بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم .
وبعد، من أعظم ما ابتليت به الأمة في هذا الزمان هذه الجيوش والعساكر المنتشرة في أقطارها المختلفة .. فهي ظاهرة مرضية عامة ومشكلة كبيرة، ومدار جدال واسع وكبير بين قطاع الشباب حول مدى شرعية هذه الجيوش .. ومع ذلك فالمسألة لم تخضع للدراسة والبحث والإفتاء من قبل فقهاء العصر ..!!
فقد قلبت ما صُنف في كتب النوازل وغيرها من الكتب التي تحتوي على مجموع فتاوى المعاصرين، فلم أجد كلاماً شافياً ولا غير شافٍ في المسألة، وكأن هذه الجيوش من الأمور المسلمات ـ كالطاهر المطهر ـ لا يجوز أن يُقال فيها قولاً فضلاً عن أن يُشكك بها أو تناقش أحوالها وعدالتها ويُبين حكم الله فيها..!!
قد تناول القوم كل شاردة وواردة، ولم يدعوا فرعية إلا وغاصوا فيها وتكلموا عنها، وفرعوا لها فروعاً أخرى وأجابوا عنها .. إلا هذه الجيوش الجاثمة على صدر الأمة ظلماً وزوراً فلم يأتوا على ذكرها في شيء، ولم يبينوا حكم الله فيها، ولا حكم من يلتحق بها .. فهي عما يبدو ـ لصريح إيمانها وإسلامها ـ لا تستحق منهم البحث ولا البيان أو النقاش !!
تركوا المسائل الهامة العامة .. وأقبلوا ـ رهبة أو رغبة ـ على بحث مسائل يقل نفعها إذا لم يكن نفعها معدوماً ..!
وأحسنهم الذي إذا سئل عن هذه الجيوش تراه يعرض عن الإجابة، ويلوي حنكه وخصره وكأنه غير معني من السؤال ليصرف السائل عن سؤاله ومقصده ..!
بل وجدنا من هؤلاء الفقهاء من جند نفسه وجند أبناءه في هذه الجيوش، وجعلوا من أنفسهم وعلمهم بوقاً دعائياً يذودون به عنها .. وكأنهم في جيوش الصحابة الأوائل !!
وفي المقابل رموا كل من خالفهم أو قال قولاً مغايراً لقولهم في هذه الجيوش الظالمة بأنه من الغلاة .. وأنه غير وطني، أو خائنٌ للوطن والشرف العسكري ..!!
والذي يهمنا من الإشارة إلى هذا التقصير والتفريط المخل أن نستحث همم الباحثـين والفقهاء على أن يؤدوا أمانة العلم الملقاة على عاتقهم، وأن يقوموا بدورهم الصحيح في بيان حال وحكم هذه الجيوش المعاصرة، نصحاً للأمة وإبراءً للذمة .. فالعلم له ضريبة ـ والله تعالى سائلهم عنها ـ لا بد من أدائها بسخاء وطيب نفس، وضريبته بيانه وعدم كتمانه، والصدع بالحق في وجوه الطغاة الظالمين .
ضريبة العلم .. تكمن في إخلاص النصح للأمة وعدم غشها أو الكذب عليها !!
ضريبة العلم .. أن لا يوقع أهله عن رب العالمين من فتاوى وأحكام إلا فيما يرضي رب العالمين جل وجلاله .
ضريبة العلم .. أن يصونه أهله عن الذل والتمرغ على عتبات الطاغوت يستجدونه العطاء والفُتات ..!
ضريبة العلم .. أن لا يخشى أهله في الله لومة لائم .. فمهابة الظالمين في الحق لا يؤخر أجلاً ولا يمنع رزقاً، كما في الحديث:" لا يمنعنَّ رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحقٍّ إذا علمه، فإنه لا يُقرب من أجلٍ ولا يُبعد من رزقٍ "([1]).
ومما يجعل الحاجة ماسة لبحث المسألة ـ إضافة لما تقدم ـ أن كثيراً من أبنائنا وشبابنا يذهبون للجندية في هذه الجيوش الآثمة الطاغية طواعية من تلقاء أنفسهم مقابل رواتب زهيدة يُعطونها .. ظناً منهم أنهم بذلك يفعلون خيراً، أو يكتسبون صفات المجاهد في سبيل الله، ولهم أجره وثوابه ..!!
لذا فقد تعين البحث والبيان .. ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيى عن بينة، متكلين على الله تعالى، فهو حسبنا ونعم الوكيل .
وقبل أن نبين حكم الشرع في هذه الجيوش، وحكم القائمين عليها من الطواغيت، وفيمن يلتحق بها من الجند والعسكر لا بد أولاً من توصيفها وبيان حالها ومهامها وغاياتها التي صُنعت وأسست لأجلها ..
فأقول: لم يخرج المستعمر الصليبي من بلاد المسلمين إلا بعد أن أوجد الحكام والأنظمة التي يرضى عنها وتحقق له مصالحه وأهدافه في المنطقة، وأي حاكم يأتي فيما بعد لا بد من مراعاته لمدى رضى أمريكا ودول الغرب عليه، فإن حظي على الموافقة منهم وعلى رضاهم عنه فقد اجتاز
المرحلة الأصعب نحو الوصول إلى سدة الحكم واعتلاء العرش، وناله من القوم كل دعم مادي وسياسي وإعلامي([2])..!!
ورضى أمريكا ودول الغرب الصليبي على أي حاكم مشروط بعدة شروط:
أولها: أن يتعهد لهم أن يقف بحزم وقوة ضد أي توجه أو عمل إسلامي راشد يستهدف استئناف حياة إسلامية على المستوى القطر أو الأمة .. وأن يُحيل بين الشعوب المقهورة وبين هدفهم هذا، وبأي طريقة من الطرق .. !!
ثانياً: أن يضمن مصالحهم الاستعمارية في المنطقة، ويعمل على حمايتها وحراستها .. وإن كان ذلك تحت عناوين براقة مستساغة للشعوب المقهورة، كشركات الاستثمار .. والحاجة إلى الخبرات والطاقات الأجنبية .. أو المصالح المشتركة .. أو ضرورة التنقيب عن البترول .. وغير ذلك من الاطلاقات التي تمرر مثل هذه المصالح الأجنبية في المنطقة !!
ثالثاً: أن يعترف بدولة إسرائيل، وبضرورة السلام مع المغتصبين المحتلين الصهاينة .. السلام الذي يُعطي أصحاب الحقوق الفُتات والعظام المجردة عن لحومها وعظامها مما اغتصب ونهب منهم .. لذلك نجد جميع حكام العرب وغيرهم يصرحون على الملأ بأن السلام مع الصهاينة المحتلين خيار استراتيجي لا محيد لهم عنه، مهما حادت عنه دولة إسرائيل واختارت الحرب والقتل والقتال، وارتكبت من المجازر بحق الشعب الفلسطيني المسلم ..!!
فهو خيار استراتيجي لهم لأنه لا بقاء لعروشهم ومصالحهم الذاتية الشخصية إلا بالموافقة على هذا الخيار .. وهؤلاء الحكام لو كانوا من دعاة السلام بحق لسالموا شعوبهم أولاً، ولأخرجوا شباب الأمة الأحرار من سجونهم الظالمة التي تكتظ بالآلاف من الشباب المسلم ..!!
رابعاً: أن ينهج الطريق الديمقراطي ـ دين الغرب ـ لما تحقق لهم الديمقراطية في المنطقة من مآرب ومصالح عديدة .. لكن إذا جاءت هذه الديمقراطية معارضة للنقاط الثلاثة الآنفة الذكر أو لشيءٍ منها، فهم يسمحون له أن يتحول إلى ديكتاتوري، وإلى وحش كاسر ضد شعبه وأمته، ولا حرج عليه في ذلك البتة([3]) .. !!
هذه أهم الشروط التي يجب على الحاكم أن يوافق عليها لكي ترضى عنه أمريكا ودول الغرب، ولكي يحظى على موافقتهم وتأييدهم ..!
ولما كان الأمر كذلك فإن طواغيت الحكم منذ سقوط الخلافة العثمانية وإلى يومنا هذا يعملون بكل همة ونشاط على تشكيل المؤسسات الحكومية التي تعينهم على تنفيذ تلك السياسات والمصالح المشار إليها آنفاً، ومن أهم هذه المؤسسات التي عنيت باهتمامهم المؤسسة العسكرية؛ حيث عملوا جاهدين ـ ومنذ زمن ـ على تطهيرها من العناصر النظيفة المؤمنة، وعلى تشكيل الجيوش التي تعينهم على السير في تلك السياسة المرسومة لهم من قبل أعداء الأمة من دون مواجهة أي عقبة أو مشاكل ..!
الجيوش التي تسهر على أمن وسلامة الطاغوت الحاكم، وأمن وسلامة سياساته الجائرة الداخلية والخارجية ..!!
الجيوش التي لا تعرف غاية ولا همّاًًً .. سوى خدمة الطاغوت، وخدمة مآربه وأهوائه وقوانينه ..!!
لذا نجد أن العناصر الفاعلة لهذه الجيوش منتقاة انتقاء غريباً جداً وفق معايير ومواصفات عديدة منها: أن تكون هذه العناصر غير متدينة .. ليس عليها سمات التدين والالتزام، ولم يُعرف عنها التدين من قبل !!
ومنها: أن تكون غير أخلاقية ومن ذوي الاهتمامات الوضيعة التافهة؛ لا هم لهم إلا كيف يُشبعوا غرائزهم ونزواتهم وبأي طريقة كانت .. ولا حديث لهم إلا ما يدور حول البطن والفرج والشهوات .. !!
ومنها: أن تكون هذه العناصر من ذوي الولاء المطلق، والطاعة العمياء للحاكم والفئة الحاكمة المتنفذة .. ينفذون الأوامر مهما كانت جائرة أو تصب في غير صالح الأمة ومن دون أدنى تلكؤ أو تردد ..!!
ينفذون الأوامر ولو كان مفادها سحق الشعوب وقتلها وإذلالها وسجنها .. فمرضاة الطاغوت عندهم أغلى وأسمى من الشعوب ومن الأمة برمتها ..!!
ومنها: أن لا يُعرف عنهم أنهم من ذوي الثقافات الواسعة التي تعرفهم على خفايا وحقيقة وغايات هذه الأنظمة الطاغية الحاكمة .. فكلما كان الضابط أو العسكري جاهل بدينه وعقيدته وبالسياسة الدولية وبما يدور حوله وما يُحاك من مؤامرات ضد الأمة كلما كان أكثر قرباً من الطواغيت وأسرع في الارتقاء إلى الرتب العالية ..!!
ومنها: أن لا يُعرف عنهم انتماؤهم لأي تجمع أو حزب لم يحظ على الرضى التام من النظام أو الطاغوت الحاكم ..!!
ومنها: أن لا يُعرف عنهم أنهم من ذوي الرجولة والحمية والغيرة، أو أنهم من ذوي الهمم والاهتمامات العالية .. التي قد تحملهم يوماً من الأيام على الذود عن حرمات الأمة ومقدساتها والغضب لأجلها، وعلى العصيان والتمرد على الطاعة .. والخروج عن السياسة العامة التي رُسمت لهم ولحكامهم ..!
وأي ضابط أو عسكري يُعرف عنه شيء خلاف ما تقدم فإنه يُعرض للمساءلة والمحاسبة، وإلى عقوبة تتراوح بين الطرد أو السجن أو الإعدام .. بحسب درجة المخالفة ونوعها، وهذا أمر معروف للجميع لا خفاء فيه، ولظهوره لا يحتاج منا إلى استدلالٍ أو برهان ..!
هذه أهم المقاييس والموازين المعتبرة عند القوم التي على أساسها يتم اختيار أو قبول الأفراد في جيوشهم أو رفضهم ..!
ـ صفات هذه الجيوش العامة .
بعد أن عرفنا طريقة القوم في انتقاء عناصر الجيش وبخاصة منها العناصر القيادية المؤثرة كالضباط وغيرهم، لا بد من أن نتعرف على أبرز صفات هذه الجيوش التي تتكون من تلك الفئة من الناس المنتقاة حسب الموازيين والمعايير التي وضعها وأرادها الطاغوت لهم .
فأقول: هذه الجيوش لا تحكم بما أنزل الله وإنما تحكم بشرائع الكفر والطغيان، كما أنها لا تلتزم بصوم ولا صلاة ولا حج، وإن وجد منهم بعض الأفراد من يؤدي هذه الفرائض فهو يؤديها بطريقة فردية .. وربما بعدها قد يخضع للمراقبة والمتابعة والمساءلة .
يكثر في هذه الجيوش من يشتم الله والدين والاستهزاء والطعن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم من دون أن ينكر عليهم أحد، بينما لو تجرأ منهم من تكلم بكلمة نابية أو اعتراض على الطاغوت الحاكم أو من هو دونه رتبة من الفئة المتنفذة الحاكمة فإنه يسجن ويُضرب ضرباً شديداً، وربما في بعض الجيوش يكون ذلك مبرراً لقتله وإعدامه ..!!
لا يُعظمون شعائر الله ولا يعرفون لها الوقار ولا الاحترام .. بل هي مهانة ومُزدَرَاة وفي كثير من البلدان تحولت فيها المساجد إلى متاحف أثرية تستقبل السائحين العراة ([4]) !!
يبكون الأقصى الأسير مسرى النبي صلى الله عليه وسلم بدموع التماسيح .. وبنفس الوقت هم أنفسهم ينتهكون حرمات بيوت الله تعالى لأتفه الأسباب .. ولا يتورعون لأدنى سببٍ أن يدخلوا المساجد بأحذيتهم النجسة ليروعوا من فيها من المصلين الآمنين([5]) ..!
هذه الجيوش فيها الكافر الأصلي كالنصارى وغيرهم وكثير من الكفرة المرتدين والزنادقة الملحدين، والكثير الكثير من الفسقة المجرمين .. لا يُفرقون بين مؤمن وكافر أو مرتد، فكلهم يستوون في الولاء للحاكم ولأنظمة الجيوش الطاغية .. بل الكافر المجرم في نظرهم مقدم ومفضل على المؤمن التقي ولا مجال للمقارنة بينهما !!
يُعقد الولاء والبراء في شخص الحاكم .. فيوالون من يواليه، ويعادون من يُعاديه، ويُقاتلون ويُسالمون فيه وعليه ..!!
إن أمرهم أطاعوه وإن كان أمره فيه كفر ومعصية لله تعالى، وإن نهاهم انتهوا وإن كان في نهيه نهي عن طاعة وعبادة لله تعالى .
وإن أمرهم بقتل وسجن العباد امتثلوا لأمره لأنه صاحب الأمر والنهي الذي يجب أن يُطاع لذاته، بغض النظر هل هؤلاء الناس يستحقون القتل والسجن أم لا ..!!
عسكر هذه الجيوش كالوحوش الضارية على من يقترب بسوء من سياج الطاغوت الحاكم ومن حكمه ونظامه .. بينما تراهم على أعداء الأمة الخارجيين رحماء كلهم وداعة ولطف ورحمة ولكن بجبنٍ وذلةٍ وخسة..!!
على الشعوب المقهورة كالأسود .. بينما في الحروب مع أعداء الأمة، وعلى الجبهات كالنعاج والأرانب !
أين هذه الجيوش من قضايا الأمة المصيرية .. أين هي من قضية فلسطين المسلمة ..؟!!
هاهم الصهاينة اليهود في كل يوم يقومون بمجازر ضد أهالينا وأبنائنا في فلسطين .. ينتهكون الحرمات .. ويدنسون المقدسات .. ويعتدون على المسجد الأقصى .. ويفعلون كل ما يحلو لهم ويريدون، وما تملي عليهم وساوسهم الشيطانية المدونة في برتوكولاتهم وكتبهم الصهيونية، ومن دون أن يحسبوا لهذه الجيوش أدنى حساب ..!!
فما هي ردة فعل هذه الجيوش المغوارة .. فإنها محصورة بنستنكر ونشجب، ونأسف .. نحن لا نريد الحرب .. نحن خيارنا هو خيار العقلاء وهو السلام .. السلام مع المغتصبين الصهاينة خيار استراتيجي لا محيد عنه .. قضية فلسطين لا يُمكن أن تُحسم عن طريق القوة أو الحروب .. وغير ذلك من الاطلاقات الجبانة والذليلة والعميلة ؟!!
بل بعض هذه الجيوش كالجيش المصري، والجيش الأردني وغيرها من الجيوش قد أقامت علاقات ديبلوماسية على مستوى السفراء، وسلاماً صريحاً مع دولة الصهاينة اليهود وقبل أن تُسترد الحقوق لأهلها وأصحابها، أو يأخذ الحق طريقه إلى معاقبة الصهاينة المجرمين سفاكي دماء الأبرياء ..؟!
وإذا كان الأمر كما وصفنا فإنه يحق لنا ولغيرنا أن يسأل: لمن أعدت هذه الجيوش الجرارة .. ومن أجل من ولماذا تُشترى هذه الأسلحة الفتاكة ـ من مقدرات الأمة ـ بمليارات الدولارات لتكدس في مخازنها إلى أن تتعفن وتنتهي فعاليتها .. من المعني والمراد إرهابه من هذه الجيوش الجرارة .. ؟؟!!
الجواب واضح لكل ذي لبٍّ وفهم: هذه الجيوش لم تُعد من أجل أعداء الأمة .. وإنما من أجل قهر الشعوب وإذلالها .. من أجل إبادة أي حركة تمرد أو عصيان على سياسة الطواغيت الحاكمين .. !!
فهي عصاة الطاغوت الغليظة يؤدب بها من يشاء ممن يخرج عن طاعته وعبادته أو سياسته وطريقته ..!!
ولا نبتعد كثيراً عن الصواب لو قلنا أن هذه الجيوش أعدت لحماية وحراسة دولة اليهود .. فهم يعملون على مدار الساعة موظفين ككلاب حراسة أوفياء يحرسون حدود دولة إسرائيل من أي هجوم أو عمل فدائي يقوم به المجاهدون الأحرار ..!
والويل كل الويل لهذه الجيوش الجبانة لو استطاع مجاهد أن يتسلل من بينهم إلى دولـة
الصهاينة اليهود .. حيث ترى جميع القوى العميلة الخائنة تستنفر بكل قواها كالكلاب المسعورة، يتوعدون ويهددون من كان سبباً في هذه الخروقات الإرهابية .. ليؤكدوا من جديد للصهاينة المغتصبين أننا لا نزال نعمل بوفاء وإخلاص على ثغور دولتكم ككلاب حراسة وصيد على أكمل ما يكون العمل وتكون الحراسة!!
هذا بما يخص فلسطين .. أما ما يخص موقف هذه الجيوش من بقية قضايا الأمة؛ كقضية المسلمين في البوسنة والهرسك، وقضية كشمير، وقضية المسلمين في الفلبين، وقضية أفغانستان، وقضية الشيشان وما يعانيه أهل هذا البلد المسلم من ظلم وجبروت وكفر المجرمين الروس ..!
فإذا أردت أن تتحدث عن المواقف المخزية لهذه الجيوش نحو هذه القضايا الهامة وغيرها فحدث ولا حرج .. فما يجري للمسلمين في تلك الديار لا يعنيهم في شيء، ولا يهمهم من قريب ولا من بعيد، بل كثير من الأنظمة العربية وجيوشها تقف في صف الدول الطاغية الكافرة المعتدية ضد الشعوب المسلمة المضطهدة والمحاربة ..!!
هذا كله يجعلنا نجزم أن هذه الجيوش لم تُعد لخدمة الأمة في شيء، ولا من أجل الدفاع عن الشعوب المقهورة المحرومة .. ولا من أجل رسالة أو هدف عظيم .. وإنما هي صُنعت فقط ـ كما تقدم ـ من أجل حماية الطواغيت ومكاسبهم الشخصية، وحراسة مصالح اليهود والغرب الصليبي في المنطقة ..!!
وعليه فإننا نقول جازمين غير مترددين ولا شاكين: أن هذه الجيوش ـ من دون استثناء ـ لصفاتها الآنفة الذكر هي جيوش باطلة كافرة، شرها يغلب على خيرها، بل لا خير فيها للأمة، لا يجوز الانضمام إليها أو الالتحاق بها اختياراً، أو تكثير سوادها في شيء، أو الدخول في موالاتها بدعاء أو أي شيءٍ آخر .. يجب جهادها وقتالها إن أبوا إلا ذلك؛ لكي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، كما قال تعالى:) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ( الأنفال:39.
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن عسكر التتار، وحكم جهادهم فأجاب: فهؤلاء القوم المسؤول عنهم عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى والمشركين، وعلى قوم منتسبين إلى الإسلام ـ وهم جمهور العسكر ـ ينطقون بالشهادتين إذا طُلبت منهم، ويعظمون الرسول، وليس فيهم من يُصلي إلا قليل جداً، وصوم رمضان أكثر فيهم من الصلاة، والمسلم عندهم أعظم من غيره، وللصالحين من المسلمين عندهم قدر، وعندهم من الإسلام بعضه، وهم متفاوتون فيه، لكن الذي عليه عامتهم والذي يُقاتلون متضمن لترك كثير من شرائع الإسلام أو أكثرها فإنهم أولاً يوجبون الإسلام ولا يُقاتلون من تركه، بل من قاتل على دولة المغول عظموه وتركوه وإن كان كافراً عدواً لله ورسوله، وكل من خرج عن دولة المغول أو عليها استحلوا
قتاله وإن كان من خيار المسلمين .
فلا يُجاهدون الكفار ولا يُلزمون أهل الكتاب بالجزية والصغار، ولا ينهون أحداً من عسكرهم أن يعبد ما شاء من شمس أو قمر أو غير ذلك، بل الظاهر من سيرتهم أن المسلم عندهم بمنزلة العدل أو الرجل الصالح، والكافر عندهم بمنزلة الفاسق في المسلمين ..!
وكذلك عامتهم لا يحرمون دماء المسلمين وأموالهم إلا أن ينهاهم عنها سلطانهم؛ أي لا يلتزمون تركها، وإذا نهاهم عنها أو عن غيرها أطاعوه لكونه سلطاناً لا بمجرد الدين، وعامتهم لا يلتزمون الواجبات، ولا يلتزمون الحكم بينهم بحكم الله، بل يحكمون بأوضاع لهم توافق الإسلام تارةً وتخالف أخرى ..!
وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين، وما يشك في ذلك من عرف دين الإسلام وعرف حقيقة أمرهم، فإن هذا السلم الذي هم عليه ودين الإسلام لا يجتمعان أبداً([6]) ا-هـ.
قلت: من يقارن أوصاف جند التتار الآنفة الذكر التي ذكرها عنهم شيخ الإسلام، وبين أوصاف جند وجيوش العرب وغيرها من جيوش الأمة في هذا الزمان يجد أن جند التتار فيهم من خصال الخير ما ليس في جند وعسكر العرب؛ فجند التتار يعظمون الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمسلم عندهم أعظم من غيره، وللصالحين عندهم قدر .. وهذا بخلاف ما عليه كثير من جيوش العرب في هذا الزمان، إن لم يكن كلها([7]) !!
ومع ذلك لصفاتهم الأخرى الآنفة الذكر يقول عنهم شيخ الإسلام: أن قتالهم واجب بإجماع المسلمين، وأن هذا السلم الذي هم عليه ودين الإسلام لا يجتمعان أبداً .
وهذا الحكم يلحق بكل من اتصف بصفاتهم أو فعل فعلهم ولا بد .. ولحوقه بجيوش الأمة في هذا الزمان من باب أولى لاتصافهم بصفاتٍ هي أغلظ وأشد من صفات جند وعسكر التتار الآنفة الذكر .. وقد تقدم ذكرها !!
وقال رحمه الله في الفتاوى 28/20: من حالف شخصاً على أن يوالي من والاه ويُعادي من عاداه كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان، ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى، ولا من جند المسلمين، ولا يجوز أن يكون هؤلاء من عسكر المسلمين، بل هؤلاء من عسكر الشيطان ا-هـ .
أقول: أليس هكذا حال جيوش الأمة في هذا الزمان؛ حيث توالي وتعادي في شخص الطاغوت الحاكم .. يوالون من والاه، ويُعادون من عاداه، بغض النظر هل يستحق شرعاً تلك الموالاة أو المعاداة !!
تُنتهك حرمات الأمة، ويُعتدى على مقدساتها، وتُقتل الأطفال والنساء، ويُشتم الله ورسوله .. فكل هذا وغيره لا يستدعي موقفاً من هذه الجيوش ولا من حكامها، ولكن لو تجرأ أحد أو أي جهة على النيل من جناب الطاغوت الحاكم بعبارة انتقاص أو طعن فإن هذه الجيوش ومعها جميع مؤسسات الحكومة تعلن براءها وعداءها لتلك الجهة، وتسحب سفيرها من تلك الدولة أو الجهة، وربما تحركت الجيوش واستنفرت واستعدت للقتال([8]) ..!!
فهذه الجيوش عندما ترضى لنفسها مثل هذه العبودية للطاغوت فهي تخرج مباشرة من كونها جيوش إسلامية تجاهد في سبيل الله إلى كونها جيوش كفرية باطلة تجاهد في سبيل الشيطان كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله .
وفي وجوب قتال الفئة الممتنعة عن أداء أمرٍ معلوم من الدين بالضرورة يقول ابن تيمية رحمه الله: فكل طائفة ممتنعة عن التزام شريعةٍ من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب جهادها، حتى يكون الدين كله لله، باتفاق العلماء .
عن ديلم الحميري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: إنا بأرضٍ نعالج بها عملاً شديداً، وإنا نتخذ شراباً من القمح نتقوى به على أعمالنا، وعلى برد بلادنا، فقال: هل يُسكر؟ قلت: نعم . قال: فاجتنبوه . قلت: إن الناس غير تاركيه، قال: فاقتلوهم .
وقال: وأيما طائفة انتسبت إلى الإسلام، وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله، كما قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وسائر الصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة ..
فثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، أنه يُقاتل من خرج عن شريعة الإسلام وإن تكلم بالشهادتين ..
فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والميسر، أو عن نكاح ذات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته ـ التي لا عذر لأحدٍ في جحودها وتركها ـ التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء ا-هـ .
قلت: إذا كان قتال الطائفة الممتنعة عن أداء واجب من واجبات الدين الظاهرة واجب بأدلة الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة .. فإن قتال هذه الجيوش المحاربة لله ولرسوله وللمؤمنين، والتي لا تلتزم بشيء من واجبات وأركان هذا الدين([9])، إضافة إلى خصال الكفر الأخرى التي تتصف بها والمشار إليها آنفاً .. لا شك أنه أولى وأوجب من قتال الفئة التي تمتنع عن أداء آحاد الواجبات الدينية .
فإن قتال المرتد أو الفئة المرتدة المارقة من الدين المحاربة لله ولرسوله وللمؤمنين أوجب بكثير من قتال الفئة الباغية التي تمتنع عن أداء بعض واجبات الدين، بل هو أوكد من قتال وجهاد الكافر الأصلي كما سيأتي بيانه معنا.
قال ابن حجر في الفتح 13/7: إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها ا-هـ .
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم 12/229: قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، وقال وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها ا-هـ .
ـ مسائل هامة .
لاستيفاء الموضوع بحثاً وبياناً لا بد من بحث بعض المسائل الهامة ذات العلاقة بمادة البحث، والإجابة على بعض الشبهات التي تثار أحياناً هنا أو هناك .
ـ المسألة الأولى: هل كفر هذه الجيوش يستلزم كفر كل من ينتسب إليها من العسكر والجند .. ؟!
أقول: لصفات هذه الجيوش الآنفة الذكر لا بد من اعتبارها على وجه العموم أنها جيوش وتجمعات كفرية؛ هدفها نصرة الطاغوت وإعلاء كلمته وسياسته ونظامه، لا حظ للإسلام والمسلمين فيها في شيءٍ، ولكن هذا الحكم العام هل يستلزم منه كفر كل من ينتسب لهذه الجيوش من الجند أو الأفراد بأعيانهم ..؟
الجواب: لا يستلزم من كفر هذه الجيوش المعاصرة كفر كل من ينتسب إليها من الجند أو الأفراد بأعيانهم وذلك للموانع والاعتبارات التالية:
أولاً: مانع الإكراه: إذ أن كثيراً من الأفراد يُساقون إلى الخدمة العسكرية مكرهين وبالقوة، وهم كارهون لهذه الجيوش ولأربابها، ولو خيروا لما اختاروا الالتحاق بها ..
والإكراه مانع من موانع التكفير بلا خلاف لقوله تعالى:) من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان ( النحل:106.
ولقوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
فإن قيل: هؤلاء غير مكرهين لأنهم يستطيعون الهجرة والخروج من سلطان الطاغوت .. وبالتالي فهم غير معذورين !
أقول: لا شك أن من استطاع الهجرة أو أن يجد لنفسه مأمناً من إكراه الطواغيت .. أنه يجب عليه الهجرة للنفاد من الوقوع تحت طائلة الإكراه .. ولكن هذا الحكم ليس من السهل والواقعية أن نطلقه ونعممه على مئات الملايين من الناس ونلزمهم به، فمن لم يلتزمه فهو كافر .. وبخاصة أن المشكلة كما هو ملاحظ عامة لا تخص قطراً دون قطر؛ ولا مصراً دون مصر، فمَن يهاجر إلى من، ومَن يستقبل من، والكل تجب عليه الهجرة، ويُعاني من نفس المشكلة ..!!
أضف إلى ذلك المشاكل الأخرى المصطنعة في هذا الزمان التي تقيد كثيراً من حرية الحركة أو التنقل للإنسان؛ كمشكلة وثائق السفر التي لا يمكن التحرك إلا بها، فإن حصل المرء عليها يواجه مشكلة الحصول على فيزة البلد التي سيهاجر إليها، فإن حصل على فيزة البلد التي سيهاجر إليها تواجهه مشكلة الحصول على إقامة رسمية تمكنه من العيش في تلك البلد .. إلى آخر القائمة الكبيرة من المشاكل التي يُعايشها ويعرفها من قدر الله له الهجرة والضرب في الأرض في هذا الزمان .
أضف إلى هذه المشاكل وتلك، مشكلة غياب دولة الإسلام التي تكون داراً للهجرة والمهاجرين ..!
فالمسلم المهاجر في هذا الزمان يتنقل من دار كفرٍ مغلظ إلى دار كفرٍ آخر أقل كفراً، ومن دار ظلم مغلظ إلى دار ظلم مجرد .. فهو يتنقل من الأكثر سوءاً إلى الأقل سوءاً وليس من خيرٍ إلى ما هو أكثر منه خيراً .. وهذا واقع لا بد من اعتباره ومراعاته عند مطالبة الناس بالهجرة، أو إصدار الأحكام عليهم إن لم يستجيبوا لنداء الهجرة .
لأجل ذلك كله استثنى ربنا I المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، كما قال تعالى:) إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً . أولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً ( النساء:98-99.
من السهل عليك يا عبد الله أن تقول للناس ـ وأنت متكئ على أريكتك تحتسي الشاي أو القهوة ـ يجب عليكم أن تهاجروا .. لكن إن قيل لك: إلى أين، وكيف، ومتى، ومن أين .. فسوف تجد نفسك عاجزاً عن الإجابة عن كل هذه الأسئلة، وبخاصة إن وجه إليك هذه الأسئلة مئات الملايين من الناس !!
فليس من الفقه أن تطلق المسألة من دون النظر إلى آثارها ونتائجها، وإمكانية تحققها ومدى واقعيتها وموافقتها لمقاصد الشريعة العامة السمحاء ..!!
ـ تنبيه : لا يستفيد من هذا المانع من يذهب للجندية في هذه الجيوش كمتطوع من تلقاء نفسه من غير إكراه، مقابل راتب زهيد من المال يُعطاه .. فمن كان كذلك فهو غير معني
من كلامنا السابق، وهو لا يُعذر بمانع الإكراه .
كما أن حديثنا عن مانع الإكراه لا يعني ولا يستلزم أن كل عناصر الجيش الغير متطوعين هم مكرهون ومعذورون للإكراه .. !!
فقولنا بوجود عناصر مكرهة شيء ـ لا يعلم عددهم إلا الله تعالى ـ وهو ما نقوله، والقول بأن جميع عناصر الجيش مكرهين ومعذورين بالإكراه شيء آخر وهو ما لم نقله، ونبرأ إلى الله منه ومن قائله .
ثانياً: مانع الجهل والتأويل: وهو مانع معتبر عند إصدار الأحكام على الأعيان .. والجهل يمكن أن يأتي للأفراد وعوام الناس من جهتين:
من جهة أن بعض هذه الأنظمة الطاغية تسمح بمقدار من حرية العبادة كأداء الصلاة، وصيام رمضان وغير ذلك من الشعائر الظاهرة، وبما ليس له مساس بالسياسة العامة للجيوش وبالأهداف التي صنعت لأجلها .. فيلبس ذلك على عوام الناس الذين يفهمون الإسلام عبارة عن شعائر تعبدية وحسب، فيظنون بل ويعتقدون أن هذه الجيوش إسلامية بدليل أنها تسمح لهم بالصلاة والصيام وغير ذلك ([10]) ..!
ومن جهة فإن مشايخ الإرجاء ـ قبحهم الله من مشايخ ـ ينشطون في كل مكان وفي كل اتجاه وواد بما أوتوا من علم وحفظ للنصوص يصورون للناس أن هؤلاء الطواغيت مسلمون تجب طاعتهم، وبالتالي من باب أولى أن تكون جيوشهم جيوش إسلامية يجوز الانخراط والعمل فيها ..!!
تقول كلمة حق فتقال مقابلها مليون كلمة باطل، وتصدر بحثاً يجلي الحق للناس، فيصدر مقابله آلاف الكتب والأبحاث المدعومة تنصر الباطل وتدعو له ..!!
والناس يترددون بين كلمتك وبين تلك الملايين من الكلمات الباطلة، وبين بحثك ومقالك وبين آلاف الكتب والأبحاث التي تخدم الباطل والطاغوت .. فيصعب عليهم الاختيار وتحديد المواقف، وبخاصة عندما تأتي نصرة الطغاة الآثمين من دعاة لهم باع طويل في الدعوة والإفتاء قد غرتهم الحياة الدنيا ..!!
ـ تنبيه : إعمال مانع العذر بالجهل والتأويل صعوداً أو هبوطاً بالنسبة لهذه الجيوش تختلف باختلاف الجيوش وأنظمتها ودرجة طغيانها .. فلا يُعقل مثلاً أن يُعذر بالجهل من يتجند في جيش يُحارب الله ورسوله والمؤمنين جهاراً نهاراً، تُمنع فيه الصلوات وأداء الشعائر، ويُعد ذلك فيها من الجرائم التي يُعاقب عليها صاحبها، وبين من يتجند في جيش يُسمح له بأداء الشعائر التعبدية بل ويُرغب بها .. فلا يستويان من حيث العذر بالجهل والتأويل؛ فالأول ساحة العذر بالجهل تضيق بحقه إن لم تنعدم لظهور كفر ذلك الجيش وأربابه ومسئوليه لأعشى الليل والنهار، وأعمى البصر والبصيرة .. بخلاف الآخر فقد تتسع بحقه ساحة العذر بالجهل للاعتبارات الآنفة الذكر أعلاه.
كذلك يوجد فرق بين من يتجند .. ويعمل كشرطي مرور أو في مؤسسة تابعة للجيش هي أقرب ما تكون إلى الوظائف المدنية كالمستشفيات العسكرية ونحوها، وبين من يعمل كجندي في جهاز المخابرات ويقوم بمهمة ملاحقة الدعوة والدعاة إلى الله، ويكون على علم بما يُحاك لدين الله من كيد ومؤامرات .. هذا جندي وهذا جندي، ولكن لا يستويان من حيث العذر بالجهل أو التأويل؛ فالأول ساحة العذر بالجهل والتأويل تتسع بحقه أكثر من الآخر الذي يُشاهد بعينه كيف يُشتم الله ورسوله عندما يُعذبون بعض الأخوة الذين يقعون في سجونهم ..!
فالآخر لا يُعذر بالجهل أو التأويل مهما كذب عليه مشايخ الإرجاء بأن الذين تعمل معهم مسلمون مؤمنون، لأن عينه التي يشاهد بها الكفر البواح هي أصدق وألزم لقيام الحجة عليه من دجل وكذب أولئك الشيوخ ..!!
هذا التفصيل والتفريق مهم وضروري لمن يريد أن يخوض في هذه المسائل الهامة، وهو ما يقتضيه الإنصاف والعدل الذي أمرنا أن نشهد به .. والله تعالى أعلم .
ثالثاً: الانغماس في جيوشهم كعينٍ للمسلمين .
كذلك من انغمس في صفوفهم وجيوشهم كعينٍ للمسلمين المجاهدين، أو على نية أن ينزل بهم النكاية وغير ذلك .. فمثل هذا لا يجوز أن يُحمل عليه حكم الكفر، أو أنه منهم، لدلالة النصوص الشرعية الدالة على جواز الانغماس في صفوف المشركين للغرض المذكور أعلاه، وفق ضوابط وشروط قد ذكرناها في بحث آخر([11]) .
فإن قيل: كيف يمكننا تحديد من كان معذوراً ممن لا يُعذر من تلك الجيوش الضخمة، ثم كيف نميزهم عند القتال ..؟!
أقول: يكفيك أن تحكم على تلك الجيوش بعمومها لا على التعيين بأنها جيوش كافرة لا شرعية لها، يجب جهادها وقتالها ..
فإن أردت أن تحكم على شخص بعينه لا بد من أن تطمئن إلى انتفاء موانع التكفير الثلاثة عنه الآنفة الذكر، وغالباً ما تظهر القرائن التي تُعينك على إصدار الحكم به سلباً أو إيجاباً، فإن غُمّ أمره عليك، ولم يظهر منه ما يُرجح كفره وانتفاء الأعذار عنه، ينبغي أن تمسك عن تكفيره بعينه مع بقاء قولك بكفر فعله وموقفه .
ومثل هذا التفصيل والتدقيق قد لا تحتاجه عند الحديث عن الأرباب والطواغيت الكبار من ذوي الرتب والمسؤولية لوضوح كفرهم وجلائه، ولانتفاء الموانع الآنفة الذكر عنهم .
أما عن قتالهم فالأمر أسهل من تكفيرهم، فأنت عند القتال لم تؤمر شرعاً أن تميز من منهم يُعذر ومن لا يُعذر، وبخاصة إن كنت في موضع الدفاع عن النفس، أو في موضع الهجوم على أهداف نوعية هامة، فتراصَّ القوم لدفعك وقتالك([12]) .
فإن وجد من بين الجند من أكره على الخروج هو الملزم شرعاً أن يضع سلاحه ولا يوجهه باتجاه المسلم وليس أنت .. فإذا كان في قتال الفتنة الذي يكون بين المسلمين بعضهم مع بعض يجب عليه أن يعتزل القتال ويتخذ سيفاً من خشب كما جاء في بعض الأحاديث، فكيف عندما يُكره على القتال مع المشركين المرتدين ضد المسلمين فمن باب أولى أن يعتزل القتال وأن يرمي بسلاحه بعيداً عن صدور المسلمين .
فإن أدى ذلك إلى قتله من قبلك أو قِبل الجيش الذي هو فيه، فإنه يُرجى له أن يُبعث على نيته، كما في الحديث عن أم سلمة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خُسف بهم " فقلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارهاً؟ قال:" يُخسف به معهم ولكنه يُبعث يوم القيامة على نيته " مسلم .
وفي رواية عند مسلم كذلك: فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس ؟ قال:" نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم ".
قال ابن تيمية في الفتاوى 28/538: قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المكره في قتال الفتنة بكسر سيفه، وليس له أن يُقاتل وإن قُتل، كما في صحيح مسلم عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنها ستكون فتنٌ، ألا ثم تكون فتن، ألا ثم تكون فتن، القاعد فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل، ولا غنم، ولا أرض ؟ قال: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاة، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن أُكرهت حتى يُنطلق بي إلى إحدى الصفين أو إحدى الفئتين فيضربني رجل بسيفه أو بسهمه فيقتلني ؟ قال: يبوء بإثمه وإثمك، ويكون من أصحاب النار ".
ففي هذا الحديث أنه نهى عن القتال في الفتنة، بل أمر بما يتعذر معه القتال من الاعتزال، أو إفساد السلاح الذي يقاتل به ..
والمقصود أنه إذا كان المكره على القتال في الفتنة ليس له أن يقاتل، بل عليه إفساد سلاحه، وأن يصبر حتى يقتل مظلوما، فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام، كمانعي الزكاة والمرتدين ونحوهم، فلا ريب أن هذا يجب عليه إذا أُكره على الحضور أن لا يقاتل وإن قتله المسلمون، كما لو أكرهه الكفار على حضور صفهم ليقاتل المسلمين، وكما لو أكره رجلٌ رجلاً على قتل مسلم معصوم فإنه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين وإن أكرهه بالقتل ..
إلى أن قال: ونحن لا نعلم المكره، ولا نقدر على التمييز، فإذا قتلناهم بأمر الله كنا في ذلك مأجورين ومعذورين، وكانوا هم على نياتهم، فمن كان مكرهاً لا يستطيع الامتناع فإنه يُحشر على نيته يوم القيامة ا-هـ .
وعن ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله، فأنزل الله تعالى:) إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ( . البخاري .
قال ابن حجر في الفتح13/38: فيه تخطئة من يقيم بين أهل المعاصي باختياره لا لقصد صحيح من إنكار عليهم مثلاً أو رجاء إنقاذ مسلم من هلكة، وأن القادر على التحول عنهم لا يعذر كما وقع للذين كانوا أسلموا ومنعهم المشركون من أهلهم من الهجرة ثم كانوا يخرجون مع المشركين لا لقصد قتال المسلمين بل لإيهام كثرتهم في عيون المسلمين فحصلت لهم المؤاخذة بذلك ا-هـ .
قلت: هؤلاء المذكورين في الآية الكريمة حصلت لهم المؤاخذة لأنهم كانوا قبل أن يُكرهوا على الخروج مع جيش المشركين لقتال المسلمين قادرين على التحول والهجرة إلى دار الإسلام المتمثل يومئذٍ في المدينة المنورة، لذا لم يعتبر إكراههم وقت إخراجهم للقتال إكراهاً معذراً يقيل العثرات ويرفع الحرج، هذا المعنى توضحه الآية الكريمة ذاتها:) إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا . إلا المستضعفين ... ( النساء:97-98.
فلم يقبل الله عذرهم بالاستضعاف لأنهم كانوا ـ قبل أن يُكرهوا على الخروج مع جيش المشركين ـ قادرين على الهجرة والتحول إلى دار الإسلام فلم يفعلوا .. إلا المستضعفين الحقيقيين الذين كانوا قبل أن يُكرهوا على الخروج للقتال .. كانوا لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فهؤلاء) عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً ( .
ـ خلاصة المسألة: نعيد تلخيص المسألة في النقاط التالية:
1- هذه الجيوش جيوش كافرة مرتدة لا شرعية لها، يجب جهادها وقتالها ..
2- لا يستلزم من ذلك أن يكون كل واحدٍ في هذه الجيوش كافراً مرتداً، بل فيـها
الكافر المرتد وغير ذلك لاحتمال وجود الموانع الآنفة الذكر ..
3- من ثبت لنا انتفاء موانع التكفير ـ الثلاثة الآنفة الذكر ـ عنه، فهو كافر مرتد بعينه ..
4- ليس كل الجيوش المعاصرة سواء من حيث حجم المخالفات الشرعية والانحراف والعداء للإسلام والمسلمين .. وبالتالي فهي كذلك ليست سواء من حيث حجم الأعذار والشبهات التي تقيل عثرات أفرادها ..
5_ الجيوش التي يغلب فيها وجود العناصر الذين يشملهم العذر .. من السلامة والسياسة الشرعية أن لا تكون هدفاً يُقصد للمجاهدين إلا على وجه الدفاع عن النفس ..
6- من عُرف من الجنود أو من ذوي الرتب الصغيرة بشدة عدائه للإسلام والمسلمين، وبأذاه الشديد للمسلمين .. يُقصد بعينه ويُزال لتزول معه فتنته للعباد، ولا يتشفع له كونه جندي أو من ذوي الرتب الصغيرة، فكم من صاحب رتبة صغيرة اشتدت فتنته على العباد أكثر من أسياده وزعمائه الكبار ..!
ـ المسألة الثانية: أيهما أفضل للأمة أن تؤثر النصح لهذه الجيوش مع الصبر على أذاها، أم تبادئها القتل والقتال .. وأيهما أشد فتنة على الأمة .. ؟!
الجواب: يبدو هذا السؤال للوهلة الأولى أنه وجيهاً .. وهو تساؤل يكرره قطاع كبير من الناس والجماعات، لذا نجد أنفسنا مضطرين أن نجيب عليه بشيء من التفصيل .
وألخص الجواب على هذا السؤال في النقاط التالية:
1- لا بد من أن نعترف ونقر أن طواغيت الحكم الجاثمين على صدر الأمة هم كفرة مرتدون، لا يُخلصون النصح للأمة، ولا يريدون لها أن تقوم لها قائمة ..!
فهم كفرة لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله .. ولأنهم قد عطلوا العمل بالحدود والأحكام الشرعية ..!
وهم كفرة لأنهم يحتكمون إلى شرائع الكفر الطاغوتية من دون شرع الله ..!
وهم كفرة لأنهم هم أنفسهم يشرعون التشريع المضاهي لشرع الله تعالى .. وينسبون لأنفسهم كثيراً من خصائص وصفات الإلهية !!
وهم كفرة لأنهم حللوا الحرام وحرموا الحلال .. وما أكثر ذلك لو أردت أن تحصيه عنهم ..!
وهم كفرة لأنهم يحاربون الله ورسوله والمؤمنين .. وبأساليب مختلفة ومتنوعة، منها مـا يكون بالترغيب ومنها ما يكون بالترهيب ..!
وهم كفرة لأنهم يصدون الناس عن دين الله تعالى، وعن التوحيد الخالص .. ويمكرون بالليل والنهار من أجل أن يتحقق لهم ذلك !!
وهم كفرة لأنهم يكرهون ما أنزل الله من الدين والتوحيد والجهاد ..!!
وهم كفرة لأنهم يسخرون من دين الله ومن أوليائه .. وما أكثر ذلك منهم ..!
وهم كفرة لأنهم يباركون الشرك الأكبر ويقرونه ولا يُغيرونه، ولا يسمحون بتغييره ..!!
وهم كفرة لأنهم داخلون حتى العظم في موالاة أعداء الأمة من اليهود والنصارى وفي خدمتهم وخدمة مصالحهم والذود عنهم ..!
فهم لأجل هذه الأوجه وغيرها كفار مرتدون لا يشك في كفرهم إلا كل أعمى البصر والبصيرة .. أعشى الليل والنهار!
فإن حصل جدال أو خلاف على خصلة من خصال الكفر الآنفة الذكر فإنه لا يمكن أن يحصل خلاف على مجموع نواقض الإيمان الآنفة الذكر وتبرئة الطواغيت منها ..!
وهم لأجل ذلك كذلك يجب جهادهم وقتالهم، كما في الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت قال:" دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعُسرنا ويُسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ". وهؤلاء قد رأينا منهم وعليهم الكفر البواح الذي عندنا من الله فيه برهان .. لا يجوز أن يرقى إلى درجة الشك أو الخلاف .
2- يجب الاعتراف كذلك أن هذه الجيوش المعاصرة داخلة في موالاة ونصرة الطواغيت على ما تقدم من خصال كفر متلبسين بها .
بل أن هذه الجيوش هي أداتهم في تنفيذ سياساتهم الباطلة وجميع ما تقدم عنهم من خصال مكفرة .. هي أداتهم في قهر الشعوب وإذلالهم، واستباحة حرماتهم، وفرض الكفر على البلاد والعباد .. !!
هي عصاتهم الغليظة كلما فكرت طائفة من المؤمنين برفع الأثقال والقيود الغليظة عن صدر الأمة لتستأنف حياتها من جديد ..!
فهم من دون هذه الجيوش لا يستطيعون أن يفعلوا أو يحققوا شيئاً .. لذا فإن حكم الكفر والردة يلحق بهذه الجيوش ولا بد([13])، كما يلحق بها نفس الوزر والوعيد يوم القيامة الذي يلحق
بالطواغيت والكبراء، كما قال تعالى عن فرعون وجنوده:) إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفةً منهم يُذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين . ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين . ونُمكن لهم في الأرض ونُريَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ( القصص:3-6.
وقال تعالى:) إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( القصص:8. فشمل I الجنود مع فرعون، ووزيره هامان وعدهم جميعاً خاطئين مجرمين .
ومما يدل على دخول الجنود المستضعفين صغار الشأن مع الطواغيت المستكبرين في الأرض في الوعيد والعذاب قوله تعالى:) ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعضٍ القول يقول الذين استُضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين .قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين . وقال الذين استُضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً وأسروا الندامة لما رأوا العذابَ وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يُجزون إلا ما كانوا يعملون ( سبأ: 31-33.
فتأمل هذا الحوار وهذا البراء الذي يحصل بين الجنود المستضعفين وبين الطواغيت المستكبرين، وكيف أنهم جميعاً شركاء في الكفر والعذاب ..!!
فيا عبد الله هلاَّ تبرأت من الطواغيت ومن عسكرهم وجيوشهم قبل أن تتبرأ منهم في ذلك الموقف العصيب، يوم لا ينفعك تبرؤك منهم، ولا الندم على ما فاتك من جهادهم والبراء منهم .. !
هلاّ آثرت الله تعالى ورضوانه على هؤلاء الطواغيت ..!!
هلاَّ آثرت جنانٍ عرضها كعرض السماوات والأرض، على الدراهم اليسيرة التي تُعطاها من هؤلاء الطواغيت .. هلاَّ فعلت ذلك قبل أن يقع الندم ولات حين مندم ؟!!
إني لك ناصح، وعليك مشفق من عذاب يوم عظيم .. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل، فيقول: يا رب هذا قتلني، فيقول الله له: لمَ قتلتَهُ ؟ فيقول قتلتُه لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي . ويجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول: إن هذا قتلني ؟ فيقول الله له: لمَ قتلته ؟ فيقول: لتكون العزة لفلان، فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه "([14]).
واحذر من أن تكون ممن عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:" سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله "([15]). نعوذ بالله من غضبه وسخطه، ونبرأ إليه تعالى من جميع الطواغيت الأنداد ظاهراً وباطناً، اعتقاداً وقولاً وعملاً .
3- من عادة كثير من البلدان التي تحترم نفسها أن لا تتدخل جيوشها في أي صراع أو خلاف يحصل بين الشعب وشخص الحاكم، بخلاف بلادنا فإن الجيوش طرف مباشر مع الطاغوت الحاكم ـ فلهذا رُبيت ولهذا أنشئت ـ فلأدنى خلاف يحصل بين الأمة والحاكم .. فإن هذه الجيوش سرعان ما تنزل إلى الشارع وتترجل بكامل عتادها وأسلحتها لتعرض عضلاتها على الناس، وتقول لهم نحن موجودون وجاهزون لارتكاب المجازر وانتهاك الحرمات ..!
إذاً هي طرف شريك ومباشر للطاغوت وجرائمه، وبخاصة منها تلك الفصائل المنتقاة التي تسمي نفسها بحراس القصور، أو حراس الثورة وغير ذلك .. فهذه وظيفتها وعملها أن تستميت في الدفاع عن القصور وساكنيها من الطواغيت المجرمين .. وإن أدى ذلك إلى دمار البلاد وإبادة الشعب بكامله!!
4- ما تقدم لا يمنع ـ بل هو الواجب ـ أن يوجه أولاً النصح لهذه الجيوش، ويُبين لها وجهة الحق وتُدعى إليه .. ولكن ما حيلة الأمة إن قابلت تلك العصابات من الجيوش هذا النصح وهذه الدعوة الراشدة بالاستخفاف والاستهزاء، وأبت إلا أن ترتكب المذابح والجرائم بحق الشعب الأعزل، وتكون في صف الطاغوت تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه ..؟!
ما حيلة الأمة عندما توضع بين خيارين لا ثالث لهما: إما العبودية والذل، والرضى بالكفر وشرائعه، وانتهاك الحرمات وضياع الحقوق .. وإما الدفاع عن دينها، وحرماتها، ووجودها، ومقدساتها ..؟!
لا شك أن جواب النقل والعقل يلزم الأمة بوجوب الدفاع عن دينها ومقدساتها وحرماتها ووجودها ..!
بل إن أي أمة من الأمم الأخرى التي نعايشها في هذا الزمان لو تعرضت ثوابتها إلى الاهتزاز أو الخطر، أو تمر ببعض ما تمر وتتعرض له أمة الإسلام في هذا الزمان، لما اختارت إلا الخروج والقتال والدفاع عن النفس والوجود ([16]) !
5- يبدو للوهلة الأولى أن خيار جهاد الطواغيت وجنودهم خيار صعب ومكلف .. ولكن إن قيست تكاليفه بتكاليف وتبعات الطرق والخيارات الأخرى فإنها تعتبر أقلها كلفة، وأيسرها وأقربها طريقاً إلى النصر والتمكين والتغيير..!
ضريبة الجهاد وتكاليفه مهما عظمت، وكيفما كانت وعلى أي وجه جاءت فهي كلها خير وبركة، فالمجاهد شأنه دائماً أن يتقلب من نصر إلى نصر، ومن عز إلى عز؛ إما عزٌّ ونصر في ميادين الجهاد والقتال، وإما نصرُ الظفر بالشهادة والفوز بالنعيم وجنان الخلد .. وكلاهما خير!
أتكون تلك الأمم المتآكلة الهالكة بفسادها وكفرها وفجورها فيها حياة أكثر من أمة الخير والعطاء .. أمة الإسلام ؟!!
خيار الجهاد .. خيار كله ربح لا خسارة فيه أبدا([17]) !
بينما ضريبة خيار الدعة والذل والركون إلى الظالمين باهظة الثمن والتكاليف؛ فهي ضريبة تكلف أصحابها كل ما يملكون من دينٍ وعِرض، وأرضٍ، ومال، وكرامة، وعزة ورجولة .. غير الخزي والعذاب الأليم ـ وهو أشد وأنكى ـ الذي ينتظرهم يوم القيامة!
تأمل واقع الأمة في هذا الزمان، تأمل واقع الشعوب الذين تخلوا عن الجهاد في سبيل الله تعالى وآثروا الدعة والركون إلى الظالمين .. تأمل واقعهم وكم هي الضريبة الباهظة التي يقدمونها في سبيل الطاغوت ومع ذلك فهو لا يرضى عنهم، يريد منهم المزيد والمزيد ..!
تأمل هذا الذل والهوان الذي أصاب الأمة .. شرذمة قليلون من عصابات يهود نصفهم من النساء يذلون ويهزمون جيوشاً ـ تخلت عن الإسلام والجهاد! ـ يتجاوز تعداد أفرادها الملايين ..!
تأمل المجازر البشعة التي يرتكبها الصهاينة ـ في هذه الأيام ـ بحق الشعب المسلم في فلسطين .. ثم تأمل موقف جيوش العرب والمسلمين الجبانة الذليلة والتي تكتفي بعبارات الشجب والاستنكار، والإصرار بعناد وشجاعة وعقل متفتح، على السلام والاستسلام ..!!
وهذا هو المراد من قوله تعالى:) إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ( محمد:7.
وهو المراد كذلك من قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس:" احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك " .
أمة تكالبت عليها الأمم من كل حدَب وصوب .. الكل ينهش منها ما يريد ومن دون أن يحسب لها أدنى حساب، أو يُلقي لها أي اعتبار ..!
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول:" يوشك الأمم أن تداعى عليكم ـ أي تتجمع وتتكالب ـ كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ ؟ قال بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال:يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت "([18]).
وقال صلى الله عليه وسلم:" ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب "([19]).
وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "([20]).
فأي ذل وأي عذاب هذا الذل والعذاب الذي تعيشه الأمة .. كل ذلك بسبب تخليها عن خيار ومبدأ الجهاد في سبيل الله، وركونها إلى الدنيا وكنف الطواغيت الظالمين !
وفي هذا يقول سيد قطب رحمه الله: إن تكاليف الخروج من العبودية للطاغوت والدينونة لله وحده ـ مهما عظمت وشقت ـ أقل وأهون من تكاليف العبودية للطواغيت؛ إن تكاليف العبودية للطواغيت فاحشة مهما لاح فيها من السلامة والأمن والطمأنينة على الحياة والمقام والرزق .. !
إنها تكاليف بطيئة طويلة مديدة، تكاليف في إنسانية الإنسان ذاته؛ فهذه الإنسانية لا توجد والإنسان عبد للإنسان ..!
وأي عبودية شر من خضوع الإنسان لما يشرعه له إنسان ؟ وأي عبودية شر من تعلق قلب إنسان بإرادة إنسان آخر به، ورضاه أو غضبه عليه ..؟!
وأي عبودية شر من أن يكون للإنسان خطام أو لجام يقوده منه كيف شاء إنسان ؟!
على أن الأمر لا يقف عند حد هذه المعاني الرفيعة .. إنه يهبط ويهبط حتى يكلف الناس في حكم الطاغوت أموالهم التي لا يحميها شرع ولا يحوطها سياج . كما يكلفهم أولادهم إذ ينشئهم الطاغوت كما شاء على ما شاء من التصورات والأفكار والمفهومات والأخلاق والتقاليد والعادات فوق ما يتحكم في أرواحهم، فيذبحهم على مذبح هواه، ويُقيم من جماجمهم وأشلائهم أعلام المجد لذاته والجاه ..!
ثم يكلفهم أعراضهم في النهاية .. حتى لا يملك أب أن يمنع فتاته من الدعارة التي يريدها بها الطاغوت، سواء في صورة الغصب المباشر ـ كما يقع على نطاق واسع على مدار التاريخ ـ أو في صورة تنشئتهن على تصورات ومفاهيم تجعلهن نهباً مباحاً للشهوات تحت أي شعار، وتمهد لهنَّ الدعارة والفجور تحت أي ستار([21]) .. والذي يتصور أن ينجو بماله وعرضه وحياته وحياة أبنائه وبناته في حكم الطاغوت من دون الله، إنما يعيش في وهم، أو يفقد الإحساس بالواقع ..!
إن عبادة الطواغيت عظيمة التكاليف في النفس والعِرض والمال .. ومهما تكن تكاليف العبودية لله، فهي أربح وأقوم حتى بميزان هذه الحياة، فضلاً عن وزنها في ميزان الله ا-هـ .
نريد مما تقدم أن نقول لهؤلاء الذين يضخمون تبعات الجهاد في سبيل الله، وينفرون الأمة منه .. وفروا عليكم جهودكم وطاقاتكم .. لقد غششتم وما نصحتم .. إن ما تدعون إليه الناس من الذل والهوان والركون إلى الظالمين، وترك الجهاد .. لهو أغلظ وأشد كلفة وضريبة على البلاد والعباد .. وأن الذي فررتم منه وخشيتموه على أنفسكم وقعتم في أضعاف أضعافه !!
6- اعلم أن أشد فتنة على العباد والبلاد هي فتنة الشرك والكفر .. لا تعلو فتنة الكفر فتنة .. ولا ظلم الشرك ظلم .. فكل الفتن تصغر وتهون أمام فتنة الشرك .. وكل فتنة تُحتمل في سبيل إزالة الفتنة الأكبر؛ ألا وهي فتنة الشرك والكفر ..!
فالقتال وإن كانت تترتب عليه بعض المشاق والآلام والفتن .. إلا أنها كلها تهون في سبيل إزالة فتنة الكفر والشرك .
فالإسلام جاء بقاعدة ذهبية عظيمة عليها مدار كثير من أحكام الشريعة، وهي: دفع الضرر الأكبر بتحمل الضرر الأصغر، ودفع أكبر المفسدتين والشرين بأقلهما مفسدة وشراً .
قال تعالى:) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ( الأنفال:39. والفتنة هنا يراد بها الكفر والشرك .. فشرَع الله تعالى القتال على ما يترتب عليه من آلام وزهق للأرواح من أجل أن لا يكون شرك أو كفر؛ لأن استعلاء كلمة الشرك على البلاد والعباد لهو أشد فتنة وضرراً على العباد من القتل والقتال .
كما قال تعالى:) والفتنة أشد من القتل ( البقرة:191. وقال تعالى:) والفتنة أكبر من القتل ( البقرة:217. أي الشرك أشد وأكبر من القتل .
قال ابن كثير في التفسير: ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال نبه تعالى على أن ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله أبلغ وأشد وأعظم وأطم من القتل، ولهذا قال:) والفتنة أشد من القتل (، قال أبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس في قوله) والفتنة أشد من القتل ( يقول: الشرك أشد من القتل ا-هـ .
قلت: وبخاصة إن كان هذا الشرك يأتي من جهة الردة والمرتدين .. فحينئذٍ تكون فتنته مغلظة ومركبة .
والشاهد مما تقدم: عند الحديث عن الفتنة والفتن لا بد من مراعاة ذلك، وبيان أن الشرك فتنة لا تعلوه فتنة .. وأن ما يترتب على الجهاد من قتل وقتال لا يمكن أن يوازي فتنة الكفر والشرك!
وهؤلاء الذين يكثرون من الحديث عن الفتنة والفتن وبخاصة كلما أثير موضوع الجهاد في سبيل الله .. لا بد من أن يتنبهوا إلى أن سكوتهم عن الشرك، وتعايشهم معه من غير إنكار هو عين الفتنة، وقد وقعوا فيها من كل جهاتها ..!
عندما يستهينون بالكفر والشرك الصادر عن الطغاة الآثمين، ويسكتون عنه ـ رهبة أو رغبة ـ ولا يحذرون العباد منه، يكونون بذلك ممن رضوا بالفتنة ووقعوا فيها ..!
عندما يثبطون الأمة عن الجهاد بحجة اجتناب الفتنة .. يكونون بذلك قد وقعوا في الفتنة، وصاروا دعاة إلى الفتنة ..!!
وعليهم وعلى أمثالهم يُحمل قوله تعالى:) ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ( التوبة:49. هؤلاء استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجهاد في سبيل الله خشية الوقوع في الفتنة، فأجابهم الله تعالى بقوله:) ألا في الفتنة سقطوا (، أي بسبب تركهم الجهاد وقعوا في الفتنة
التي زعموا الفرار منها ..!
هؤلاء سقطوا في الفتنة بسب أنهم تركوا الجهاد بعد استئذان .. فكيف بالذي يترك الجهاد بلا استئذان .. كيف بمن يثبط الأمة عن الجهاد وينفر العباد عنه على أنه فتنة .. كيف بمن يستعدي الجهاد والمجاهدين .. لا شك أنه أولى بالفتنة من أولئك الذين استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم .
إلى هنا نكون قد انتهينا من الإجابة على المسألة الآنفة الذكر، لننظر ـ بإذن الله ـ إلى المسألة التي تليها .
ـ المسألة الثالثة: أيهما أولى أولاً أن تنصرف الأمة إلى جهاد المرتدين الممثلين في طواغيت الحكم وأعوانهم من الظالمين، أم إلى قتال وجهاد الكفار الأصليين، كجهاد اليهود في فلسطين ونحوهم ..؟!
يُطرح هذا السؤال من جهات وأطراف عدة؛ منها من يطرحه استرشاداً وطلباً للحق، ومنها ـ وهم الأكثر ـ من يطرحونه ابتغاء الفتنة والتفريق بين المسلمين ..!
تذرعوا بالجهاد في فلسطين أولاً .. فقالوا كلمة حقٍّ أرادوا بها باطلاً؛ فلا هم جاهدوا في فلسطين، ولا هم جاهدوا المرتدين المتسلطين ..!
ونلخص الجواب على هذا السؤال في النقاط التالية:
1- اعلم أن كفر الردة أغلظ من الكفر الأصلي من وجوه عدة، قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى28/534: قد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة: منها أن المرتد يقتل بكل حال، ولا يضرب عليه الجزية، ولا تعقد له ذمة، بخلاف الكافر الأصلي . ومنها أن المرتد يقتل وإن كان عاجزاً عن القتال بخلاف الكافر الأصلي الذي ليس هو من أهل القتال، فإنه لا يُقتل عند أكثر أهل العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد . ومنها أن المرتد لا يرث ولا يُناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلي، إلى غير ذلك من الأحكام .
وبهذا يتبين أن من كان معهم ـ أي التتار ـ ممن كان مسلم الأصل هو شر من الترك الذين كانوا كفاراً؛ فإن المسلم الأصلي إذا ارتد عن بعض شرائعه كان أسوأ حالاً ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع ا-هـ .
2- أما أيهما يُقدم جهادهم أولاً: الكفار الأصليون، أم المرتدون ..؟
أقول: إن أمكن جهادهما معاً فهذا أحسن وأبلغ في النكاية بالطرفين، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين أرسل جيش أسامة رضي الله عنه ـ الذي كان قد أعده النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ـ لقتال الروم .. وبنفس الوقت أعد الكتائب وأرسلها لمواجهة حركات الردة التي حصلت وقتئذٍ لبعض قبائل العرب .
أما إن حصل عجز عن مواجهة الطرفين معاً وكان لا بد من تقديم أحدهما على الآخر، فإنه يُنظر إلى أيهما أشد خطراً على الإسلام والمسلمين فيبدأ به أولاً.
فإن استويا في الخطر على الأمة قُدم قتال المرتدين على الكفار الأصليين لما تقدم بيانه من أن كفر الردة أغلظ وأشد من الكفر الأصلي، ولكون المرتدين ـ في الغالب يكونون ـ ألصق العدوين وأقربهما إلى المسلمين .. والله تعالى أعلم .
3- ما يخص جهاد الصهاينة اليهود في فلسطين المسلمة هو واجب وفرض عين على كل
مسلم في العالم ـ كل بحسب استطاعته ـ قدر على جهادهم والنيل منهم، لا يجوز أن يؤخر ذلك مؤخر .. وهذا لا يمنع من أن نشير ـ وهو ما يعلمه الجميع ـ أن عصابات الردة الحاكمة في بلاد الطوق وغيرها من البلاد العربية يعملون بشراسة وإخلاص ككلاب حراسة أوفياء وعلى مدار الساعة لمنع تسرب أي عمل جهادي ضد الصهاينة اليهود، سواء هذا العمل كان على مستوى الجماعات أو الأفراد .. فضلاً عن أن يكون على مستوى الشعوب أو الدول!!
وهذه حقيقة جاثمة لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها عند التفكير أو العمل بجد من أجل تحرير فلسطين كامل فلسطين من أيدي المغتصبين الصهاينة الدخلاء ..!
وكل من يتجاهل هذه الحقيقة الظاهرة فهو لا يعيش الواقع، وهو كمن يريد أن يأتي البيوت من غير أبوابها التي تفضي إليها ..!!
لأجل ذلك كله نؤكد على ضرورة وأهمية جهاد هذه العصابات المرتدة الحاكمة في بلاد المسلمين، وإعطائها الأولوية في أي عمل جهادي هادف وراشد.
4- من الأزمات الفكرية والعقدية التي تعيشها كثير من الجماعات العاملة للإسلام في هذا الزمان عقدة التفريق بين العدو الخارجي، والعدو الداخلي ..!
فالعدو الخارجي يجب جهاده بكل ما يملكون من أسباب القوة ويلقى عند القوم كل حماس .. بينما العدو الداخلي ـ مهما اشتد كفره وعداؤه للأمة ـ لا يجوز جهاده ولا حتى مجرد التفكير بمقاومته ورده عن عدوانه وإجرامه ..!
فهم لا يستطيعون أن يستسيغوا وجود سوري يقاتل سورياً آخر، أو مصري يُقاتل مصرياً، أو فلسطيني يُقاتل فلسطينياً آخر .. وإن كان هذا الآخر أكفر من اليهود والنصارى، وشره على البلاد والعباد أشد وأغلظ من شر اليهود والنصارى ..؟!!
وهذه مشكلة ضخمة ـ لها مساس بالعقيدة والتوحيد ـ لا بد من تجاوزها وحلها أولاً إن أردنا لهذه الأمة أن تنهض من كبوتها وتستأنف حياتها الإسلامية من جديد، وأن تُسترد الحقوق المغتصبة لأهلها وأصحابها الحقيقيين .
وهي مشكلة كذلك تدل على أن كثيراً من العاملين لهذا الدين في هذا العصر لم يعرفوا بعد حقيقة وطبيعة هذا الدين العظيم، فضلاً عن أن يرتفعوا إلى مستوى متطلبات النهوض بتبعاته وواجباته العامة ..!!
ـ المسألة الرابعة: هل يستلزم من قتال عصابات الردة الحاكمة، اعتبار البلاد التي يحكمونها بلاد ردة، والتعامل مع أهلها على أنهم مرتدون ..؟!!
الجواب: لا يستلزم من قتال عصابات الردة الحاكمة اعتبار البلاد التي يحكمونها بلاد
كفر وردة، كما لا يستلزم اعتبار أهالي وسكان تلك البلاد مرتدين تُجرى عليهم أحكام الردة وتبعاته .. فلا هي الديار التي يُحكم لها بالإسلام على الاطلاق التي تُطبق فيها أحكامه وشرائعه، ولا هي بالديار التي يُحكم عليها بالكفر أو الردة، وإنما هي ديار من نوع آخر لا إلى هذه ولا إلى تلك؛ حيث فيها ما يُجرى عليه أحكام الكفر والردة؛ وهم ممثلون في العصابات الحاكمة وأعوانهم الظلمة .. وفيها ما يُجرى عليه حكم الإسلام وهم عامة الناس من المسلمين .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن بلدٍ اسمها " ماردين " فيها النوعين: فيها المرتدون وهم العسكر المتسلطون، وفيها المسلمون وهم عامة أهاليها، وهي تشبه كثيراً بلاد المسلمين في هذا العصر .. هل هي بلاد كفر وردة أم أنها دار إسلام وأمان .. ؟
فأجاب رحمه الله: الحمد لله، دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها .. والمقيم بها إن كان عاجزاً عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه، وإلا استحبت ولم تجب .
ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك، بأي طريق أمكنهم، من تغيب أو تعريض أو مصانعة، فإذا لم يكن إلا بالهجرة تعينت .
ولا يحل سبهم عموماً ورميهم بالنفاق، بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة، فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم .
وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان: ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويُقاتَل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه([22]) ا-هـ .
وبعد، إلى هنا نكون ـ بفضل الله ومنته ـ قد انتهينا مما أردنا بحثه وبيانه من مسائل هامة تتعلق بأنظمة وجيوش الأمة .. راجين من الله تعالى لهذا العمل وكل عمل القبول في الأرض وفي السماء، وأن ينفع به البلاد والعباد، وأن يجعل منه مفتاح خيرٍ مغلاق شر .. إنه تعالى سميع قريب .
وإني لأعترف بوعورة الطريق وصعوبة المسائل التي تمت مناقشتها وبحثها في هذا المبحث الهام الموجز، ولولا إحجام كثير من أهل العلم والاختصاص عن الخوض فيها رغم الحاجة الماسة إلى بيان موقف الشرع منها، والخوف من أن يلحق بنا إثم كتمان العلم .. لما تجرأنا على الخوض في غمارها، ولا استشرفنا تحمل تبعات هذه الكلمات التي ستثير طواغيت الأرض علينا، ولرضينا بما يقوله مشايخنا وأساتذتنا ..!
هذا البحث دعوة صادقة لأصحاب الأقلام المميزة النظيفة التي لا تعبأ بلوم الطواغيت الظالمين .. إلى أن يُعنوا هذه المسائل الهامة اهتمامهم، ويُعطوها الأولوية من أعمالهم للحاجة الماسة إليها، ولقلة الأبحاث التي تناولتها .. !
هو دعوة للحوار الهادف بين أهل العلم والاختصاص عسى أن يتمخض عنهم من الخير ما ينفع الله به الأمة، مما قد خفي علينا، ولم نذكره في بحثنا هذا .. وهو لا شك أنه كثير.
ورجاؤنا منهم أن لا يترددوا في نصحنا والكتابة إلينا .. فالتقصير موجود، والزلل موجود .. وعزاؤنا أننا بذلنا جهدنا المستطاع، وأردنا من ذلك كله نصح الأمة إبراءً للذمة .. فإن أصبت فمن الله تعالى وحده، وله المنة والفضل والحمد، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه.
وصلى الله على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
4/8/1421هـ . عبد المنعم مصطفى حليمة
1/11/2000 م . أبو بصير
[1] أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، السلسلة الصحيحة:491.
[2] على سبيل المثال ـ والأمثلة كثيرة ـ ما حصل مؤخراً في الأردن؛ فإن العالم والناس أجمع يعلمون ويتوقعون أن يكون ولي العهد بدلاً عن الملك حسين أخوه الحسن، حيث ظل أكثر من ثلاثين سنة وهم يخاطبونه بولي العهد، والأمير المحبوب .. ولكن لما كان ولده عبد الله الحاكم الحالي مرضي عنه من قبل أمريكا واليهود والغرب الصليبي أكثر من الآخر، ويمكن من خلاله تمرير المصالح الأمريكية واليهودية والغربية أكثر من الآخر، كان لا بد من اختياره ملكاً وحاكماً على البلاد والعباد، وإخراج ولي العهد السابق كلياً من دائرة الحكم أو التأثير على القرار .. علماً أن الأول لا يحق له من ناحية دستورهم وقوانينهم أن يكون ملكاً لأن أمه إنكليزية .. ولكن لما تصطدم هذه الدساتير والقوانين ـ في مرحلة من المراحل ـ مع مصالح أمريكا والصهاينة وغيرهم من قوى الاستكبار العالمي فإنه يسهل تغيير تلك الدساتير والقوانين إلى دساتير وقوانين أكثر تلائماً وانسجاماً مع مصالحهم وأهدافهم ..!!
ولما علم الآخر بالموقف الأمريكي والصهيوني والغربي هذا نحوه، فما كان منه إلا أن يرضى ويُسلم للإرادة الدولية من دون أن يقول حتى كلمة اعتراض أو لماذا؛ لعلمه باللعبة الدولية، وأن أي حاكم في المنطقة لا بد أولاً من أن تتم الموافقة عليه من تلك السلطات الاستعمارية المتنفذة في العالم !!
وهو نفسه لو وافقت عليه أمريكا ودول الغرب الصليبي .. ثم أن الشعب الأردني كله قال له: أمَّا نحن لا نريدك حاكماً علينا .. لما تردد لحظةً في أن يبيدهم بآلته العسكرية المعدة مسبقاً لمثل هذه الطوارئ والحالات !!
[3] كما حصل ويحصل في الجزائر، وتونس، ومصر، وتركيا وغيرها من الأمصار، انظر إن شئت كتابنا " حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية " .
[4] هذه الصفات الآنفة الذكر تتفاوت الجيوش المعاصرة فيما بينها من حيث الاتصاف بها، فليسوا كلهم سواء في هذه الصفات وبنفس الدرجة .. لكن إن عُدمت صفة في جيش من الجيوش توفرت فيه الأخرى، فكل جيش له ما يميزه من شارات الطغيان والكفر، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
[5] على سبيل المثال لا الحصر ما قام به الجيش المغوار السوري من تدمير لمساجد مدينة حماه التي يزيد تعدادها عن المائة مسجد بعضها لها امتداد تاريخي حتى العهد الأموي، في مجزرة حماه المشهورة والتي ذبحوا فيها ـ بآلتهم العسكرية ـ في ليلة واحدة ما يزيد عن عشرين ألف مسلم بينهم كثير من الأطفال والنساء، لا ذنب لهم سوى أنهم يقولون ربنا الله ..!!
[6] مجموع الفتاوى:28/504 .
[7] إن قلت هذا التعميم فيه ظلم وتشدد .. أقول لك لكي تعرف مصداق ذلك: ادخل جميع الدول العربية وغيرها من الدول التي تسمي نفسها إسلامية بجواز سفر يُعرِّف عنك أنك عربي أو مسلم، ثم ادخل إليهم مرة ثانية بجواز سفر آخر يُعرِّف عنك أنك أمريكي أو أوربي ثم انظر الفارق الكبير في المعاملة، والاحترام والتبجيل والتسهيلات التي تُعطاها .. بين دخولك إليهم كمسلم، وبين دخولك إليهم كإنسان أمريكي أو أوربي لا يُعرف لك دين .. حينئذٍ ستدرك صدق وصواب ما أثبتناه عن القوم أعلاه !!
كذلك لو ألقيت إطلالة سريعة على السجون الموجودة في تلك الدول .. لما وجدت سجيناً واحداً اعتقل بسبب كفره وشركه أو ارتداده عن الدين وما أكثرهم في البلاد .. بينما تجد مئات المسلمين من العلماء والدعاة إلى الله تعالى تكتظ بهم السجون، ويُعاملون أسوأ معاملة ..!!
[8] الأمثلة على ذلك كثيرة وهي مشاهَدة على مدار الساعة، ولكن نضرب مثالاً ما يحصل في هذه الأيام من مجازر وانتهاكات بحق الشعب المسلم في فلسطين، وما يحصل من اعتداءات سافرة على المقدسات وبخاصة منها مسجد الأقصى مسرى النبي صلى الله عليه وسلم .. فكل هذه المجازر والانتهاكات السافرة لحقوق العباد والمقدسات فهي لا تستدعي مثلاً من الدولة المصرية أن تسحب سفيرها من دولة الصهاينة المحتلين ..!!
ولكن لو أخطأت دولة الصهاينة وقالت في وسائل إعلامها عن حسني مبارك مثلاً: إنه حمار لا يفهم .. فقط هذه العبارة، فهي كافية لاستدعاء سفير مصر، وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وغيرها من العلاقات مع دولة الصهاينة، ولن يهدأ الحال إلا بعد أن تعتذر حكومة الصهاينة عن مقولتهم تلك بطريقة رسمية وعبر وسائل إعلامهم، وربما لا يهدأ .. كل هذا من أجل تلك المقولة التي قيلت في حق طاغوت مصر، أما أن يُباد شعب بكامله فهذا أمر فيه نظر، يستدعي من القوم إظهار المرونة بعقل متفتح وصدر منشرح ..!!
وفي هذه الأيام كذلك قد طالعتنا نشرات الأخبار بأن ليبيا تسحب سفيرها من لبنان اعتراضاً على حفل عشاء رسمي أقامته الحكومة اللبنانية لم يُدعى إليه سفير ليبيا .. فعدت ذلك انتقاصاً لشخص السفير، ولشخص طاغوت ليبيا مما دعى الأمر إلى هذه الحرب والمقاطعة الديبلوماسية .. فتأمل كيف تُحدد المواقف في دول الطواغيت وعلى أي أساس يُعلن الحرب أو السلم !!
[9] إن وجد بعض الالتزام في بعض الجيوش المعاصرة هو التزام فردي، وليس التزاماً على مستوى أنظمة الجيوش يخضع لها الكبير والصغير، وهي ـ أي هذه الجيوش ـ متفاوتة فيما بينها من حيث حدة موقفها تجاه من يؤدي بعض الواجبات الدينية، فمنها من يعتبر الصلاة مثلاً تهمة تعرض صاحبها للمساءلة وربما إلى السجن والطرد من الخدمة وصاحبها يكون تحت المراقبة، وقد يُصنف أنه من الإرهابيين وهي أكثر الجيوش، ومنها من يعتبر أداء الصلاة التزاماً أخلاقياً حميداً لكن لا يأمرون بها الجنود ولا يلزمون بها الجميع فمن شاء أقام الصلاة ومن شاء تركها ولا حرج عليه كالجيش الباكستاني، والجيش اليمني، والجيش السوداني، وبعض جيوش دول الخليج العربي، ومنها من يفرضها على الجند ويلزم بها الجميع كالجيش السعودي فقط كما بلغني .. والله تعالى أعلم !
[10] لترغيب المسلمين المقيمين في أمريكا ودول الغرب في الانخراط في جيوش تلك الدول، يُعلنون في صحافتهم الرسمية أن المسلمين في جيوشهم يُسمح لهم بالصلاة وأداء جميع الشعائر التعبدية، ويُسهلون لهم كل ما يُعينهم على ذلك، كما أن لهم رعاية خاصة من حيث تأمين وجبات الطعام الحلال الخالية من لحم الخنزير وغير ذلك .. ولكن هل بتلك المعاملة ـ التي لا توجد في كثير من بلادنا وجيوشنا ـ تصبح تلك الجيوش جيوش إسلامية تجوز المشاركة فيها .. ؟! الجواب يعرفه القاصي والداني: بأن .. لا ..!!
لذا فإن أثر هؤلاء على عقيدة الناس وعلى تفكيرهم وتصورهم للأشياء لا يمكن إغفاله أو الاستهانة به عند الحديث عن الجهل وأسبابه ودواعيه .. وبخاصة في المسائل المشكلة المتشابهة كمسألتنا هذه !
لأجل ذلك ينبغي أن نتوقع أن عدداً كبيراً من الجنود حملهم على الخدمة في جيوش الطواغيت الجهل بحقيقة وأهداف هذه الجيوش، والفتاوى العديدة التي سمعوها من هنا وهناك التي تقول لهم: لا عليكم، فأنتم مرابطون ومجاهدون في سبيل الله ..!!
ومثل هؤلاء من السلامة والتقوى أن لا يُصدر حكم الكفر بأعيانهم قبل قيام الحجة عليهم وبيان الحق لهم .. هذا ما يقتضيه العمل بمجموع قواعد التكفير ذات العلاقة بالموضوع، وتطمئن إليه النفس .. والله تعالى أعلم .
[11] انظر بحث " حالات يجوز فيها إظهار الكفر "، وهو موجود في موقعنا على الإنترنت .
[12] وإن كنت أرى من السلامة والسياسة الشرعية أن لا يكون هؤلاء الجند هدفاً دائماً للمجاهدين إلا في حالة الدفاع عن النفس، وأن يكون العمل كله موجهاً إلى رؤوس الكفر وأئمة الطغيان أصحاب القرار .. وبخاصة إن كان هذا الجيش يكثر فيه المسلمون من أهل الأعذار، وقد تقدمت صفتهم وأعذارهم .
[13] على التفصيل المتقدم الذي يبين من يُعذر من الأفراد ممن لا يُعذر .
[14] صحيح سنن الترمذي: 3732.
[15] أخرجه الطبراني والحاكم، صحيح الجامع:3666.
[16] تأمل مثلاً لو تعرضت بريطانيا أو غيرها من الدول الأوربية إلى انقلاب عسكري من قبل حفنة من الضباط، ثم ألغوا الأحزاب والحريات فيها، وغلقوا الصحف، وزجوا بالمعارضين لهم في غياهب السجون .. وأرادوها ديكتاتورية شيوعية صريحة بدلاً من الديمقراطية التي تُعد من ثوابت القوم، أترون أن الشعب سيرضخ لهم، ويقبل بهذا التغيير الطارئ المخالف لما يرونه من الثوابت .. أم أنهم سيخرجون إلى الشوارع لإسقاط هذه الحفنة من الضباط، وإن أدى الأمر إلى القتال واستخدام القوة والسلاح ..!
ثم إذا كان خيار استخدام القوة مباحاً وحلالاً لبقية الشعوب عندما تتعرض ثوابتهم للخطر أو التغيير، ويُعتبر ذلك حق مشروع لهم .. فعلام يكون ذلك محرماً وممنوعاً على أمة الإسلام .. ولو قامت بما يجب من الدفاع عن النفس وعن الثوابت والحرمات عُد ذلك عملاً إرهابياً وغير متحضر ..؟!!
كل الشعوب لها كامل الحق في أن تدافع عن نفسها وعن وجودها .. إلا المسلمين لا يحق لهم أن يُدافعوا عن أنفسهم ودينهم ووجودهم .. !!
[17] أيما خسارة أو انتكاسة حقيقية تصيب العمل الجهادي أو الحركات الجهادية .. هي ليست بسبب اختيار طريق ومبدأ الجهاد في سبيل الله، وإنما هو بسببٍ من أنفسنا ومن أنفس العاملين في ميادين الجهاد، بسبب التقصير أو الانحرافات والتصورات الخاطئة التي تصيب العمل الجهادي والعاملين في ميادين الجهاد .. فحينئذٍ تأتي النتائج بخلاف التوقعات وبخلاف ما نرجو ونريد .. وذلك أن الله تعالى لا يُحابي أحداً من خلقه، فهو I جعل للنصر والتمكين سنناً من أخذ بها وسلك طريقها وصل وظفَر، وحقق الله على يديه ما يشاء من النصر والتمكين .. وإن تنكبها ولم يلتزم بها انقلبت النتائج عليه وعلى من معه بما لا يحمد عقباه .. كما هو ملاحظ في كثير من التجارب الجهادية المعاصرة ..!
[18] أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة:958 .
[19] أخرجه الطبراني، سلسلة الأحاديث الصحيحة:2663 .
[20] أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة:11 .
[21] في بعض الأنظمة العربية المعاصرة تؤخذ البنت ـ في المرحلة الابتدائية ـ بالقوة بعيداً عن أهلها ولأسابيع عدة في معسكرات مختلطة يسمونها معسكرات الطلائع .. وفي مرحلة الإعدادية والثانوية يؤخذن الفتيات كذلك في معسكرات مختلطة يسمونها معسكرات اتحاد شبيبة الثورة .. يُنشئوهن على الفسق والفجور، وعبادة وتمجيد الطاغوت .. لا يملك الآباء الجرأة في أن يقولوا كلمة اعتراضٍ واحدة في ذلك، فضلاً عن أن يقدروا على منع بناتهم عن هذا الكفر والفجور .. فتأمل!!
[22] الفتاوى: 28/240 .