من قبل؟
الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها يؤكد ما ذكرناه من أن الانتخابات المصرية ما هي إلا عبارة عن رسالة أمريكية .. وتجربة أمريكية في المنطقة .. وبالتالي لا بد لهذه الانتخابات من أن تلتزم بما تضمنته هذه الرسالة!
وبعد أن علمنا أن الانتخابات المصرية هي عبارة عن ترجمة لرسالة أمريكية للمنطقة .. يأتي السؤال الآخر: كيف تكون هذه الانتخابات رسالة إلى أمريكا .. ترتد عليها وهي التي أرسلتها؟!
أقول: أيما مرسل يرسل رسالة فإنه ينتظر جواباً على رسالته ممن قد أرسلها إليه .. والذي تصدر الرد على الرسالة الأمريكية هم الأخوان المسلمون؛ لأنهم هم المعنيون بالدرجة الأولى من الرسالة الأمريكية!
بماذا أجاب الأخوان المسلمون على الرسالة الأمريكية ..؟!
أجابوا عليها بالرسائل التالية:
1- أرسلوا رسالة ـ على لسان مرشدهم ـ بأنهم لن يُحاربوا الدولة الإسرائيلية .. وأنهم سيُحافظون على معاهدات السلام معها التي كان قد أبرمها الحاكم السابق أنور السادات مع الصهاينة اليهود!
2- أكدوا على الوحدة الوطنية التي تغيب عقيدة الولاء والبراء في الله .. وتساوي بين جميع شرائح المجتمع ـ الملحد الكافر منهم والمؤمن المسلم ـ في الحقوق والواجبات .. وترجموا هذه الرسالة بالتحالف مع نصارى الأقباط في الانتخابات والتصويت لهم .. وأنهم لا يُعارضون أن يكون رئيس مصر القادم من النصارى الأقباط!
3- أكدوا على التزامهم بالدستور العلماني المصري .. وأن شعار " القرآن دستورنا " الذي رفعوه لعدة عقود ما هو إلا شعار عاطفي قد رُفع لاستقطاب الجماهير وحسب .. لا حظ له في واقع الحياة والناس!
4- أكدوا على التزامهم بالديمقراطية والتعددية الحزبية .. والتحاكم إلى صناديق الاقتراع .. وتقديسهم لاختيار الشعب .. أياً كان اختياره .. ولو اختار الشرك والكفر والإلحاد على التوحيد والإيمان! 
5- أرسلوا رسائل عدة فحواها أنهم ضد العنف .. وبراءتهم من العنف .. وأنهم سيكونون عوناً لأمريكا في حربها على الإرهاب والإرهابيين .. كما يزعمون!
6- أرسلوا رسائل عدة تفيد تعاونهم مع النظام العراقي العميل الذي اصطنعته أمريكا بدباباتها الديمقراطية .. وهذا مطلب من مطالب السياسة الأمريكية المعاصرة .. ولعل أبرز تلك الرسائل تتمثل في اللقاء الأخير  بتاريخ 21/11/2005م، بين المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف مع الرافضي الجعفري رئيس الحكومة العراقية الحالية .. وثناء كل منهما على الآخر ..
وعلى جهود الآخر! 
هذه الرسائل التطمينية كلها أرسلت ـ قبل وبعد الانتخابات ـ من قبل الإخوان إلى أمريكا .. ليحظوا على رضاها وموافقتها .. وأنها ـ أي أمريكا ـ تستطيع أن تتعامل معهم وتعتمد عليهم .. وأن الشعب المصري المسلم المتدين بدلاً من أن يختار المناهج والخيارات الأخرى التي لا تؤمن عواقبها على السياسة الأمريكية الصهيونية في المنطقة .. لا بد من توجيهه لاختيار الإخوان وبرنامجهم المعتدل، والمتمثل اعتداله في الرسائل المذكورة أعلاه!
هذه هي حقيقة الانتخابات المصرية .. وهذه هي الرسائل الخفية التي أرسلت باسمها .. وعلى الشعب المصري المسلم أن يُدرك هذه الحقيقة .. حتى لا يُصدم إذا ما جاءت النتائج عكس أو بخلاف ما كان يعتقد ويتصور ويأمل!
كما عليه ـ وعلى الشعوب الأخرى من المسلمين في بقية البلدان ـ أن يدركوا أن الديمقراطية التي يُسمح بها في بلادنا لن تكون أكثر من الديمقراطية التي تريدها أمريكا .. وبالقدر التي تخدم مصالح وسياسات وأطماع أمريكا في المنطقة .. وهذه حقيقة تكاد تكون من مسلمات هذا العصر .. لا يُجادل فيها اثنان من ذوي الفهم والعقل .. لذا لا تنتظروا من هذه الديمقراطية الأمريكية الموعودة خيراً .. واعلموا أن الحق الذي يؤخذ ويُنتزع غير الحق الذي يُعطى كمنة وتفضل من الآخرين .. يُعطونه ـ منة وتفضلاً ـ متى شاءوا وينزعونه متى شاءوا! 

عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
8/11/1426 هـ/ 9/12/2005م.

           

إرسال تعليق

 
Top