بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ الفاضل علي بن عبد العزيز أمير الحركة الإسلامية في كردستان، حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.
فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، له الخلق والأمر، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وهو على كل شيء قدير، الذي فطر الخلق على توحيده، وخلقهم ورزقهم من أجل عبادته وتمجيده .
وأصلي وأسلم على خير الأنام محمد بن عبد الله الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وأخلص لها النصح، وتركها على المحجة البيضاء ـ محجة الكتاب والسنة ـ ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك أو ضال .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
وأسلم عليكم وعلى جميع الإخوان والمشايخ من طرفكم راجياً لكم جميعاً الخير والتوفيق والسداد لما يُحبه الله تعالى منا ويرضاه .. وأن يجعلنا جميعاً من جنده الذين ينصر بهم دينه وتوحيده ، ويُعلي بهم كلمة الحق والدين .
الشيخ الفاضل حفظه الله ..قد آليت على نفسي ـ في هذه الرسالة ـ أن أنصح لكم وللإخوان وأُخلص في النصح والبيان، وأن أُذكِّر ببعض الأمور الهامة .. راجياً أن يجد كلامي عندكم القبول الحسن، والصدر الواسع وأنتم أهل لذلك إن شاء الله تعالى .
فإن لمستم في بعض مواضعه شدة فهو ليس مراد لذاته ـ لا والله ـ وإنما حملنا عليه الحرص الشديد على سلامة الحركة الإسلامية .. والعمل الإسلامي برمته في كردستان من أن يعتريه بعض النقص أو التقصير ـ الغير متعمد ـ فينعكس أثر ذلك سلباً على جميع المسلمين قيادةً وشعباً .. وهذا مالا نريده أن يقع أو يحصل منه شيء .
وجملة الأمور التي أود بيانها والتذكير بها تتلخص في النقاط التالية:
أولاً: نعلم جميعاً أن السياسة من الدين .. وأن العمل السياسي نص عليه الإسلام وأمر به، ولا يجحد ذلك إلا كل علماني منافق متهم في دينه وإيمانه .
وأعني بالعمل السياسي قيادة الأمة أو الشعوب وتسيير مصالحها وشؤون حياتها بالإسلام؛ أي بالكتاب والسنة .. ومتى يخرج العمل السياسي عن هذا الوصف أو الضابط فهو يخرج عن وصفه الإسلامي، ويفقد شرعيته ومبرر وجوده .
السياسة عند غيرنا من دعاة الجاهلية المعاصرة ـ على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ـ غاية ترخص في سبيلها جميع الغايات والوسائل، وإن أدى بهم الأمر إلى التفريط بجميع حقـوق
الأمة وثوابتها، ومصالحها العامة والخاصة ..!
أما السياسة عندنا فهي وسيلة لغيرها، لا ترقى درجةً أن تزاحم الغايات والثوابت العامة لهذا الدين، فضلاً عن أن تُقدم عليها .. فضلاً عن أن يُضحى بالثوابت والغايات من أجلها ..!!
ثانياً: إن أعظم وأجل وأعلى غاية لهذا الدين .. هو تحقيق التوحيد حق الله على العبيد .. الذي لأجله خلق الله تعالى الخلق، وأمدهم بالرزق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب ..
فهو ـ أي التوحيد ـ غاية الغايات ترخص في سبيله جميع الغايات فضلاً عن الوسائل .. لأجله شرعه الله تعالى الجهاد والقتل والقتال، وأمر بالهجرة ومفارقة الأهل والأوطان .. وفيه يُعقد الولاء والبراء .. وعلى أساسه تُقسم الحقوق والواجبات .
وهو شرط للنصر والتمكين، والاستخلاف في الأرض كما قال تعالى:] وعدَ اللهُ الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينَهُم الذي ارتضى لهم وليبدلنَّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني ولا يُشركون بي شيئاً [، فكل هذا الخير والمن والعطاء مقابل تحقيق التوحيد .. يعبدونني ولا يُشركون بي شيئاً .
ومتى كان الأمر عند العاملين للإسلام على خلاف ذلك فإنهم يفقدون كثيراً من مبررات وجودهم كجماعاتٍ أو أحزاب، أو دعاة ..!
ثالثاً: من نصرة التوحيد نصرة الموحدين والذود عنهم وعن أعراضهم وحرماتهم .. كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:" من ردَّ عن عرض أخيه ردَّ اللهُ عن وجهه النارَ يوم القيامة "، وقال صلى الله عليه وسلم:" من حمى مؤمناً من منافقٍ، بعث الله ملكاً يحمي لحمه يومَ القيامة .."، وقال صلى الله عليه وسلم:" المسلمون تتكافأ دماؤهم .. يرد مُشِدُّهم على مُضعفهم، ومتسرعهم على قاعدهم "، وقال صلى الله عليه وسلم:" ما من امرئٍ يخذلُ امرءاً مسلماً في موطنٍ يُنتقص فيه عِرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطنٍ يُحب فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصرُ مسلماً في موطنٍ يُنتقص فيه من عرضه، ويُنتهكُ فيه من حرمته، إلا نصره اللهُ في موطنٍ يُحب فيه نصرته " . وغيرها كثير من الأحاديث والنصوص التي توجب النصرة والتناصر بين المسلمين الموحدين .
والذي حملنا على الإشارة إلى ذلك تساؤلنا وتساؤل العديد من إخواننا الموحدين عن موقف الحركة الإسلامية في كردستان الجريح إزاء الفتية من الموحدين الذين انفرد بهم المنافقون العلمانيون مؤخراً وقتلوا منهم أربعة عشر أخاً في معركة جبل قنديل .. نسأل الله تعالى أن يتقبلهم من الشهداء الأبرار .
أين موقف الجماعة الأم من هذا الحدث الجلل .. التي عهدناها ترعى جميع مصالح وحقوق المسلمين في الكردستان من دون تفريق أو تمييز ..؟!!
رابعاً: سمعنا وعرفنا ـ وهذا الذي نريده ونتمناه ـ أن الحركة الإسلامية في الكردستان هي الجماعة الأم الحانية على جميع التجمعات والفرق العاملة للإسلام .. تمد الجميع بالعطاء والدم والعون بغض النظر عن مواقف الآخرين منها ذماً ومدحاً، ولاءً أو جفاءً .. يكفيها منهم أنهم يعملون للإسلام ..!
مثلها مثل الأم الحانية العطوف المعطاء تُرضع جميع أبناءها .. ترعى الجميع .. العاق والبار منهم .. الجميل والقبيح منهم .. لا يُطاوعها قلبها أن ترضع طفلاً وتمده بالغذاء والعطف والحنان بينما الآخر يُحرم من كل هذا .. هكذا عود الناس الشيخ عثمان رحمه الله .
عودهم بأن جميع المسلمين لهم حقوق أخوة المسلمين .. وحق النصرة .. ما داموا ينتمون لهذا الدين الحنيف .. بغض النظر عن انتماءاتهم وولاءاتهم الحزبية !
نريد من الحركة الإسلامية أن تستمر في ذلك .. أن تستمر بمد يدها الحانية للجميع، وبخاصة منهم الشباب الذين أخلصوا الدعوة للتوحيد بعيداً عن الغلو أو الجفاء .. تمد إليهم جسور التعاون والتحاور والتفاهم .. وكل ما يُقرب بين الأخوة ويزيد بينهم التآلف والتحاب .. وأجرها في ذلك كله على الله تعالى .
المسلمون في الكردستان يعيشون بين ذئاب بل وحوش ضارية متربصة ومتحفزة للانقضاض ـ تحيط بهم من كل حدب وصوب ـ كلما سنحت لهم الفرص، لا يفوتون عليهم أي فرصة تسمح لهم أن ينهشوا نهشة من جسد الأمة ومن شبابها وأبنائها ..
وتعلمون من أعني بتلك الوحوش والذئاب الضارية التي أحكمت القبضة والخناق ..؟!
الدماء تسيل .. وفي كل يوم نودع شاباً بل مجموعة من الشباب .. بفعل وتآمر تلك الذئاب الضارية المصابة بالكلَب وحب سفك الدماء ..!
والسؤال: أيعقل مع هذا الواقع المرير للمسلمين أن يتفرقوا، ويزدادوا تفرقاً وانقساماً في تكتلات وتجمعات، وتحت أسماء وشعارات ما أنزل الله بها من سلطان تزيد الطين بلة .. والفرقة فرقة، والضعف ضعفاً .. تزيد الأعداء طمعاً بهم وتشجعهم على الانقضاض عليهم وقت يشاءون، ومن دون أن يحسبوا لهم أي حساب.. ؟!!
لذا فإنني أقترح تشكيل صيغة مشروع ـ مستمد من الكتاب والسنة ـ تجتمع عليه كلمة جميع العاملين للإسلام في الكردستان، بكل فرقهم وتقسيماتهم ..
فإن حصل عجز في تحقيق ذلك ..!! لا بأس أن يصاغ ميثاق يوقع عليه جميع الأطراف، يتضمن مبدأ التناصر والدفاع المشترك عند حلول أي خطر .. أو حصول أي اعتداء على أي مسلم أو مسلمة أياً كان اتجاهه أو انتماؤه؛ فالمسلمون لا يجوز لهم إلا أن يكونوا يداً واحدة على
من سواهم .
خامساً: مما يُعين على وحدة الصف والكلمة على المدى البعيد، توحيد مصادر التلقي والتثقيف عند أبناء الحركة بخاصة .. والمسلمين بعامة .
فلا يُعقل مثلاً أن يتلقى أبناء الجماعة الواحدة علومهم الشرعية وغيرها من مدارس عدة ومختلفة في الوسائل والغايات .. ثم يبقى هؤلاء الأفراد منسجمين فكرياً وثقافياً، وفي جميع المواقف الاستراتيجية والهامة ..!
ومن يتأمل الانقسامات المتعددة للجماعات الإسلامية المعاصرة يجد من الأسباب الرئيسية لذلك أنها لم تتنبه لهذا الأمر الهام، ولم تلق له بالاً .. المهم عندها الكم والعدد وأن يتحصل أفرادها على الشهادات الأكاديمية ـ بأي طريقة ـ بغض النظر عن الجامعات أو المدارس التي يتلقون منها العلوم وبخاصة منها الشرعية ..!
ولكي ندرك أبعاد الموقف نضرب المثال التالي: مجموعة من الأفراد جمعهم مجلس واحد .. أحدهم خريج جامعات الجزيرة العربية .. والآخر خريج جامعة الأزهر .. والآخر خريج الجامعات التونسية أو السورية، أو العراقية .. والآخر خريج الحسينيات والجامعات الإيرانية .. ثم تأمل صورة الحوار وحدته الذي يدور فيما بينهم .. وتأمل كذلك الساحة الضيقة من الانسجام والتفاهم الفكري أو الثقافي ـ وربما العقائدي ـ التي يمكن أن تتحقق فيما بينهم ..!!
وهذا واقع نعاني منه، ويواجه كل من يشرع في أي عمل توحيدي جاد بين الفصائل العاملة للإسلام ..!!
لذا لا بد للحركة الإسلامية ـ قبل فوات الأوان ـ من أن تتدارك هذا الأمر وتنتبه له إن أرادت لأبنائها الانسجام والتآلف على المدى البعيد …
سادساً: لضمان سلامة مسيرة العمل الإسلامي من دون مشاكل أو عقبات قد تعيق العمل الإسلامي برمته وتقلل من قيمته وجاذبيته، ومن جديته في العمل من أجل استئناف حياة إسلامية راشدة على مستوى الأمة .. لا بد من الانتباه للمزالق الشرعية العديدة التي تأتي من جهة التوسع في التعامل مع الأطراف التالية :
1- التوسع في التعامل مع الديمقراطيات المعاصرة، وأنظمتها وقوانينها .. مصدر كثير من الشر للجماعات الإسلامية المعاصرة .. والتي يترتب عليها مزالق شرعية عديدة لا تُحمد عقباها، تلامس ثوابت ومقاصد الإسلام العامة في الصميم .
2- التوسع في التعامل مع الأحزاب العلمانية المرتدة، إلى مستوى عقد التحالفات والاتفاقات معهم كما تفعل بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة، بينما نراها في المقابل تتحفـظ
كثيراً من مجالسة شابٍ يدعو إلى التوحيد، أو جماعة إسلامية غيرها ..!!
يستسيغون الجلوس مع العلمانيين بصدر واسع، وقلب مفتوح، وبانبساط غريب .. بينما
لا يُطيقون في المقابل أن يجالسوا أو يسمعوا من غيرهم من المسلمين ..؟!!
إنها ظاهرة موجودة، وهي ظاهرة مرضية وخطيرة جداً تستحق من الباحثين والدعاة المخلصين الدراسة والعلاج العاجل ..!
انظر كم هي المؤتمرات واللقاءات والحوارات التي تجرى ـ لغرض التقارب والتفاهم !! ـ بين الإسلاميين وغيرهم .. وكم هي المؤتمرات التي تجمع الإسلاميين أنفسهم على اختلاف فصائلهم وأحزابهم ؟!!
3- الانتباه إلى المزالق التي تتحصل من جهة التوسع في التعامل مع الشيعة الروافض .. الذين أثبتوا بالقول والفعل أنهم لا يرغبون في أن تقوم للأمة قائمة، وأن علاقتهم مع الآخرين قائمة على أساس مصالحهم الطائفية المذهبية المنحرفة ..!
لذا فإننا نحذر من التوسع في التعامل مع هذه الجهات الثلاث مصدر كثيرٍ من الشر لكثير من الجماعات الإسلامية المعاصرة ..!
بل كثير من الجماعات الإسلامية المعاصرة فقدت بريقها ومبرر وجودها، وخسرت شعبيتها بين الناس بسبب تلوثها بهذه الجهات الآنفة الذكر، أو ببعضها ..!!
وإن وجدت الضرورة المعتبرة ـ التي ترقى إلى درجة الإكراه ـ للتعامل مع طرفٍ من هذه الأطراف الآنفة الذكر، يكون بقدر وبقدر ما تسمح به الشريعة السمحاء، وبقدر ما تندفع به الضرورة من غير توسع أو إفراطٍ أو تفريط .. والله تعالى المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هذا ما أردت بيانه وذكره في هذه الرسالة الموجزة .. راجياً العلي القدير أن ينفع بها، وأن تصلكم وأنتم وجميع الأخوان من طرفكم في أحسن وخير حال في جميع أمور دينكم ودنياكم .. إنه تعالى سميع قريب .
كما أسأله تعالى أن يأخذ بأيديكم لما فيه نصرة هذا الدين، ولما فيه خدمة أهله من شعب كردستان المسلم الطيب .
ولا أنسى في الختام أن أخص بالسلام الشيخ الفاضل صديق حفظه الله، والأخ الفاضـل تحسين .. وجميع من يسأل عنا من الأحبة والأخوان .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم الداعي لكم بالخير والتوفيق .
عبد المنعم مصطفى حليمة
أبو بصير
25/6/1421هـ . 24/9/2000 م .