بسم الله
الرحمن الرحيم
أصدر الكونجرس الأمريكي
قانون " جاستا "؛ العدالة ضد رعاة الإرهاب، الذي يسمح لأهالي قتلى
تفجيرات 11 سبتمبر، بمقاضاة السعودية ومسؤوليها، تحت طائلة الإرهاب .. ولما استخدم
الرئيس الأمريكي أوباما حق الفيتو، ليمنع من صدور هذا القانون .. عارضه الكونجرس
الأمريكي، وأبطل الفيتو الرئاسي بتصويت أكثر من ثلثي أعضاء المجلس، وبشبه إجماع!
ماذا يعني ذلك ..؟
يعني جملة من الأمور، منها: أن أمريكا بدأت تشعر باستغنائها عن السعودية؛ الحليف القديم،
وإمكانية أن تضحي به في سوق المزايدات، وتزاحم المصالح .. ولم يستح بعض الساسة
والمسؤولين الأمريكيين عندما شبهوا السعودية بالبقرة الحلوب، إذا ما جفَّ ضرعها
لفظوها!
ومنها: رغبة
أمريكا في السطو على الترِكة والودائع السعودية في خزائن البنوك الأمريكية، والتي
تُقدر تقريباً بترليون دولار؛ أي ألف مليار دولار أمريكي، وفقاً لبعض التقارير
المختصة.
فحصيلة دعوة إبراهيم عليه
السلام لمكة وأهلها، وما حولها:[ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي
بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ
الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم
مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ]إبراهيم:37. في خزائن البنوك
الأمريكية ..!
ولكي تسطو أمريكا على هذه
الأموال تحتاج إلى ذريعة، وإلى قانون .. وقانون " جاستا "، يحقق لها هذا
المطلب اللصوصي، وقتما تشاء!
ومنها: أن
إيران، والسعوديّة تتنافسان فيما بينهما على طلب ود أمريكا .. وكل منهما يعرِض
إغراءاته وخدماته لأمريكا بطريقة مختلفة .. ويحرص على أن يصرف أمريكا عن الطرف
الآخر .. فهما ضرتان لا يمكن ــ لأمريكا ــ الجمع بينهما .. لا بد من أن تختار
واحدة منهما .. وعمّا يبدو قد وقع خيار أمريكا على إيران .. وعلى تقديم إيران على
السعودية؛ وذلك أن إيران تحقق لها ــ وبخاصة في هذه المرحلة ــ من المصالح، ما لا
يمكن أن يتحقق عن طريق السعودية!
إيران تحقق لأمريكا مطلبان
هامان: أولهما محاربة الإسلام، وتشويه صورته، وأصوله .. ثانيهما، محاربة المسلمين
السنّة في أي مكان .. فأي معركة تُدار ضد المسلمين السنة، وتقودها أمريكا، فإيران
على استعداد تام أن تكون جندياً وفياً ومخلصاً في هذه المعركة، كما أنها على
استعداد أن تسخّر كل إمكانياتها، وصلاحياتها، وعملائها، من أجل هذه المعركة!
وأمريكا تحتاج إلى حليفٍ من
هذا النوع؛ لأنها تجد في المسلمين السنة أعداء لها، لا يمكن تطويعهم وفق إرادتها
ومصالحها وأطماعها .. كما هو الحال عندما تتعامل مع طرف الشيعة الروافض، المتمثل
بإيران، وشيعة العراق وغيرهم .. فإيران لا يهمها من هذه المعركة القذرة سوى أن
تصدّر التشيع، والرفض، والطعن، والهدم إلى بلاد المسلمين .. وأن تجعل لنفسها،
ولعملائها وطائفتها نفوذاً في بلاد المسلمين .. وبعد ذلك خذ منها ما تشاء .. وليكن
ما يكون .. وهذا جانب لا يقلق الأمريكان، بل يفرحهم، ويصب في مطلب محاربة الإسلام
وتشويه صورته وأصوله، الذي يسعون إليه، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك!
من فهم ما تقدم أعلاه، فهم
لماذا جميع من تصنفهم أمريكا في خانة الإرهاب، وتضعهم تحت طائلة الملاحقة باسم
الإرهاب هم من المسلمين السنة .. حتى وصلت بها الوقاحة في نهاية المطاف أن تدرج
السعودية في هذه الخانة .. على ما بينهما من تحالفات وعلاقات قديمة .. بينما في
المقابل ترفض أن تصنف إيران، وأي فصيل شيعي رافضي في العالم في خانة الإرهاب،
وتلاحقه تحت طائلة الإرهاب، مهما مارسوا من الإرهاب والجرائم، والمجازر بحق
الآمنين من المدنيين المستضعفين، كما هي سيرتهم الإجرامية الإرهابية في سوريا،
والعراق، واليمن، وأفغانستان، ولبنان، وغيرها من البلدان!
ومنها: أن
تمارس أمريكا ــ من خلال هذا القانون ــ الابتزاز، والإرهاب النفسي، والسياسي على
السعودية، لو خطّت لنفسها طريقاً ونهجاً لا ترضاه أمريكا!
فأي تحرك سعودي في سوريا،
أو العراق، أو اليمن .. لا يُرضي أمريكا، ويؤثر سلباً على إيران، وعملائهم من الشيعة
الروافض .. وعلى المصالح الأمريكية .. سرعان ما تهز أمريكا بعصا قانون "
جاستا "، لتخيف السعودية، وتذكرها بأن أمريكا بإمكانها أن تلاحقها وفق قانون
الإرهاب .. إن لم تمسك وتكف عن التدخلات والممارسات التي لا ترتضيها أمريكا!
وفي كثير من الأحيان نجد أن
السعودية ــ وللأسف ــ تخاف من هذا الجانب، فتُمسك، وتُحجِم؛ فبعد أن تجد لها
انطلاقة سريعة وفاعلة في منطقة من المناطق كاليمن، وسوريا .. لا ترضي أمريكا ..
نستبشر بها خيراً .. سرعان ما تنكمش، وتجبن، وتتوقف حركتها .. وبفتور ملفت للنظر
.. وكأن الأمر لم يعد يعنيها!
فهذا القانون " جاستا
" عصا مسلطة على السعودية .. لا تُستخدم ولا تُفعّل إلا في حال خطت السعودية
لنفسها مسلكاً، وسياسة لا ترضاها أمريكا!
كذلك يُستخدم هذا القانون
في حالات الابتزاز السياسي والمالي، عندما تتمنّع السعودية عن شيء تريده أمريكا ..
يكفي حينئذٍ أن تهز لها ــ عن بُعد ــ بعصا قانون الإرهاب " جاستا " ..
لذا فإن الحديث عن قانون " جاستا "، لا أعتقد أنه سيتوقف، بل سيتجدد
كلما تجددت الحاجة إليه!
ومنها: وهذه
نقطة نذكرها للاتعاظ والاعتبار .. وهي أن السعودية لمّا صنفت جماعة الإخوان
المسلمين، وجماعة جبهة فتح الشام، ظلماً وعدواناً ــ وكلاهما جماعتان سنيتان ــ
على أنهما جماعتان إرهابيتان محظورتان .. عُوقِبت من جنس فعلها؛ فتنكر لها الحليف
الأمريكي القديم، وصنّفها في نفس الخانة؛ خانة الإرهاب ...!
وإنا لنرجو من الملِك
الجديد أن يصحح خطأ ــ وأخطاء ــ من سبقه ...!
فإن قيل: كيف الحل .. وقد
وقع الذي وقع؟
أقول: الحل يكمن في خيارين:
أولهما: الابتعاد عن أي خيار أو مسلك يعرّض السعودية إلى مزيد من
الابتزاز السياسي، والاقتصادي .. فاللجوء إلى الصهاينة اليهود ــ أو غيرهم ــ
واسترضائهم، ليكونوا وسطاء للسعودية عند الأمريكان .. يزيد الطين بلة .. ويعرض
السعودية إلى مزيد من الاستغلال، والابتزاز .. ومن غير نتيجة تُحمَد .. لأن هذه
الأطراف ما عُرف عنها أنها يمكن أن تقدم خدمة لأحد من غير مقابل يرتد عليها بالنفع
.. ثم على قدر الحاجة، يكون الابتزاز، ويكون الاستغلال!
ثم عسى أن يكون في بعد
أمريكا عن السعودية .. وانفكاكها عنها خيراً كثيراً بإذن الله .. فكلما ابتعدت
السعودية عن أمريكا أكثر، كلما اقتربت من الله أكثر .. [وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ
شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ
لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ] البقرة:216.
ثانيهما: أن تصطلح السعودية؛ ممثلة بملوكها، وحكامها، وقادتها ــ بحق ــ
مع الله أولاً .. ثم مع الشعب السعودي المسلم وعلمائه ثانياً، فتزداد به تلاحماً
وتماسكاً .. ثم تصطلح مع قضايا الأمة المسلمة، وبخاصة في المناطق الساخنة، فتقف مع
الحق بوضوح، من غير جبن ولا لجلجة أو تردد .. وبخاصة منها منطقة الشام التي يخوض
فيها أهلها ومجاهدوها معركة عظيمة ضد قوى الشر والتشيع والرفض، وغيرهم من الأعداء،
نيابة عن الأمة كلها!
الحاكم الذي يستعصم بهذه
الجوانب الثلاثة الآنفة الذكر أعلاه .. هو في حصن منيع .. له ركن شديد يأوي إليه
.. مهما كاده الأعداء، ومهما كانت قوتهم، لا يقدرون عليه، بإذن الله.
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
1/10/2016