بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمدُ لله وحده، والصَّلاةُ والسّلامُ
على مَن لا نبيَّ بعدَه، وبعد.
فإن الإنسانَ خُلِق لعبادة الله تعالى
وحده، وهو يَعبدُ الله تعالى محبَّة، وطاعة، وخضوعاً، وانقياداً لأمره سبحانه
تعالى، ابتغاء مرضاته، والتماساً لمحبته، واتقاء لسخطه وغضبه، ورغبة بما أعدّ الله
تعالى لعباده المؤمنين من أجرٍ عظيم، في جنات النعيم.
قال تعالى:[ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ]الذاريات:56. وقال تعالى:[ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ]البينة:5. وقال تعالى:[ قُلْ إِنَّ
صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ]الأنعام:162.
فالمرء يعبد الله تعالى على النحو الذي
أمر الله به؛ لأنه تعالى هو المطاع والمحبوب لذاته؛ لأنه هو هو سبحانه الذي له
الأسماء الحسنى والصفات العليا، ولأنه المعبود بحق، الذي يجب أن تُصرَف العبادة له
وحده، ولأنه تعالى يريد منّأ أن نعبدَه على الوجه الذي أمر به وشرع، فنعبده كما
أمر، وننقاد لأمره بغض النظر عما يترتب على الأمر أو النهي من حكمة، ومصالح .. وما
يترتب على العبادة بعد ذلك من منافع ماديّة دنيوية ــ إن قدَّر الله شيئاً منها ــ
فهي تأتي تبعاً لا قصداً، كما لا يجوز أن تكون شرطاً للعبادة؛ إن تحققت تمت ووجدت العبادة،
وإن تعطلت أو تأخرت، توقفت وانتفت العبادة!
عندما يكون الغرض من العبادة المنافع
الماديّة الدنيوية، يضعف الإخلاص، والتّجرد، وتضعف علاقة العبد بربه، وتصبح
العلاقة تجاريّة مقتصرة على الجانب النفعي المادي المصلحي وحسب، والنظر إلى مبدأ
الربح والخسارة، ماذا يربح من هذه العبادة، وماذا يخسر من المنافع .. وتكون
العبادة بمثابة شرط وتجارة ومكاسب مادية نفعيّة، فهذا مقابل هذا؛ فالعبادة مقابل
المنافع المادية الناجمة عنها، فإن انتفت المنافع ولم تتحقق انتفت العبادة أو ضعفت
وفترت، أو شُّك في الجدوى منها، وبخاصة في أجواء المحن والشِّدة .. وهذا لا ينبغي
ولا يجوز، لما فيه من إساءة أدب في التعامل مع الله تعالى، ولمخالفته لما كان عليه
النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام من نهج، واستقامة .. فالله تعالى لا
يُشتَرَط عليه، كما لا يجوز أن يُجرّب؛ إن أعطانا عبدناه، وإن أمسك أمسكنا،
وانتكسنا!
الذي حملني على تسجيل هذا التنبيه أن
كثيراً من وعّاظ هذا العصر ــ من قبيل ترغيب الناس بالعبادة! ــ يفسّرون العبادَة
تفسيراً نفعياً مادياً دنيويّاً، ويربطون بين الشعائر التعبدية وبين منافعها
المادية الدنيوية، ويصورون المنافع المادية الدنيوية الناجمة عن العبادات، وكأنها
هي الأصل، وهي القصد، والغرض الأساس من العبادة!
فالصوم؛ شُرِع لأن فيه نفع للجسد وللصحة
.. فصوموا تصحوا .. ويتحقق منه " الرُّجيم " المطلوب لتخفيف الوزن ..
ونحو ذلك من التفسيرات .. المباينة للتفسير التعبدي للصوم؛ وهو أننا نصوم عبادة
وطاعة لله تعالى، امتثالاً لأمره، وطلباً لرضاه.
وكذلك الصلاة؛ فهي رياضة بدنيّة، وتنشيط
للجسم والقلب .. والدورة الدموية .. ومناسبة للقاء المصلين بعضهم مع بعض، يتفقدون
أحوالهم!
والزكاة والصّدقات؛ تنمي الأموال
وتزيدها ...!
والحج؛ مؤتمر سنوي عالمي يجمع المسلمين
في العالم، على اختلاف مشاربهم، وألوانهم، ليتدارَسوا أحوالهم وقضاياهم الهامّة
...!
والتَّقوى؛ من أجل الرزق، وتعجيل الفرج
.. وليس لأن الله تعالى أهل للتقوى؛ بامتثال فعل ما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر!
والاستغفار؛ مجلبة للرزقِ، وللولد ...!
والشكر؛ من أجل الزيادة، وحرصاً على
الزيادة؛ فهو قبل الشكر، ومع الشكر، وبعد الشكر يفكّر بالزيادة .. وليس لأن الله
تعالى أهل لبالغ وعظيم الشكر، على نعمه الوافرة التي لا تُعد ولا تُحصى .. ثم
الزيادة تأتي تبعاً إذا شاءها الله تعالى وقدَّرها.
وصِلةُ الرّحم؛ من أجل تنمية المال،
وإطالة العمر ...!
والصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم،
من أجل رفع الهم والغم، وصرف البلاء ... وليس لأن الله تعالى أمرنا وتعبدنا
بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم
علينا أن نصلي عليه، وكلما ذُكِر صلى الله عليه وسلم!
حتى الأذكار؛ التّسبيح، والتهليل،
والتكبير، فهي تُقال من أجل دفع الشر والأشرار .. وجلب الخير والنفع المادية ..
وليس لأن الله تعالى يستحق التمجيد والتَّعظيم والتَّأليه، وأن هذه الأذكار تقربنا
إلى الله تعالى، وتزيد من حبنا له، ومن حبه لنا سبحانه وتعالى!
وكذلك الجهاد؛ شُرع من أجل أغراض ومكاسب
ومنافع دنيوية، فإذا انتفت هذه المكاسب والمنافع، تعطّل الجهاد، وأصبح الجهاد
إرهاباً ...!
والإسلام قبل الانتخابات، هو الحل، وبعد
الانتخابات والفوز بالمكاسب والمنافع المادية الدنيوية، يصبح القانون الوضعي هو
الحل ...!
حتى الولاء والبراء، أصبحا يُعقدان على
أسس نفعية مادية، وحزبية ضيّقة، ويُعلقان بالمكاسب والمنافع الماديّة الدنيوية
...!
والحِجاب؛ لأنه جميل، ولأنه يحفظ المرأة
من الأذى والأشرار .. وليس لأن الله تعالى قد أمر بالحجاب، وما على المرأة المسلمة
إلا السمع، والطاعة، والانقياد لأمر ربها وخالقها؛ حتى لو أمِنت ــ في ظرف من
الظروف ــ جانب الأذى والشر، والعدوان!
وطلب العلم، يفتح لك باباً للوظيفة
والعمل، والكسب ...!
والإمارة؛ مكسب، وغنيمة، وسيادة، ورياسة،
وعلو في الأرض ...!
وهكذا كل أمرٍ تعبّدي يفسرونه تفسيراً
نفعياً، ويعلقونه بالمنافع الماديّة الدنيوية، حتى غاب المعنى الحقيقي للعبادة، والغاية
منها، وما هو المراد من كل أمرٍ تعبدي تعبّدَنا الله به، قال تعالى:[ لَن يَنَالَ
اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ]الحج:37.
وفي الحديث، قد صحّ عن النبيّ صلى الله
عليه وسلم أنه قال:" إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى صورِكُم وأموالِكُم، ولَكِن ينظرُ إلى قلوبِكُم وأعمالِكُم "مسلم. ماذا وقر في القلوب من إخلاص،
وإجلال، وخشية، وتوقير، وتعظيم، وخضوع، وانقياد، ومحبة لله عز وجل، هذا الذي ينظر
اللهُ إليه، وهذا الذي يريده من عبده.
ونحن هنا لا ننكر المنافع والمكاسب
الماديّة والنّفسيّة النَّاجمة عن العبادة، فهي حق، وهي كثيرة وعظيمة الشأن ولله
الحمد، يُمضي الله منها ما يشاء، وقتما يشاء .. نحمده تعالى ونشكره عليها .. ولكن
لا يجوز أن تكون هي الغرض أو القصد من العبادة .. كما لا يجوز أن تكون علاقة العبد
بربه قائمة على أساس نفعي مادي دنيوي، فالمنافع المادية الدنيوية تأتي تَبَعاً، لا
قصداً، والله تعالى أعلم.
عبد المنعم مصطفى
حليمة
" أبو بصيرٍ
الطرطوسي "
13/6/2018
www.abubaseer.bizland.com