في طفولتي كُنتُ أرعى الماعِزَ والغَنَم؛ وكان لكلٍّ
منهما مَرعَاه والوقت الخاصان به دون الآخر؛ إذ يصعب جمعهما في مرعى واحدٍ، ووقتٍ
واحد؛ فالغنمُ سَهلةُ المِرَاس والانقياد، بطيئة في حركتها وتنقلها، ترعَى في
السهول، والهِضاب، ومما تُنبته الأرضُ من أعشَاب .. تميل للاجتماع، وعدم التّفرق،
إذ يندر تفرقها عن بعضها البعض، يكفي أن يكون للقطيع رأس كبير، منتفش الصوف، له
قرنين مفتولَين كبيرين .. ليمشي بقيّة القطيع خلفه، ويسيروا حيثما سار.
بينما
الماعِزُ صعبة المِراس والانقياد، سريعة التّفرق والشرود، كل رأس منها يحتاج إلى
راعٍ خاص به يراقبه، ويحدّد من حركته .. تهوى اعتلاء الجبال ورؤوسها .. وترعى مما
يصل إليها ويقرب منها من غصون الأشجار الدّانية .. وفي كثير من الأحيان كنت أضطر
أن أربطَ الأمهات، وأمد لهن في الحِبال، لتبقى صغارها حولها .. ومع ذلك كانت تجنح
للتفرق والابتعاد، والانفراد .. لا يُؤمَن عليها من غلواء التّفرق والشرود ..
واقتحام الحِمَى .. مثلها مثل الجماعات والفصائل العصيّة على الاتحاد
والاجتماع!
رأينا
كثيراً من الرّعاة، كيف أنَّ كلابَهم تساعدهم على جمع الأغنام، وضم بعضها إلى بعض،
لتجعلها تسير في مسارٍ واحد، أو تجعلها تدخل مدخلاً محدداً .. أو تُدخلها إلى
حظائرها .. لكن لم نرَ راعياً قط يستطيع أن يفعل شيئاً من ذلك مع الماعِز، ولو
استعان بعشرات الكلابِ المدرّبة ...!